معرض العربي

معرض العربي

مـاري الدموية
لروجيه فان در فيدن

رسمياً، تحمل هذه اللوحة اسم (صورة سيدة)، غير أن مؤرخين كثراً يصرون على أنها تمثل ماري دي فالانجان، ابنة دوق بورغونيا، وأشهر أميرات القرن الخامس عشر، والتي حيكت حولها حكايات شعبية، حتى وصلت إلينا تحت اسم (ماري الدموية).

ومن بين أكثر من ألف لوحة زيتية يضمها كتالوج متحف واشنطن، تم اختيار هذه اللوحة للرسام الفلامنكي روجيه فان در فيدن لتتصدر الغلاف، وذلك لسببين: تقنيتها وبقاؤها في حالة جيدة من جهة، وشخصية السيدة وجمالها الفائق من جهة أخرى.

فالرسام فان دي در فيدن الذي كان أحد كبار مؤسسي المدرسة الفلامنكية (في بلجيكا وهولندا) خلال القرن الخامس عشر، اعتمد الطريقة التي كانت متبعة آنذاك في مدرسته، وتقضي بتغطية لوح الخشب بطبقة جصية بيضاء، ورسم اللوحة كاملة عليها بلون واحد. ومن ثم تلوين الرسم بطبقة خفيفة جداً من الألوان الزيتية التي كانت جديدة آنذاك.

وتسمح هذه التقنية ببلورة أدق التبدلات الضوئية، كما هو ظاهر هنا في غطاء رأس السيدة مثلا، إضافة إلى أنها تجعل من التشققات التي لابد من ظهورها بمرور الزمن، دقيقة جدا، وتشبه في جمالها تشقق البورسلين القديم، أما الدقة التي ميزت الرسم في بلاد الفلاندر آنذاك فتنعكس في هذه اللوحة من خلال الخطوط الواضحة، والمساحات اللونية المنفصلة بوضوح عن بعضها البعض. ويسهل فهم أسباب هذه الدقة واعتمادها بنجاح على يد فان در فيدن عندما نعرف أنه كان قد أصبح في سن الثامنة والعشرين أستاذاً في فن آخر قبل الرسوم، وهو فن صياغة المجوهرات. (يمكن للمشاهد أن يتأمل دقة القفل الذهبي للحزام الأحمر الظاهر في هذه اللوحة).

وبالانتقال إلى الموضوع والتطلع إلى هذه السيدة، نلاحظ فوراً أنها نحيلة، ويزيد الحزام الأحمر من توكيد نحولها. كما أن شفتها السفلى أكبر بكثير من العليا، وجبهتها تشبه القبة لعلوها وعرضها. وبتأمل نظراتها نكتشف شيئا من الحول، وحاجبين شبه منعدمين. ولكن الغريب هو أن هذه التفاصيل التي تتناقض مع ما نعرفه عن مقاييس الجمال الأنثوي، تجتمع هنا لتؤلف صورة سيدة فائقة الجمال. الأمر الذي يذكرنا بما كان يقوله السير فرانسيس بيكون: (ما من جمال خارق إلا ويتضمن اضطراباً في تناسق المقاييس). هنا تكمن عبقرية فان در فيدن الذي تمكن من الجمع ما بين الواقعية والصدق في نقل الملامح كما يقتضي فن البورتريه، والحصول على نتيجة ممتعة للعين من جهة أخرى.

والنتيجة هنا صورة سيدة شبه منحرفة يبدو من تطلعاتها إلى أسفل أنها حائرة، تجمع إلى ضياعها الداخلي قوة تلامس الطغيان، وهذا الغموض هو ما ميز بالفعل شخصية هذه الأميرة البورغونية التي لم يكن من الممكن التنبؤ بتصرفاتها، والمحكومة دائما بصراع داخلي في أعماقها، فبقيت في التاريخ لغزاً من الألغاز، تحدث عن تناقضاتها الشاعر جون سكيلتون بقوله:

إنها زهرة صيفية
ناعمة كالباشق
أو كصقر البرج

 

عبود عطية

 
 




صورة سيدة 37×27سم لروجيه فان درفيدن- متحف الناشيونال غاليري، واشنطن