رياض الأطفال في الكويت.. من اللعب إلى النشاط الذاتي التلقائي فاطمة منصور

رياض الأطفال في الكويت.. من اللعب إلى النشاط الذاتي التلقائي

تصوير: فهد الكوح

هل حدث تغير في مفهوم تربية أطفالنا بعد الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت؟ إنه سؤال يتردد على ألسنة الأمهات والآباء، وهو سؤال يلح علينا أن نعرف ما هو الدور الذي لعبته الإدارات التربوية بوزارة التربية ودور رياض الأطفال في دولة الكويت، وما هو دور معلمة رياض الأطفال في تغيير المنهج التربوي الذي ساد قبل هذا العدوان مع طفلها الذي تتعامل معه وتقوم بإعداده ليكون مواطنا صالحا في المجتمع الكويتي مستقبلا؟

السنوات الخمس الأولى من حياة كل طفل.. حاسمة، تترك آثارها العميقة في تكوينه على مدى العمر كله، إذ إن نسبة كبيرة من مقومات شخصية الفرد المعرفية، والوجدانية، والسلوكية تتشكل في هذه المرحلة.

والروضة هي البيئة الصالحة التي تتيح للطفل أن ينمو إلى أقصى حد تسمح به قدراته في جميع مجالات النمو العقلي والوجداني والحسي الحركي.

إن خروج الطفل من البيت إلى الروضة مرحلة انتقالية إلى بيئة أكثر اتساعا، ولذا تتطلب الاهتمام بتهيئة الأجواء المناسبة ليكون الانتقال طبيعيا تلقائيا، وأيضا لكي نفتح للطفل باب الحياة، ونمهد له التعلم في حب، وتقبل، ورغبة.

وقد اعتمدت الدراسات المعاصرة على نظرية "بياجيه " التي تصب كل اهتمامها في النمو العقلي بالنظر إلى تأثيرها على التربية في مرحلة رياض الأطفال، التي تعتمد على عمليات التفاعل بين الفرد والبيئة، فهناك التوافق الداخلي الذي يتم عندما يكتسب الفرد خبرات جديدة تندمج ضمن معارفه السابقة، وتصبح سلوكا عاما يمكن تكراره، كما أن عملية التوافق الخارجي تتم عندما تتطلب أحداث البيئة تعديلا وتحويرا فيما سبق تمثله وامتصاصه من المعارف والخبرات. من هذا المنطلق تأتي أهمية الأحداث البيئية التي طرأت على الكويت نتيجة الغزو العراقي الغاشم، ومدى تأثيرها على سير الفلسفة التعليمية لرياض الأطفال بالكويت.. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا، ما المفهوم السائد حاليا لتربية أطفالنا بعد مرور هذا الحدث الأليم؟، وهل حدث تغير في المفهوم الذي كان سائدا قبل الغزو أم لا؟.

رياض الأطفال في الكويت

مرحلة رياض الأطفال هي من أولويات اهتمامات وزارة التربية في دولة الكويت لما لها من طبيعة خاصة. في عام "1954 " أنشئت أول روضتين في وسط العاصمة.. وهما روضة " المهلب " في منطقة الشرق، وروضة "طارق " في القبلة، وذلك بهدف توفير الرعاية الصحية، والاجتماعية، والثقافية، والتربوية للأطفال الذين هم دون سن التعليم الإلزامي.

ثم اهتمت وزارة التربية بزيادة عدد رياض الأطفال في الأحياء، المناطق السكنية المختلفة، وزودتها بالإمكانات المادية والبشرية اللازمة، حتى وصل عدد الأطفال الذين تضمهم هذه الرياض في الوقت الراهن إلى "37348" طفلا وطفلة موزعين على "126 " روضة بالإضافة إلى روضة خاصة بالمعوقين، بينما كان عددهم عام 1954 لا يزيد على "376" طفلا وطفلة تتراوح أعمارهم بين ثلاث سنوات ونصف إلى ست سنوات.

