الصداع النصفي عند الأطفال

الصداع النصفي عند الأطفال
        

          الصداع النصفي هو أكثر أنواع الصداع الحاد والمتكرر شيوعاً عند الأطفال. وفي كثير من الأحيان يكون مصحوباً بالغثيان وآلام في البطن وتقيؤ، وعادةً ما تخف هذه الأعراض بخلود المريض للنوم.

          بعاني المريض خلال نوبة الصداع النصفي صداعا حادا حول العينين، في منطقة الجبهة، أو في المنطقة الجانبية للرأس. وقد يمر بعض الأطفال بتجربة رؤية التغييرات «الهالات» خلال الصداع. ويفضل الكثير تجنب الأضواء الساطعة- الضجيج العالي، والروائح القوية لأن هذه قد تزيد من آلام الصداع. وبالرغم من أن هناك العديد من الأدوية التي يمكن أن تستخدم لعلاج الصداع النصفي، والتي تنجح أحياناً وتفشل أحيانا أُخرى، فإن آلام الرأس الحادة غالبا ما تختفي جزئياً أو كلياً بالخلود للنوم العميق.

          على الرغم من أن الصداع النصفي يعتبر ومنذ فترة طويلة مرضا حميداً «غير ضار نسبيا» ولكن شدة النوبات قد تعيث فسادا على الشخص في نوعية حياته والقدرة على مشاركته في أنشطة الحياة العادية. غير أن التشخيص المبكر والعلاج المناسبين يمكن أن يساعدا الأطفال كثيراً على تحسين نوعية الحياة و تبني نمط حياة صحي.

الأسباب والعوامل المحفزة للنوبات

          ويعتقد أن ما يجعل بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي هو وجود نزعة موروثة. إضافة الى عوامل أخرى تعتبر محفزة أكثر من كونها مسببة كالإجهاد العاطفي أو الجسدي، أو بداية لمرض ما خصوصاً المصحوب بالحمى، أو تناول بعض الأطعمة أو السوائل كالشوكولاتة، الجبن، المكسرات، والمحار، الطعام الصيني، السكر، الكافيين، والكحول. ولكنه ربما كان بسبب نقص مؤقت أو دائم لمادة السيروتونين الكيميائية (Serotonin) في الدماغ.

          وتلعب العوامل البيئية الخارجية دوراً مهماً: وتشمل ضوء الفلورسنت، الضوء الساطع أو الوامض، التعب، تغيرات الضغط الجوي، والروائح القوية، شاشات الحاسوب، أو التغيرات السريعة في درجات الحرارة. إضافة الى بذل مجهود بدني غير عادي. السفر أو الحركة وخاصة عند الأطفال الصغار.

          ويعرف بعض المرضى «من تجربتهم» ما قد يؤدي بهم إلى التعرض لنوبة الصداع.

التردد والعمر

          تشير الدراسات إلى أن الصداع النصفي يحدث لدى 5% -10% من الأطفال في سن الدراسة في الولايات المتحدة، هذا التردد يرتفع تدريجيا خلال فترة المراهقة ويبلغ القمة في حوالي 44 سنة من العمر. غير ان الكثير من الناس يتعافون من تلقاء أنفسهم دون سبب واضح.

          ويصيب المرض في السنوات الاولى من العمر «أي إلى عمر السبع سنوات» الذكور أكثر من الإناث، ويزداد انتشار الصداع النصفي خلال سنوات المراهقة وما بعدها خصوصا عند النساء، وتبدأ وتيرة الانخفاض في كلا الجنسين من سن 50 سنة. وعادة ما تبدأ أول نوبة قبل سن العشرين وفي حوالي 20% من المصابين تبدأ قبل بلوغهم سن الخامسة حيث يعاني الطفل الألم البطني، التقيؤ والغثيان وحاجة شديدة إلى النوم. إضافة إلى التهيج والبكاء، الحساسية للضوء والصوت والروائح ثم السعي إلى غرفة مظلمة للنوم.

          ورغم تسميته بالصداع النصفي فإن النوبة قد لاتكون مقتصرة على جهة واحدة من الرأس أما موقعها فعادة ما يتغير بين نوبة وأخرى أو حتى في النوبة الواحدة.

          وكلما كبر الطفل فإن شدة الصداع ومدته قد تزيد، وتبدأ النوبات بأخذ طابع منتظم. ويبدأ الصداع في كثير من الأحيان بالتحول إلى جانب واحد من الرأس المصاحب للشعور بالخفقان والنبض الموضعي.

