طرابلس الغرب تصافح أمواج البحر الصاخبة

طرابلس الغرب تصافح أمواج البحر الصاخبة

تصوير: فهد الكوح

الوصول إلى طرابلس حاضرة الجماهيرية العربية الليبية في ظل الحصار الجوي من اكثر الأمور مشقة إلا أن هناك منفذين بريين وآخر بحري هي السبيل للوصول إلى العاصمة، وعن طريق المنفذ البحري يمكن للمرء أن يستقل احدى السفن الخارجة من أي ميناء في البحر المتوسط يكون قريبا من طرابلس والأقرب إلى ذلك ميناء "مالطة". أما المنفذان البريان فأولهما منفذ السلوم في جمهورية مصر العربية ومنها إلى بنغازي ثم إلى طرابلس بواسطة الطيران الليبي الداخلي أو عن طريق الجمهورية التونسية إلى تونس العاصمة ومن تونس بالطيران الداخلي إلى جزيرة "جربة"، ثم يبقى بعد ذلك أن يتم قطع مسافة ثلاثمائة كيلومتر بالسيارة من أجل الوصول إلى طرابلس، وقد وقع اختيارنا على المنفذ الأخير فهو أقصر الطرق إلى طرابلس وأقلها مشقة. وكنا أثناء الطريق نردد المقولة العربية المشهورة "لابد من صنعا وإن طال السفر"، بعد أن نقوم بتعديلها إلى "لابد من طرابلس وإن طال السفر".

عروس البحر

وتمتاز مدينة طرابلس أو "أويا" كما كانت تسمى في الماضي البعيد بموقعها الساحلي الجميل على شاطىء البحر المتوسط، وقد احتضنت زرقة البحر ووهج الشمس، الأمر الذي جعلها احدى عرائس البحر المتوسط حيث تمتد سواحلها عشرات الكيلومترات غربا وشرقا، فلا غرو أن تحتل المكان المرموق بين جميع مدن ليبيا، وأن تكون العاصمة الأولى للجماهيرية.

يحتضن شارع الفاتح من سبتمبر وهو الشارع الرئيسي، المدينة من طرفها الشرقي إلى طرفها الغربي وهو يشكل جزءا من الطريق الساحلي الذي يربط مدن ليبيا الواقعة على ذلك الشريط الساحلي ويضم هذا الشارع مباني الإذاعتين المرئية والمسموعة، وكذلك مبنى أمانة اللجنة الشعبية العامة للإعلام والثقافة والتوجيه، ومجمع المحاكم وأمانة اللجنة الشعبية للمكتب الشعبي للاتصال الخارجي، والعديد من السفارات والبعثات الدبلوماسية العربية والأجنبية، ويضم هذا الشارع أيضا مجموعة من الفنادق الضخمة التي تستقبل زوار الجماهيرية الرسميين، ففيها تمت استضافة وفود الدورة الخامسة والستين العادية لوزراء خارجية منظمة الوحدة الإفريقية التي عقدت في طرابلس من 26 حتى 28 مارس 1997 والتي بلغت نحو 52 دولة إفريقية بالإضافة إلى 30 منظمة ووكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة والوفود الإعلامية التي حضرت لتغطية وقائع المؤتمر. ويضم طريق الفاتح أيضا ميناء طرابلس ومحطة النقل البحري بالإضافة إلى مستشفى أمراض السكر والغدد الصماء ويمتد حتى يصل إلى مدخل المبنى الرئيسي لمتحف السراي الحمراء عند الساحة الخضراء، الذي ينتهي عندها شارع الفاتح حيث نافورة ماء النهر الصناعي التي افتتحت مع احتفالات الجماهيرية الليبية بعيدها السابع والعشرين إيذانا بوصول مياه النهر إلى مدينة طرابلس، ويضم شارع الفاتح بعض المقاهي والمطاعم السياحية بالإضافة إلى ميدان الغزالة وحديقة ومقهى الساحة الخضراء وهي من أكبر حدائق مدينة طرابلس. وتحوي ساحات وملاعب للأطفال. وإذا توغلنا داخل طرابلس فسوف نجد مجموعة من الشوارع الكبيرة مثل شارع عمر المختار وشارع الرشيد وبهما أهم وأكبر المحلات التجارية الخاصة بتجارة الجملة للملابس والأحذية والزينة، ثم شارع الجمهورية وهو من الأسواق التجارية المهمة وكذلك شارع التحدي الذي كان يعرف سابقا باسم شارع الاستقلال ويوازيه شارع آخر يسمى شارع أول سبتمبر وبه مدرسة الفنون والصنايع الإسلامية ويحتوي على متاجر لبيع الأشرطة المرئية والمسموعة والأدوات الكهربائية وأدوات الزينة ومحلات الملابس الجاهزة النسائية والرجالية. أما الطريق السريع والذي يوازي طريق الفاتح ويمتاز بكثرة مداخله ومخارجه وجسوره وذلك من أجل الحد من ازدحام الطرق بالسيارات والمارة، فهو يمتد لمسافة 28 كم ويبدأ من منطقة تاجوراء وينتهي بمنطقة جنزور، ويعد المرحلة الأولى من الطريق الدائري الذي سوف يربط مدينة طرابلس ببعض الضواحي المحيطة بها وقد استغرق بناء هذا الطريق ثلاث سنوات لأنه واجه بعض الصعوبات في تنفيذه بوجود أحياء سكنية أزيلت بكاملها وأعطي ساكنوها أراضي جديدة مدعمة بمساهمات مالية تعويضاً لبيوتهم.

