هل هو سن اليأس: أم مرحلة التغييرات الحيوية؟ ماري يعقوب

في حياة المرأة، لم يعد الطب الحديث يعترف بان فترة منتصف العمر مرض طبيعي ليلتقي مع ما قاله من قبل الفيلسوف اليوناني "أرسطو".. الذي اعتبرها فترة من فترات حياة الإنسان بإمكانه جعلها مفيدة ومقبولة وهو الذي قال إن "الحياة تبدأ بعد الخمسين".

ما أكثر الأفكار الخاطئة التي تحرك الإنسان. من هذه الأفكار ما يوحي للبعض بأن التقدم في العمر يعني الاستقالة من الحياة والابتعاد عن كل ما هو إيجابي فيها.

ولكن يجب أن نعلم أن لكل مرحلة من مراحل العمر سحرها الخاص، وجمالها المميز، وخصائصها المتفردة، كما أن الخروج من مرحلة الشباب إلى الكهولة ليس معناه الخروج من نهر الحياة، والوقوف بعيدا عن تياره نتطلع إليه في حسرة.

وإذا كان الله قد خلق الجمال في كل شيء، فإن أوضح صوره تتجلى في الإنسان وفي مراحل عمره المختلفة. ومن السمات المميزة للمرأة بالذات حرصها على الاحتفاظ بجمالها وحيويتها وشبابها طوال العمر.

ومن أجل هذا فهي تلجأ إلى الكثير من الوسائل التي قد تخطئ وقد تصيب، ويبقى سؤالها الحائر وهو: ماذا أفعل وأنا أعبر إلى مرحلة ما بعد الشباب التي يطلق عليها مجتمعنا "سن اليأس"؟.

حملنا هذا التساؤل الحائر لنضعه أمام الأستاذ "الدكتور محمد فياض" أستاذ ورئيس قسم أمراض النساء والتوليد بجامعة القاهرة. الذي يبدأ حديثه قائلا:

بداية يجب أن تطمئن كل سيدة إلى أن الطب الحديث أتاح لها حاليا الاحتفاظ بشبابها وجمالها طوال العمر حتى وهي تعيش عمرها الثالث أو "شيخوختها".

التغيرات الحيوية بدلا

من اليأس أما إطلاق تسمية "سن اليأس" على هذه الفترة من حياة المرأة فهو اصطلاح ظالم وغير موفق، وإن كان يعني أن المرأة يائسة لأن انقطاع الطمث معناه نهاية حياتها الإنجابية، وهي كلمات مؤلمة تعني اللا أمل.. ولا يعرف من ابتدعها لوصف المرأة في هذه المرحلة، وهو اصطلاح ليس له وجود في العالم أجمع إلا في قواميسنا نحن العرب، وربما يرجع ذلك إلى أننا شعب يميل إلى الكآبة والتشاؤم.

في الغرب تسمى هذه الفترة "مرحلة التغيرات الحيوية" أو المونوبوز. وتعني المرحلة التي يتوقف فيها الحيض عند المرأة.

وتختلف السن التي يتوقف فيها الحيض من امرأة إلى أخرى، إذ تتراوح في مصر بين الخامسة والأربعين والخمسين من العمر بينما ترتفع في دول أخرى إلى سن الستين.

المرأة أطول عمراً

كما أن ما لا يعرفه الكثيرون أن المرأة تعيش أكثر من الرجل بوجه عام، وأكثر من زوجها في كثير من الأحيان، ويقدر متوسط عمر المرأة المصرية عام 1985 بحوالي 58 سنة ونصف، بينما متوسط عمر الرجل 56 سنة، وطبقا لتوقعات الأمم المتحدة سيبلغ متوسط عمر المرأة 65 سنة والرجل 62 في عام 2000، كما أن ارتفاع متوسط أعمار النساء عن الرجال ظاهرة عامة في معظم الدول المتقدمة، والنامية، والفارق في العادة يبلغ سنتين أو ثلاثا ويرتفع إلى 9 سنوات في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يبلغ متوسط عمر الرجل 70 سنة والمرأة 79 سنة.

وعن أسرار التغيرات التي تحدث للمرأة في هذه السن يقول دكتور فياض:

إن الله سبحانه وتعالى قد حبا المرأة في سن الإنجاب بفضل كبير جدا وهو الهرمونات التي يفرزها المبيضان خاصة "الاستروجين" و"البروجستيرون" ولهذه الهرمونات تأثير ليس فقط على الإنجاب، ولكن تأثيرها عام على الدورة الدموية وتنظيم الكيماويات في الدم مثل الكوليسترول، فضلا عن تأثيرها على العظام فهي تزود عظام الجسم وفقرات الظهر بالكالسيوم، كما أن من شأنها حماية المرأة من أمراض القلب التي تحدث للرجال في سن ما قبل إلى 45 سنة.