التشخيص

          ويكون عادة تشخيصاً سريرياً مع التركيز على التاريخ الطبي، والفحص البدني، والفحص السريري للجهاز العصبي وذلك لكي يتم استثناء أسباب عضوية أخرى للصداع.

 

مراحل الصداع النصفي

          تتكون نوبة الصداع النصفي من أربع مراحل ممكنة.

          المرحلة المحذرة أو prodrome - الهالة (aura) - الصداع - وما بعد الصداع postdrome.

          محذر النوبة أو prodrome: «المرحلة التي تسبق وتنذر»، والتي قد تسبق الصداع بـ24 ساعة. ويعاني فيها المريض أعراضاً متعددةً منها:

          التهيج، الفرح أو الحزن، الثرثرة أو الانسحاب الاجتماعي، زيادة أو نقص الشهية، حبس في السوائل، أو اضطرابات في النوم.

          وغالبا ما تكون هذه الاعراض أكثر وضوحا في الصداع النصفي من دون هالة مما هي في الصداع النصفي المصحوب بهالة. علماً بأن بعض الأطفال الذين يعانون الصداع النصفي المتكرر قد يكون لديهم شعور غامض بأن هناك شيئا مختلفا سيحدث في وضعهم الصحي ولذلك فإنه عادة ما يجد صعوبة في وصف هذا الشعور إلى الوالدين أو الطبيب.

الهالة

          وتحدث عادة 30 دقيقة قبل نوبة الصداع، رغم إمكان حدوثها من دون صداع. وتصيب 15% إلى 30% من الأطفال الذين يعانون الصداع النصفي، بالرغم من أن التقارير الحديثة تشير إلى أن النسبة أعلى ولكنها غير مسجلة رسمياً بسبب عدم قدرة المرضى الصغار شرح أحاسيسهم لفظياً. تستمر الهالة لمدة 5-20 دقيقة. ولها عدة أشكال أهمها الهالات البصرية كضعف الرؤية، الإحساس بالومضات الضوئية، مشاهدة نقاط سوداء، تصور الأشياء كما لو كانت أصغر مما هي عليه (micropsia)، أو أكبر (macropsia)، وغيرها.

          أو قد تأخذ أخرى كخدر ووخز من جانب واحد من الوجه ووخز الأصابع على الجانب نفسه، اضطراب الكلام، فقدان الاهتمام والارتباك وفقدان الذاكرة أو النسيان، الانفعال، ترنح «عدم القدرة على تنسيق النشاط العضلي أثناء الحركة الطوعية»، الدوار، التنمل «شعور غير طبيعي للحرق، دغدغة، وخز ».

الصداع

          المرحلة الفعلية للصداع النصفي عادة ما تكون أقصر في الأطفال من البالغين. وتستمر 30 دقيقة الى 48 ساعة، لكنها عادة أقل من أربع ساعات. وفي أحيان أخرى فإن النوبة تتراوح بين 10-20 دقيقة فقط. وكثيرا ما يصاحب الصداع بعض مما يلي:

          البرودة القصوى، والغثيان وفقدان الشهية والتقيؤ، زيادة التبول، الإمساك أو الإسهال، الدوخة والرعشة، التعرق، ترنح، التنميل والضياء «الحساسية للضوء» Phonophobia، الحساسية للصوت، الحساسية للرائحة Osmophobia، فقدان الذاكرة، الإرتباك، شحوب في الوجه مع دوائر داكنة تحت العين، سيلان أنفي وتورم داخلي في الممرات الأنفية، العطش.

ما بعد الصداع

          تتميز هذه الفترة بالإحساس بالغبطة والنشاط، أو على العكس من ذلك بالسبات العميق، الوهن، الضجر، والتعب. و تستمر هذه المرحلة من الصداع النصفي من عدة ساعات إلى عدة أيام.

أنواع الصداع النصفي

          الصداع النصفي المصحوب بالهالة: أو الصداع النصفي الكلاسيكي. وقد تم ذكر خصائصه أعلاه.

          الصداع النصفي من دون هالة: ومن صفاته تكرار حدوثه والثنائية «أي لايقتصر في العادة على جهة واحدة من الرأس». إضافة إلى حدوثه بنسبة أكثر من النوع الاول «60% -85% من المصابين».

          الصداع النصفي المزمن: وفيه يعاني الطفل النوبات 15 يوما أو أكثر من كل شهر لمدة شهرين على الاقل. ويؤثر على ما يصل من 4% من الفتيات في سن المراهقة و 2% من الفتيان في سن المراهقة.

          الصداع النصفي المستمر: هو شكل حاد من الصداع النصفي الذي يدوم على مدى 72 ساعة.

