أوركسترا سيمفوني.. عزف أعمال المؤلف الموسيقي الكويتي الأنصاري

أوركسترا سيمفوني.. عزف أعمال المؤلف الموسيقي الكويتي الأنصاري

علي زكريا الأنصاري، أحد الشخصيات الثقافية الكويتية الآسرة، فإلى جانب مسيرة دبلوماسية بارزة على مدى أكثر من خمسة وعشرين عاماً من عمله كسفير، نجح في إصراره على النبوغ في فن التأليف الموسيقي للأوركسترا السيمفوني، وعلى توسيع نطاق الموسيقى العربية.

والفرقة التي ستزور الكويت هي فرقة جولدسميث سينفونييتا Goldsmiths Sinfonietta (السينفونييتا هي السيمفونية الصغيرة)، وهي أوركسترا كلية جولدسميث. وتعد كلية جولدسميث جزءاً من جامعة لندن. وستقدم الفرقة حفلتين يومي 13 و14 يناير كجزء من مهرجان القرين الثقافي. ويحظى مهرجان القرين الذي سيقام في الفترة من 6 إلى 25 يناير، بأهمية أكبر هذا العام حيث سيقام مع بدء الاحتفال بالكويت عاصمة للثقافة العربية في العام 2001.

وسيصاحب الفرقة في زيارتها للكويت مديرها البروفيسور ستانلي جلاسر، الذي شغل كرسي أستاذية الموسيقى في كلية جولدسميث منذ العام 1999 وحتى العام 1991، وهو الآن أستاذ فخري للموسيقى في جامعة لندن.

وكان البروفيسور جلاسر قد تعرف على أعمال الأنصاري للمرة الأولى عندما أرسل له الأنصاري بعض ألحانه الموسيقية في مطلع التسعينيات. وكان الأنصاري آنذاك سفيراً للكويت في إندونيسيا، وساعدت السفارة الكويتية في لندن على توصيله بالبروفيسور جلاسر.

وقد قال البروفيسور جلاسر لمجلة العربي: (وجدت مؤلفاته مهمة جداً وطلبت أن ألتقي به في أول مرة يزور فيها لندن. وقد تأثرت بمزج الأنصاري المبدع بين الموسيقى العربية التقليدية والتأليف الموسيقي الأوركسترالي الأوربي الغربي. وقد كوّنا بالتدريج علاقة شخصية دافئة جداً، وأصبحنا زميلي موسيقى فضلاً عن كوننا صديقين).

وقد ساعد جلاسر في تقديم حفلات عديدة لأعمال الأنصاري في لندن، بما في ذلك (التحرير)، التي عزفتها فرقة أوركسترا الأكاديمية الملكية للموسيقى، بقيادة مارك ويست، في العام 1994، بينما قدمت فرقة London Mozart Players (وهي أقدم فرقة بريطانية لموسيقى الحجرة) بقيادة البروفيسور سيمون ماكفيج (نبض حالم)، التي قام بالعزف على العود فيها العازف الكويتي إبراهيم الطامي، وسيمفونية (رحلة حياة) في ميدان القديس جون سميث في العام 1998. وفي اليوم التالي، قامت فرقة Mozart Players بتسجيل سيمفونية (السباحة ضد التيار). وكان ذلك في الحفل الذي نظمه المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في لندن بمناسبة العيد الوطني وعيد التحرير.

وقد سجلت سيمفونية (التحرير) و (رحلة حياة) و (نبض حالم) و(السباحة ضد التيار)، على أول اسطوانة مدمجة CD تضم أعمال الأنصاري - في الواقع هما اسطوانتان معا - برعاية المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت في العام 1998. وفي ذلك الوقت، أبدى الدكتور سليمان العسكري، الأمين العام للمجلس آنذاك، اهتماماً كبيراً بمشروع تسجيل أعمال الأنصاري على اسطوانات CD.

وكان البروفيسور ستانلي جلاسر هو المنتج التنفيذي للاسطوانة المدمجة التي سجلت في استوديو الموسيقى الإلكترونية بكلية جولدسميث.

وتعبر موسيقى الأنصاري عن طائفة واسعة من الانفعالات، بدءاً من الأحلام، والبهجة والحنين وحتى الحزن والقلق. وتعكس همومه العميقة بالإنسان واهتمامه بالجانب الروحي للحياة وبالغموض المطلق للوجود. وتتبدى هذه الاهتمامات في عناوين أعماله، وعلى سبيل المثال، نجد أن الحركات الأربع لعمله (رحلة حياة) التي ألفها تخليداً لذكرى قريب وصديق عزيز له توفي في شبابه تحمل العناوين التالية:

- الخضوع للقدر.

- أفراح وأتراح.

- الصدى من الداخل.

- وهكذا تستمر الحياة.

وتعكس السيمفونية حياة بأكملها، بذكرياتها، وأفراحها، وصراعاتها ومغادرة الروح إلى عالم مجهول.

