معرض الكتاب الحادي والعشرين في الكويت

معرض الكتاب الحادي والعشرين في الكويت

الثقافة العربية في نفق الأزمة
تصوير: طالب الحسيني

ظلت للكتاب العربي. ولأزمنة طويلة. مكانته العالية في سماء الثقافة العربية، قبل أن يتنازل عنوة عنها، لآجهزة البث الفضائي، التي أقتحمت سماواتنا وبيوتها، فارضة قيماً وأساليب جديدة لطرائق حياة مختلفة.

إن نظرة إلى الأفق الثقافي المعاصر تدفعنا للشعور بالقلق، حيث بات العزوف عن القراءة أمراً واضحاً، وتلك بحد ذاتها أزمة تحيك حبالها لتحيط بعنق الثقافة بما ليس لتعدمها، بل لتبتعد بها عن مجتمعاتنا العربية أو لتستبدل بها ثقافة يقررها الآخرون.

وإذا كان لهذا العزوف أسبابه، فإن الكتاب العربي صار يسبح معه وسط رمال متحركة لا تبعث على التفاؤل. وهنا لابد لنا أن نتساءل عن مصير الثقافة التي أشبع أجدادنا بطون الكتب تفتيشاً عنها وتنقيباً عن مساربها.. فما الذي يكمن وراء هذا الواقع؟!.

هل هو التلفزيون بقنواته الفضائية التي يصعب إحصاؤها، أم أن ارتفاع أسعار الكتب، جعل اقتناءها أو الحصول عليها فوق طاقة القارىء، وإن لم يكن هذا ولا ذاك فهل الرقابة أثرت سلباً إلى حد كبير على الكتاب وتوزيعه؟! إنها بوادر أزمة حقيقية، واتهام موجه للقارىء العربي..!!.

قضية معقدة ذات دوافع ونتائج يصعب التكهن بها، لذلك كان لابد من العودة إلى القائمين على تجارة الكتب وإلى القراء الذين يبحثون عنها.

اغتنمناها فرصة فحملنا أسئلتنا وتوجهنا بها إلى معرض الكويت الحادي والعشرين للكتاب العربي والذي رافق بدايات مهرجان القرين الثقافي الثالث.

وبين دور النشر المشاركة في المعرض كان الزوار يكتظون كباراً وصغاراً، رجالاً ونساء، بعضهم يدفعون أمامهم عربات كدست الكتب فيها وبعضهم يحملون أكياساً غصت بالكتب.. ما هذه الكتب وأي غرض تثقيفي تخدم؟.

صياغة الأفكار

وقفتنا الأولى كانت مع نوري عبيد النائب عن اتحاد الناشرين التونسيين وممثل وزارة الثقافة في هذا المعرض، لنسأله عما إذا كانت مقولةالبعض بأن الكتاب في تراجع أم أن فيها شيئا من التشاؤم، قال: أعتقد أن الكتاب مادياً وعملياً في تراجع، ولكن الذين يعرفون ماذا يريد القارىء يمكنهم أن يخففوا من حدة التراجع. الكتاب الذي ينشر عشرة أعوام لا يمكن أن يوزع بالطريقة نفسها الآن، فالكاتب أو المفكر مطلوب منه اليوم أن يعيد صياغة أفكاره، فيعود إلى التراث ليؤسس أفكاراً جديدة يجد فيها القارىء ضالته وعندها سيقتني الكتاب، ويجب أن نضع في حسباننا أن القارىء لم يعد متقبلاً كتاباً مؤلفاً من مئات الصفحات ما لم يكن مضطراً إليه في اختصاص، ومن المؤسف أن الكتاب المنتشر اليوم والمطلوب بكثرة هو كتاب الخرافة والمغامرات بالنسبة للشباب، ويعيش كاتبنا العربي خوفاً من تقديم الفكرة أو الخيال الذي يريده القارىء بطريقة جريئة وبمعرفة كبيرة بمتطلبات الشباب، ونستطيع القول إن شبابنا من سن الـ 12 سنة وحتى الـ 18 سنة لا يجدون كتاباً عرباً يكتبون لهم بشكل خاص، فمجتمعنا العربي يفتقر إلى كتّاب هذه الفئة المهمة من أبناء المجتمع.

