الفلسطينيون في إسرائيل.. سياسة الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية

الفلسطينيون في إسرائيل.. سياسة الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية
        

          إن ما تبقى من الشعب الفلسطيني بعد النكبة، والذي صار بلا قيادة بسبب هجرة النخب، وعاش على هامش المجتمع الاستيطاني اليهودي الجديد، لم يستطع فقط البقاء، بل صار بيتا من أهم أبيات قصيد حلول القضية الفلسطينية.

          هذه الرؤية تمثل اليوم قضية كبيرة في إسرائيل وقد استطاع باحثان بارزان هما د. أسعد غانم ومهند مصطفى إبراز القضية وتحليلها بشكل واسع في كتاب بحثي مشترك صدر لهما بعنوان: «الفلسطينيون في إسرائيل».. سياسة الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية». ويتمثل الانطلاق البحثي من الحكم الكولينيالي الإسرائيلي  للشعب الفلسطيني الذي تبقى داخل وطنه، وهو بهذا المنحى شكل بديلا لمعظم الدراسات القديمة والسائدة بما فيها الدراسات الفلسطينية.

          يتتبع الكتاب الذي وقع في 409 صفحات بشكل خاص مسيرة عقدين، لكنه يركز على تداعيات اتفاقية أوسلو التي رأى الفلسطينيون في إسرائيل أنفسهم خارجها، حيث تعمق لديهم إدراكهم أن حل القضية الفلسطينية لن يحسن من مكانتهم المدنية والسياسية، وصولا إلى مبادرات الفلسطينيين في التفكير بمستقبلهم خارج الإطار الذي رسم لهم من قبل، حيث عادوا إلى الأصول، فانطلقوا بتصورات جديدة تتجاوز الوجود الفردي إلى الوجود الجماعي لأقلية قومية أصلية، فراحوا يربطون بين المكانة المدنية من جهة  وجوهر الدولة وهويتها من جهة أخرى، والتي هي جوهر الكتاب القيم والاستراتيجي الذي بين أيدينا.

          ويبدو أن الحجر الذي أهمله البناءون طويلا صار فعلا حجر الأساس، فهؤلاء الباقون صاروا يسعون أكثر إلى الإرادة من جهة، والتفكير الاستراتيجي من جهة أخرى.

          «الفلسطينيون في إسرائيل: سياسة الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية» عنوان يستفز الباحثين والمهتمين، فبالرغم من شيوع المصطلح فلسطينيا؛ فإن هذا العنوان المباشر والذكي والصادم يؤكد على الوجود القومي للفلسطينيين في وطنهم الأم، ويوضح الظلم التاريخي، من خلال التناقض ما بين الأقلية الأصلية، والأغلبية من المهاجرين اليهود كأغلبية إثنية مستوطنة ومستعمرة أيضا.

          يقوم الكتاب على أسلوب تاريخي تحليلي نقدي، يختلف عما كان سائدا بشكل عام في المؤسسات البحثية، ومنها المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، حيث لم يقف الكتاب عند حدود البحث التاريخي التحليلي، بل تجاوز ذلك إلى التوجيه الموضوعي والتوعية على الوجود الحاضر والمستقبل من منظور فلسطينيي عام 1948، وهو بهذا امتلك بعدا وطنيا وقوميا، في الوقت الذي لم يطرح شعارات ولم يقع في أية ثغرات بحثية.

          إن وقع العنوان فلسطينيا وإسرائيليا، سيستفز عقل القارئ العربي والفلسطيني وحتى الإسرائيلي إلى التفكير في كيفية الخروج من هذه الأزمة في السياسة والحكم، فلم يعد من السهل اليوم أن يبقى الفلسطينيون في الداخل متقبلين لأسلوب حكم الأغلبية اليهودية لهم، فسيصبح الفلسطينيون في إسرائيل كدولة خارج نطاق السيطرة، والذي يعني من طرف الحكم أمرين، إما التعاطي الإيجابي مع هذه الأقلية الأصلية والكبيرة التي تتنامى، وإما قمعها بالقوة، واستمرار منهج السيطرة والمصادرة والتفرقة العنصرية، والذي لن يكون له إلا طريق واحد: الانتفاضة.

الأقلية والتعاطي الإيجابي

          تشكل مقدمة الكتاب وصفا مهما للكتاب والحالة الفلسطينية الراهنة داخل المجتمع الإسرائيلي، ركز فيها الباحثان د. أسعد غانم ومهند مصطفى كيف استثمر الفلسطينيون المواطنة لكسب حقوق داخلية، في ظل امتلاكهم بحد مقبول من الحس الوطني الفلسطيني ككل، خصوصا في التضامن مع الانتفاضة الأولى ودعم العملية السياسية بوصفهم مواطنين إسرائيليين، ومعاناتهم من ديكتاتورية الطابع اليهودي للدولة، التي ضجت من هذا الوعي والفعل، منذ سنوات السبعينيات، بعد عقد من انتهاء الحكم العسكري، وصولا إلى الاعتداء الدامي على المتظاهرين في الداخل في بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، واستمرار المصادرة والتضييق والتمييز، والذي دفع جزءا من الفلسطينيين إلى تقييم العلاقة وتصور المستقبل، في وقت أصيب فيه نظام الحكم  (دولة يهودية وديمقراطية) بهوس الحكم الإثني اليهودي، وربط مواطنة الفلسطيني في الداخل باستحقاقات منها الخدمة المدنية (أطلقها الإسرائيليون للتخفيف من وقع كلمة الخدمة العسكرية)، وفي ظل الدستور المؤكد للدولة اليهودية، وفي ظل هذه الروح السائدة إسرائيليا تراوحت رؤى النخبة الحاكمة ما بين اعتبارهم عدوا وما بين إدارة المشكلة من خلال سياسات ديموجرافية. وقد لاحظ الفلسطينيون أن السياق السياسي مؤكد، من خلال الحديث عن التبادل السكاني، الذي يعني تقليل العدد، وصولا إلى نظام الفصل ومنه الجدار العنصري، الذي أعاده أحد المنظرين «أرنون سوفير» للديموجرافيا وليس للأمن!

في التحولات

          في ظل هذه الأزمة في الحكم، من منظور الدولة كدولة يهودية، ثمة إشارات في المجمل حول الاندماج من دون مساواة، إلى الفصل ودون إعطاء حقوق جماعية، إلى تعميق سياسات الإثنية بدل سياسات المواطنة، ثم ربط الحقوق الفردية باستحقاقات مثل الخدمة المدنية، للتدليل على ولاء العربي للدولة.

          أما من منظور الفلسطينيين، فقد أجمل الباحثان أسلوب الفلسطينيين كمحكومين، من سياسات التعايش الى سياسات الحقوق ومن الهوية الى سياساتها، عبر التأكيد على الهوية الجماعية ومن التمثيل الى التمثيل السياسي، إلى ما هو أهم وهو المطالبة بالاعتراف بضرورة احترام الأقلية القومية في التربية ورواية النكبة، وخصوصية وحقوق هذه الجماعية القومية.

          ويمكن تصنيف الخطاب السياسي للفلسطينيين بدءا من حضور البعد المدني كونهم أقلية بحثت عن البقاء، ثم ثانيا بالربط بين المدني والوطني عبر الإيمان أن تغير مكانتهم يرتبط بحل القضية الفلسطينية، والثالث (وهو ما يتبلور الآن) يربط بين المكانة المدنية من جهة وبين جوهر الدولة وهويتها من جهة أخرى، وهو الذي تأثر بالمبالغة في تأكيد الحكام على يهودية الدولة.

          قام الكتاب على ثمانية فصول، بمقدمة معمقة وخلاصة، مترابطة معا في بنية واحدة عضوية وموضوعية، مستلهمة من التاريخ مادتها، ومن الفكر الموضوعي تحليلاتها ونقديتها أيضا.

          ونستطيع أن نزعم أن الفصلين الأخيرين: السابع وهو أنماط المشاركة السياسية، والثامن وهو خيارات المكانة السياسية والتصورات المستقبلية، كانا أهم فصلين في الكتاب، في حين سلمت الفصول القارئ إلى هذا الحاضر، وكان لها مجتمعة فضل وضع الوعي والفعل المبادر من خلال التصورات في سياق موضوعي تاريخي، كي يدرك القارئ العام غير المتخصص على أي أرض بحثية وسياسية يقف المجتمع الفلسطيني السياسي داخل إسرائيل.

الأقلية والأغلبية

          وتأكيدا لما افتتحنا به عرضنا هذا، فإن الفصل الأول بما فيه من مدخل نظري حول الأغلبية والأقلية، والنقلة النوعية من  الأطر النظرية من اعتبار الأقلية لدى الباحثين الإسرائيليين، الذين تحدثوا عن التمدن والتحديث، إلى المنظور الكولينيالي الذي ابتدأه من قبل إيليا زريق بشكل سريع، فيما تعمق به وانطلق به بشكل بحثي مركز مؤلفا الكتاب د. أسعد غانم ومهند مصطفى، والذي نزعم أنهما منحا فتحا بحثيا في التحليل والدراسة، يقوم على الفعلين الموضوعي والوطني، حيث شكل كل منهما رديفا للآخر.

          وهو يحيلنا إلى نظرة واحدة تجاه فلسطينيي 48 و67 مع مراعاة الخصوصيات المكانية والقانونية وهو إطار بديل قوي  له علاقة بالعنوان الفرعي للكتاب: سياسات الأقلية الأصلية في الدولة الإثنية.

          وهو يصف حالة الانضواء التي عاش تحتها الفلسطينيون خمسة عقود الى الانطلاق عن طريق تتبنى إعادة تعريف المواطنة من جديد، من خلال أجندة وطنية فلسطينية خاصة.

          أما في الفصل الثاني فقد نحا أسلوبا تاريخيا استلزمته الحالة البحثية للتأسيس لما سوف يأتي، حيث الحديث عن الضائقة التي وجد فيها الفلسطينيون أنفسهم منذ عام 1948 والتي انسحبت أيضا على الحكم نفسه الذي ضاق بالمحكومين العرب، والذي سعى إلى الأسرلة وجعلهم على الهامش، من خلال التمييز، وقبول وجودهم خارج السلطة شكل أمرا واقعا استمر طويلا.

          فلسطينيا، جرى تعريف الذات والجماعة في سياق المواطنة الإسرائيلية ثم خارجها، في ظل تجاهل العملية السياسية لهم.

          بالرغم من أنها أقلية محنكة تفهم صيرورة الصراع، لكنها كبلت نفسها بمواطنتها حتى في التفكير الوطني، وظل ذلك سائدا حتى بدأ التغيير أخيرا، كنتيجة لوجودهم معزولين، حيث تفعّل الحديث عن دولة ثنائية القومية داخل إسرائيل أو في فلسطين الانتدابية، من خلال التأكيد على هوية جماعية للمواطنين العرب داخل الدولة العبرية.

          وأشارا إلى الضائقة الداخلية (ولعلها ضائقة وجودية ونفسية وقومية أيضا) وهي أن «الأقلية الأصلانية» وجدت نفسها «كفلسطينيين بشكل جزئي، وإسرائيليين بشكل جزئي أيضا»، وأنه

          لا يمكن للهوية الفلسطينية أو الإسرائيلية أن تكون كاملة، وهذا هو جوهر خلاصة مأزق الهوية الجماعية للمواطنين العرب.

          وتضمن الفصل الثالث تفصيلات أسلوب نظام الحكم ضد المواطنين، الذي قام على المصادرة والتمييز وقوننة التفوق العرقي، وصولا إلى المطالبة علنا بالتحول الجدي من نظام الاثنوقراطي اللين الى آخر متشدد.

          وقد شكل الفصل الرابع التنظيم السياسي للفلسطينيين في إسرائيل، من خلال عرض تاريخي تحليلي نقدي، متتبعا لكل التنظيمات الأولية البسيطة في ظل الحكم العسكري بدءا من القوائم العربية عبر تكريس للهويات المحلوية والطائفية والعائلية، وما ارتبط من شروط تحسين الوضع عبر الولاء للدولة من خلال التعاطي مع أحزاب صهيونية، مرورا بتجربة الحزب الشيوعي الإسرائيلي، ثم تجربة الجبهة العربية الشعبية، وحركة الأرض كمحاولة أولى لإقامة حركة قومية عربية داخل المجتمع الفلسطيني.

          ثم تتبع بشكل مركز للحالة التنظيمية بعد الحكم العسكري عارضا تجارب كل من الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وأبناء البلد والحركة الإسلامية والحركة التقدمية للسلام والمساواة والحزب الديمقراطي العربي والتجمع والحركة العربية للتغيير.

          وانطلق العرض من مراجعة الأدبيات بما فيها بشكل خاص أدبيات الأكاديمية الإسرائيلية، والتي رأت في التنظيمات الفلسطينية تنظيمات أيديولوجية أكثر منها سياسية، في حين راحت تناقشها وتفندها أيضا.

          بالإضافة إلى عرض عدد من التحديات التي واجهت التنظيمات خصوصا محدودية التأثير من جهة، والتحدي الاجتماعي من جهة أخرى.