وفي جولة للعربي داخل رياض الأطفال لمسنا تطبيق أحدث نظريات التربية حيث تتم بصورة متكاملة ومناسبة للطفل معرفيا، ووجدانيا، ونفسيا، وحركيا، وذلك من مواقف واقعية يعايشها الطفل فتثير ميوله، وتحرك دوافعه في مسار تربوي هادف.

إن فلسفة رياض الأطفال في الكويت تنبثق من الأهداف العامة للتربية التي ترتكز على طبيعة المجتمع الكويتي، والحاجات المتغيرة للأسرة الكويتية في ضوء التغير الاجتماعي.

ففي روضة "الشامية" جنوب العاصمة طبقت هذه المفاهيم التربوية التي تؤكد احترام فردية الطفل، وتوفر الثقة بالنفس، والمبادرة، والابتكار، والاستقلال الذاتي، وتكوين المفاهيم.

تقول " بدرية المنيع " الموجهة بروضة الشامية: إن الفلسفة المطبقة في روضتها كما في سائر الروضات في الكويت تراعي التفاوت بين مستويات النضج والتهيؤ، وتهتم بتوفير بيئة تربوية مناسبة لتحقيق تكافؤ الفرص في النمو بين الأطفال على اختلاف بيئاتهم الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، وتؤمن بأهمية تنمية حواس الطفل ومداركه عن طريق المؤثرات الحسية والأنشطة المباشرة، والممارسة الفعلية، وتنادي بتوظيف أساليب التربية القائمة على مبدأ اللعب الحر، والنشاط الذاتي التلقائي جنبا إلى جنب مع التربية المقصودة والموجهة، وتؤمن بضرورة ربط الأنشطة والخبرات التي تقدم للطفل بواقع المجتمع وبالحياة، وبالمستقبل المأمول.

ولكن، ما خصائص طفل هذه المرحلة ومطالب نموه؟.

تقول " منيرة المشعان " الموجهة العامة لرياض الأطفال بوزارة التربية الكويتية: إن نمو الطفل قبل بلوغ مرحلة المدرسة الابتدائية يعد من الركائز الأساسية لفلسفة الرياض، وأهم خصائص النمو هو أن نتناول الطفل كوحدة لا تتجزأ، ونأخذ بعين الاعتبار أن ما يؤثر في جانب من جوانب نموه له آثاره البعيدة في نواحي النمو الأخرى، ولهذا يجب أن تحرص برامج التربية المبكرة على تحقيق النمو الشامل والمتكامل للطفل جسميا، وحسيا، وعقليا، واجتماعيا، وانفعاليا، وخلقيا.. خصوصا وأن النمو العقلي لطفل ما قبل المدرسة الابتدائية يتسم بالسرعة، التي تحدث في السنوات الخمس الأولى من حياته، وخصائصه، وصفاته الشخصية تكون أكثر عرضة للتغير في هذه المرحلة، وبالتالي يكون التعلم أعمق، وأبعد أثرا، كما أن هناك حاجات أساسية يجب العمل على إشباعها لتحقيق النمو، ومن بينها حاجة الطفل للعب والانطلاق، والاستكشاف.

التحصيل التربوي

وفي لقاء مع د. مساعد الهارون وكيل وزارة التربية الكويتية قال: إن التحصيل في مرحلة الرياض يستهدف إكساب الطفل بعض المهارات الحركية عن طريق استخدام الحواس وبعض الخبرات الاجتماعية، والمفاهيم البسيطة (المعرفية) والقيم السلوكية في التعامل مع الأفراد، والقيم الدينية في عملية تنمية شاملة.. جسمية، وعقلية، واجتماعية، ووجدانية.

وفي ضوء ذلك كله يتم وضع منهج تربية الأطفال في مدارس الرياض تمهيدا للنقلة الثانية إلى المرحلة الابتدائية، وقد ثبت أن الخبرات المكتسبة في مرحلة الرياض تمثل خبرات أساسية لا يستغنى عنها في مرحلة النمو التالية في المدرسة الابتدائية، ويشير وكيل الوزارة إلى أن الرياض في الكويت قد بلغت مستوى يضاهي أكثر الدول العربية السابقة في هذا المضمار.