كما أن لهذه الهرمونات الفضل في حماية المرأة في فترة الإنجاب من التعرض لهذه الأمراض والأزمات وتلك حكمة "الخالق" حتى تتمكن من الإنجاب وتربية أطفالها دون الإصابة بالذبحة الصدرية أو جلطة القلب.

ظاهرة واحدة وصور متعددة

ولكن كيف ومتى يحدث انتقال المرأة من الشباب إلى الشيخوخة؟

يجيب دكتور فياض قائلا:

غالبا ما ينقطع الطمث لدى المرأة في سن الخمسين، وتختلف فترة الحيض من سيدة إلى أخرى.. فبعض النساء تبدأ لديهن مظاهر الانقطاع في تناقص الحيض واضطرابه فترة تبلغ عامين قبل أن يتوقف، والبعض يختفي لديهن الحيض تدريجيا خلال بضعة أشهر دون أي تغييرات ملحوظة، وأخريات يتوقف لديهن الحيض فجأة.

ويصاحب توقف الحيض إقلال في إفراز الهرمونات المسئولة عن إحداث الحمل، كما أن التوازن أو عدم التوازن الهرموني في سن انتهاء الخصوبة يتوقف على شكل انتهاء الحيض، وبالتالي على مقدار تناقص هرمونات المبيض. والتناقص المفاجئ قد يسبب اضطراب الغدتين الدرقية والكظرية ونشاط البنكرياس.

أما التناقص التدريجي فيسمح للجسم بأن يتأقلم مع التأثير البسيط أو عدم التأثير على التوازن الهرموني المهم، كما أن هناك ثلاث حالات لانتهاء الحيض.

منها تزايد الفترة وطولها بين كل دورة حيض وأخرى ومنها تناقص كمية الدم تدريجيا إلى أن يتوقف، وهذا التناقص التدريجي لإفراز هرمون الاستروجين خلال عدة شهور يتيح للجهاز الهرموني أن يتلاءم مع هذا التناقص، والسيدات اللاتي يتوقف حيضهن على هذا النحو غالبا ما يتجاوزن المرحلة الأولى بقليل من الاضطراب.

أما من يتوقف حيضهن فجأة بدون اضطراب في كمية الدم فهن قليلات.

أما الحالة الثالثة فتؤدي الاضطرابات الهرمونية فيها إلى حدوث نزيف متزايد على فترات منتظمة أو فترات متزايدة قبل أن يتوقف في النهاية.

ويصاحب توقف الطمث تغيرات جسمانية، فتبدأ بعض الأغراض نتيجة التغيرات في الدورة الدموية، حيث تشعر المرأة بهبات ساخنة في الجسم وخاصة في الجزء العلوي من الجسم، والشعور بالصهد وخصوصا في الوجه والرقبة مع احمرار الجلد، وأحيانا عرق غزير باليدين، وتستمر هذه الهبات من دقيقة إلى نصف ساعة، كما تظهر البثور أو البقع الداكنة عند بعض السيدات في الوجه وعدة مناطق بالجسم، كما تشعر بعض السيدات بضربات زائدة في القلب، مما يؤرقها ليلا، كما يصيبها الشعور بالخمول والإرهاق والتعب دون بذل أي مجهود، وانتفاخ في البطن.

كما يصاحب هذه الفترة اكتئاب البعض منهن والتقلبات المزاجية واضطراب المشاعر، والبكاء لأتفه الأسباب، وعدم التركيز والنسيان والعصبية، والأرق.

كما تتراكم الدهنيات تحت الجلد، وخاصة في كعب القدم وتصاب السيدات بآلام منطقة الظهر والمفاصل، وبعض عظام الجسم والظهر، وهذه الآلام تؤخذ على أنها آلام روماتيزمية، وهي في الحقيقة ليست كذلك، بل هي نتيجة لنقص الكالسيوم الذي كان يحصل عليه من الهرمونات الأنثوية.

شباب دائم حتى في الستين

وبناء على هذا بدأ التفكير في علاج السيدة في هذه المرحلة بتزويدها بنفس هرمونات الأنوثة كنوع متطور ومعالج، حيث لا تنتج عنه أي أعراض جانبية، لكي يحميها من أمراض القلب و"العظام الهشة"، وذلك لأنه وجد في أمريكا - وهي إحدى الدولتين اللتين طبقتا نظام علاج المرأة بعد سن الشباب بالهرمونات بالاشتراك مع مجموعة الدول الإسكندنافية - أنه من بين كل 4 سيدات تضطر سيدة إلى ملازمة الكرسي المتحرك لإصابتها بهشاشة العظام كما أن نسبة الإصابة بكسور العمود الفقري تبلغ 50% ونسبة الإصابة بكسور الساقين واليدين تبلغ 25%، كما أن 50%، من هؤلاء يمتن نتيجة إصاباتهن تلك ممن بلغن سن الستين.