المدينة القديمة

ويعد مبنى السراي الحمراء من أبرز معالم مدينة طرابلس وهو معلم قديم يقع في نهاية طريق الفاتح أو الطريق الساحلي من الناحية القريبة للمدينة، ومن الثابت أن معظم المباني الموجودة داخل هذا السراي بنيت في العهد العثماني ثم في العهد القرمانلي في الفترة من عام 1551م إلى عام ،1835 وفي أثناء الاحتلال الإيطالي 1911 ـ 1952 تم إدخال بعض التعديلات والترميمات على السراي الحمراء أو قلعة طرابلس، واستخدمت الحكومة الإيطالية جزءا من هذه القلعة مقرا للحاكم الإيطالي العام، وفي عام ،1922 خصص جزء آخر من القلعة لإقامة متحف تاريخي يضم الآثار التي اكتشفت في منطقة طرابلس أو "أويا" القديمة، ومنذ أن استقلت ليبيا عام 1952 تم بناء عدة متاحف داخل القلعة، هي متحف الآثار الكلاسيكية، ومتحف ما قبل التاريخ، ومتحف العاديات والأزياء الشعبية، وهذه المتاحف يوجد بها الكثير من الآثار العائدة إلى مختلف العهود التي مرت على ليبيا.

وإلى جوار السراي الحمراء يقع الجزء القديم من المدينة ويضم سوقا مسقوفا يعرف باسم "سوق المشير او سوق الترك" وهو من أقدم أسواق المدينة، وقد أشاد به الرحالة وزوار طرابلس واعتبروه سجلا حيا لمختلف العصور القديمة التي مرت على مدينة طرابلس. وقد أخبرنا الأستاذ محمد شبيعان وهو أحد المثقفين الليبيين والذي رافقنا طيلة تحركنا في مدينة طرابلس وما حولها بأن الاتجاه الحاصل في الجماهيرية الليبية هو الاهتمام بمرافق المدينة القديمة ومبانيها تحت مسمى مشروع المدينة القديمة، فهناك بعض المباني التراثية التي تحاول الجماهيرية إعادة ترميمها وإبرازها كتراث ليبي قديم واستخدامها مكتبات متخصصة أو صالات فنون جميلة، ومن أمثلة هذه المباني، مبنى القنصيلة الإنجليزية التي يرجع تاريخها إلى عام 1744 أيام حكم أحمد باشا الفرمانلي مؤسس الدولة الفرمانلية وقد استخدمه الإنجليز كقنصلية، ومنها انطلقت الرحلات الجغرافية الاستكشافية لإفريقيا والتي كان ظاهرها علمياً وباطنها استعمارياً، وقد شاهدنا أثناء تجوالنا في المدينة القديمة العديد من هذه المباني، يقوم العمال بصيانتها وترميمها. أما الناحية الشرقية من المدينة فتمتاز بوجود مجموعة كبيرة من المباني الحديثة ذات الطوابق المتعددة، والتي تستخدم إما للسكن أو مباني استثمارية، ومن هذه المباني الفخمة "برج الفاتح" وهو مبنى تجاري ضخم يضم مكاتب استثمارية، وهو شاهد على ما يحدث في مدينة طرابلس من نهضة معمارية وهندسية متطورة ويعد هذا البرج أعلى مبنى في طرابلس، ومن أعلى نقطة في المبنى يستطيع المرء أن يرى مدينة طرابلس بكل وضوح، ويحوى البرج محلات تجارية وأسواقا مجمعة وعيادات ومكاتب سياحية وفندقا وأحواض سباحة، ومن المؤمل أن يفتتح مع إطلالة العيد التاسع والعشرين للثورة الليبية.

