من المكتبة الأجنبية

من المكتبة الأجنبية
        

تدريس الإسلام في ألمانيا بين النظرية والتطبيق

          في سلسلة الكتب المتوالية عن الإسلام والمسلمين والتي تأخذ مكانها في كل عام على أرفف المكتبة الألمانية، نجد كتابا جديدا صدر مطلع هذا العام، أصبح مادة إعلامية متداولة في وسائل الإعلام الألمانية المختلفة، عنوان الكتاب هو «امرأة ألمانية مسلمة» ومؤلفته هي «لمياء قدور» الألمانية، سورية الأصل، يبدو عنوان الكتاب للقارئ العربي شيئا عاديا، إلا أنه يحمل في مضمونه ربما تحدياًٍ للقارئ الألماني الذي يرى أن المرأة لا تتمتع بحقوق كافية في الإسلام، لهذا السبب يبدو عنوان الكتاب مثيرا ذلك أيضا كون الكاتبة شابة ألمانية الهوية عاشت وترعرت في ألمانيا، ولدت في عام 8791 في ألمانيا لأسرة مسلمة مهاجرة من سورية، تعلمت أصول الدين في نطاق الأسرة ودرست فيما بعد علوم الإسلام في الجامعة ثم تأهلت للعمل كمدرسة تربوية للتربية الإسلامية في المدارس الألمانية، وهو الأمر الذي ساعدها في وضع الكثير من التصورات والتجارب الخاصة التي عاشتها في محيط الأسرة والصداقات وأيضا العمل ضمن محتويات الكتاب، فهي تربت في طفولتها في بيئة ألمانية لاتدعي أي خصوصية للدين، فالمجتمع منفتح ولا يلعب الدين دورا مؤثرا في حياة الأفراد، وهو أمر مختلف عن بيئة البيت، فالأسرة التي تعيش في كنفها تحافظ على العادات والتقاليد المحافظة التي يلعب الدين دوراً أساسيا فيها، هذا الاختلاف والتباين بين ما تراه وما تعيشه أوقعها في الحيرة في حداثة سنها حتى أنها بدأت تشكك في التقاليد والعادات وسط أجواء الحرية التي كانت تعيشها خارج نطاق الأسرة في فترات الدراسة في المدرسة الألمانية.

دعوة إلى المنهج الليبرالي في التفسير

          تدعو لمياء قدور في كتابها إلى الحداثة وإلى انتهاج منهج ليبرالي في تفسير القرآن الكريم بشكل يتماشي مع العصر، أو على الأقل وضع التفسيرات المجددة أمام التغيرات الحادثة، وفي حرص منها على أن تنأى بنفسها عن الوقوع في مصيدة انتقاد الإسلاميين، فإنها تؤكد على حقيقة أن القرآن الكريم هو كتاب سماوي، وهو ثابت لايتغير ولا يمكن التشكيك في تلك الحقيقة، إنما الأمر يتعلق بالتفسير ومواجهة الواقع المتغير في الزمان والمكان، فهي على سبيل المثال لا ترتدي الحجاب وترى من وجهة نظرها أن ارتداءه في عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام إنما كان لحماية المرأة، أما الآن فإن هذه الحماية من وجهة نظرها لم تعد مطلوبة إذ إن المرأة قادرة على حماية نفسها دون حجاب.

          ترى المؤلفة أيضا أنه باستثناء الثوابت الإسلامية المعروفة وأركان الإسلام الخمسة، فإن الاجتهاد في التفسير هو مطلب مهم في كثير من الأحيان للمسلمين، من جهة أخرى فهي تنتقد فكرة أن الإسلام ثابت لا يتغير وهو صالح لكل زمان ومكان، ذلك أن جمود التفسيرات والاجتهادات ستجعل الإسلام دائما عرضة للهجوم والتشكيك من قبل الغربيين، إن أحد الأمثلة على ذلك هو الأستاذ الجامعي المصري «نصر حامد أبو زيد» الذي تعرض من جراء آرائه الإسلامية الجريئة إلى التهديد أكثر من مرة، بل أكثر من ذلك إقامة دعوى قضائية عليه للتفرقة بينه وبين زوجته على أساس أنه مرتد.

