- الرياض.. يوبيل الجنادرية: عالَم واحد، ثقافات متعددة
هذا هو شعار المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) الذي افتتح حفل فعاليته خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود عصر الأربعاء الأول من شهر ربيع الآخر 1431هـ الموافق 17مارس 2010 م، في دورته الخامسة والعشرين الذي ينظمه سنويا الحرس الوطني السعودي بالرياض.
وقد استهل الحفل بكلمة صاحب السمو الملكي الأمير متعب ابن عبد الله بن عبد العزيز نائب رئيس الحرس الوطني للشئون التنفيذية نائب رئيس اللجنة العليا للمهرجان خاطب في مستهلها خادم الحرمين الشريفين قائلا: «لا أقف اليوم لألقي كلمة المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية بل جئت استمع لكلمتها مثلكم حفظكم الله فهي اليوم تقول لكم: «يا أيها المحسن المشكور من جهتي .. والشكر من قِبَل الإحسان لا قِبَلي»، وقال سمو الأمير متعب في كلمته على لسان الجنادرية: (لقد تجاوزتُ الكثير والكثير بما منحتني إياه وأدخلتني من خلاله مرحلة من النضج الثقافي والإنساني والأخلاقي أيضا، أقول ذلك وأردد إن لباسا منحتني إياه متجدد دائما برعايتكم لأظل عملا ورؤية وقيمة ثقافية وتراثية، وليراني المثقف العربي والإسلامي فسحة من الحرية الفكرية لا يتداخل معها من خلال إملاءات سياسية وتوجيهات دعائية تخالف طابعي وطباعي، فأنا جنادرية عبد الله ابن عبد العزيز من شكَّل دربي ووهبني بعد الله روحا يجددها الزمن شبابا وجمالا».
وكان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد أكد في الكلمة التي دونها في سجل زيارات الجنادرية: «أن شباب هذا الوطن هم سواعد الأمة في البناء والتنمية».
وألقى وزير الثقافة الفرنسي فردريك ميتران الذي تحل بلاده ضيفا للمهرجان لهذا العام كلمة، أوضح خلالها أهمية العلاقات الثنائية بين فرنسا والمملكة وعمقها، وثمن مجهودات الملك عبد الله في حوار الأديان وتقريب وجهات النظر بين شعوب العالم، وقال فيها: «لقد أرادت فرنسا في تلبية الدعوة بالمشاركة في المهرجان، أن تعبر بدورها عن تقديرها للقناعات الراسخة لخادم الحرمين الشريفين لمصلحة الحوار بين الشعوب والأديان والحضارات، وتستجيب لرغبة قديمة أسطورية للعالم العربي في التعرف على عوالم جديدة عبر الفيافي والبحار، إضافة إلى أحلام رجال الصحراء وتطلعاتهم التي جعلتهم كما جعلت الشعب الفرنسي يتطلعون إلى ما وراء الأفق نحو النجوم سعيا وراء قدر يرفع من شأنهم». وفي حفل الافتتاح تم تكريم شخصية العام الأدبية الثقافية السعودية التي اعتاد المهرجان على القيام بها في كل عام، وكان الأستاذ الأديب السعودي عبد الله بن إدريس هو الذي تم تكريمه، ومنحه الملك وسام الملك عبد العزيز من الطبقة الأولى.
ولا بد من الإشارة إلى أن: هذا المهرجان وهو يحتفل بيوبيله الفضي (الخامس والعشرين) أكد على تأصيل ملاحم حقبة سعودية جديدة ومتطورة ومتمسكة بجذورها الممتدة عبر التاريخ. تجلت فيها قيم الجهاد الحقيقي والتصدي للإرهاب والحوار الوطني ومساهمات المرأة، وذلك عبر الأوبريت السنوي للمهرجان الذي حظي بمشاركة واسعة من قيادات خليجية وعربية، ودعوة وحضور نحو 400 شخصية ثقافية عالمية، إضافة إلى حضور خاص لوزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران والسفير برتران بزانسنو وفي هذا الحفل ألقى الشاعر السعودي جاسم الصحيّح قصيدة وطنية رائعة، ثم أعقبه شاعر الجنادرية الشعبي خلف بن هذال في قصيدته السنوية المعتادة.
واتسم أوبريت «وحدة وطن» الذي صاغ كلماته الشاعر ساري وقام بتلحينه ناصر الصالح وشدا به كل من محمد عبده، وعبد المجيد عبد الله، وماجد المهندس، وعباس إبراهيم، وراشد الماجد، بالتفاتات مميزة ونابهة نحو تأكيد مساهمة المرأة، والاحتفاء بالطفولة، ورؤية منصفة للجهاد وتحديد أطر الولاء الوطنية، فضلاً عن نبذ العصبية وتأكيد الوحدة. وجاءت صورته المسرحية لوحة فنية متكاملة ممتلئة حركة، ومشعة إضاءة مشبعة برقصات ترسم صورة جسدية نابضة وشديدة التعبير لمضامين الكلمات الفياضة التي أجاد المطربون تأديتها بتناغم مع الأداء الدرامي، وبمشاركة غير مسبوقة لصوتين نسائيين هما فدوى ويارا.
وقام الأمير متعب بن عبد الله بإهداء والده الملك عبد الله سيفا ذهبيا نَصْله يمتد إلى نحو 470 سنة.
تعدد الشكل والمضمون
تعددت الشخصيات المدعوة من كل أنحاء العالم لحضور المهرجان مثلما تعددت الموضوعات والبرامج والمحاضرات المرصودة على امتداد سبعة أيام متواصلة.
وشاركت بعض الأسماء البارزة والمتخصصة في تلك الموضوعات والمحاور والندوات ومن بينهم: غازي العريضي وزير الإعلام اللبناني السابق، ومعالي يفجيني بريماكوف الرئيس الروسي السابق، و بلال الحسن و تركي الحمد وتوماس فريدمان،وعرفان نظام الدين ومحمد جابر الأنصاري وبطرس غالي وأحمد بن حلي ومأمون فندي ومحمد رضا نصر الله، وغسان سلامة وعطا الله مهاجراني وهاني فحص، وطارق متري وغيرهم كثير.
هذا إلى جانب الأنشطة والفعاليات والفقرات المتعددة المقامة في أرض الجنادرية التي تبعد عن مدينة الرياض بنحو 40 كلم، وكذلك الأنشطة الثقافية والمسرحية، والأنشطة النسائية الثقافية والتراثية النسائية المصاحبة والشخصيات النسائية السعودية والخليجية التي يتم تكريمها هذا العام ومن بينها الأديبة الكويتية الأستاذة ليلى العثمان. كما أن هناك عدداً من المؤسسات والهيئات الثقافية والأدبية والفنية قد أقامت لها مراكز وأجنحة خاصة في قرية الجنادرية بما يترجم تواصل المهرجان مع دول مجلس التعاون.
كما قام المثقفون السعوديون على هامش لقاءاتهم في فندق إقامتهم بالرياض بالاحتفاء بالروائي السعودي عبده خال وتهنئته بفوزه بجائزة البوكر العربية.
ويأتي مهرجان الجنادرية كواحد من أبرز المهرجانات الثقافية العربية التي تؤسس لإضافة إيجابية للثقافة والفكر والتراث العربي السعودي والخليجي بشكل عام.
الرياض: محمد الجلواح
- شراكة.. مؤسسة الجابر تشارك بتطوير معجم حقوق الإنسان
أعلن في النرويج في السادس والعشرين من أكتوبر المنصرم عن توقيع اتفاقية شراكة بين MBI Al Jaber Foundation محمد بن عيسى الجابر الجابر، ومركز ويرغيلاند الأوربيEWC) (Wergeland، لتوفير التمويل اللازم لتطوير المشروع الرائد «معجم حقوق الإنسان»، وتأسيس فريق عمل لدعم المركز الأوربي EWC في عمله في ميدان التعليم من أجل التفاهم بين الثقافات وحقوق الإنسان والمواطنة والديمقراطية، وأيضاً لدعم برنامج تدريبي لمدة أربع سنوات لإعداد المهنيين في مجال التعليم.
يهدف هذا العمل إلى إقامة توافق في الآراء بشأن المفردات والعبارات الرئيسية المستخدمة في ميدان حقوق الإنسان، من أجل تحديد دقيق للمصطلحات المستخدمة، للحد من سوء الفهم الثقافي واللغوي في مناقشة حقوق الإنسان بين الدول.