ومن المباني المميزة في منطقة باب البحر عمارات ذات العماد وهي تابعة لجمعية الدعوة الإسلامية وقد افتتحت منذ عام 1988 ويعود ريع هذه العمارات لخدمة وتعميق الإسلام في دول إفريقيا والعالم الثالث، وتستغل أموال هذه المباني في إقامة المشاريع الخيرية من مستشفيات ومساجد ومدارس، وتتألف هذه المباني من مكاتب تجارية وبعض السفارات والقنصليات ومكاتب الخطوط الجوية ومطاعم وأماكن سياحية وصالات للمعارض والمؤتمرات والندوات، وتضم مواقف للسيارات ويبلغ عدد تلك المباني أربعة على شكل زجاجات مقلوبة، وقد بنيت بطريقة هندسية فريدة بحيث إذا نظر إليها الإنسان من أعلى وفي أي اتجاه يراها ثلاث عمارات فقط.

الشرب من مياه النهر

ويعد مشروع النهر الصناعي أحد المشاريع العملاقة التي أوشكت الجماهيرية الليبية على إنجازه، ويتلخص المشروع في الاستفادة من المخزون الهائل للمياه الجوفية العذبة الموجودة داخل الصحراء الليبية الجنوبية والتي قدرت بما يقرب من 45 ألف كيلومتر مكعب من المياه العذبة، وجلب هذه المياه إلى المدن والقرى الممتدة على الساحل الليبي عبر منظومة أنابيب سابقة الاجهاد تتألف من 250 ألف أنبوب بقطر يبلغ أربعة امتار وطول الأنبوب يبلغ سبعة أمتار ونصف المتر لتصل من بحيرات المياه العذبة في الجنوب وتسقي عطش الحقول في الشمال بنحو 6 ملايين متر مكعب من المياه العذبة يوميا، ومع احتفالات الجماهيرية الليبية بالعيد "28" لثورة الفاتح استقبلت مدينة طرابلس 457 ألف متر مكعب من المياه، وقد قام جهاز التشغيل والصيانة التابع لمنطقة طرابلس بدعوة المواطنين عبر الإذاعة إلى ضرورة تنظيف خزانات وشبكات المياه بالمنازل أو استبدالها نظراً للقوة العالية التي سوف تنساب بها المياه والتي لا تستطيع أن تتحملها الشبكات القديمة، ونتيجة لذلك فقد باشرت عدة جهات مختصة في تنفيذ شبكة المياه الجديدة في طرابلس، وشاهدنا أعمال تجديدها أثناء جولاتنا في شوارع المدينة، وقد بلغت التكاليف الإجمالية لعملية التجديد نحو 74 مليون دينار ليبي. يقول المهندس سالم محمد المجدوب وهو أحد المهندسين الليبيين الذين ساهموا في بناء منظومة النهر الصناعي إن مدينة طرابلس يتم تزويدها بمياه النهر عبر خزان الفرمانلي الذي تبلغ سعته 164 ألف متر مكعب موزعة على خليتين سعة كل خلية 82 ألف متر مكعب، ويقوم خزان الفرمانلي بعملية تنظيم دفع المياه عبر المنظومة الهيدروليكية إلى خزان سيدي السايح والذي تبلغ سعته 200 ألف متر مكعب من المياه العذبة.