          إن عدم مسايرة التغيرات الحادثة في التفسير، سيبعد الدين عن العالم الواقعي الذي نعيشه.. وبعد الدين عن الواقع سيشكل صعوبة في أسلوب الدعوة للاقتناع به، فهي ترى من واقع تجربتها كمدرسة للدين أن التلاميذ الذين ينتمون إلى أقطار إسلامية عدة يشتركون في معرفة الإسلام بصورة سطحية من واقع الأشياء المحرّمة فقط كالجنس قبل الزواج أو أكل لحم الخنزير أو المشروبات الكحولية، في حين أن عليهم عدم الاكتفاء بذلك فقط، إنما أن يصلوا إلى أعمق من ذلك بكثير إلى فلسفة وجوهر الدين المؤثر على النفس البشرية كمنهج إصلاحي للبشر.

          حاولت المؤلفة في الكتاب أن تقدم حلولا تتمثل من وجهة نظرها في كيفية تطبيق التفسيرات الجديدة على أرض الواقع والتقليل من التناقض الظاهر بين الدين والحداثة وذلك من خلال وضع الأحكام القرآنية في ظل سياق تاريخي وموضوعي يمكن به الكشف عن المعنى الحقيقي حتى يصبح التفسير ملائما للواقع.

انتقاد التشدد الغربي ضد الإسلام

          نراها في موضع آخر من الكتاب وهي تحاول توضيح أهمية عملها كمدرسة للتربية الدينية الإسلامية في هذا المجتمع الغربي، فهي ترى أن ذلك مهم لمكافحة الإرهاب وتصحيح صورة الإسلام التي يتعمد البعض تشويهها، وفي هذا الإطار توجه نقدا شديدا للكتب التي تظهر في ألمانيا عن الإسلام وتنحصر فقط في تجارب شخصية وفي الغالب سلبية عن الدين الإسلامي لا تخرج موضوعاتها عن جرائم الشرف أو الزواج الإجباري للفتيات أو ختان الإناث، وهي موضوعات تناولتها وسائل الاعلام هنا حتى أنها أصبحت مملة ورتيبة تجد دائماً من الغرب التشجيع على نشرها في محاولة لإظهار الغرب على أنه المنقذ والمخلص.

          تنتقد أيضا لمياء قدور دور مؤتمر الحوار الألماني الإسلامي الذي يعقد مؤتمرا عن الإسلام سنويا، وتقول إنه لا يلعب سوى دور رمزي مظهري في إشكالية الإسلام في ألمانيا، ذلك أن عدد الممثلين فيه عن المنظمات الإسلامية ودور العبادة الموجودة في ألمانيا لا يزيد على 01 إلى 02% ، في حين أنه يمكن بالفعل أن يلعب دورا أكبر من ذلك بكثير إذا تم التنظيم له بشكل صحيح.. لا ليقتصر فقط على أصوات المتشددين الذين يطرحون أفكارا سطحية ضد الإسلام، في وقت يغيب فيه صوت المعتدلين، ووفق رؤيتها فإن الحياد في هذا المؤتمر يجب أن يكون هو المعيار الأول لسبب انعقاده.

          تحذر لمياء قدور في الكتاب أيضا من مسألة الرفض الجماعي للإسلام من قبل الغرب، كذلك أيضا من إصرار المتشددين الإسلاميين على التمسك بالتقاليد والإصرار عليها دون الأخذ في الاعتبار التجديد والتحديث، وترى أن إصرار كل جانب على موقفه لن يثمر عن أي حل في إطار الحوار بين الطرفين، من ناحية أخرى فهي ترى أن الحوار بين الجانبين يجب أن يكون جادا وفعالا ذلك أن الإسلام سيبقى جزءا من هذا المجتمع، كما أن تكيف المسلمين مع الموطن الجديد هو أمر حتمي، لهذا يجب أن يسفر الحوار والنقاش عن هدف واضح بين الجانبين.
--------------------------------
* كاتب عربي ومقيم في ألمانيا

 


 

صلاح سليمان*