عزيزي القارئ

عزيزي القارىء

ربيع آخر

عزيزي القارىء...

يأتيك هذا العدد بينما الربيع يبلغ أوجه، عافية خضراء، ومهرجانا من الألوان، لكننا نخبىء لك ربيعا آخر بين صفحاتنا، عافيته أحد العقول العربية المتوقدة، وألوانه طيف واسع من ثقافات متنوعة يدخرها هذا العقل.

نحن إذن نحدثك عن الربيع العقلي، رغم أن الجسد قد يكون مثقلا بملامح الخريف. فعندما تبدى الدكتور شاكر مصطفى بخطوه المتمهل الوئيد، بين أروقة العربي، خف إليه محررونا الشبان كي يصحبوه إلى غرفة رئيس التحرير، وثمة همسات ترددت حينئذ تقول: "يا الله، كم كبر الرجل ".. "لقد كبر الرجل ". لكن، بعد أن ترك الرجل- للنشر- مقالته الموسومة "هل هناك حقا أدب مهجري "؟ تخطفت أيادي أسرة التحرير تلك الصفحات المكتوبة بخط جميل دقيق، بالغ الدقة، مما استدعى تكبير الصفحات لتتيسر قراءتها في مراحل الطبع المختلفة، وبعد أن تمت قراءة نص المقالة ترددت همسات أخرى تقول: "يا الله ما أصبى عقل الرجل، ما أشد فتوته ".

فالمقالة تلك، وهي التي ستراها منشورة في عددنا هذا، إنما تمثل لمحة من فتوة العقل العربي وتألقه، أي ربيع هذا العقل. فالربيع الحقيقي يكمن في القدرة على الطلوع بالجديد، رغم ركام القديم وسيطرته، والمقالة في هذا الجانب تحمل قدرة ربيعية لا شك فيها، إذ إنها تشق ركام المسلمات التي اعتدناها طويلا في موضوع "أدب المهجر وشعر المهجر"، بل إن هذه المقالة تنسف هذه المسلمات، وتضعنا وجها لوجه أمام صورة جديدة تماما، جريئة وجذرية، فهل هناك ربيع أكثر فتوة من ذلك؟. إن خطورة سيطرة المألوف، والمعتاد، والذي تم اعتماده، على العقل العربي الحديث، إنما تشكل الحاجز الأكبر والأغلال الرئيسية التي تعوق هذا العقل، وتقعده عن النهوض للحاق بعصر يخضع فيه كل شيء للمراجعة، أو على الأقل إمكان المراجعة.

وملامح هذه المراجعة الواجبة في هذا العدد عديدة: فهناك استطلاعان يركزان على الثقافي والحضاري كمدخل صحيح للحوار الإنساني، أحدهما عن تركيا التي تمتزج على أرضها أزمنة شتى وتلتقي أماكن عديدة، والآخر عن سوريا الذاكرة والحضارة كما جاء في احتفاء معهد العالم العربي بها ومراجعة لشوقي رافع عن "عصر الجنرالات"، إضافة إلى ذلك هناك مراجعة للدكتور عدنان مصطفى في موضوع "الرعب الكهرونووي والجنوب "، ومراجعة طارق الحجي "حقيقة اليهودية" ومراجعة الدكتور رمضان بسطاويسي "أثر التكنولوجيا على الفن ". ومن مدهشات المصادفات أن لوحة "الصرخة" المنشورة في عددنا هذا ضمن موضوع "صرخة غيرت وجه الفن " تمت سرقتها بعد إعداد الموضوع للنشر، ثم أذيع أن وسيطا طلب مليون دولار لإعادة هذه اللوحة. وقد يكون ذلك خير تأكيد على أن المراجعة واجبة دائما.

ولعلنا بتقدير هذه الروح، نتلامس مع جوهر الربيع، الذي نتمنى دوامه للعقل العربي، ونتمنى لك فيه- عزيزي القارىء- الانتعاش والبهجة.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات