أثينا.. إفريقية سوداء شوقي جلال

أثينا.. إفريقية سوداء

المؤلف: مارتن برنال

العقل الأوربي يراجع نفسه ناقدا ومصححا. ولعل هذا يكون درسا بليغا لكل من ارتدى قناع الأيديولوجيات الغربية طويلا واعتبر فروضها من حيث لا يدري مسلمات تصوغ رؤيتنا للحياة والتاريخ. وهذا الكتاب إحدى ثمرات هذه المراجعة من أجل الانفتاح على رؤية إنسانية شاملة وجديدة.

منذ الأربعينيات والعقل الأوربي بعد أن انحسرت هيمنته، وهو يتساءل: هل استقال العقل الأوربي عن دوره الحضاري؟ ومنذ الستينيات تفجر بركان الغضب وشملت الأزمة العقل الغربي بعامة، واهتزت مقولات رسخت على الساحة الفكرية زمانا تجاوز القرنين. وبدا أن التاريخ الذي رسم مساره هيجل ليس هو الخطاب الصحيح. وظهرت اليابان وبلدان العالم الثالث على السطح بثقافاتها وتطلعاتها وجهودها باحثة عن هويتها وتاريخها، ناقدة وناقضة مقولات الغرب. وبدت حضارات هذه الشعوب بتعددها الخصب المتكامل، وبعمقها التاريخي العريق قوة دافعة إلى نهج مغاير في النظر والبحث، وإلى منهج جديد في المعرفة.

ثورة معرفية

وتعددت البحوث والدراسات الفكرية والفلسفية في محاولات نقدية وتصويبية للعقل... عقل عصر التنوير الأوربي... ولمعت أسماء، وسطعت تيارات فكرية، وسادت نظريات ومناهج بحث كاشفة عن دور الأيديولوجيا في العلوم الإنسانية والطبيعية معا، وانحيازها الخفي أو السافر دفاعا عن ثقافة الغرب وهيمنة عقل الغرب وتجسد هذا الانحياز في نظريات وصفت بالأكاديمية حدثتنا عن العرق الأسمى، والعقل الأرقى وأن لهما الحق بالوراثة والطبيعة في السيادة على ما دونهما.. وهو ما يعني في النهاية سيادة الغرب عقلا وعرقا، على العالم أجمع لأنه الأدنى.

والكتاب الذي نعرض له هنا هو واحد من تلك الجهود التي ناهضت هذه الرؤى الموسومة بالأكاديمية. ويؤكد صاحبه مع أقرانه أن العلوم ليست بمنأى عن الأطر الذهنية والاجتماعية السائدة والحاكمة للفكر في المجتمع.

مؤلف الكتاب مارتن جون برنال، انجليزي المولد والنشأة أمريكي الإقامة، هو ابن جون برنال العالم الانجليزي الذي اشتهر بمؤلفاته في فلسفة وتاريخ العلم، وهو حفيد عالم المصريات برنال. تمرس مارتن برنال على الدراسات الصينية، وعني بدراسة ثقافة بلدان شرق آسيا. واللافت للنظر هنا أن الانفتاح على الحضارات المختلفة واستيعاب ثقافاتها أفضى إلى نظرة أكثر رحابة وموضوعية إلى الإنسان وتاريخه وإلى مسارات الحضارات وتفاعلاتها. هكذا كان الحال بعد اكتشاف اللغة السنسكريتية، أو بعد اكتشاف حجر رشيد، أو بعد أن احتلت بلدان شرق آسيا مكانها البارز على مسرح الأحداث العالمية.

يتألف الكتاب من ثلاثة مجلدات تحمل عنوانا رئيسيا هو "أثينا السوداء- الجذور الإفريقية الآسيوية للحضارة الكلاسيكية لما صدر المجلد الأول في 573 صفحة عام 1987 عن دار نشر Rutgers University Press, New Jersey وعنوانه الفرعي "فبركة أو اختلاق الإغريق القديمة 1785- 1985 ". ويقع المجلد الثاني في 738 صفحة وصادر عام 1991 عن دار نشر Free Association Books/London ويحمل عنوانا فرعيا "البنيات الاركيولوجية والوثائقية" والثالث تحت الطبع وهو عن الفلسفة والعقائد.