وهذه الشراكة والدعم الذي تقدمه مؤسسة الجابر سوف يساعد أيضاً على إنشاء مركز فكري جديد يقدم المشورة والخبرة الفنية إلى المدير التنفيذي وموظفي الـEWC للقيام بعملهم ودورهم الذي تضطلع به المؤسسة البحثية، وسوف يشمل الدعم تحديد القضايا الرئيسية لحقوق الإنسان واتجاهاتها، والعمل على تعزيز التواصل بين القواعد الشعبية والاتصالات في هذا المجال في جميع أنحاء أوربا وخارجها.
إضافة إلى ذلك سوف يذهب جزء من التمويل إلى دعم وتنفيذ برنامج تدريبي في مجال حقوق الإنسان مدته أربع سنوات، يتركز على تحديد مفهوم المواطنة والديمقراطية والتفهم بين الثقافات، موجّه إلى المعلمين وسائر المهنيين في مجال التعليم، ليس فقط في أوربا، بل أيضاً من البلدان المجاورة ومنطقة الشرق الأوسط.
وقع الاتفاقية رئيس مجلس إدارة مؤسسة MBI Al Jaber الشيخ محمد بن عيسى الجابر والبروفيسور سفين لورنتزن Svein Lorentzen رئيس مجلس إدارة الـEWC والأستاذ في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، في حضور ممثلين عن وزارات التعليم والبحوث والشئون الخارجية ومن مجلس أوربا.
من ناحية أخرى، وتقديراً لخدماته في التعليم العالي في المملكة المتحدة بصفة عامة، وعلى وجه الخصوص في كوربوس كريستي بما في ذلك التبرع لقاعة المحاضرات الكبرى التي تحمل اسمه، اختير الشيخ محمد بن عيسى الجابر زميلاً فخرياً في كلية كوربوس كريستي بجامعة أكسفورد.
وقد مُنحت هذه الزمالة في حفل شهد أيضاً الافتتاح الرسمي لمبنى محمد بن عيسى الجابر ويعتبر الوحيد الذي أضيف داخل الحرم الجامعي منذ 300 عام، وخلال الاحتفال تحدث اللورد كريس باتن رئيس الجامعة قائلاً:
«يسعدني أن أمنح الشيخ محمد بن عيسى الجابر وسام الزمالة الفخرية وهو رجل أعمال ناجح للغاية، يجاهد في العالم أجمع من أجل تعزيز السلام والتفاهم بين شعوب الشرق الأوسط، وعلى النهوض بمستوى التعليم والبحوث بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، وعلى أعلى المستويات في المملكة المتحدة وبلدان أخرى. ومن خلال خبرته وروح المبادرة لديه أسس في العالم سلسلة من المشاريع الكبرى، وعدداً من المؤسسات الشهيرة، وقد ساعد على تقديم الرؤية والقيادة بين الشباب العربي من خلال تقديم المنح الدراسية لهم للدراسة في أهم الجامعات البريطانية والأوربية، وله أياد بيضاء في كلية لندن الجامعية، كما قدم الشيخ محمد منحاً دراسية في جامعة CITY (سيتي) لتشجيع التفاهم المتبادل، وخلق مجتمع من الخريجين ملتزم بالسعي من أجل حقوق الإنسان والرفاه الاقتصادي.
وبفضل الدعم الذي قدمه الشيخ محمد لكلية كوربوس كريستي تمكنا من تشييد المبنى الأكثر أهمية في الجامعة، فكان الرجل الأكثر تميّزاً في الأعمال الخيرية والتعليمية».
وأضاف رئيس الجامعة موجهاً كلامه للشيخ محمد بن عيسى الجابر: «أنت أبرز مؤيد وداعم للتعليم والسلام والتفاهم، وخدماتك لكلية كوربوس كريستي هي أعلى امتياز لدينا، وبناء على صلاحياتي أقدم لك شهادة الزمالة الفخرية».
يذكر أن عدداً من كبار الشخصيات حصلوا على الزمالة الفخرية من هذه الكلية العريقة ومنهم أسماء لامعة في جميع مناحي الحياة، مثل الروائي فيكرام سيث Vikram Seth ورجل الدولة وليام ولدغريف William Waldegrave والدكتور إيان بوستردج Dr.Ian Bostridge.