وتتكون فرقة جولدسميث سيمفونييتا من 38 طالباً من كلية جولدسميث، التي يتمتع قسم الموسيقى فيها - وهو أحد أكبر أربعة أقسام جامعية للموسيقى في المملكة المتحدة - بسمعة طيبة جداً، بما في ذلك مجالا البحوث وعلم الموسيقى العرقية.

ويشغل قائد الأوركسترا البروفيسور سيمون ماكفيج مقعد أستاذ الموسيقى في كلية جولدسميث، بينما تعتبر عازفة الكلارينيت فيها البروفيسورة كولين لوسو، عازفة ذات شهرة عالمية وتعمل أستاذة للعزف في كلية جولدسميث.

وفي حفلها الذي ستقدمه ليلة السبت 13يناير، ستقدم فرقة جولدسميث سيمفونييتا موسيقى الماء لهاندل، وأداجيو الوتريات لباربر، والسيمفونية رقم 40 من مقام صول صغير لموتسارت. ومن موسيقى الأنصاري، سيتضمن البرنامج المقطوعات التالية:

- انعتاق.

- تساؤلات من الداخل.

- دوافع خفية.

أما برنامج حفل ليلة الأحد 14 يناير، فيتضمن متتابعة بوليسينيلا (سترافنسكي) وكونشرتو الكلارينيت من مقام لا كبير لموتسارت، والسيمفونية رقم 10 (سيمفونية لندن) لهايدن، وأعمال الأنصاري التالية:

- ملاك الغرام.

- الحمد لمن.

والعملان يعتمدان على أغنيتين كويتيتين تراثيتين تعزفان بالعود والمرواس.

وخلال زيارتها للكويت، في الفترة من 10 إلى 15 يناير، سيقيم أعضاء فرقة جولدسميث سيمفونييتا أربع محاضرات، مدة كل منها ساعة، لطلاب المدارس في الكويت، اثنتان لطلاب المرحلة الابتدائية، واثنتان لطلاب المرحلة الثانوية، وسيشرح أعضاء الفرقة للأطفال أثناء هذه المحاضرات طبيعة آلات الأوركسترا المختلفة، وسيشرحون ويعزفون مقاطع من الأعمال التي سيقدمونها في الحفلتين.

ومن المعروف أن أعمال الأنصاري الخمسة التي ستعزفها فرقة جولدسميث سيمفونييتا ستصدر قريباً على اسطوانة مدمجة سجلها الأوركسترا السيمفوني لأكاديمية شوبان للموسيقى في بولندا.

وسيكون حفلا فرقة جولدسميث سيمفونييتا ثاني مناسبة تعزف فيها أوركسترا غربية زائرة مؤلفات الأنصاري. ففي العام 1995، دعيت أوركسترا أكاديمية لوبان للموسيقى إلى مهرجان القرين، وخلال حفليها في المهرجان عزفت الفرقة للأنصاري:

- طموحات.

- السراب.

وهما حركتان من سيمفونيته (السباحة ضد التيار).

والواقع أن قصة حياة الأنصاري كدبلوماسي واظب بمثابرة في الوقت نفسه على تطوير هوايته كمؤلف موسيقي قصة استثنائية، وفريدة بالتأكيد. وقد بدأت دراسات الأنصاري الموسيقية عندما بدأ في تلقي دروس في العزف على العود وهو طالب في جامعة القاهرة في أواخر الأربعينيات واكتشافه لذائقته الموسيقية.

وقد تولى لأول مرة منصب السفير في تونس العام 1969، وانتقل بعدها إلى جينيف، حيث أمضى خمس سنوات كمندوب دائم للكويت لدى الأمم المتحدة. وعيّن بعدها في موسكو في العام 1973 سفيرا لدى الاتحاد السوفييتي (وكان يغطي أيضاً رومانيا والمجر وبولندا). وهو يقول (فتحت موسكو عيناي. وقد اندهشت لمشاهدتي موسيقى بهذا التطور. ذهبت إلى البولشوي ومسرح الكرملين، ومسرح تشايكوفسكي ومسارح أخرى، ويظل مؤلفه المفضل حتى يومنا هذا هو تشايكوفسكي (ثم بتهوفن)، وهو شغوف أيضاً بأعمال برودين.

وبدأ الأنصاري يسأل نفسه: (هل يمكن مزج الموسيقى العربية، شديدة الغنى والروحانية) مع القواعد الأوركسترالية الغربية، وتطوير الطباق Opurterpoint الموسيقى (أسلوب في تعددية الأصوات)... إلخ. وقرر أن يجرّب هذا بنفسه.

وفي ذلك الوقت، ورغم كونه عازف عود بارعاً، فإن الأنصاري لم يكن يقرأ النوتة الموسيقية، لذا فقد بدأ في تلقي دروس في التأليف الموسيقي على يد البروفيسور ميخائيلوف، ودروس في علم انسجام الأصوات Harmony وعدم تعدد الأصوات Polyphony. وفي الوقت ذاته، دعاه المؤلف السوفييتي الشهير آرام خاتشادوريان لحضور بعض فصوله.

وكانت أولى مؤلفاته الموسيقية (يا دارنا يا دار) التي اعتمدت على كلمات الشاعر الكويتي أحمد مشاري العدواني، وعزفها الأوركسترا السيمفوني لتلفزيون وإذاعة موسكو بقيادة المايسترو الشهير فولسييف.