          الصداع النصفي العيني (ophthalmologic): ويؤدي إلى شلل وقتي في العضلات التي تتحكم في حركة مقلة العين، وهو نادر الحدوث.

          الصداع النصفي الشبكي (retinal): وهو نادر الحدوث كسابقه. وفيه يحدث فقدان مفاجئ للرؤية تسبقه هالات ضوئية شديدة السطوع تتبعها نوبة الصداع الذي عادة ما يكون بنفس جهة العين المصابة. ولحسن الحظ إنه نادراً ما يؤدي الى خسارة دائمة أو ضعف في الرؤية.

          الصداع النصفي الدوري المصاحب للقيء (المتلازمة الدورية = periodic syndrome): ويتصف بنوبات متكررة من القيء الشديد بشكل منتظم ودوري. ثم بعد فترة يبدأ الطفل بالشعور بالصداع مع نوبات القيء.

          الصداع النصفي المصاحب لاوجاع بطنية دورية: وفيه يعاني الطفل نوبات متكررة من آلام في المعدة المصحوبة بالغثيان والقيء. ولكن من دون صداع التي تخف أو تختفي بخلود الطفل إلى النوم.

          وكلما نضج الطفل فانه يبدأ بالشعور بالصداع النصفي بأي نوع من أشكاله المذكورة أعلاه مع نوبات آلام البطن. وتشير بعض الدراسات الى أن هذا النوع قد يؤثر على ما يصل الى 12% من الأطفال في سن الدراسة. إضافة الى أنواع أخرى نادرة جدا جدا.

حقائق متنوعة عن الصداع النصفي:

          يكون الطفل عرضة لدوار الحركة (motion sickness) بنسبة أعلى من الأطفال الآخرين.

          زيادة نسبة الإصابة بالإسهال الذي قد يكون أحيانا شديدا لدرجة التسبب المفرط بفقدان السوائل والجفاف.

          في 20%-30% يعاني الطفل اضطرابات في النوم.

          وتبين إحدى الدراسات أن تناول الآيس كريم تسبب بنوبة صداع في 93% من المصابين.

          وهناك بعض من الأمراض التي قد تكون مصاحبة للصداع النصفي كالقلق المفرط أو الحزن، الربو والحساسية، والصرع.

العلاج:

          - العناية الذاتية في المنزل:

          النوم هو أفضل علاج للصداع النصفي. إذ إن النوم العادي يستعيد وظيفة المخ، يخفف الألم والعديد من الأعراض المرتبطة بالصداع النصفي.

العلاج الطبي:

          العلاج الطبي لمرض الصداع النصفي لدى الأطفال يقوم على ما يلي: (1) توعية الأطفال والوالدين أو مقدمي الرعاية عن محفزات الصداع النصفي، (2) وضع خطة لعلاج فوري لنوبات الصداع، و (3) استعمال الأدوية الوقائية للأطفال الذين يعانون الصداع النصفي المتكرر.

المعالجة الفورية

          يجب أن يستلقي الطفل في مكان بارد نسبياً ومظلم وهاديء.

          ويجد بعض الأطفال وضع شيء بارد أو الضغط على المنطقة المتضررة مفيداً في تقليل الألم لفترة قصيرة. إضافة الى إستعمال المسكنات التي غالبا ما يجب تعاطيها بجرع كبيرة لتخفيف الألم خلال فترة الهالة أو بداية الصداع. ولكننا نؤكد هنا على ضرورة عدم استعمال الأسبرين كمسكن في الأطفال والمراهقين. وقد لوحظ من التجربة بأن الاطفال يستجيبون أفضل من البالغين للعلاج.

الوقاية والعلاج

          إن الهدف الرئيسي للعلاج هو الوقائية من التعرض لنوبات الصداع النصفي أو على الأقل التقليل من وتيرتها وحدتها. لكن المضاعفات الجانبية للعلاجات الوقائية عادة ما يقف أمام الوقاية المناسبة، ولذلك فقد تم الإتفاق أن الأطفال الذين يتعرضون للنوبات مرة الى مرتين إسبوعياً هم فقط من ينبغي أن يأخذوا العلاج الوقائي. ويجب التنويه هنا بأن معظم الأدوية تخفف فقط شدة الالم أو تقلل من تكرارية النوبات ولاتقضي عليه تماما.

الحمية الغذائية

          قد تكون الحمية عن بعض الأطعمة مهمة وذلك لأن ما يقارب 20% -50% من المرضى لديهم حساسية شديدة لأغذية معينة تختلف من مريض الى آخر، وبالطبع معرفة الأنواع المسببة للتحسس عند الطفل تتوجب انتباهاً شديداً من قبل الاهل والطفل «إذا كان كبيراً نسبياً». رغم أن ذلك صعب عادة ولكنه مفيد في تقليل تكرارية النوبات.