واحتفالاً بوصول مياه النهر الصناعي إلى مدينة طرابلس أقيمت وسط المدينة نافورة أطلق عليها نافورة النهر الصناعي العظيم استقبلت مياهها لحظة الضغط على زر التدفق حيث اندفعت من خلالها مياه النافورة معلنة بداية مقدم الحياة والنماء والأمل إلى مدينة طرابلس، وقد صممت النافورة على شكل هندسي بثمانية أضلاع واحتوت على ثمانية أنابيب مماثلة لتلك المستخدمة في النهر الصناعي.

ميناء طرابلس

ويعد ميناء طرابلس أحد أكبر الموانىء في الجماهيرية ومن أعرقها، بل واحدا من الموانىء الكبرى في منطقة شمال إفريقيا المطلة على القسم الجنوبي من ساحل البحر المتوسط، وحدثنا الأستاذ أبوبكر مرعي مدير ميناء طرابلس البحري قائلا: إن الميناء يتوفر على مساحة مائية تبلغ 5500 متر مربع، ويحوي 35 رصيفاً بأطول من 3 إلى 4 آلاف متر، أما أعماق الميناء فتتراوح من 9 إلى 12 مترا وهو عمق الغاطس.

وميناء طرابلس البحري يقدم خدماته على مدار الساعة، للسفن القادمة والمغادرة، وبه من المعدات البرية والبحرية ما يمكنه من تقديم الخدمة الجيدة وبكفاءة عالية، حيث تتوافر فيه الرافعات الشوكية.

يقول الأستاذ أبوبكر مرعي: أما حركة البضائع في ميناء طرابلس فهي في حدود 3 ملايين طن سنوياً من مختلف البضائع من حبوب وبضائع عامة وحاويات وحيوانات حية، حيث يبلغ متوسط السفن الوافدة على الميناء في حدود 1850 سفينة سنوياً.

إن ميناء طرابلس البحري يأتي في المرتبة الأولى بين موانىء الجماهيرية البالغ عددها ثمانية موانىء تجارية، وميناء طرابلس مرتبط ارتباطا مباشراً بها وخاصة موانىء الساحل الشمالي للبحر المتوسط، ونتيجة للحصار المفروض على ليبيا فقد ازدادت الحاجة إلى خدماته وبخاصة حركة الركاب المسافرين بواسطة السفن إلى الموانىء المختلفة للبحر الأبيض المتوسط كما أن هناك تزايدا في حركة الشحن والتفريغ حيث لا يوجد نقل جوي للبضائع أو البريد. ومن الشركات التي لها اتصال مباشر بالبحر ومرافق الميناء الشركة الوطنية للنقل البحري، ومهمتها الرئيسية والأولى النقل البحري والمبادلات التجارية، وربط الجماهيرية بالموانىء المختلفة وبقية دول العالم فهي تمتلك أسطولاً يصل عدد سفنه إلى نحو 27 سفينة وناقلة نفط، وهي تقوم بنقل النفط والغاز والمشتقات البترولية ونقل البضائع إلى أنحاء العالم بالإضافة إلى نقل الركاب. يقول المهندس سعيد ميلود الأحرش أمين لجنة إدارة الشركة الوطنية العامة للنقل البحري: لاشك أن النقل البحري ونقل البضائع لهما علاقة كبيرة بالمبادلات التجارية أو ما يسمى بالصادر والوارد بين ليبيا وبقية دول العالم، فلدينا الآن خطوط منتظمة وأخرى غير منتظمة لحركة البضائع والنقل البحري فأما خطوطنا المنتظمة فهي تلك الخطوط التي نسيرها مع موانىء شمال أوربا وكذلك لدينا خطوط منتظمة مع موانىء جنوب أوروبا مثل إيطاليا وإسبانيا واليونان. وتختص بنقل النفط والغاز الليبي، ونحن نصنف البضائع إلى نوعين: النفط والغاز ونعتبرهما ذوي طبيعة خاصة ثم البضائع العامة وواردات الجماهيرية والتي تنقل بواسطة الحاويات. وتقوم سفن الشركة الوطنية للنقل البحري بنقل البضائع من أي مكان في العالم إلى أي ميناء، فالنقل البحري نشاط عالمي وهناك قوانين ونظم ولوائح تنظم هذا النقل، كما أن هناك تنافسا بين شركات الملاحة في العالم في الأسعار والضمانات وهو نوع من التنافس الشريف وأن عالمنا العربي مدعو إلى وحدة اقتصادية ودعوة للتكامل الإقتصادي والتنسيق بين الشركات العربية للنقل لأن النقل جزء لا يتجزأ من الاقتصاد ويمثل نسبة مهمة في الاقتصاد المتكامل.