تأويل التاريخ

يميز برنال في دراسته النقدية عن الكلاسيكيات بين نموذجين:
1- النموذج القديم: ويعني أن اليونان مشرقية على تخوم حضارة ثقافية مصرية سامية..
2- النموذج الآري: ويعني أن حضارة اليونان أوربية الأصل والمنشأ والمسار. ويوضح المؤلف كيف أنه مع النهضة الأوربية ثم التنوير سعت أوربا إلى إثبات ذاتها وتفوقها وقيادتها دون منافس كما عمدت إلى تأويل التاريخ على نحو منحاز، والزعم بأنها هي مهد الحضارة، وأن العقل الأوربي عقل متميز، وأنه أوربي بالأصالة وليس ثمرة حوار بين حضارات.

وينقسم النموذج الآري بدوره إلى قسمين:
أ - النموذج الاري الرحب وقد ذاع مع مطلع القرن 19 وأنكر التراث القديم الذي يعترف بأثر المصريين في الإغريق وإن قبل القول ببعض الأثر للفينيقيين. وقيل آنذاك بوجود عرقين رئيسيين
Superior Races هما الآري والسامي وأنهما في تفاعل مستمر، أعطى الساميون- وهم هنا الفينيقيون- للعالم الدين والشعر، وأعطى الآريون للعالم الشجاعة والديمقراطية والفلسفة والعلم... الخ.
ب - النموذج الآري المتطرف، ظهر مع نهاية القرن 19 وأنكر تماما أي تأثير للساميين وللمصريين على السواء. ويقضي بأن هناك جنسا متفوقا
Master Race واحدا.

وأقامت أوربا رفضها للنموذج القديم، وزعمها بنموذج واحد أسمى هو النموذج الاري على أساس من عقيدة رومانسية إثنية أو عرقية وتراتب هرمي للأجناس حيث يحتل الجنة الآري موقع القمة والصدارة والرفعة والأصالة الحضارية.

يناقش المؤلف تلك الافتراضات الموسومة بالأكاديمية عن تاريخ اليونان قبل العصر الهلليني موضحا أن بها بعض الصواب ولكنها ليست صوابا كاملا. ومن ثم يحاول تفكيك تلك الرؤى وتحليلها في ضوء معطيات علمية جديدة عن واقعات مادية في تاريخ اليونان وشهادة مفكري وفلاسفة الإغريق وكتاباتهم، وكذلك واقعات تاريخ مصر وشرق المتوسط. ويدعم آراءه بمظاهر التطابق والتماثل والتوازي من خلال عمليات تحليل للغات والآثار الفنية والدينية. ويتجاوز مظاهر التماثل إلى مظاهر التباين والتناقض، ويفسر أسباب هذا أو ذاك على النحو الذي يدعم نظرته وتفكيره وما هنالك من مساحات غير محسومة في الرأي النقيض.

ويعقد المؤلف مقارنته بين النماذج الثلاثة على أساس من أسباب جوهرية تتعلق بأصل الزعم ومصداقية أصحابه وأسانيدهم في ضوء الوثائق والاركيولوجيا واللغة وأسماء البلدان والمواقع والأسماء الدينية والشعائر وأبطال وأحداث الأساطير.

ويؤكد برنال أنه إذا ما صح الفرض الذي انطلق منه والذي تدعمه دراسات أخرى عزفت أجهزة الإعلام الأوربية عن تسليط الأضواء عليها لأسباب أيديولوجية فإن هذا يعني ضرورة أن نعيد التفكير في أسس الحضارة الغربية، وفي التسليم بدور النزعة العرقية الأوربية في كتابة التاريخ وفلسفة التاريخ.

يكشف برنال أن النموذج الآري مستحدث ومصطنع قبل القرن 19 وهو حصاد قرن سابق من الفكر العرقي المنحاز. زعم أصحابه أن أوربا هي العالم، والعقل هو العقل الأوربي، والشمال أفضل من الجنوب، والمتأخر في التاريخ أفضل من المتقدم عليه في الزمان. وسادت أوربا موجة عاتية من الإثنية والعنصرية جللتها نزعة رومانسية تمجد الشمال وخصوصياته.

ويفيد هذا الرأي أن النموذج الأساسي، Paeadigun للسلالات يقضي بأنها غير متكافئة فيزيقيا وعقليا، وأن لكل سلالة تاريخها المتمايز غير المتماثل أو المتداخل والذي يبرر وضعها التاريخي تساميا أو تدنيا. ومن ثم من الخطأ امتزاج الأجناس، وأن المدنية المبدعة الخلاقة يبدعها جنس نقي متميز. وبذلك غير مقبول الزعم بأن الإغريق نتاج مزج حضاري بين ما هو أوربي وما هو إفريقي أو سامي. ثم التأكيد بعد هذا على أن الحضارة لها مسار خطي واحد أوحد. واتساقا مع هذا الزعم عمد الباحثون الأوربيون إلى إغفال أمر وأهمية اكتشافات كثيرة تناقض رأيهم ومن ذلك اكتشاف شامبليون لحجر رشيد الذي أغفلوه ربع قرن بغية إخفاء دور مصر انحياز الموقف عنصري معاد.

شهادة الوثائق والآثار

يطرح برنال للمناقشة والنقد فرضية أصحاب النموذج الآري القائلة بأن منطقة بحر إيجه تدخل في الألف الثانية ق.م. ضمن مرحلة ما قبل التاريخ أي قبل مرحلة التاريخ الإنساني المسجل والمكتوب. ويرى المؤلف أن هذا اعتقاد خاطئ، أولا- لأن غالبية بلدان هذه المنطقة كانت تعرف الكتابة، وثانيا- لأن منطقة المشرق "الفينيقيين "، ومصر كانت كلها تغرف الكتابة وتسجل أحداث تاريخها وتوثقها فضلا عن صلتها القوية والمستمرة بمنطقة بحر إيجه.

إن الوثائق المسجلة التي وصلت إلينا من منطقة بحر إيجه هي ألواح مكتوبة بالإغريقية ويرجع تاريخها إلى القرنين 14 و 13 ق.م: وتشتمل على كلمات مستعارة من السامية وعلى الكثير من المفردات المصرية. وثمة أوجه تشابه مذهلة بين مضمون هذه الوثائق وبين عديد من المسائل الاقتصادية مثل المكاييل والموازين التي كانت سائدة في المشرق وفي بلاد ما بين النهرين وكذلك تشابه العبارات المكتبية أو الإدارية وعديد من الأسماء الشخصية المصرية.

وتؤكد الوثائق والآثار أن علاقة مصر والمشرق ببلدان بحر إيجه لم تقتصر كما يزعم البعض على الرحلات البحرية. ولقد حاول البعض أن ينكر أمر الرحلات البحرية على مصر ويقصرها على الفينيقيين، وهذا ما نكذبه تماما الوثائق والآثار المكتشفة. نعم كانت الرحلات البحرية وكذلك البعثات في حركة مستمرة من الجزر إلى مصر وبالعكس. وثمة دلائل يقينية تشير إلى أن المصريين نظروا إلى علاقتهم بجزر بحر إيجه نظرة سيادة وسيطرة ناهيك عن انتشار المعارف وأسماء البلدان المصرية داخل الجزر. ويؤكد برنال، بما يعرضه من شواهد، أن المصريين والفينيقيين أقاموا المدن والمستوطنات أب اليونان القديمة وأدخلوا فيها نظام الري. الفينيقيون هم الذين علموا اليونانيين القدماء الأبجدية، بينما علمهم المصريون الدين وأسماء الآلهة وكيف يعبدونها، أي أن الإغريق كانوا يمارسون طقوسا وشعائر مصرية في معابدهم، أو لنقل بعبارة أخرى إن منظورهم إلى العالم ليس أوربيا.

وتعطي الآثار المصرية معلومات وفيرة ويقينية في هذا الاتجاه. ويذكر المؤلف من بينها الآثار المكتشفة في ميت رهينة ويرجع تاريخها إلى وسط الأسرة 12 في أوائل القرن 19 ق.م. إذ توضح تفصيلا أنشطة ملوك مصر في البحر وفي البر على طول شرق المتوسط وما وراءه والاتصال بمنطقة بحر إيجه. وتدعم هذه الاكتشافات رواية الإغريق القدماء من أن كيكروبس مؤسس مدينة أثينا قد أتى من مصر. وتحكي مخطوطات ميت رهينة تفصيلا فتوحات سنوسرت وممنون من ملوك مصر القديمة وهي الفتوحات التي رواها ديودوروس وكذبها المؤرخون الأوربيون في القرنين 19 و 20 م.

وتقدم كتابات بلوتارك في القرن الثاني الميلادي وصفا تفصيليا لاكتشاف وقع قبل حياة بلوتارك بخمسمائة عام حيث اكتشفت آثار مصرية في وسط اليونان. وأكثر من هذا أن اليونان القديمة تعرضت لغزو الدوريين الذين وفدوا إليها من التخوم الشمالية الغربية لليونان، حوالي 1100 ق.م. وظلوا على تمايزهم عن اليونانيين ثقافيا ولغويا. وقد نسب الدرويون أنفسهم إلى أسلاف مصريين وفينيقيين. والمؤكد أن الملوك الدوريين في العصر الكلاسيكي والهلليني كانوا يؤمنون بأنهم من سلالة المصريين والفينيقيين.

ولقد كان لمصر وللساميين الغربيين دور يقيني في تشكيل بلاد الإغريق وانتقال العلوم المصرية والفينيقية والفلسفة والسياسة النظرية من مصر وفينيقيا إلى اليونان.

ولا يقتصر الأمر على وفود بعض فلاسفة الإغريق إلى مصر القديمة لتلقي العلم، بل إن المصريين استوطنوا بلاد الإغريق من موقع السيادة السياسية والثقافية. ويذكر أن أفلاطون في محاورة طيماوس يقرر أن هناك علاقة نشوئية بين مصر واليونان، وخاصة بين أثينا ومدينة سايس تلك المدينة الكبرى في شمال غرب الدلتا مركز عبادة الإلهه نت (السماء).

شهادة اللغة

يذهب برنال إلى أن اللغة المصرية والثقافة المصرية كان لها دور محوري في تشكيل الحضارة الإغريقية. نعم إن اللغة أليونانية هي أساسا لغة هند أوربية. ولكن أكثر من 50 بالمائة من معجمها خاصة ما يتعلق منها بعلم الدلالات وتطورها "السيما نطيقا" لمفردات الحياة الترفية والعلاقات السياسية، لا الأسرية، والقانون والدين والمجردات فإنها ليست هند أوربية. ولم تكن اللغة بوصفها هذا ثمرة احتلال غزوات شمالية آرية بل نتاج استعمار مصري فينيقي.

ويعتقد المؤلف أن الكثير من عناصر اليونانية ا أتي هي من أصل غير هندي أوربي يمكن تفسيرها في ضوء اللغة المصرية واللغة السامية الغربية وبذلك لا نكون بحاجة إلى أي محاولة زائفة للبحث دون جدوى عن أصول قبل هللينية. ويبين أن الدراسات الحديثة ترجح أن هناك علاقة نشوئية تكوينية بين اللغات الهند أوربية وبين فصيلة عليا للغة الأفروآسيوية. معنى هذا، كما يقول، أنه كانت هناك مجتمعات تكلمت في السابق لغة هند أوربية أفرو آسيوية هي اللغة الأولى أو الأم، ويرجح أن هذا استمر على مدى الأعوام من 50 إلى 30 ألفا ق.م. وانفصلت اللغة الأفروآسيوية في الألفة التاسعة ق.م. ولقد تكونت اللغة اليونانية خلال القرنين 17، 16 ق.م. وهي ذات بنية هند أوربية ومفردات أصولها مصرية وسامية غربية.