وعن سبب انتشار كتاب الخرافة هل يعود إلينا نحن العرب الذين اهتموا بالأساطير منذ القدم يقول: هناك جانب سببه نحن وعلاقتنا بالأساطير،ولا عيب بأن يكون للشعب علاقة بالأسطورة، فالأسطورة يمكن أن تفعل بالواقع ما لا تفعله الفكرة أو السياسة أحياناً، ولكن أن يبقى المجتمع في خضم الأساطير فهذه مشكلة، والمصيبة الأكبر أن يتوافد الزوار إلى الجناح التونسي يريدون كتباً تتحدث عن عجائب المخلوقات وعن الشياطين والسحر والشعوذات، وأظن أن طرق التدريس ومناهجه سهلت على القارىء الهروب إلى الأسطورة، وذلك لأنها لم تتطور بالشكل الذي تتماشى فيه مع الواقع، في الوقت الذي يتطور فيه العالم بسرعة، ونجد الطالب يتخبط في الدول الفقيرة بدراسة ما عرفه العالم في الأربعينيات.

مسئولية القارىء

وعن الأزمة هل هي أزمة كتاب أم أزمة قارىء يقول إبراهيم الوزان مندوب الرئاسة العامة لرعاية الشباب الإدارة العامة للأندية الأدبية في المملكة العربية السعودية: إذا أردنا أن نقول إنها أزمة قارىء فهناك أزمة قارىء وإذا قلنا إنها أزمة كتاب فهذا صحيح أيضاً، ويتوجب على دور النشر إذا كانت تريد إفادة القارىء العربي أن تعيد النظر في موضوع الكتاب، وألا تتعدى نظرتها الفائدة الثقافية إلى ما هو مادي، وإذا كانت الفائدة المادية ضرورية فنحن لا نريدها على حساب الفكر وثقافة القارىء العربي المتحفز للمعلومة الصحيحة، وفيما يقال عن أن وسائل الإعلام سرقت القارىء من كتابه فإنني أشكك بهذا الكلام، إذ لا يمكنها فعل ذلك إلا إذا انحسر مد الكتاب، لأن الكتاب يبقى الأصل وسيظل كذلك مهما تطورت التقنيات الإعلامية، فالفائدة الحقيقية كامنة فيه، ويكفي أنه خير جليس في الأنام.

ولا أبرىء القارىء فهو أيضاً يتحمل جزءاً حيث رضي بالقشور من الثقافة ولم يتغلغل إلى الجوهر الحقيقي.

مصاعب التسويق

والطريف في موضوعنا هذا أن الجهات التي تصنّع الكتاب والأخرى التي توزعه والثالثة التي تستقبله كلها تشتكي في مجتمعنا العربي، ولكل جهة همومها التي قد تغيب عنا نحن القراء، فحين التقينا أحمد الزيادي مدير دار الشروق القاهرية بدأ يحدثنا عن مصاعب تسويق الكتاب منطلقاً من اتهام عام حيث قال: إن القراءة ليست متأصلة أو أنها لم تصبح متأصلة بعد بين الشعوب العربية، وبغض النظر عن مدى صحة هذا الاتهام والنقاش حوله، يتابع الزيادي: وهناك صعوبات عديدة أبرزها النقل والرقابة ففي كل بلد نجدها مسيطرة، ونجد أسعار الشحن الجوي مرتفعة، ولا يمكننا أن ننسى الجريمة الأزلية التي تتمثل في الاعتداء على حقوق الملكية أو ما يطلق عليه بالتزوير والذي يقوم به بعض الأفراد غير الملتزمين أخلاقياً أو مهنياً حيث يأخذون الكتاب الرائج ليعيدوا طبعه دون استئذان الناشر أو المؤلف وهذه سرقات واضحة.

وهناك تشجيع للقراءة والمكتبات العامة بحيث تستفيد الأجيال الجديدة من الكتاب ولكن ومع الأسف أن نسبة الأمية لا تزال عائقاً أيضا.

وعن سر زيادة التوزيع في الدول الغربية يقول: قبل معرض الكويت للكتاب كنت في فرانكفورت وما رأيته هو زيادة توزيع الكتاب بشكل واضح، ويمكن التنويه إلى أن الإعلان عن الكتب قليل في وسائلنا الإعلامية بأنواعها، فهي التي تلفت أنظار القراء إلى الكتاب وتجعله ينفد بأرقام خيالية.