ويضيف المهندس الأحرش قائلاً: إن نقل الركاب لم يكن النشاط الرئيسي للشركة إنما كان نشاطا مكملاً ولم يكن التركيز عليه بالصورة الكبيرة وبالقدر الذي نوليه لنقل النفط والبضائع بأنواعها، إلا أن الحصار الذي تواجهه ليبيا منذ أكثر من خمس سنوات وحاجة الناس إلى السفر أرغمنا على أن نولي اهتماماً فائقاً بنقل الركاب. والذي حدث بعد الحصار أننا أصبحنا أمام أفواج من الناس ومن جنسيات مختلفة، وأصبح همنا الرئيسي هو كيفية إيصال المواطن سواء كان ليبياً أو أجنبياً إلى أقرب نقطة يتم بها إيصاله إلى وسائل النقل الجوية حتى يستطيع قضاء مصالحه.

كسر احتكار

ومن الإنجازات الصناعية التي أقامتها الجماهيرية الليبية نتيجة ارتفاع موارد البترول في منتصف السبعينيات، إنشاء الشركة الليبية للحديد والصلب بمصراته بهدف اقتحام منافذ الصناعات الاستراتيجية والثقيلة، وكسر احتكار مثل هذه الصناعات، ثم بناء قاعدة صناعية ضخمة تكفي الاحتياجات المحلية وتصدر الفائض منها للسوق العربية أو الأسواق العالمية الأخرى، بالإضافة إلى إقامة صناعات تكميلية من منتجات هذه الشركة وخلق جيل من الصناعيين والفنيين المهرة يساهمون في إقامة نهضة صناعية متقدمة. وفي زيارتنا لمجمع الحديد والصلب الذي لا يبعد أكثر من 175 كيلومترا عن مدينة طرابلس سألنا المهندس مصطفى العيد نائب رئيس المجمع أن يوجز لنا عمل المصنع فأجابنا قائلاً: إن مصنع الحديد والصلب بدأ انتاجه مع نهاية عام 1989 يشق طريقه إلى الأسواق المحلية مرسياً بذلك قواعد للتصنيع الثقيل بالجماهيرية الليبية. أما الطاقة الإنتاجية لهذا المجمع فتبلغ مليون و324 ألف طن من الحديد الصلب سنويا نحصل عليها بطريقة الاختزال المباشر لمكورات الحديد وباستخدام الغاز الطبيعي. إن أهم منتجات الشركة هي القضبان والأسياخ والقطاعات الخفيفة والمتوسطة ثم اللفات والصفائح المدرفلة على الساخن واللفات والصفائح المدرفلة على البارد. وعن جدوى إقامة هذه الصناعات الثقيلة في بلد نام قال المهندس العيد: إننا نحاول إقامة الأسس لأنشطة صناعية كثيرة تشكل مجالات واسعة لتنمية الاقتصاد الوطني، فهناك العديد من الصناعات التي يمكن أن يغذيها مجمع الحديد والصلب كصناعة السفن والقطارات والسيارات ومنتجات الاسلاك والأثاث المعدني إلى غيرها من الصناعات التكميلية الأخرى. إن لدينا في منطقة الشاطىء القريبة من سبها مناجم حديد ونحن حتى الآن لم نستغل هذه المناجم، ونأمل في مرحلة لاحقة بعد الانتهاء من المواصلات وسكك الحديد أن تستغل هذه المناجم التي لدينا، وقد كسبنا من إقامة مجمع الحديد والصلب نحو 6 آلاف عامل فني ليبي يتقنون صناعة الحديد والصلب. وأخيراً فإن صناعة الحديد والصلب والصناعات عموما ليست حكراً على بلاد معينة.

