مساحة ود

 مساحة ود

رجل في كهف

تلك ضغوط... أرتبها فوق كتفي وأركض متجاوزة الشوارع والحارات الملتوية هاربة إلى ساعة من الوحدة... أنتهزها، أنتفخ شعوراً بامتلاك ساعة من الوقت الطويل.. الماضي بشراسة، أفتح باباً وأغلقه على الوحدة وكل شيء ساكن... أحياناً أحسد الصنابير لأنها قادرة على البكاء طوال الوقت، أخلع أرديتي القهرية، أفك عقدة شعري وألجم لساني، أتمدد فوق فراشي وأسمح لضوء بسيط بمشاركتي.

إن دق جرس الباب، انفجر الضوء، تحرّكت قطع الأثاث وتبدلت الجغرافيا، لكن الألم، أطوّقه داخل صدري ليظل قابعاً متكلساً داخل الروح.

حبات الماء تتساقط من الصنبور ثاقبة الدماغ بإصرار، مثلها صوتي المحمل بالكوابيس وبالتعب، غرفته موصدة، غرفتي موصدة، الفراغ في الردهة الخاوية.

شريك سكني المؤقت، هل تسمح باستخدامك كنموذج للوحة جديدة؟

أعرف أنك محايد تماماً، أن لك قلب طائر صغير، أنك تحمل ضميرك كل ليلة بين كفيك، تقبله وتسوّي حوافه ثم تضعه تحت وسادتك وتنام فوقها مستريحاً، كل ذلك أعرفه، لكننا نتبادل الهواء الخانق نفسه، والسقف الداكن نفسه، وأكثر من ذلك كله فإننا نغلق باباً واحداً دون عالم كامل من البكتيريا والأعداء.

فلننح الضغينة جانباً، ونُفعّل شعوراً وهمياً بالحب والاكتراث، سأطلعك على ماضيّ وأستمع إلى رواياتك عن طفولتك المميزة، بينما أكتب عنك قصة باللهجة الدارجة، ليس عليك غير أن تجلس مستريحاً، حرّر ساقيك وذراعيك واطلقها، تخلّ عن حاجتك الدائمة لدعامات وجهك ودماغك، دخّن كما شئت أو لا تدخّن، فقط تابع ثرثرتك.

مازلت تصدمني فأجد فيك شيئاً قديماً حديثاً أستطيع حكيه.

تخرج من بخار الحمام مثل كائن ملائكي ينزلق من السحاب، الفضة تتقاطر منك، تقبل خطواتك، تلف خصرك بالأزهار الكبيرة الميتة للمرة الألف فوق منشفتك.

سأجرّب أن أرسمك من الذاكرة، سأخلع عنك آلاف السنوات، أجرّدك من لسانك وربما من قبضتيك وبعض التفاصيل الزائدة، فربما أتعرّف عليك جداً، لابد ستبدو أكثر طيبة، أو جمالاً، على الأقل كن حقيقياً، كن ذلك المخلوق المخوّل بتغيير وجه الأرض. هل فكّرت يوماً أن تغيّر التاريخ وتفعل ما لن يقدم عليه الآخرون؟

أيها المسكين، ماذا فعلت بك ظلمة الكهوف ووحشية الذئاب، سلّمني أنيابك وامنحني وجهاً للنحت مغايراً لما اعتدنا.

أو ربما حيوان صغير أو طفلة تغافل خوفها وتخطو الخطوة الأولى أصلح لدور البطولة من رجل يلتهم الدور نفسه طوال الوقت، وإلا فسنحتاج إلى وضع حداثي تجريبي، لنتخيلك غير ذلك الرجل الذي يتهم امرأة ما ويضربها لأنها أخرجته من الجنة، لماذا تنطبق الصورة على ملامحك وتتكرر النسخة نفسها، أنت لا تحب أن تعاني لأجل الحصول على طعامك، أليس هذا ما تصرخ به دائماً؟

سوف نضع في الخلفية ظلك متكئاً فوق أريكة من سحاب، يلتقط قطوف العنب بلسانه، يعب من نهر الخمر بيديه، فذلك حلمك القديم الذي تقضي أيامك لأجله، نائماً داخل كهفك، الجوع يدفعك للإطلال خارجه، تعجبك انحناءة امرأتك تحت الشمس، تفرغ بعض طاقاتك المخزونة فيها حتى تنتفخ هي وتتألم، ولن يفوتك وأنت تتناول طعامها أن تذكرها في كل صباح بأنها أخرجتك من الجنة، كي تظل مذعنة تدفع ثمن الخطيئة طوال القرون المقبلة، سوف تعبث بخرائط جسدها وروحها، تشوّه ما سبق أن أعجبك دون أن تفكر للحظة أنك حتماً ستكره ما صنعته يداك.

 

أمينة زيدان