انتشار النمط الاستهلاكي

وحول عزوف أبناء المجتمع عن القراءة وعدم الاهتمام بالكتاب يقول خالد قطمة المدير العام لدار سعاد الصباح للطباعة والنشر والصحفي المعروف: أعتقد أن المسألة هي تراجع حضاري في الدرجة الأولى، فالإنسان العربي فقد اهتمامه بالكلمة وبالكتاب لكثرة ما كذبت عليه الكلمات والكتب، أضف إلى ذلك أن القارىء يعتقد أن الكتاب الذي يقرأه قد خضع لغسيل الأوراق وما كان له أن يصدر أي كتاب دون موافقة من سلطة تملك السيف وتتحكم بالحرية، لذلك هو لا يؤمن بأن هذا الكتاب يعبر عن الحقيقة فيتزايد عزوفه عنه لعدم قناعته به، دون أن يلغي ذلك العوامل الرافدة لهذا العزوف وهي انتصار النمط الاستهلاكي في حياتنا والمتمثل في اللجوء إلى التسلية وغلاء الأسعار والرقابة، حيث تخلق الرقابة لدى القارىء انطباعاً بأن هناك كتاباً جيداً يمنع وقد لا يكون الكتاب كذلك، ثم إن الرقابة في حد ذاتها هي اعتداء على حق الإنسان في أن يقرأ ما يشاء، إنها اعتداء على حق الاختيار العقلي للإنسان، لذلك فإن الرقابة تشكل حاجزاً نفسياً بالنسبة لبيع الكتاب العربي اذ توحي بأن الكتب المعروضة غير ذات مضمون مهم، لذلك لم تمنع.

وعن معرض الكويت وما يماثله من معارض في بلداننا العربية يردف خالد قطمة قائلا: أعتقد أن معارض الكتاب العربي هي أجمل الجنازات للكتاب العربي، فليس هناك من يشتري ولا من يبحث عن كتاب وبصورة عامة، هناك حضور للفرجة والتسلية خاصة في بلد يفتقر لأماكن الترفيه، إن عدد زوار مركز ضخم للأغذية في يوم واحد يفوق عدد زوار معرض الكتاب، وهذا ينسحب على ما يحصل في جميع الدول العربية تقريباً فإن قيل لي إن حضور معرض الكتاب بالقاهرة يبلغ نصف مليون شخص تقريباً على امتداد أيام المعرض فإني أعيد الرقم إلى مركز الاحصاء المصري الذي يقول إن عدد سكان مصر "60" مليون شخص ناهيك عن الزوار العرب.

ويؤكد خالد قطمة أن نظرته هذه نابعة من أرقام المبيعات.

الرقابة .. من أكبر الهموم

إن معظم الذين التقينا بهم في المعرض لم يكونوا مجرد موزعين أو باعة كتب وإنما هم قراء بالدرجة الأولى، ولذلك لم تأت أحاديثهم تؤازر تجارة الكتب بقدر ما كانت أنفاسهم أنفاس قراء، وبداخلهم هموم القراء وخدمة القراء، ومن الملاحظ أن شكوى بعض المشاركين في المعرض جاءت شبه مقتصرة على الرقابة وتسلطها اللامنطقي على نشر الثقافة، فلدى استماعنا إلى صاحب دار الحكمة ورئيس تحرير مجلة المنارة السورية سليمان البواب وجدناه يقف لينفث آهاته ومعاناته من الرقابة، وليس المقصود بها في معرض الكويت إنما الرقابة في البلدان العربية بشكل عام، فيصفها بأنها تشكل سيفاً مسلطاً على الثقافة، وفي معظم الأحيان لا يمتاز القائمون عليها بالكفاءة، فالإبداع يحتاج إلى رقابة لديها إلمام أكثر من المبدع ذاته، وذلك لكيلا يقع الرقيب تحت وطأه ميوله وأهوائه، ويتركها تتحكم بعمله دون ضوابط.