قدرة ذاتية

شعرت ليبيا بحاجتها الماسة إلى إقامة صناعات إلكترونية تشمل مجموع النشاطات المؤدية إلى إنتاج منظومات وأجهزة ومكونات إلكترونية وما يتبعها من نشاطات البحث والتطوير المرتبطة بها. والشركة العامة للإلكترونات تتكون من مصنعين وثلاثة مركبات صناعية موزعة على مناطق مختلفة من الجماهيرية. وقد قمنا بزيارة مركب أو مجمع قار يونس للأجهزة المرئية بمنطقة الزاوية، ويعتبر المركب واحدا من مصانع الشركة العامة للإلكترونيات وقد افتتح سنة 1987 لانتاج مختلف طرازات التلفزيونات أو المرئيات كما يطلق عليها الاخوة في ليبيا. يقول المهندس فوزي المزوغي مدير المركب والذي كان في استقبالنا عند زيارتنا للمصنع :إن انتاجنا الحالي يبلغ نحو 400 جهاز تلفزيون في اليوم وهي على ثلاثة طرازات 14 بوصة و21 بوصة و28 بوصة، وتتم مراقبة وضبط الإنتاج وفق المواصفات العالية للجودة. ولا أبالغ عندما اقول إننا في إنتاجنا لتلفزيون "قار يونس" أكثر تشددا مما هو مطلوب في المواصفات العالمية لإنتاج أي تلفزيون. ويضيف قائلا: إننا بصدد إنتاج تلفزيون مع فيديو في جهاز واحد بالإضافة إلى شاشات الكمبيوتر هذا العام. أما مكونات الجهاز المرئي فيتم تصنيعها محليا مثل تصنيع اللوحات وتصنيع المواد البلاستيكية والخفاف والكرتون، ونحو 60% من مكونات الجهاز تصنع محلياً، أما باقي المكونات فتستورد، وهناك محاولات جادة لزيادة نسبة المواد المصنعة محلياً.

اما المجمع الآخر الذي قمنا بزيارته فهو المركب الإلكتروني بتاجوراء، وهذا المركب مخصص للهوائيات "أو الإريل" وهو ينتج ثلاثة أنواع من الهوائيات وهي هوائية مجمعة ثم هوائية ذات الذبذبات العالية وهوائية صغيرة وهي هوائية داخلية تستخدم داخل البيت، ويقوم المصنع كذلك بإنتاج مضخم وموجه بالاضافة إلى هوائيات السيارات ومنظم التيار الكهربائي.

يقول المهندس سعيد راشد أمين اللجنة الشعبية العامة للشركة العامة للإلكترونيات: إن الشركة العامة للإلكترونيات تهدف إلى مواكبة التقنية العالمية ودخول العرب هذا الميدان الجديد. ولذلك تقوم الشركة بانتاج أكثر من ثلاثة آلاف منتج من خلال 12 مصنع للالكترونيات الاستهلاكية.

وأوضح أن هذه المصانع تنتج المحولات بأنواعها المختلفة وأسلاك التغذية وأجهزة الاستقبال والتسجيل المسموع والمزدوج وجهاز متعدد الموجات والرقم وأجهزة استقبال وعرض مسموع للمركبات، وأجهزة استقبال وتسجيل مسموع أحادي، بالإضافة إلى منظومات موسيقية وغيرها.

وقال: لقد حرصت الشركة العامة للإلكترونيات أن تعرب مسميات هذه الأجهزة وهذه الأسماء ليست غريبة على الأذن العربية، فقد أطلقوا على جهاز التلفزيون اسم المرناة والريموت كنترول يطلق عليه جهاز التحكم من بعد ثم الراديو الرقمي باسم جهاز مذيع رقمي وأجهزة مضخمة ومغذية وكذلك جهاز المصداح والهواتف وهذه الأسماء ليست غريبة على الأذن العربية ومع الزمن سوف تأنسها وتكون شائعة.