ولكن بعد استخدام العلاج الحديث دلت الإحصاءات ليس على إطالة عمر السيدة فقط بل إنها تعيش في صحة جيدة، حيث يقل تعرضها للإصابة بأمراض القلب، وتزول الأعراض المصاحبة لانقطاع الطمث فتتماسك عضلات جسمها ولا يتغير شكل صدرها ويظهر أثر العلاج على الجلد أيضا فتختفي منه التجاعيد، وتختفي عصبيتها وانفعالها وتفكر بكفاءة سن الشباب، كما أنها لا تصاب بانحناء أو تقوس عمودها الفقري، وتقوى عظامها فلا تتعرض للكسر مثل تلك التي في مثل عمرها ولم تحصل على هذا العلاج.

جاء هذا في المؤتمر العالمي لصحة المرأة الذي عقد في سنغافورة منذ ثلاث سنوات وحضره عشرة آلاف إخصائي من أنحاء العالم، وجاءت نتيجة الأبحاث التي أجريت في الولايات المتحدة والسويد وإنجلترا وهولندا لتقرر أن تخصص عيادة للسيدات بعد سن إلى 45 يجري عليهن فيها الفحص الطبي الدوري الشامل لملاحظة صحتهن من جميع النواحي ويشرف على هذه العيادة إخصائي أمراض النساء لمنحهن العلاج المناسب في الوقت المناسب، وقد جاءت نتيجة الأبحاث لتؤكد أن العلاج يزيل كل الأعراض التي تشعر بها السيدة في هذه السن بنسبة 100% أيا كانت الأعراض عضوية أو نفسية أو غيرهما، ولكن هناك رأيا طبيا يقول إن للهرمونات مضار فماذا يقول الطب الحديث؟:

يجيب دكتور فياض قائلا: من خلال المؤتمر الدولي طرحت الإحصاءات التي تؤكد أن نسبة من يمتن نتيجة الإصابة بأمراض القلب وكسور العظام أكثر بكثير ممن يمتن بالأورام، ومع ذلك فنوعية العلاج الحديث هي عبارة عن هرمون متعادل ليس له أي تأثير على الصدر ولا يسبب الأمراض، بل إن هذا الهرمون يمكن أن نطلق عليه هرمون استمرار الحيوية والحياة.

يبقى سؤال يؤرق الكثيرات ممن تعدين سن الشباب، وهو هل تفقد المرأة في هذه السن رغبتها الجنسية والحب؟.

يجيب دكتور فياض قائلا:

إن من الأعراض المصاحبة لهذه الفترة جفاف المهبل، ولكن يجب أن تعلم كل امرأة أن انتهاء الحياة التناسلية لا علاقة له بالرغبة أو القدرة الجنسية، ولا يؤثر فيها، فلا علاقة بين المبيضين والمشاعر العاطفية، أي أن انقطاع الحيض لا يؤثر على جاذبية ورغبة وقدرة المرأة في مرحلة السن المتوسطة، وحتى مع تقدم العمر في المرحلة التالية.

ولكن تعاطي العلاج الحديث سيجعل من المرأة في هذه السن شابة كما كانت قبل الأربعين.

.. في النهاية.. ماذا تأكل المرأة بعد سن الشباب؟

يقول دكتور فياض: ممارسة قدر من الرياضة يوميا مهم جدا إلى جانب نوعية الأكل في هذه السن.

فيجب أن يكون الطعام محدود السعرات الحرارية مما يعني الإقلال من النشويات والدهون والأملاح، وخاصة ملح الطعام الذي يجب استخدامه بمقدار محدود حتى لا يؤدي إلى زيادة الوزن أو ارتفاع ضغط الدم، ولا بد من تنوع الأكلات والتركيز على البروتينات وأهمها اللحوم البيضاء والأسماك الطازجة والألبان والجبن قليل الدسم والزبادي مع عسل النحل والفواكه الطازجة، كما يجب أن يكون طبق السلطة الخضراء قاسما مشتركا في كل ما تتناوله المرأة يوميا.

إلى جانب ذلك يمكن ممارسة رياضة المشي بطريقة منتظمة مع تمرينات التنفس السليم لتنشيط الدورة الدموية.