ويعرض المؤلف شواهد لغوية كثيرة تؤكد اعتقاده هذا ويفند ادعاءات أصحاب النزعة الآرية الذين يقطعون نظريا بأن اللغة المصرية واللغات السامية الغربية لم تؤثر في شيء في اللغة اليونانية وبالتالي لم يكن للمصريين والفينيقيين حياة استيطانية في اليونان القديمة. مثال ذلك كلمة قدوس أو قدس Kudos التي تعني المجد الإلهي فهي قدس Kds التي لها نفس المعنى. كذلك سفاج Sphag من سبك Spk والتي نعني التضحية بقطع الرقبة. والأصل المصري لكلمة مكاريوس بمعنى المبارك، إذ تعني الكلمة المصرية صوت الحق أو الصادق ويطلقونها على المتوفى بعد أن يجتاز بنجاح مرحلة الحساب.. إلى غير ذلك من مفردات.

وقليلة جدا هي أسماء الأماكن والبلدان اليونانية التي يمكن تفسيرها على أساس هند أوربي.

لذلك حاول دعاة الآرية ردها إلى عصر ما قبل الهللينية. ولكن الحقيقة أن جميع هذه الأسماء يمكن تفسيرها في ضوء النموذج القديم بعد تعديله على أساسين: أولهما أساس هندي حيثي (الحيثيون)، والثاني تأثير مباشر للثقافة الفينيقية والمصرية. وهكذا نجد أسماء مصرية خالصة مثل أبيدوس وسينوب متكررة في مواقع على الساحل الشمالي للمنطقة المعروفة الآن باسم تركيا.

والملاحظ أن عددا كبها جدا من أسماء البلدان المعالم اليونانية هو من أصل سامي أو مصري. مثال ذلك أسماء الأنهار- نهر ياردانوس في كل من كريت وبليبونيز وهو مشتق من ياردان أو الأردن. واسم أنيجروس مصدره جذر سامى: نجر بمعنى يفيض. ونراه كثيرا متضمنا معنى واحة أو نهر وسط الصحراء في كثير من بلدان جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا (نهر النيجر) وهناك ببنيوس وهو اسم مصري الأصل بمعنى الماء أو الفيضان. ونجد كذلك أن الأساطير اليونانية المتعلقة بأسماء أماكن يونانية تتحدث دائما عن الفيضانات. ومن ذلك اسم نهر يوناني كيفيسوس وهو من اسم مصري كيف Kbf بمعنى نبع صاف أو منبع نهر وأضيفت إليه اللاحقة سوس اليونانية.

وهناك أسماء الجبال والمجردات والجوامد. مثال ذلك الجذر "سام " الذي يتكرر في غالبية الأسماء الإغريقية مثل ساموس وساميكون.. الخ وهي أسماء مثشقة من الأصل السامي سام بمعنى مرتفع، وأسماء البلدان المرتفعة مثل هرميون مشتقة من هرمن Hrmn وتعني الجبل المقدس ونجدها كثيرا في شرق المتوسط. ونجد أيضا أسماء مصرية للجبال وإن كانت قليلة. ولكن المدن ذات الأسماء المصرية كثيرة، مثال ذلك اسم بلدة طيبة وهو مأخوذ عن الاسم المصري القديم والذي بعني: صدر أو قصر.