جامعة الفاتح

وتعد جامعة الفاتح في مدينة طرابلس من أقدم المؤسسات العلمية في ليبيا فحتى عام 1971 كان عدد الطلبة الجامعيين في ليبيا لا يتعدى ثلاثة آلاف طالب، وكانت هناك جامعة واحدة تسمى الجامعة الليبية مقسمة إلى حرمين جامعيين أحدهما في مدينة بنغازي والآخر في مدينة طرابلس. وقد حظيت مدينة طرابلس بالكليات العلمية مثل كلية الهندسة والزراعة والعلوم، أما الحرم الجامعي في بنغازي فقد اختص بالدراسات الإنسانية مثل الآداب والاقتصاد والحقوق. وفي عام 1973 ونظراً لازدياد عدد الطلبة تم فصل الحرم الجامعي الموجود في بنغازي عن شقيقة في مدينة طرابلس، ومنذ ذلك الوقت تأسست جامعة الفاتح والتي تضم الآن عشر كليات وهى كبرى الجامعات في الجماهيرية حيث يصل عدد طلابها إلى ما يقرب من 45 ألف طالب وطالبة.

يقول الدكتور يوسف السنوسي المبسوط رئيس جامعة الفاتح الذي استقبلنا مرحباً "بالعربي" وفضلها الكبير على المثقفين العرب إن عدد أعضاء هيئة التدريس الوطنيين في جامعة الفاتح يقارب 1100 عضو معظمهم من الحاصلين على درجة الدكتوراه من جامعات مرموقة في العالم وبشكل خاص من الجامعات الأمريكية والأوربية، بالإضافة إلى عدد من الأساتذة الوافدين من مختلف الأقطار العربية، وهناك نحو 400 استاذ من غير العرب. وجامعة الفاتح مهتمة بالدراسات العليا وتعطي درجات الماجستير والدكتوراه، وهناك مصطلح خاص يطلق على درجة الدكتوراه واسمه الإجازة الدقيقة، أما الماجستير فيطلق عليه الإجازة العالمية.

وتتألف جامعة الفاتح من عشر كليات وتعتبر كلية العلوم أقدمها أما أحدث الكليات فهي كلية القانون، وهناك اتجاه لضم بعض التخصصات الجامعية في كلية واحدة لتقليص الأعباء الإدارية وزيادة الكفاءة، والجامعة تقدم خدماتها للطلاب الليبيين بالمجان، أما بالنسبة للعرب فيتم التعاون وفقاً لقاعدة التعامل بالمثل ويدرس بالجامعة عدد من الطلبة الوافدين بعضهم على المنح الدراسية من اللجنة الشعبية للتعليم. يبلغ عددهم 1500 طالب وتقوم الجامعة بتسكين عدد كبير من الطلبة في الأقسام الداخلية. ونتيجة للتطور الاجتماعي الذي حدث بعد ثورة الفاتح فإن عدد الطلاب الذكور المسجلين بالجامعة يتقارب مع عدد الطالبات وهذه الظاهرة لم تكن موجودة قبل الثورة، كما أن هناك مجموعة من الإناث يقمن بالتدريس في مختلف التخصصات. ولجامعة الفاتح عدة مراكز بحثية، ففي كلية العلوم توجد معشبة تحوي كل الأصناف النباتية التي تم دراستها في ليبيا والتي تغطي الجماهيرية من أقصاها إلى أقصاها ومحطة بحثية أخرى تتبع كلية الزراعة مساحتها تزيد على 50 هكتاراً تجرى فيها أبحاث عن السلالات والأنواع الحيوانية والمحاصيل الحقلية والخضار والفواكه، أما كلية الهندسة فقد شاركت في الكثير من البحوث الهندسية عن الطرق والموانىء والمطارات ودراسات أخرى عن مواد البناء التي تصلح لجو ليبيا.ويعد قسم الهندسة المدنية من أكبر الأقسام الموجودة في المنطقة وبه 65 أستاذاً ليبياً من حملة الدكتوراه وعدد آخر بدرجة أستاذ وأستاذ مشارك.

