هو . . . . هي

 أتوقع إعلان قرار الترقية في أي لحظة.

إلى حين ذلك ستستمر أعصابي متوهجة. إلا أنني لا أظهر قلقي، وأحاول الظهور وكأن درجة حرارة أعصابي عند درجة تجمد المياه.. درجة الصفر.

لقد تم تعييني مع زميلي المهندس أحمد في يوم واحد. صدر قرارا تعييني وتعيينه في كشف واحد. كنا سعيدين. لأننا كنا طالبين في الكلية ذاتها. نجحنا معا، تخرجنا معا. ثم تقدمنا معا للعمل في هذه المنشأة.

عملنا معا في مشروعات وفي مواقع. وكنا نحصل على ترقياتنا معا.

إلا أن الوضع اختلف الآن حيث إن الترقية القادمة لا تستوعب إلا واحدا منا. إما أنا وإما هو. الذي سيحصل منا على الترقية سيكون رئيسا للإدارة كلها: الإدارة الهندسية.

بالرغم من أننا صديقان وزميلان، إلا أن الوضع الراهن الذي يحدد الخطوط الفاصلة بشأن رئاسة القسم قد باعد بيننا. لم نعد كما كنا بالرغم من تلك العلاقات المظهرية، أو التي أصبحت مظهرية، لا أشك لحظة في كفاءة المهندس أحمد. كان ولا يزال مهندسا كفئا يؤدي عمله بكل نشاط وكفاءة. يتمايز عني بقدراته الفائقة على مواصلة العمل، ربما لأنه رجل، ويستطيع الاعتماد على زوجته في البيت. فهو لذلك حر في البقاء خارج المنزل لأطول ساعات عمل ممكنة.

ولكن.. من وجهة نظري أتمايز أنا الأخرى عليه في مجالات أهمها قدراتي الإدارية والتنظيمية، أتفوق عليه في العمل الجماعي. أنظم فرق العمل ولا أترك زميلا أو زميلة إلا وأدخلتهما في مجموعات العمل التي أعرف كيفية تنشيطها ودفعها إلى الإنتاج.

يتحدث كل الزملاء والزميلات عن تلك المنافسة التحتية التي تجري بينه وبيني. يلاحظ الجميع، كما يلمحون تلك المباراة المهنية التي نشأت في الآونة الأخيرة.

يراقبنا الجميع. أما أنا، فلا أراقب إلا المهندس أحمد. كلما تقدم خطوة في أدائه.. أسرعت إلى تحقيق خطوة لأسبقه.

هي..أخرى!

تعمل المهندسة سامية بكل همة ونشاط. أراقبها عن قرب وعن بعد وأنا فخورة بها. أتمنى لها كل النجاح والتوفيق. أريدها رئيسة لإدارتنا الهندسية. وبذلك يتحقق طموحنا كنساء عاملات. تتقدم إحدانا الصفوف وتتولى إدارة مهمة وحيوية في المنشأة. إذا حدث ذلك فسوف تفتح الباب أمام العشرات منا. سوف تضرب المثل الأعلى. سنتعلم منها أن التي تعمل بجهد ملحوظ وبكفاءة عالية تستطيع أن تحقق طموحاتها المهنية.. في المستقبل يمكن أن تكون رئيسة المنشأة كلها.. يارب!

هي

الإدارة ..لي أنا

لسوء حظي أني كنت وما زمالتنا لأكثر من عشرين عاما . تعرفت عليها في أولى سنوات الجامعة. ثم زاملتها مهندسة في العمل. واقع الأمر أني لم أشعر نحوها إلا بكل تقدير واحترام. مهندسة، ذكية كونت مجرى حياتها بعرق جبينها وكدها واجتهادها. لسوء حظي الآن أنها المرشحة الوحيدة أمامي للحصول على الترقية المتوقعة. ترى، من منا سيصبح رئيسا للآخر؟

مرت عليّ فترة وأنا طالب جامعي، فكرت خلالها في أن أفاتحها في الزواج. كانت طالبة جادة، مجتهدة ومليحة الوجه. لكني تراجعت لأنها كانت قوية، عنيدة وذكية. كما أنها لم تترك لي فرصة الاقتراب منها. يبدو أنها لمحت مشاعري فحاولت باستمرار أن تفرض الزمالة على علاقتنا. بعد ذلك اكتشفت أنها كانت على علاقة وعلى اتفاق مع زميل آخر، أصبح الآن زوجها.

أحمد الله أن ذلك لم يحدث وإلا لكانت ورطتي اليوم مركبة.

أحاول الآن أن أعطي عملي وقتا أطول. ألاحظ أنها تتقدم هي الأخرى بالمزيد من العمل والتركيز. في اجتماع الأسبوع الماضي جرت بيني وبينها مباراة مهنية أمام كل الرؤساء. حاولت التقدم عليها.. وحاولت هي الأخرى التفوق علي. لاحظ ذلك كل المجتمعين. ولا شك أن هذه المباراة كانت مادة هائلة لتعليقاتهم بعد انتهاء الاجتماع.

لا أدري كيف سأواجه اللحظة التي تحصل فيها على الترقية وتصبح رئيسة علي. لا أكاد أتصور هذه اللحظة. أكاد أفقد أعصابي.. لكني لا أظهر قلقي.

كما أنني لا أتصور اللحظة الأخرى التي سأحصل فيها أنا على الترقية.. لا شك أن المهندسة سامية تستحقها كما استحقها أنا تماما.

يراقبنا الجميع.. أما أنا، فلا أراقب إلا المهندسة سامية. كلما تقدمت خطوة في أدائها.. أسرعت إلى تحقيق خطوة لأسبقها.

هو...آخر!

يعمل المهندس أحمد بكل همة ونشاط. نراقبه جميعا عن قرب وعن بعد. فهو الآن في منافسة حادة مع المهندسة سامية. في الواقع تستحق المهندسة كل الخير لأنها تؤدي عملها بإتقان. كم تعلمنا منها في أثناء قيامنا بالعمل معها. لم تبخل لحظة علينا بعلمها وخبرتها. لقد أضافت إلينا علما وخبرة يساويان كل الذي درسناه في الجامعة. إلا أنني أريد الترقية للمهندس أحمد. فهو في النهاية رجل. كما أنني لا أتصور رئيسي "امرأة عاملة". فإذا حدث أن أصبحت المهندسة سامية الرئيسة، فسوف تتعالى علينا كل الزميلات، ليس فقط الزميلات العاملات في إدارتنا، بل كل الزميلات في المنشأة.. يا رب!