ويطالب سليمان البواب برقابة ذات أصول منهجية تناسب البلد بمختلف اتجاهاته، ويطالب بإلغاء الرقابة نهائيا، حيث لم تعد مناسبة في عصرنا الذي يسوده التواصل الإعلامي الذي يربط أنحاء العالم، فمن غير المعقول أن نسمع ونشاهد إعلامياً مسائل ثقافية خطيرة ومهمة وقضايا سياسية لها وقعها، وإذا بحثنا في المعرض عن كتاب يبحث في القضية التي أثارتنا لا نجده لأن الرقابة منعته..!!. إن حجب الكتاب ـ على حد قول البواب ـ خطأ كبير تقترفه الجهات التي تجيز هذا الحجب، ولنتساءل كيف نرد على من يخطىء ما لم نعرف خطأه وما لم يعرف القراء ذلك الخطأ، لا تستغرب إن قلت لك إن هناك عشرين رداً على سلمان رشدي من قبل كتاب لم يتسن لهم قراءة كتابه، وحين تسأل أحدهم كيف ترد على شخص لم تقرأ كتابه فيأتيك الجواب "سمعت أنه أساء"، فلماذا لا تكون الردود حالة صحيحة معتمدة على الحقيقة المجلاة أمام الناس، هذا إذا أردنا أن نترفع بهذه الردود عن العشوائية.

وفيما إذا كان توزيع الكتاب يشهد تراجعاً، قال البواب إن نظرة البعض إلى الكتاب بأنه يتراجع لا تخلو من تشاؤم، لأننا نريد من الكتاب العربي أن يكون أكثر مقدرة على شق طريقه إلى أيادي القراء، وهناك دور نشر في الوسط الثقافي لديها منشورات ملتزمة إلا أن هذا لا يكفي إذ يجب أن تكون هناك منافسة حقيقية تكون من خلال رقابة معقولة تترك هامشاً للكاتب والناشر ليقدما الأكثر حداثة وإبداعاً. ونلحظ إجحافاً واضحاً بحق المؤلف الذي يسهر ويكتب ويبذل جهده دون الحصول على مردود مناسب يوازي هذا الجهد، وفي أحسن الأحوال لا يطبع من الكتاب أكثر من "5000" نسخة لتصل في بعض الأحيان إلى "500" نسخة ولذلك يزداد سعر الكتاب.

ارتفاع أسعار الكتب

وبما أن الشكوى تكررت من سعر الكتاب المرتفع واعتبرت السعر عائقاً، فقد تحدثت السيدة إحسان كنعان مديرة المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع في لبنان عن هذه القضية فاتهمت القراء بأنهم كثيرو الشكوى، فسعر الكتاب باقٍ كما هو، هذا بخصوص الكتب القديمة وأما الإصدارات الجديدة فإن أسعارها تحسب على أساس الكلفة الجديدة، ولكن القارىء يعاني في عصرنا الحاضر من التضخم المالي في كل سلع الحياة من المأكل والملبس والمدارس والقرطاسية، فلماذا لا يعترض إلا على سعر الكتاب، مع أن أحدنا حين يشتري الثياب بأغلى الأسعار يتخلص منها في نهاية العام مع صدور الموضة الجديدة، وعندما يأكل يدفع أسعاراً خيالية، فلماذا ينظر إلى سعر الكتاب على أنه مرتفع مع أنه يبقى ليتوارثه جيلاً بعد جيل؟!.

إن كل المواد الأولية لإنتاج الكتاب مستوردة من الحبر إلى القرطاسية والبلاكات وغيرها، والعمال أليس لهم حقوق وزيادات رواتب سنوية، من أين تقدم إليهم ما لم يتم كسبها من سعر الكتاب؟

وأنا أرى ذلك التذكر ليس أكثر من حجة لإيجاد مخرج أو تبرير لكسل القراء والسير في طريق الجهل.

إن الرحلة الطويلة التي قضتها السيدة إحسان مع الكتاب دفعتنا للسؤال عن أحوال الكتاب وتوزيعه بالنسبة للأعوام الماضية فقالت: إنها حقيقة لا مهرب منها فالتراجع كامل وواضح فالشباب مسحورون بالكرة والفتيات مأخوذات بالمواد التجميلية والرجال وراء الإنترنت والتلفزيون والطالب مؤطر بمنهاجه المحدد.

وترى ليلى الخطيب ممثلة شركة المكتبات الكويتية ومديرة الفروع فيها، أن أكثر الكتب رواجاً في المعرض هي الكتب الدينية وكتب الطبخ إضافة إلى الكتب الأكاديمية التي يحتاج إليها الشباب والباحثون في أداء واجباتهم الدراسية، وأشارت السيدة ليلى إلى أنه يجب الانتباه إلى القارىء الحقيقي الذي يعتبر القراءة ليست أقل شأنا من الطعام والشراب والملبس، وهذا القارىء وأمثاله لا يشتكون من سعر الكتاب بحال من الأحوال.

