طوابع البريد الكويتية... توثيق ثقافي

طوابع البريد الكويتية... توثيق ثقافي

في الوقت الذي تقف فيه الكويت على أعتاب العام 2001 الذي توّجت فيه عاصمة للثقافة العربية، وتباهي بدورها الريادي الذي اضطلعت به في ميدان الثقافة العربية. ومن قبيل الاحتفاء بإشراقات الثقافة في الكويت، تجدر استعادة صفحات أرخت بأسلوب يكاد يكون فريداً لأساسيات الثقافة في الكويت، هذه الصفحات تشكلها طوابع تاريخ الكويت الثقافي.

الطوابع البريدية تعني بشكل أو بآخر دفع التكلفة قبل استعمال خدمة التوصيل من جانب المرسل، ولكن هذه الطوابع بشكل عام لم تعد تؤدي خدمتها البريدية فحسب، وإنما دخلت مجال التوثيق، فأصبح الهواة حريصين على اقتنائها لمكانتها التوثيقية والمادية معاً، وقد بدأت هذه الهواية مع بداية إصدار أول طابع بريدي في بريطانيا سنة 1840م ونفدت كل الكميات المطبوعة التي أعدت منه للبيع في أول يوم لإصداره، وتطورت الهواية فيما بعد وازداد عدد الهواة الذين انتشروا في مختلف أنحاء العالم.

وقد عرفت الكويت البريد منذ نشأتها تقريباً، حيث كانت الرسائل تنقل من وإلى الكويت في السفن المتوجهة إلى الهند وإيران وبلاد الخليج، وعن طريق البر إلى الجزيرة العربية والعراق والشام، وتعتبر أول رحلة بريدية معروفة ومسجلة كانت من الكويت إلى حلب بتاريخ 15/6/1775م، وقام بتوصيلها أفراد الهجانة.

وبقيت الكويت تستخدم الطوابع الهندية حتى عام 1923 الذي شهد إصدار مجموعتين من الطوابع للاستعمال الرسمي وعليها طبع اسم الكويت (Koweit) منها طبع اثنتا عشرة مجموعة ما لبثت أن رفضت بسبب الخطأ في طباعة اسم الكويت وسحبت جميعها، ولذلك فإن أغلى طابع كويتي هو الذي ينتمي إلى تلك الطوابع.

وشهد عام 1958 أول مجموعة بريد وطنية تكونت من ثلاثة طوابع تحمل صور المغفور له الشيخ عبدالله السالم الصباح، وكانت للاستعمال المحلي فقط.

وصدرت بعد ذلك مئات المجموعات منها ما حمل مناظر عن البيئة الكويتية، ومنها ما حملت صوراً ومناظر مختلفة من الكويت، وكذلك صوراً لأمراء الكويت، ومن المجموعات أيضاً ما حمل صوراً لطيور الكويت وأدوات صيدها، وبعضها وثق الألعاب الشعبية القديمة، وأخرى وثقت لطرق نقل وتوزيع المياه بالكويت حين كانت المياه تنقل من الآبار على ظهور الدواب، كما صدرت مجموعة تسمى حشائش ونباتات الكويت.

ومادام الغرض من الطابع لم يعد للبريد فحسب، وإنما صار أداة توثيقية، فقد حظيت الثقافة في الكويت بمجموعة مميزة مؤلفة من خمسة وعشرين طابعاً بريدياً صدرت في 1997، وكل واحد منها يؤرخ لمعلم ثقافي له شأنه في التاريخ الثقافي كالمنشآت الثقافية أو الكتب أو مناسبة مهمة،أو سلسلة لافتة للنظر أو دورية صحفية.