وكذلك الحال بالنسبة لمدينة اسبرطة وهي المدينة التي تم تمصير مجتمعها فيما بين 800 و 500 ق.م. واسم اسبرطة له صور مختلفة: سباتا وسارديس وجميعها مأخوذة عن اسم موقع جغرافي في مصر سبيت أو سبرت بمعنى حي أو مقاطعة أو عاصمة. وكان البلد مخصصا للإله انوبيس "أبوقردان " رسول الموت وحارس الجبانات. وتناظر اسبرطة الإغريقية تماما سبرت المصرية من حيث ارتباطها في اليونان بالعقيدة الإسبرطية الإغريقية عن الكلاب وعبادة هرمس المعادل لانوبيس في مصر.

واسم العاصمة اليونانية أثينا هو اسم مصري. فهو مركب من كلمتين: نت بمعنى ربة السماء عند المصريين، وأت Ht بمعنى بيت أو معبد ومن ثم أت نت تعني: معبدأو بيت ربة السماء، وتتحول مع التصريف اللغوي إلى أتنا وأتناي. وتحولت أت إلى "آت " أو "آث " وعلى عادة المصريين منذ العصور القديمة فإنهم يسمون البلد باسم المعبد الديني الأكبر المقام فيها، وهي عادة شائعة في مصر حتى اليوم. وكان المصريون يسمون بلدهم أثيناي وهو الاسم الديني لبلدة سايس العاصمة المصرية.

وثمة علاقات أيقونية أو رمزية دينية بين الإلهه نت والربة أثينا. إذ كانت كلاهما عند المصريين والإغريق عذراء آلهة حرب وآلهة حكمة. وجدير بالذكر أننا نجد تماثيل للآلهة أثينا سوداء أي مصرية إفريقية.

ويناظر المؤلف بين الآلهة والطقوس الدينية عند المصريين والإغريق موضحا أن الآلهة والطقوس المصرية أسبق وهي الأصل، وثمة في اليونان آلهة مصريون يعبدون بأسماء مصرية وطقوس مصرية في كل أنحاء اليونان وشرق المتوسط ثم بعد ذلك في العالم الروماني. وشهادة هيرودوت أن أسماء جميع آلهة اليونان هي أسماء مصرية. ويقدم هيرودوت تفصيلات وافية عن أوجه التشابه بين النظم والطقوس والشعائر الدينية في مصر واليونان، بل يقرر صراحة أن المصرية هي الأقدم وهي الأصل.

ويوضح المؤلف أيضا أن أسماء أبطال الأساطير اليونانية هي أسماء مصرية، مثال ذلك اسم أجاممنون وهو مشتق من كلمتين مصريتين: أجا بمعنى عظيم، وممنون وهو اسم امنحوت أو امنمحعت. وتقول الأساطير اليونانية كذلك إن ممنون هو فرعون مصري وغاز اثيوبي وصل إلى الأناضول، وتؤكد الاكتشافات الأثرية في ميت رهينة صواب القول بأن ممنون مشتق من امنمحعت وهو اسم عدد من ملوك الأسرة 12 وقد قاد أحدهم غزوة مصرية إلى الشمال.

وهكذا يمضي المؤلف في سرد وتحليل ونقد المئات من الأمثلة والشواهد ليؤكد صحة الفرضية الأساسية وهي أن المصريين والفينيقيين أقاموا مدنا ومستوطنات في اليونان القديمة وليثبت كذب مزاعم أصحاب الأيديولجية الآرية التي انحازت لأسطورة المركزية الأوربية وأن اليونان أوربية نشأة وثقافة وحضارة وأن أوربا هي الجنس الأبيض المتفوق والاحق بالسيادة على العالم. ويقول برنال في ختام مقدمته "الكتاب هدفه فتح مجالات بحث جديدة لذوي الأهليات الأفضل والأكثر تميزا، ثم الحد من غطرسة الثقافة الأوربية".

 

شوقي جلال

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف الكتاب





الآثار والتماثيل القديمة تشهد أن الجذور التاريخية للحضارتين المصريةوالإغريقية تنبع من ميلاد واحد





الآثار والتماثيل القديمة تشهد أن الجذور التاريخية للحضارتين المصريةوالإغريقية تنبع من ميلاد واحد