النعام يعود إلى الصحراء العربية

النعام يعود إلى الصحراء العربية

كثيرة هي الحيوانات والطيور التي وصلت إلى حد الانقراض النهائي في المنطقة العربية ابتداء من مطلع القرن الحالي عندما دخلت السيارات والأسلحة النارية إلى المواجهة غير المتكافئة بين الإنسان الصياد من جهة والحيوانات والطيور البرية من جهة أخرى.

ولولا أن بعض الأجهزة الحكومية والشعبية أخذ يقرع نواقيس الخطر في العقدين الماضيين لكنا فقدنا العديد من الأنواع النادرة.

وليس طائر النعام المستوطن في صحاري شبه الجزيرة العربية والذي جريه يغازل همس الريح سوى واحد من تلك الأنواع التي لامست بالفعل حد الانقراض ولولا أن هيئات عدة في بلدان عربية مثل عمان والسعودية والكويت وقطر والأردن قد أسرعت إلى تطبيق برامج عاجلة لحمايته وتفريخه وتخصيص محميات له تقيه العوامل البشرية والبيئية في الوقت نفسه، لكانت طوت سيرته انطفاءة وسكون.

ويذكر أن آخر مرة شوهد فيها هذا الطائر في منطقة التوضيحية كانت بين الرياض والمنطقة الشرقية، وكما ذكر كذلك أنه شوهد في منطقة البسيطاء شمال المملكة العربية السعودية، وكذلك ذكر أنه قد شوهد أيضا في أرض مدينة معان بالأردن عام 1966م.

لقد خطت البلاد العربية خطوات واسعة لإعادة توطين النعام في بيئاته الأصلية، إلا أن تحقيق الهدف المنشود ليس سهلا لأن تربية النعام تحتاج الى أبحاث مضنية تشمل الوراثة والتقنية والسلوك، بالإضافة إلى ذلك تتطلب إعادة النعام إلى أحضان الطبيعة التي عاش فيها توعية المجتمع توعية بيئية شاملة وهذا يتطلب وضع برامج تحتاج إلى كثير من الوقت والجهد والمال.

والنعام أكبر طائر على وجه الأرض واسمه اللاتيني STRUTHIO CAMELUS ويتبع فصيلة صغيرة باسم RATITAE أو الطير الذي يجري.

فالنعام طائر لا يطير. رغم اعتقاد بعض المختصين بأن النعامة قد انحدرت من أشكال طائرة، ومما يدل على ذلك تركيب جناحيها واكتمال ريشها، لكنها فقدت قدرتها على الطيران تدريجيا بسبب زيادة وزنها مما أدى إلى ضمور عضلات الأجنحة لديها واختفاء القص من عظام صدرها.

ويعتقد باحثون آخرون أن عدم وجود أعداء طبيعيين للنعامة يرغمونها على الهرب إلى الجو، أو بسبب قدرتها على الدفاع عن نفسها دون اللجوء إلى الطيران أدى إلى ضمور عضلات أجنحتها.

تعد النعامة من أكبر تعد النعامة من أكبر الطيور التي لا تزال تعيش على كوكبنا، إذ يبلغ ارتفاعها حوالي مترين ونصف المتر وتزن أكثر من "150" كغ، ويتميز ذكر النعام البالغ بريشه الأسود ببياض ذيله وجناحيه أما لون ريش الانثى فهو بني أو رمادي متجانس، وللنعامة رقبة طويلة خالية من الريش ولكنها مكسوة بزغب أبيض يشبه الشعر، ورأسها صغير مقارنة مع جسمها الضخم، ومنقارها قوي مفلطح وكبير، وعيناها واسعتان، وساقاها طويلتان تنتهيان بأصبعين ضخمين والنعام هو الطائر الوحيد الذي له أصبعين مقارنة مع الطيور الأخرى التي لها ثلاثة أصابع. وهذان الأصبعان هما اللذان يتحملان ثقل طائر النعام كله، أي أنهما نقاط ارتكاز الطائر على الأرض.

أرجل النعام متطورة بشكل جيد جدا، وتبدأ العضلات من نقطة تسمى "HEEL" الكعب. وهي تبدأ من ارتفاع حوالي 60سم عن سطح الأرض أعلى الساق. وهذه العضلة تحتوي على أفضل قطع اللحم في الطير. اضافة إلى أن هذه العضلة هي التي تعطي الطير السرعة والقوة، ورجل الطير هي سلاحه الخطير والقوي، الذي يستخدمه في الدفاع عن نفسه ضد أي خطر. وكما هو معروف فإن طائر النعام هو أسرع مخلوق يجري على قدمين، حيث تصل سرعة الطير الكامل إلى 60كم/ساعة، ويستطيع الطير المحافظة على سرعته لمدة تتراوح ما بين 10ـ 20 دقيقة مع ملاحظة أن المسافة بين القدمين عند الجري قد تصل إلى ما بين 6 ـ 8 أمتار عند الجري.

طائر النعام مخلوق غير ذكي فحجم الدماغ صغير جدا مقارنة بالحيوانات الأخرى، فوزن المخ يصل إلى 400 جم تقريبا، لذلك وصف العرب النعامة بالحمق لأنها إذا غادرت عشها لتلتمس طعاما ووجدت بيض نعامة أخرى فإنها تحضنه وتنسى بيضها، وقيل إنها إذا طاردها صياد دست رأسها في الرمل تاركة جسمها الضخم مكشوفا وهي تظن أن الصياد لا يراها، لكن هناك تفسيرا علميا هو أن طائر النعام لا يدفن رأسه في الأرض عنه في حالة الذعر أو الخوف، أي أنه ليس طائرا جبانا ولكنه يخفض رأسه بين رجليه ويمد رقبته على الأرض عند الحذر أو التربص.

آثار الأسر

وهكذا فإن لكل صفة من صفات جسم النعامة وظيفة تؤديها وهدفا تحققه، فحجمها الكبير يحول دون اقتراب المفترسات الصغيرة منها، كذلك طول رقبة النعامة وارتفاعها الكبير عن الأرض يساعدها على اكتشاف المفترسات من مسافة بعيدة، ومما يعزز قدرتها قوة حاسة البصر لديها، فالنعام يملك حاسة إبصار قوية جدا، فالعين محاطة بالرموش الطويلة والجفون، إضافة إلى جفن شفاف ثالث يحمي العين من الرمال. وبهذا تطمئن الحيوانات العاشبة عندما تكون النعامة على مقربة منها حيث تشكل لها إنذارا مبكرا، فما أن تضرب النعامة وتشرع بالركض حتى تدرك الحيوانات العاشبة من حولها قدوم خطر فتولي هي الأخرى هاربة.

ولا يمكن تحديد المخاطر التي يواجهها الإنسان من طير النعام، خصوصا في الأسر، ففي وقت الإخصاب نجد أن طير النعام وعلى الأخص الذكر يكون عدوانيا وشرسا، لهذا يجب معاملته بكل حرص وحذر وعدم إزعاجه أو إثارته والحذر خصوصا أثناء جمع البيض.

ومتوسط عمر الطير يتراوح بين 05 ـ 07 سنة ولا توجد سجلات لهذا الغرض في الماضي، لكن وجد في جنوب إفريقيا طير نعام مسجل سمّي "METHUSELAH" عاش إلى عمر 18 سنة كما هو مسجل لديهم.

وفي الوقت الحاضر هناك ثلاثة طرز رئيسية للنعام، وقد حاولت الهيئات الوطنية لحماية الحياة الفطرية في بلدان الخليج العربي إدخال النعام الأحمر المعروف بشراسته وعدم أقلمته، لكنه أنسب للحياة البرية لاستطاعته حماية نفسه، لكنه غير اقتصادي للدخول في المشاريع الاقتصادية نظرا لحاجته إلى وقت طويل للدخول في مرحلة الإنتاج وكذلك فإن عدد البيض لا يتجاوز "15 ـ 20" بيضة في السنة، ونسبة الإخصاب فيها قليلة جدا. إضافة إلى أن النعام الأحمر شديد الانزعاج وقد يحطم الأسيجة ويضر بالسكان والعمال.

أما الطراز الثاني فهو النعام الأزرق الرقبة، لكن أيضا إنتاجه متوسط الحجم وغير اقتصادي أيضا.

إلا أن المهتم بتربية الطيور في زمننا الحاضر لا يختار الطيور ليمتع ناظريه بل ينتقي القطعان التي تسعد محفظته، فاختير الطراز الثالث وهو النعام الإفريقي الاسود للدخول في مشاريع التربية المكثفة، ومن صفات هذا الطراز إخصاب الإناث في عمر "8" أشهر، ويمتد موسم البيض عندها من مارس إلى أكتوبر حيث تعطي فيه الأنثى من "50 ـ 100 بيضة"، وتتراوح مدة حضانة البيض ما بين 42 ـ 44 يوما، في حين أن الذكر يخصب في عمر 24 شهرا.

يصل ارتفاع صوص النعام الإفريقي الأسود عند التفقيس حوالي 30 سم ويزن "1" كغ، ينمو الصوص بمعدل 25 ـ 30 سم شهريا، ويصل إلى كامل حجمه خلال الشهور الأحد عشر الأولى من عمره. والعمر المناسب للذبح هو ما بين 12 ـ 14 شهرا حيث تكون الغلة الاقتصادية 35 ـ 45 كغ من اللحم و1.5 م2 من الجلد و"1" كغ من الريش.