          وفيما يلي بعض الأسباب الغذائية الشائعة:

          الثيامين: الموجود في الألبان، الشوكولاته، الحمضيات، إضافة الى مواد التحلية الاصطناعية.

          ويعتقد ان هذه المادة تسبب توسع الأوعية الدموية في الدماغ عند الأطفال المتحسسين مما يسبب الصداع.

          المشروبات: كالتي تحتوي على الكافيين مثل القهوة والشاي والكاكاو والكولا «ويجب عدم تناول أكثر من حصتين في اليوم»، كما أن بعض أنواع الشوكولاته وحلويات الاطفال (candies) قد تحتوي على الكافيين.

          النترات والنتريت: الموجودة في اللحوم المحفوظة، السمك المدخن، السجق، النقانق، السلامي، والبسطرمة. إضافة الى لحم الخنزير.

          جلوتامات أحادية الصوديوم (MonoSodium Glutamate-MSG): وهو محسن نكهة موجود في العديد من الأطعمة المصنعة، الصلصات، وخلاصة الخميرة (yeast extract). 

          وقد يتحسس البعض للفواكه خصوصاً الموز والخوخ.

          وقد يقول أحدهم بأن قائمة الممنوعات أعلاه لم تترك أي صنف يمكن تناوله لمريض الصداع النصفي ولكن من النادر أن يتحسس الطفل الواحد لكل هذه المواد أو على الأقل ليس بالشدة نفسها. لذلك فمن المهم إتباع نظام غذائي طبيعي يشمل الفواكه والخضروات وتجنب الأطعمة المصنعة. كما يجب توخي الحذر لتجنب خلق نظام غذائي غير طبيعي يكون صارماً ومؤذياً مما يضر الطفل في النمو والتنمية.

الأدوية

          وتقسم إلى نوع مخفف لشدة الصداع وآخر مانع ومثبط للنوبة «في حالة التعرض؛ وكما تم ذكره أعلاه؛ لأكثر من نوبة إسبوعيا، وتؤخذ يومياً على مدى فترة طويلة من الوقت للتقليل من تواتر أو شدة الصداع، ولكن الإستجابة لها قد لاتتعدى 50% في بعض الحالات» وفي كلتا الحالتين يجب التقيد بنصائح الطبيب وذلك لأن الإفراط في الاستخدام قد يؤدي إلى نتائج سيئة وعكسية.

          إذا لم تخف شدة الآلام بشكل معقول بعد ستة أشهر من المتابعة الحثيثة ينبغي أن يعرض الطفل على طبيب (أعصاب أطفال pediatric neurologist) خصوصاً الأطفال الذين قد تحدث عندهم فجأة مشكلات عصبية جديدة مثل الضعف العصبي، وصعوبات في التفكير، أو التشنجات. هل الصداع النصفي حالة مزمنة أم أنها قد تتحسن بمرور الزمن؟

          تشير الدراسات إلى أن الصداع النصفي بصورة عامة يستمر لسنوات عديدة متأرجحاً في الشدة والتكرارية، وفي واحدة من عدد قليل من الدراسات الطويلة الأجل لمرضى الصداع النصفي التي أجراها الباحث الاسكندنافي المسمى بيله على عدد من الأطفال السويديين المصابين بالصداع النصفي، وتابع خلالها هؤلاء الأطفال لمدة 40 عاما. أغلبهم بدأوا يعانون عندما كان عمرهم 6 سنوات. توقف 62% منهم، لمدة سنتين على الأقل، خلال فترة البلوغ أو مرحلة الشباب، من التعرض لنوبات الألم ومايصاحبها.

          بدأ حوالي 33% منهم للتعرض لهجمات منتظمة مرة أخرى بعد ما متوسطه ست سنوات خالية من الصداع النصفي.

          والمستغرب أن 60% منهم كان لا يزال يعاني الصداع النصفي بعد 30 عاما. وأن 22% منهم لم تكن لديهم سنوات خالية من الالم لمدة 30 عاماً.

          وختاماً نود تذكير الأهل أو من يقوم بالعناية بالطفل بضرورة الاستماع إلى ما يشكو منه من الآم وعدم إهمالها وأخذها على محمل الجد وذلك لما له من أهمية كبيرة في التشخيص والعلاج المبكريَن اللذين من شأنهما مساعدته في الحصول على حياة أفضل.
--------------------------------
* كاتب من الأردن

 

فرح فلاح كاظم الخواجة*