سجل آخر للثقافة

وإذا ما تابعت هذه الطوابع البريدية وفق التسلسل الزمني لما حملته وأرخت له، فإنك تسير خطوة خطوة مع أبرز الملامح للزمان والمكان والتاريخ للثقافة الكويتية، ولعل في بزوغ هذه الفكرة عن الأمانة العامة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وتنفيذها من قبل إدارة البريد بوزارة المواصلات، خدمات وطنية جليلة أولها يتمثل في التأريخ للحدث الثقافي وإبراز عظمة مكانته، وثانيها تقديم التراث الثقافي الذي تفخر به الكويت للعالم، وثالثها تسليط للأضواء على الأساسيات التي تعتبر مراحل فعلية للنهوض الثقافي الكويتي خلال القرن المنصرم حتى تصل إلى أماكن غير التي ولدت فيها، وكأن هذه الفكرة وتنفيذها طلب مهذب من المستقبل لكيلا ينسى وبصمة مخلدة في سجله.

وهذا ما يؤكده وزير الإعلام بالوكالة الشيخ سعود ناصر الصباح بقوله: تعتبر الطوابع الكويتية سجلاً تاريخياً لمسيرة بناء الدولة الحديثة في الكويت بكل مراحل تطورها، ثقافياً وتعليمياً واقتصادياً واجتماعياً ورياضياً.

فيما يرى الدكتور سليمان العسكري عندما كان يشغل منصب الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وهو صاحب فكرة التأريخ الثقافي لأساسيات أو (أوائل) الثقافة الكويتية على هذه الطوابع، يرى أن مجموعة (طوابع تاريخ الكويت الثقافي) من المجموعات المتميزة بين الطوابع البريدية، فهي تحكي وللمرة الأولى ملامح الزمان والمكان والتاريخ وثقافة الكويت.

لقد رصد ت الطوابع ولادة أساسيات الثقافة وخروجها إلى حيّز الوجود وحركة التغيير في حياة المجتمع الكويتي وثقافته، حيث استمر دوران عجلة هذه الحركة ما بين بطيء ومحدود حيناً ومتسارع في العقود الأخيرة.

ففي مطلع القرن الماضي، عرف الكويتيون باعتمادهم بشكل شبه كلي على التجارة وصيد اللؤلؤ، فكانت سفنهم تجوب البحار لتنقل التمور إلى الهند في الخريف ومنها تحمل مواد مختلفة أيضاً إلى موريشيوس وجنوب الجزيرة العربية وزنجبار وغيرها، وتعود من هناك محمّلة بالأخشاب الإفريقية أو أنهم يجوبون قيعان البحار غواصين يصطادون اللآلئ.

بدايات طيبة... ومتواضعة

وإلى جانب هؤلاء، كانت الفئة الواعية نبتة طيبة في البلد من أدباء وعلماء العالم العربي، وبما أنه من المنطقي أن تأتي الإشعاعات الأولى للثقافة والفكر من المدرسة، فقد كانت مدرسة المباركية هي الشمعة الأولى في مسيرة التعليم والثقافة الكويتية وهي النموذج المثالي الأول للمدرسة في ذلك الحين حيث غيّرت من كون المدرسة لا تتعدى أن تكون حجرة واحدة فراشها حصير ليس إلا.

ولدت فكرة بناء هذه المدرسة في عام 1910 وكان هدفها إبعاد شبح الأمية وخطرها عن الجيل الناشئ، وكان لتبرّعات المواطنين الدور الرئيسي في افتتاحها رسمياً سنة 1912 وحملت هذا الاسم نسبة إلى أمير الكويت المغفور له الشيخ مبارك الصباح، ونظراً لأهميتها كأول مركز إشعاع تعليمي، فقد استحوذت على الطابع الأول من المجموعة.

وبالرغم من استمرار سيرورة الحركة الثقافية على استحياء خلال العقود الأربعة الأولى من القرن الماضي،

فإن هذه الفترة حفلت بعلامات فارقة ومضيئة،كإنشاء أول مكتبة عامة في الكويت وكان ذلك سنة 1923، وقد تلقت منذ بدء نشاطها مجموعة كبيرة من الكتب القيّمة التي قدمها المتحمّسون لدعم هذا المشروع،وتشكيل النادي الأدبي سنة 1924، وهو أول تجمّع للأدباء والمثقفين الكويتيين، ورغم أنه لم يعمّر طويلاً فإنه أدى دوراً مؤثراً في الحياة الثقافية على صعيد الكويت.