النشاط الذاتي التلقائي

من العبث أن نجبر الطفل على القيام بعمل لا ينبع منه تلقائيا لأنه يكون ضد طبيعته، وبعيدا عن فطرته، لذا فقد ظهر اتجاه يستهدف توظيف أساليب التربية القائمة على مبدأ اللعب الحر، والنشاط الذاتي لمساعدة الطفل على اكتساب بعض المهارات التي لا يستطيع أن يكتسبها من خلال اللعب الحر وحده، وهذا التدخل المقصود في عملية التعلم يتم بطريق غير مباشر، وذلك بإعداد وتهيئة البيئة التربوية المناسبة، والتخطيط المسبق للأنشطة والخبرات، وتوفير الإمكانات، والمواد، والأدوات اللازمة لتحقيق الأهداف المنشودة للبرامج والأنشطة المختلفة.

ومثل هذا التنظيم والتخطيط يراعي القدرات، والاستعدادات، والميول الفردية للأطفال حيث إنه لا يفرض منهجا، أو برنامجا موحدا، بل يتيح الفرصة لكل طفل للاستفادة من البيئة التربوية قدر ما تسمح به قدراته، واستعداده، وفي هذا تحقيق لمبدأ تكافؤ الفرص.

الثقافة عند الطفل

في لقاء مع خالد ناصر الصليهيم الوكيل المساعد للشئون التعليمية بوزارة التربية يشير إلى أن ثقافة الطفل عامل مهم، ويقول: لكي يستفيد كل طفل من الفرص التعليمية المتاحة لا بد أن تصبح الروضة أكثر ارتباطا بحياة الأطفال على اختلاف قيمهم الاجتماعية، وظروفهم المعيشية. ولهذا تهتم البرامج التربوية المعاصرة بدراسة طبيعة الثقافات الفرعية التي يتنمي إليها الأطفال لما لها من أثر على أنماط التعلم، كما تعمل على تطويع مناهجها وأساليبها التربوية لتوائم الحاجات والقدرات الفردية المختلفة للأطفال على اختلاف بيئاتهم الثقافية، والاجتماعية.

الواقع أن تأثير التربية في الروضة يبقى محدودا ما لم يمتد إلى ثقافة أسرة الطفل، فالساعات القليلة التي يقضيها الطفل في الروضة لا يمكن مقارنتها بعدد الساعات التي يقضيها بين أفراد أسرته، ولهذا اتجهت البرامج التربوية الحديثة إلى توسيع "دائرة التأثير التربوي " لتصل إلى البيت، واعتبرت اشتراك أولياء الأمور في العملية التربوية أمرا مهما.. إذ يساهمون في التخطيط لها وتنفيذها، ويتأثرون بما يكتسبونه من خلال هذه المشاركة، وبهذا تكون الروضة قد أسهمت في تطوير أساليب التنشئة في البيت، وعملت على ربط برامجها بحياة الطفل.

وفي ذلك تحقيق للتكامل والتوافق في تنشئة الأطفال.

تحديد الأهداف في تربية طفل الرياض

إن الأهداف العامة للتربية لمرحلة رياض الأطفال بالكويت قد حددت الأبعاد ذات الأهمية التي تقوّم هذه المرحلة من حياة الطفل على النحو التالي:

البعد الفكري (الأيديولوجي): الذي يقوم على الركائز الأساسية وهي الإسلام، الديمقراطية، والوحدة العربية.

البعد العالمي: ويتضمن السمات الأساسية للموقف العالمي المعاصر بأبعاده الفكرية، والسياسية، والاجتماعية، والتربوية.

البعد الاجتماعي والاقتصادي: ويشمل مختلف جوانب التغيير الاجتماعي والاقتصادي الذي شهدته الكويت الحديثة، ومن أبرزها الجانب المادي، والجانب الثقافي، والجانب الخاص بالمؤسسات الاجتماعية، وأثرها على نمو حركة التربية والتعليم في البلاد.