فالهدف أن نصل بالتربية لإنتاج الطيور الجاهزة لإعطاء البيض، والتي تحمل الصفات الإنتاجية الممتازة، فمن خلال التجارب ثبت أن التربية المكثفة هي أفضل سبل الإدارة، وتكون للإدارة اليد الطولى في النتائج الجيدة من ناحية تخصيب البيض وحضانته ثم تفقيسه.

سباح بمعدة قوية

تتغذى طيور النعام النامية على العلائق الخضراء الورقية ويمكن للطير الواحد أن يتناول من 5،1 كغ ـ 3 كغ مع مراعاة تجنب تسمين الطيور زيادة على الحد اللازم، لأنها تحول الطير من إنتاج البيض إلى إنتاج الدهن في الجسم وهي الحالة غير المرغوب فيها في مشاريع النعام. لذلك يجب الاهتمام بنسبة الكربوهيدرات في العليقة ويلاحظ في المشاريع المكثفة الاهتمام بالعليقة الخضراء ويفضل التركيز على البرسيم الحجازي.

ويتمتع النعام بمعدة قوية قادرة على هضم أي غذاء تتناوله وكمعظم الطيور يبتلع النعام الحصي لتساعده على عملية الهضم، ولما كان النعام يعيش في بيئات جافة وشبه جافة ولا يتوفر له الماء بشكل دائم فقد تكيفت أعضاؤه للاستفادة من الماء الموجود في غذائه والاستغناء عن شرب الماء بصورة مباشرة. ولكن إذا ما توفر له الماء سواء في بيئته أو في المحميات فإنه يتردد عليه ويشرب منه باستمرار. والنعام مغرم بالسباحة، فما أن يشاهد مستنقعا من الماء حتى يدخل فيه ليغتسل ويلعب ويسبح.

لقد أصبح مجال تربية النعام مجالا تجاريا مربحا جدا، وقد بدأت هذه العجلة في الدوران منذ عام 1800م. عندما دخلت تربية النعام وإكثاره إلى جنوب إفريقيا ولقد تحكمت الدولة بنشاطات هذه التربية الواعدة ومنتجاتها كما حدث في تجارة الألماس.

وكان الاهتمام مركزا في ذلك الوقت على إنتاج الريش فكان الطلب عليه كبيرا جدا. فقد صدرت إفريقيا إلى أوربا عام 1875 م أكثر من 14500 كيلو جرام من ريش النعام لاستعماله في صنع الوسائد، وأعمال الديكور، كذلك لاستخدامه في تصميم الملابس والقبعات النسائية حسب التصاميم السنوية التي تغزو العالم. وبرغم ظهور بدائل صناعية لريش النعام في الوقت الحاضر فإن أهميته استمرت لأن المجتمعات تسعى للحصول عليه للتباهي باقتنائه.

ثم بدأ الاهتمام بالجلد حيث ظهرت صناعة المنتوجات الجلدية من جلد النعام، وكثر الطلب عليه في العالم وذلك لأن جلد النعام ناعم طري وذو شكل مميز عن الجلود الأخرى.

لحم يصادق القلب

ثم بدأت عملية تناول لحم طير النعام. ولحمه أحمر ـ ينصح به أكثر من لحم البقر كغذاء صحي، فلحم النعام قليل الكوليسترول ويتميز بوفرة عنصر الحديد، كما يمكن حفظه في الثلاجات لمدة طويلة نظرا لعدم وجود دهون تؤدي إلى فساد اللحم. مع هذه المواصفات الخاصة والمميزة دفع الكثير إلى محاولة تربية النعام، فهذا المجال أصبح مهما جدا في العالم وسوف يأخذ طريقه إلى الانتشار في مناطقنا لأنها البيئات المناسبة لنمو هذا الطائر بشكل واسع، الذي يزداد إعجابنا به لأنه تكيف مع أصعب الظروف ومازال يقاوم خطر الانقراض. فمن هذا المثل نجد أن الطبيعة لا تزال تهبنا دروسا في الحب والوفاء، فمع كل التقدم العلمي والتقني الذي وصلت إليه البشرية لابد من أن نحيط تلك الطيور والكائنات الحية المنتشرة في مناطقنا بكثير من الرعاية والاهتمام ليظل هناك انسجام تام ما بين الفروع والأصول لازدهار مسيرة التطور الإنساني الواعد.

 

سيف الدين الأتاسي

  




أهم ما يميز طائر النعام بصره الحاد





صوص النعام الإفريقي بعد الفقس





بعض المنتجات الجلدية من جلد النعام





النعام الإفريقي اسود الريش





ذكر النعام