ويتحدث صفوت أباظة مدير نادي الكتاب بمؤسسة الأهرام عن أزمة الكتاب فيقول:
أعتقد أن الأزمة ليست أزمة كتاب إنما هي أزمة الإعلان من الكتاب أو معرض الكتاب في البلاد العربية، فالإعلان عن معرض الكويت فيه تقصير كبير جداً، في حين أننا نعتبر هذا المعرض بمثابة عيد للمثقفين، والقارىء ينفر من سعر الكتاب غاضاً بصره عن سعر الكتاب القديم الذي لم يتغير سعره، وزيادة السعر على الكتب الجديدة ليست آتية من جراء طمع الناشرين بل من زيادة سعر الورق والشحن فلم يظن القارىء أن الناشر يحاربه؟

وفي الحقيقة لا يعترف القارىء بأن أدوات تقضية الوقت كثرت لديه كالفيديو والتلفزيون المدعم بصحون الاستقبال والكمبيوتر، ولكن لله الحمد وعلى الرغم من ذلك فإن الكتاب لايزال في المقام الأول، فالطفل يلجأ إلى الكتاب والطلبة لا يزالون ينظرون إلى الكتاب على أنه هو الأساس. وإذا كان القارىء يظن أن الناشر يحاربه فإن سارقي الكتب يحاربون المؤلف والناشر، وإذا كان ذلك اللص لا يزال طليقاً فإن بعض المعارض تصادر الكتب المسروقة، ومما يؤسف أن هذه الإجراءات لا توقف السارق عند حد، ويبقى هو الرابح، وندعو الجهات المعنية في كل مكان من وطننا العربي لوضع حد لهذا العمل السلبي.

السرقات الأدبية

وقضية السرقة التي أشار إليها ممثل الأهرام تؤرق كبار الكتاب والناشرين في وطننا العربي، حيث اتخذت هذه السرقة أشكالاً عديدة أبرزها التي يقلد فيها السارق الكتاب الأصلي ليصدره مطابقاً للطبعة الشرعية وباسم ناشرها الأصلي، فيخدع بذلك الرقابة والجمارك والحدود، وإن لم تأت السرقة على هذا الشكل فإنها تأتي على شكل ترجمة دون أخذ الإذن من أحد، أو تجمع بعض الأعمال ليصار إلى إصدارها في كتب جديدة.

وأيا كان الشكل أو الطريقة في السلب فإنها تحرم المؤلف والناشر من ثمرة جهدهما وتسبب لهما خسارة صعبة، وتجتهد بعض الجهات المعنية آملة في أن تجد حلاً لهذه الجريمة التي يقترفها ضعاف النفوس بحق المجدين والمجتهدين الذين ينفقون أوقاتهم وأموالهم للخروج بعمل من شأنه أن يفيد الإنسان ويرفع من مستواه.

ويرى مسئول العلاقات الإعلامية في مركز التراث الشعبي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية بالدوحة صالح غريب أن كتب التراث تلعب دوراً في اهتمامات القارىء في الكويت، ولاسيما كتب الحكايات والأغنية والألعاب، وقد وجدنا اهتماماً بمطبوعاتنا، وأظن ذلك يعود لاهتمام أبناء الكويت بالتراث وجمعه، إذ فيها منذ "25" سنة مركز للتراث الشعبي والجميل أن معرض الكويت للكتاب العربي يمتاز بالإقبال الجماهيري الكثيف، ولاشك أن معرض الكتاب ومهرجان القرين مكملان لبعضهما البعض، وأطالب كإعلامي من دولة قطر بأن نتخلص من الرقابة والرقيب وأن تكون رقابتنا ذاتية فنحن كعرب لدينا تقصير ملحوظ بمسألة النشر. ودلت الأجوبة على الاستفسارات التي طرحناها أمام القراء إلى أن كل فرد يشتري الكتب التي تجاري اختصاصه إضافة إلى الكتب العامة، تقول هنوف الربيعان خريجة كلية الحقوق وإحدى الزائرات للمعرض: لا أقتني الكتب على أساس التخصص، وأركز على كتب علم النفس والقانون وأعتبر الكتب التي تتحدث عن الأزياء والجمال والطبخ أساسية، لأن الأنثى بطبيعتها تفضل هذه الكتب.