من العلامات البارزة في مسيرة الحركة الثقافية صدور مجلة الكويت التي أسسها وأصدرها الشيخ عبدالعزيز الرشيد عام 1928، والطريف أن تاريخ هذه المجلة سبق ظهور أول مطبعة في الكويت بعشرين عاماً، ومع أن المجلة توقفت بعد صدورها بسنوات قليلة، فإنها كانت شهرية وشكل فحواها سجلاً دقيقاً للحياة الثقافية والاجتماعية والتاريخية التي صدرت خلالها.

وفي عام 1923 صدر كتاب (دليل المحتار في علم البحار) كأول كتاب كويتي ومؤلفه عيسى القطامي، بحار قدير أجاد فنون الملاحة وقيادة السفن، وهذا الكتاب دليل لفنون الملاحة ومرشد للبحارة الكويتيين في أسفارهم البحرية، وقد خصص له طابع من المجموعة، كما خصصت للعلامات المضيئة السالف ذكرها ثلاثة طوابع، وخصص أيضاً طابع آخر للمدرسة القبلية التي افتتحت كأول مدرسة للبنات في 1937، وقبل أن ينتصف القرن العشرون، صدرت مجلة أخرى في ديسمبر 1946، وهي (البعثة) لسان حال البعثة الثالثة التي أرسلتها إدارة المعارف في 1945 للدراسة في القاهرة، فأنشأت مركزاً أو بيتاً ثقافياً عرف ببيت الكويت في القاهرة، ومن هذا البيت أصدر مديره عبدالعزيز حسين مجلة البعثة التي كانت وطنية كويتية، وبعد إصدار هذه المجلة بعام أو بعض العام، قدمت مطبعة المعارف إلى الكويت في 1947 لتكون أول مطبعة تعرفها البلاد، وفي العام نفسه، شيد المعهد الديني ليكون أحد مظاهر النهضة التعليمية المشرقة في الكويت وفيه أعدت كوادر الأئمة وخطباء المساجد، ولهذه الملامح الثقافية التي اختتم بها عقد الأربعينيات خصصت طوابع تذكارية في المجموعة.

تفتح وازدهار

وإذا كانت الثقافة قد استمدت زخمها الأكبر في الأربعينيات من جراء النهوض الاجتماعي وصعود حركة التحرير العربي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فضلاً عن اكتشاف الثروة النفطية، فقد جاء عقد الخمسينيات ليشهد انفتاح الكويت على نفسها وعلى العالم من حولها، وليشهد أيضاً ثورة تعليمية حقيقية قامت بها إدارة المعارف، فأسفرت هذه الثورة عن حركة تعليمية وثقافية وطّدت دعائم الكويت الحديثة، وهذا بدوره ما جعل عقد الخمسينيات يشهد تعاظماً في نشاط المكتبات العامة والمدرسية، وقيام مؤسسات تركت آثارها في الواقع الثقافي، وتضافر هذه الظروف مجتمعة مع طفرة التغيير في وظائف المجتمع الكويتي إثر اكتشاف النفط جعل صروح الثقافة تشاد بوتيرة أسرع، وهذا ما كان سبباً في استيلاء النصف الثاني من القرن العشرين على ستة عشر طابعاً من المجموعة المكوّنة من خمسة وعشرين طابعاً، فما المعالم الجديدة الأساسية التي تؤرخ لها طوابع المجموعة التي تؤرخ بطبيعة الحال للخط البياني المرتفع والذي يمثل مسيرة الثقافة؟

في عقد الخمسينيات، استمر تشييد الأركان الأساسية والدعائم الأولى، فكانت المدرسة الثانوية بالشويخ، أبرز الملامح للعام 1953ولهذه المدرسة مكانتها العزيزة على قلوب المثقفين الكويتيين، وعلى أرضها أقيمت جامعة الكويت.