          أما الفصل الخامس وهو المشاركة السياسية: أنماط التصويت والمقاطعة في الانتخابات القطرية والمحلية، فهو مرتبط عضويا بالفصل الرابع، وتميز أيضا بمدخل نظري، يفسر السلوك،  ثم عرض للتجربة من حيث المشاركة والمقاطعة، و تمأسس تيار المقاطعة، والاغتراب، وأثبت الباحثان من خلال استطلاعات الرأي أن المقاطعة نتجت من كونها احتجاجا سياسيا أكثر منها أيديولوجية، كما كان يحلو للأكاديميين اليهود أن يدعوا.

          وعن الانتخابات المحلية، عرض الباحثان كيف أن المشاركة الشعبية تفعّلت فيها بسبب كونها مجالا للتغيير، بخلاف اليأس من إحداث تغيير ملموس على المستوى السياسي العام للدولة، وفسراه على أنه تعويض عن فقدان البعد القومي أو المدني، في حين عرضا لتباين التصويت في الانتخابات القطرية والمحلية، وصولا إلى تقرير حال العرب المتشرذمين والذين لم تتم دمقرطتهم بعد، لما للعائلة من نفوذ باق.

نقد القيادات

          «القيادة والمؤسسات السياسية لدى الفلسطينيين في إسرائيل»، وهو مرتبط  بما سبق، بل هو  جزء من الفصلين الرابع والخامس، فيه عرض الباحثان تاريخ القيادة، والزعامة المحلية حتى السبعينيات، وما كان من دور للتعليم والانفتاح، والقيادة داخل البرلمان (الكنيست) وخارجه، ومدى وجود العمق الجماهيري، ثم عرضا عوامل تطور وصعود القيادة القطرية، وما اعتراها من عوائق كالمبنى التقليدي والإطار الإسرائيلي المحدد، وشخصنة الأدوار، والقيادة الذكورية، والتأكيد العام الرسمي على أن القيادة من البرلمان، إضافة إلى عولمة القيادة بسبب الانفتاح والانكشاف على جمهور عربي عريض داخل إسرائيل يتابع الفضائيات.

          كما يتوقف البحث مطولاً عند سمات القيادات، في ظل نظرة نقدية لها،  كونها تهتم بالنخب المثقفة كونها منها، إضافة إلى أنها متشرذمة ومعاناتها من الشخصنة، وغياب العلاقة مع الجمهور.

          أما في الحكم المحلي فكانت مصادر القيادات قادمة من العائلات والأحزاب والاقتصاديين الذين ادعوا قدرتهم على تحسين الوضع، ثم الأكاديميين وأصحاب المهن الحرة. وخلص إلى تحليل للجنة المتابعة العليا للجماهير العربية من حيث هل هي هيئة وطنية أو لجنة تنسيقية، وما هو الأفضل للجمهور العام، كمواطنين مدنيين وكأقلية قومية. وهي جزيئية مهمة يوجه من خلالها الباحثان النخبة السياسية العربية داخل إسرائيل.

          فلا بدّ من الانطلاق من حالة محلية إلى  ما هو سياسي، لأن المستقبل يكمن  بين الحالة التوافقية أو الحسم، فمن المهم والاستراتيجي للفلسطينيين أن يعيدوا تنظيم وضعهم بما يخدم مصالحهم لأنهم أقلية قومية، والفصل بين رئاسة اللجنة ولجنة المتابعة، بمعنى الاستمرار في الشئون المحلية والبلدية، وترك الأمور السياسية للجنة المتابعة.

أنماط المشاركة

          أن المشاركة البرلمانية كان دورها محدودا في إحداث التغيير، فالمشاركة لم تحقق أي تقدم ملموس في الوضعيتين المدنية والسياسية، ثم فحص الباحثان المجال القضائي فوضحا أن النظام القضائي عنصري أضفى شرعية على انتهاك حقوق الفلسطينيين.

          وبالرغم من ذلك فقد ساهمت العولمة وانكشاف الفلسطينيين في إسرائيل على المجموعات المهمشة والأقليات الإثنية والقومية إلى تطوير خطاب حقوقي، كما هي تجربة مركز عدالة، وخلصا إلى ضرورة مرافقة النضال الجماهيري للنضال القضائي!