فيما تقول خلود متعب الطالبة في آخر المرحلة المتوسطة إنها اشترت قصصاً ثقافية وكتبا تتحدث عن الجريمة، وكذلك اشترت زميلتها مريم العبدالله قصصاً وحصلت على مجلات مجانية وقصصها التي اشترتها لأجاثا كريستي وقليلاً من أعمال شكسبير، وتمتدح السيدة عواطف العثمان مرافقة الطالبات المعرض حيث أسعار الكتب معقولة، وعن نفسها فقد اشترت كتباً تفسيرية للقرآن وبعض كتب السيرة إضافة إلى كتب المطبخ. وتقول إن المعرض يؤمن الكتب دون عناء البحث والتفتيش في المكتبات.

حدود الرقابة

لقد ورد عن وكيل وزارة الإعلام فيصل الحجي أن إدارة الرقابة التابعة لوزارة الإعلام لم تمنع في معرض الكويت الحادي والعشرين للكتاب العربي سوى "85" كتاباً من أصل "41500" عنوان ضمنها المعرض. وبين وكيل وزارة الإعلام أن المنع اقتصر على حالات ثلاث وهي التعرض للذات الإلهية أو الفتنة الطائفية أو الدعوة إلى الإباحية الجنسية أو ترديد أباطيل النظام العراقي.

وفي المجال ذاته ونظراً لأن الاتهامات تكررت على الرقابة التي وصفت بأوصاف قاسية لمرات عديدة انتقلت العربي إلى الأستاذ يوسف الجلاهمة مدير إدارة الصحافة والمطبوعات والنشر في الكويت لتستمع إلى دفاعه عن الرقابة الذي قال فيه: يجب أن نكون واقعيين في التعامل مع المعلومات في عصرنا الحاضر الذي كثرت فيه القنوات التي تدفع بالمعلومات بأشكالها، والرقابة لا تهدف إلى حجب المعلومات بقدر ما تهدف إلى عرقلة تجارة الكتب التي نراها فاسدة بفحواها،

ففي 1996 اعتمدنا كرقابة على بنود رئيسية ثلاثة وفقها يتم المنع، أولها الكتب التي تمس الذات الإلهية والإسلام والآداب العامة، وثانيها الكتب التي تثير النعرات الطائفية وثالثها الكتب التي تؤيد المزاعم العراقية بحقها في الكويت وهي كتب معروفة المنبع وليس فيها وجهات نظر، وأظن أن منع مثل هذه الكتب حق مشروع لنا.

ونحن نقر بأن الرقابة على المعلومات أصبحت صعبة جداً، ولا يمكن حجب المعلومات، ولكن من حقنا ألا نساعد ماديا هذا النوع من الكتب.

وبالنسبة للرقباء في الكويت فهم ذوو دراسات جامعية في مختلف الاختصاصات، وأصحاب خبرة عملية لا تقل عن أربع سنوات "كمساعد رقيب" بعدئذ يحصل على المسمى الوظيفي "رقيب مطبوعات".

ولا يحق لرقيب المطبوعات في الكويت أن يمنع كتاباً بل من حقه أن يجيزه، وأما المنع فهو عملية صعبة تأخذ مراحل طويلة، ففي البداية يكتب الرقيب ملاحظاته التي تعرض على جهات أخرى قد لا تأخذ بتقرير الرقيب، وقد يصل الكتاب إلى أعلى مستويات الوزارة ثم يتقرر المنع، وقد يدخل الكتاب لجنة دائمة للنظر في المنع، فإن أقرت الجهات كلها المنع كان الكتاب ممنوعاً، فالكتاب ورغم ذلك لم يتم منع أكثر من "83" كتاباً فقط من مجمل العناوين التي دخلت المعرض، وأجيز من الكتب الجديدة "600" عنوان في معرض 1996.

وبرغم التشجيع على القراءة من خلال الكتب المشاركة في المعرض والعدد الضئيل نسبياً للمنوعات فإنه لا يمكن أن نصف أنفسنا ـ نحن العرب ـ بأننا شعب قارىء حين نسمع من رئيس اتحاد الناشرين العرب إبراهيم المعلم إحصائية فحواها أن عدد الكتب المتداولة في الوطن العربي كله لا يزيد على 5% من عدد الكتب المتداولة في دولة واحدة من دول العالم المتقدمة.