أما جامعة الفاتح للعلوم الطبية ومقرها طرابلس فتتبعها ست كليات بها ثلاث كليات هي كلية الطب البشري وكلية الصيدلة وكلية طب الأسنان وكلها تقع في مدينة طرابلس وإدارتها منفصلة عن إدارة جامعة طرابلس، أما الكليات الثلاث الأخرى فتقع خارج العاصمة.

المركز الطبي

ومن المرافق الطبية التي تفخر الجماهيرية الليبية بها مركز طرابلس الطبي وقد افتتح هذا المركز منذ سنة تقريباً، ويعد من الإنجازات المتقدمة في مجال تقديم الخدمات الطبية، بالإضافة إلى أنه مركز تعليمي متقدم لتدريب وتأهيل الكوادر الطبية والطبية المساعدة والبحوث الصحية، ويقع هذا المركز في المدخل الشرقي لمدينة طرابلس وتقدر مساحته الكلية بنحو 280 ألف متر مربع، أما المساحة المسوقة منه فتبلغ نحو 100 ألف متر مربع، بالإضافة إلى حدائق تتوسطها نوافير جميلة، ويقع المركز بجوار جامعة الفاتح للعلوم الطبية، والمركز مرتبط بالجامعة بجسر لتسهيل الدخول والخروج إليه. وعلى بوابة المركزاستقبلنا الأستاذ حبيب اسماعيل ثامر أمين اللجنة الإدارية المكلف في المركز مرحباً "بالعربي" وبرجال "العربي" سألناه عن الفرق بين هذا المركز وبين أي مستشفى عادي فأجابنا قائلاً: ان هذا المركز سوف يحل جميع المشاكل الطبية المعقدة وبخاصة تلك الأمراض التي كانت الحالات المصابة بها توفد للعلاج في الخارج، علاوة على أنه قلعة طبية تعليمية لتدريس الكوادر الطبية المساعدة والعليا في الجماهيرية. لقد جهز هذا المركز تجهيزاً عالياً بأحدث الأجهزة الطبية الموجودة في العالم، وهو يشمل جميع التخصصات الطبية التي تحتاج إليها الجماهيرية، ويحوي المعامل الطبية، وأقسام العلاج الطبيعي والمختبرات، ومصنعا متكاملا للغازات الطبية ومصنعا للمحاليل الوريدية. والمركز مدينة طبية متكاملة تشمل مساكن للأطباء والهيئة الطبية المساعدة.

ويقول الأستاذ حبيب إسماعيل ثامر: إن هذا المركز يعد من المرافق الصحية التي يعول عليها الكثير في تدريب طلبة وطالبات كلية الطب لجامعة الفاتح، وكذلك الفئات الفنية المتوسطة. وتساءلنا عن الخدمات الموجودة الآن في المركز فأجابنا: إن الخدمات والتخصصات الموجودة الآن في المركز هي: أمراض الباطنة وأمراض النساء والولادة وأمراض الأطفال ثم الجراحة العامة، كما يوجد العديد من التخصصات الطبية الدقيقة مثل جراحة القلب والعظام ومركز الطب النووي، وأضاف الأستاذ حبيب قائلاً: إن هذا المركز لم يمر على افتتاحه حتى الآن ستة شهور وإدارته تسير بعناصر ليبية طبية، ويحتوي على قرابة 1500 سرير ومع حاجة المركز إلى كوادر فنية وأخرى طبية لإدارته، فإننا بحمد الله تمكنا من افتتاحه وإدارة الكثير من أقسامه على الرغم من وجود بعض الصعوبات التي نأمل من جميع المؤسسات في الجماهيرية تذليلها. هكذا.. اختتمنا جولتنا في مدينة طرابلس، بعد أن عانقنا تاريخها، وأكرم ضيافتنا حاضرها الذي ينطلق بثبات إلى المستقبل.

 

 

 

صادق يلي