وتزداد طموحات المثقفين وتتعاظم تطلعاتهم لمحاكاة المجتمعات الأخرى فتتأسس أول دار للسينما العامة في البلاد في 1955 وهي السينما الشرقية، ويدرك الكويتيون أيضاً دور المسرح في تثقيف الشعب، فتتشكل فرقة المسرح الشعبي عام 1956 وتقدم بقيادة مؤسسها الراحل محمد النشمي مسرحية (مدير فاشل) المرتجلة.

وتحدث الالتفاتة إلى ما تزخر به البلاد من تراث وآثار تعود إلى مختلف العصور، فيقام متحف الكويت الوطني في 1958، وينتشر الوعي بين أفراد الشعب فيؤسسون أول مركز رسمي لجمع وتصنيف وحفظ التراث الشعبي متمثلاً بمركز رعاية الفنون الشعبية في 1956م.

ويشهد العرب في ديسمبر 1958 بزوغ نجم أضاء الجوانب المظلمة، إنه نجم مجلة العربي الذي لايزال يشع في سماء الكويت ناشراً أضواءه التي يأنس لها المثقفون العرب، وفي 1959 كانت ولادة المرسم الحر ثم تلاه معرض الربيع الأول كمبادرة مهمة من إدارة المعارف لرعاية الحركة التشكيلية وتسليط الأضواء عليها.

وتؤرخ مجموعة طوابع تاريخ الكويت الثقافي في عقد الستينيات لمعهد الدراسات المسرحية وللسلسلة الثقافية التي صدرت في البداية عن وزارة الإعلام لتضم في كل عدد واحدة من عيون المسرحيات العالمية التي ترجمت إلى العربية، وقد عرف القرّاء هذه السلسلة باسم (من المسرح العالمي).

وبمتابعة مجموعة الطوابع البريدية التذكارية هذه، نلج عقد السبعينيات بسنواته المثمرة مع ولادة مجلة فصلية فكرية تصدر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب باسم (عالم الفكر) ويستمتع عشّاق السينما في الكويت بأول فيلم كويتي (بس يا بحر)، وفي 1972 ينشأ معهد الدراسات الموسيقية، ويكون معرض الكويت للكتاب العربي في 1975، ثم تبدأ سلسلة عالم المعرفة بإصدار عددها الأول (الحضارة) عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في 1978 وتتلوها مجلة الثقافة العالمية التي تصدر كل شهرين في 1981.

التأريخ والواقع

وإنصافاً لمسيرة الثقافة في الكويت وللاهتمام الذي تلقاه من قيادة البلد إلى جانب حرص المثقفين، فإن هذه (الأوائل) أو الأساسيات التي تؤرخ لها مجموعة الطوابع الخمسة والعشرين ليست إلا غيضاً من فيض، وقليلاً من كثير، ولكن الاهتمام الذي حظيت به لم يكن إلا لأنها تمثل اللبنات الأولى والأساس في البنية الثقافية، وتعد هذه اللبنات أيضاً تحدّياً للواقع الصعب وبالأخص قبل الخمسينيات من القرن الماضي، كما أنها جهود مخلصة انبثقت من رؤى صادقة وقلوب مخلصة للوطن أرادت أن تصل بالكويت على الصعيد الثقافي إلى ما هي عليه اليوم.

 

جمال مشاعل

 
 




مجلة العربي: أوسع المجلات العربية انتشاراً





بيت البدر.. مركز رعاية للفنون الشعبية





طوابع البريد الكويتية...





دليل المختار في علم البحار: أول كتاب كويتي





معهد الدراسات الموسيقية: أول خطوة لدراسة الموسيقى





ثانوية الششويخ: الثانوية الأولى في الكويت





مجلة الثقافة العالمية: أول مجلة ثقافية مترجمة





بس يا بحر: أول فيلم روائي في السينما الكويتية





مجلة الكويت: نقطة البداية للصحافة الكويتية





معرض الربيع: شكل آخر لرعاية الحركة التشكيلية





متحف الكويت الوطني: متحف وطني شامل