أية نسبة هذه لكتب تصدر عن "22" دولة عربية ولا تعادل 5% من عدد الكتب في دولة متقدمة؟! إنها ولاشك إحصائية تدفعنا للتشاؤم. ولابد من وضع إشارة استفهام أخرى بعد أن يلح علينا التساؤل "لماذا؟" وعلى من يمكن أن نلقي اللوم؟

وغني عن البيان أن التوزيع في البلاد العربية لهذه الـ 5% ليس متساوياً، فالكويت مثلاً واحدة من أبرز الدول العربية التي تعني بالكتاب وتسهل وصوله إلى أيادي القراء، هذا باستثناء جهودها في مجال نشر الثقافة، حتى غدت هذه المهمة شاغلا لمختلف الجهات المعنية.

فالشيخة لطيفة الفهد حرم سمو رئيس مجلس الوزراء وولي العهد، قالت أثناء افتتاح معرض الكتاب العربي في الكويت: إنها تتمنى على مؤسسات القطاع الأهلي بأن تدعم النشاطات الثقافية في البلاد من خلال التبرعات والدعم المالي أسوة بما يحدث في العالم المتقدم، وأكدت الشيخة لطيفة الفهد أن الثقافة عنصر مهم في بناء الإنسان، وأن الإنسان هو الهدف الأول والأخير لعملية التنمية، وإذا كانت المؤسسات المالية في الغرب تتبرع حتى لجمعيات الدفاع عن الحيوانات ورعايتها، فإنه من الأجدر بمؤسساتنا المالية الأهلية أن تتبرع لدعم الثقافة التي هي غذاء عقل الإنسان.

وفي محطتنا الأخيرة كانت وقفتنا مع مدير إدارة التوزيع ومعارض الكتاب الأستاذ سهل العجمي الذي زاد الأمور إيضاحاً وجلاء حيث قال مستعرضاً أبرز المراحل والوضع الدقيق للمعرض: ابتدأ معرض الكويت للكتاب العربي سنة 1975 بصالة صغيرة في الشويخ ثم انتقل إلى صالة العلوم بجامعة الكويت وبدأ يتطور حتى وصل إلى الصورة التي نراها في هذا العام، حيث دخل المعرض قرابة 42000 عنوان وأكثر من مليون ونصف كتاب.

وحرصنا كثيراً على راحة الزوار فاهتممنا بأمرين أولهما تسخير الجهود التي بذلتها إدارة المعرض لتقليص وقت الزائر أثناء البحث عن الكتب التي يريدها، ولأجل ذلك كانت صالة العرض الرئيسية التي صنفت فيها الكتب بشكل معين وعلى كل كتاب سعره ورقم الجناح الذي يباع فيه، وثانيهما وضع فهرس الحاسب الآلي الذي أدخلت فيه جميع عناوين الكتب، فكل مواطن يمكنه الاستفسار عن الكتاب الذي يريد وعن سعره والجناح الذي يباع فيه، هذا عدا الفهرس الشامل الذي أصدرناه قبل افتتاح المعرض بأسابيع ثلاثة، وقد شمل الفهرس ما صدر من الكتب خلال ثلاث سنوات مضت. إنني أتحدث عن المعرض وأنا أعلم أن الإنسان لا يستطيع نقد نفسه ولا الثناء عليها، ولكن أستشف حديثي من خلال ما سمعته من زوار المعرض ومن أصحاب دور النشر المشاركين ومن خلال الاستبيان الذي وزعناه لمعرفة آراء الناس، ومجمل النتيجة ولله الحمد كانت شهادة لصالح المعرض، وبأن معرض الكويت من أفضل المعارض في الوطن العربي بشكل عام وبالخليج بشكل خاص. ولقد وصل عدد الدول المشاركة في معرض الكويت الحادي والعشرين للكتاب العربي إلى عشر دول وثماني منظمات مشاركة فيما دخلت المعرض "558" مؤسسة ودار نشر. وقد دخلت الكويت المعرض بإحدى وسبعين دار نشر، وقد لاقت الكتب الفكرية والدينية وكتب الأطفال رواجاً مميزاً في المعرض. وختاما يبقى استطلاعنا هذا وجهات نظر حصلنا عليها من خلال أنشطة ثقافية أقيمت في نطاق محدد من الزمان والمكان.

 

 

 

جمال مشاعل