          ويعد القسم الخاص بالنضال الأهلي من الأجزاء المهمة في الفصل السابع، فبعد عرض تاريخي قصير، تم عرضه كأحد تجليات العولمة والنظام الرأسمالي، وأوضحا أهمية هذا القطاع في الارتقاء بالنضال والتغيير، لولا القصور والسلبيات ومشاكل التمويل، حيث زعما أن التشاور يتم بين الدوائر الغربية المانحة مع جهات يهودية إسرائيلية، قبل

          دعمها للجمعيات العربية. حيث ظهر أن هناك توجيها إسرائيليا لصناديق الدعم الأمريكية والأوربية.

          لذلك  خلص الباحثان إلى أن المجتمع الأهلي لم يصل إلى أن يشكل أداة نضال سياسية تتفاعل مع قضايا الجماهير، لأسباب منها التنافس والشخصنة.

          واختتم الكتاب بفصل «خيارات المكانة السياسية والتصورات المستقبلية» (وهو الحالة الراهنة اليوم التي تحتاج إلى فعل لتتجلى فيه التصورات على الأرض، تصالحيا أو تصادميا)..

          تأثر الفلسطينيون بحرب عام 1948، ثم بحرب عام 1967، ثم باتفاقية أوسلو عام 1993. وكانوا بعد عام 1967 قد تبنوا مواقف جماعية لحل القضية الفلسطينية بشكل يقترب من طرح التيار المركزي في الحركة الوطنية الفلسطينية.

          لقد انتبه الفلسطينيون لحالهم وميزاتهم، في الديموجرافيا والجغرافيا، وفي الحداثة في قضايا التعليم والمرأة والإنجاب، الوضع الاقتصادي بما فيه من فجوة وتبعية، وكلها تؤكد من جهة حالة التمييز ضدهم، وإمكاناتهم السكانية كأقلية قومية من جهة أخرى.

          في مسألة الحكم، تفاوت التنظير لنظام الحكم ما بين الدولة اليهودية الديمقراطية إلى خيار الدولة ثنائية القومية في 1948 أو في فلسطين الانتدابية، بما فيها دولة يهودية غير ديمقراطية وخيار الانفصال أو الترانسفير والدولة الإسرائيلية  للمواطنين كافة، واستحقاقات ذلك أو لعلها أسس الحكم، ومنها: ائتلاف بين الممثلين السياسيين اليهود والعرب، وحق النقض في القضايا الجوهرية، والتقسيم في المؤسسات حسب الحجم، ودرجة عالية من الحكم الذاتي لكل مجموعة في إدارة شئونها الداخلية. أما مطالبهم فهي المساواة وتقاسم الموارد والوظائف ورفض الانتقال للضفة الغربية.

          وفكرة «المجتمع العصامي» خلاصة فكر الشيخ رائد صلاح من ضمنها إقامة مشاريع اقتصادية والتواصل مع العمق العربي والإسلامي، وصولا إلى وثائق التصورات الأربعة التي اشتهرت في السنوات الأربع الأخيرة: وهي وثيقة التصور المستقبلي للعرب الفلسطينيين ووثيقة مساواة ووثيقة عدالة ووثيقة حيفا الصادرة عن مدى الكرمل، التي أكدت على حق  وجود رواية تاريخية تتناقض مع الرواية الصهيونية من دون أن تتطابق مع الرواية الفلسطينية بسبب مكانة فلسطينيي 48 المدنية. وقد جاءت التصورات نتاج تراكمات سياسية معرفية، حيث تم استعراض المفهوم والخلفية وهي تأصيل لتصورات أواخر السبعينيات.

          وعرضا لدلالة التصورات في ما شكلته، ليس بتأصيل الرواية التاريخية، بل بما شكلت من تحد رمزي للرموز الصهيونية كالنشيد الإسرائيلي وقانون العودة. كما شكلت - وهو الأهم - بديلا للخروج من الأزمة عبر تبني دستور ديمقراطي، بعد أن أوضحت بؤس الوضع الداخلي.

          وعرضا لردود الفعل الفلسطينية الداعمة، فيما تباينت الردود الإسرائيلية بين المتفهم والمؤيد والمتفهم والمعارض والمعارض المهاجم.

          واختتم الباحثان بنصائح محددة للمجتمع السياسي الفلسطيني داخل إسرائيل منها: التنظيم وتذويب للقيم الديمقراطية التي لم يتم استيعابها  وتحويلها الى جزء عضوي في حياتهم، فهناك ضرورة لإحداث التغييرات الجذرية في بنية المجتمع العربي الداخلية (المرأة  والاقتصاد والتربية والحكم المحلي والثقافة).

 

 

تحسين يقين