ويقول الأنصاري إنه رغم أن مؤلفاته السيمفونية تتضمن عناصر شرقية، فإنها لا تحتوي على الربع تون (ربع البعد الموسيقي) الذي يمكن أن تعزفه أدوات الأوركسترا السيمفوني.

وفي العمل 1978 انتقل الأنصاري للعمل في البرازيل سفيراً لدولة الكويت (وليغطي أيضاً شيلي، والأورجواي والإكوادور)، وهناك واصل دراساته الموسيقية، وكان بين أساتذته أستاذ بريطاني كان يعطيه دروساً أسبوعية في علم انسجام الأصوات، والطباق، والمحاكاة وتقنيات أخرى، وقد عزفت له أوركسترا في بونتا جروسا، بولاية بارانا، (الخضوع للقدر)، الحركة الأولى لسيمفونية (رحلة حياة). وفي وقت لاحق، قدم قائد الأوركسترا البرازيلي إليزار دي كارفالو (أفراح وأتراح)، الحركة الثانية من (رحلة حياة) في حفلات في بورتو أليجري جامادو وساو باولو.

وبدأ الأنصاري في توسيع نطاق تأليفه الموسيقي من خلال الكتابة للأوركسترا الكاملة، بما في ذلك آلات المترددات tombones والتوبا tuba (وهي آلة هوائية نحاسية). وهو يقول: (إنه أمر صعب جداً، لكنني أمتلك الإصرار. وسألني أن أقدم الموسيقى العربية للعالم. وقد كتب عملاً سيمفونياً بعنوان (السباحة ضد التيار) من ثلاث حركات عناوينها (طموحات) و (السراب) و (نبع الذكريات).

وقد وافقت الحكومة الكويتية على تمويل تسجيل (رحلة حياة) و (السباحة ضد التيار) من خلال الإذاعة والتلفزيون البرازيليين، ويتم بثهما الآن عبر محطات الإذاعة والتلفزيون في سائر أنحاء البرازيل وكذلك في تلفزيون دولة الكويت.

وعندما نقل الأنصاري من البرازيل ليصبح سفيراً في الهند في العام 1986، حمل معه جهاز كمبيوتر أمريكيا متطورا للتأليف الموسيقي، لكن القرص الثابت في الكمبيوتر تعرض للتلف هناك ولم يستطع إصلاحه، فحول اهتمامه للموسيقى الهندية. وكان يتلقى دروساً اسبوعية على يد عازف السيتارا الشهير السيد سنج. وسيدخل الأنصاري على ألحانه الموسيقية الغربية بعض الجمل الهندية التي كان يعزفها سنج، ثم سيعزفها هو نفسه على العود.

وقادته خبرة الاستماع إلى الألحان الهندية إلى التفكير في تطوير الشكل العربي للارتجال، وتميديه على نحو مماثل للبداية البطيئة والوسطية للحن الهندي.

وفكر في تمديد التقاسيم لتستمر 15 أو 20 أو 30 دقيقة حسب المقام، وبدأ بتنفيذ الفكرة على العود مع المقامات العربية مثل الراست، والبياتي، والحجاز، والصبا والسيكا.

وبعد تقاعده من العمل الدبلوماسي وعودته الدائمة للكويت في أغسطس 1994، توفر للأنصاري الوقت لكي يضيف حركة جديدة رابعة لكل من سيمفونيتيه (رحلة حياة) و (السباحة ضد التيار)، (معظم السيمفونيات تتكون من أربع حركات). (استأنف ثانية اهتمامه باستخدام الكمبيوتر كأداة مساعدة في التأليف الموسيقي. وقد برع بالفعل في التعامل مع أحدث التكنولوجيات، وقد مكّنته لوحة مفاتيح Roland اليابانية من إدخال الربع تون إلى مؤلفاته الموسيقية.

وقد قام بتأليف سبع مقطوعات مع الربع تون وصفها بأنها (تقاسيم ملتوية)، تحمل إحداها عنوان (تأملات صوفية)، وقد أرسل الكاسيت الذي يحمل تسجيلاً من الكمبيوتر لهذه المقطوعات السبع إلى القاهرة، حيث يأمل أن يتم تسجيلها هناك من قبل أوركسترا عربية ربما تتضمن قانوناً، ونايين، وآلات إيقاع، ووتريات، من بينها تشيلوودليس (أكبر آلة في أسرة الكمانيات).

ويقول الأنصاري إنه متحمس بشدة لاستخدام الكمبيوتر في التأليف، ويعتبره مفيداً ومساعداً جيداً. ويضيف أن الكمبيوتر يمكنه حتى تصحيح الأخطاء، على سبيل المثال عندما يكون هناك نشاز موسيقي، أو لو كانت هناك أداة موسيقية أعلى مما يجب أن تكون عليه داخل اللحن.

 

سوزانا طربوش

 
 




علي الانصاري





الفرقة اثناء عزفها أحد ألحان الأنصاري





الفرقة أثناء عزفها أحد ألحان الأنصاري