البعد الفلسفى: ويتضمن هذا البعد اتخاذ الخبرة أساسا للتعلم كما يؤكد أن تقديم الخبرات في رياض الأطفال يرتكز إلى حد كبير على أسس الفلسفة الحسية التي تعتمد على الإدراك الحسي في الحصول على المعارف المتصلة بالعلم الطبيعي.

البعد النفسي: حيث أجمعت الدراسات النفسية المعاصرة على أهمية رياض الأطفال وأثرها على تشكيل الشخصية، وتكوينها النفسي، والاجتماعي، وتعتبر تلك الدراسات، والنظريات المنابع التي تستقي منها رياض الأطفال برامجها، وتصوغ على ضوئها أهدافها، وتضع على هديها خطتها وأنشطتها.

وكل هذه الأهداف تسعى إلى مساعدة الأطفال في غرس العقيدة الإسلامية في نفوسهم، وترسيخ الإيمان بالله في قلوبهم، وتنمية اتجاهات إيجابية نحو الدين، والقيم الإسلامية، ومساعدة الأطفال في اكتساب مشاعر الانتماء للأسرة والكويت، والخليج العربي، والأمة العربية الإسلامية، مساعدة الأطفال لتكوين مفهوم إيجابي عن الذات. وبعد تحرير دولة الكويت من الغزو العراقي الغاشم أضيفت أهداف جديدة تخص التربية الوطنية على الأهداف الخاصة برياض الأطفال، وكذلك أعيد النظر في بعض الأهداف لتغييرها، أو تعديلها وفقا لما استجد من أحداث، وما نتج عنها من آثار.. فوضعت خطة خمسية من عام 1992 إلى 1997 م، وتشمل:

- استكمال بناء الخبرات التربوية الخاصة ببرنامج رياض الأطفال، وإعادة بناء خبرة الكويت بإضافة خبرة الكويت حرة لها.. مدعمة بدليل المعلمة، وكتاب وكراس الطفل.

وأيضا.. تعميم الخبرات التربوية على جميع الرياض بدولة الكويت مدعمة بكتب، وكراسات، وأدلة المعلمات، بالإضافة إلى التقنيات اللازمة لكل خبرة ووسائل الحياة، وتعميم استخدام اللغة العربية المبسطة أسلوبا للتخاطب بين المعلمة والطفل، وذلك بعد تدريب المعلمات من خلال دورات خاصة لذلك.

- عقد دورات تدريبية للمشرفات الفنيات والموجهات، والمعلمات وذلك في مجال المستجدات، والاستراتيجيات الحديثة في التربية، وتزويد الرياض بالأجهزة العلمية والتقنية الحديثة المناسبة للمرحلة العمرية لطفل الروضة، وذلك لمساعدة الأطفال على تنمية التفكير العلمي لديهم، واكتشاف المواهب في سن مبكرة لصقلهـا ورعايتها.

 

فاطمة منصور

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




أجهزة علمية حديثة لتنمية التفكير العلمي لدى الطفل الكويتي، واكتشاف مواهبه في سن مبكرة لصقلها، ورعايتها





د. مساعد الهارون وكيل وزارة التربية وإلى جانبه منيرة المشعان الموجهة العامة لرياض الأطفال بوزارة التربية الكويتية





الكويت انفردت بإعداد معلمة الرياض لمساعدة أطفالها في كيفية تعلم الكتابة





خبرات يكتسبها أطفال الكويت في مرحلة الرياض





بدرية المنيع الموجهة في روضة الشامية





اساليب التربية في الرياض بالكويت قائمة على مبدأ اللعب الحر





تجارب علمية لتنمية أفكارهم ومواهبهم





نشاط صباحي في الروضة يؤثر ايجابيا على تشكيل الشخصية وتكوينها النفسي والاجتماعي





مساعدة الأطفال في اكتساب مشاعر الانتماء





الروضة ساعدت هذه البرعمة الكويتية على تكوين مفهوم ايجابي عن الذات