تصوير: سيمون شابمان
- مهرجان.. الثقافات بالضفتين في المغرب
استضافت ست مدن مغربية، هي الرباط والدار البيضاء ومراكش وطنجة وتطوان والجديدة، فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان الضفتين، شارك فيها ما يزيد على 150 فنانا من المغرب وإسبانيا، قدموا 23 عرضا فنيا، جمع بين المسرح والأوبرا والسيرك والموسيقى والكراكيز.
ومهرجان الضفتين هو ثمرة أعمال ومجهودات حثيثة لمجموعة من المتخصصين المنتمين إلى مؤسسة المعهد الدولي للمسرح المتوسطي، الذي تأسس عام 1990، والذي تمكن من فتح آفاق جد فعالة، في طريق التقاء الثقافات وتحقيق السلام، وهو أيضا مهرجان لحوار حضاري، عبر التعبير الفني، وحوار الخيال والذاكرة، كما أنه مشروع مجتمعي، ونداء من قلب الساحة، يحاول استقطاب الجماهير الشعبية للانضمام إلى بهجة الحفل، على حد تعبير خوسي مونليون، مدير المعهد الدولي للمسرح المتوسطي.
ويأتي تنظيم هذا المهرجان وفاء لالتزام الحكومة الإسبانية، في إطار تشجيع التعاون الثقافي والتربوي بين إسبانيا والمغرب، المبني على قيم التعاون والتشارك والتعايش.
ففي عام 2007، انطلقت فعاليات المهرجان في دورته الأولى من المغرب، تلته دورة أخرى، عام 2008، استضافتها شبه الجزيرة الإيبيرية، ويعود المهرجان في هذا العام إلى المغرب، تزامنا مع رئاسة إسبانيا للاتحاد الأوربي، حيث شهدت العديد من الفضاءات الثقافية والفنية والسياحية بالمدن المذكورة، وعلى مدى تسعة أيام، تنظيم مجموعة من العروض المسرحية التي حظيت بنجاح صارخ في مهرجانات عالمية سابقة، وأيضا خلال هذه الدورة، فضلاً عن عديد من الإبداعات الفنية البديعة، كالرقص والسينما والأوبرا والسيرك والموسيقى، إلى جانب أنشطة ثقافية أخرى، نظمت بعشرات المراكز في أربع مدن مغربية، وعرفت تنظيم ورشات مختلفة للتنشيط المسرحي، أشرف عليها مجموعة من المجازين وخريجي المعهد العالي للفن الدرامي. وكلها عروض عرفت إقبالا جماهيريا كثيفا ونوعيا، من مختلف الأعمار والأجيال والاهتمامات، حيث كان للصغار فيها نصيب لافت ومؤثر.
هكذا، إذاً استضافت فضاءات الرباط (مسرح محمد الخامس)، والدار البيضاء (مسرح محمد السادس)، ومراكش (ساحة جامع الفنا، ورياض دار الشريف)، وطنجة (قصر المؤسسات الإيطالية، والثانوية العامة)، وتطوان (المسرح الإسباني)، والجديدة (المسرح البلدي)، عروضا مسرحية- سينمائية وموسيقية رفيعة، من مسرح الميم، ومسرح الأوبرا، والفلامينكو، والسيرك، والكراكيز، شاركت فيها فرق مسرحية وموسيقية وغنائية من إسبانيا، إلى جانب فعاليات فنية من المغرب.
ومن بين العروض المسرحية، التي جمعت بين المسرح والأوبرا الأندلسية «أبواب وطبول»، مسرحية نالت إعجاب الجمهور، بعنوان «كارمن»، من تأليف سالفادور طوفا، ويحكي نصها أسطورة متأصلة في أعماق الثقافة الإسبانية، تناقلتها شفاهيا أجيال بعد أخرى، وجاءت مكتنزة بزخم من الأحداث المعبرة والمواقف الشجاعة، هي حكاية الدفاع عن قيم الشرف والحرية والحب والعدل. كما أنها أسطورة كثيرا ما شوهت معالمها من قبل منتحلين ولصوص وفنانين من الدرجة الثانية.
من المسرحيات الأخرى التي نالت إعجاب الجمهور، مسرحية «متر مكعب»، من تأليف فيرناندو سانشيز كابيدزوردو. ويحكي النص قصة «الرجل3»، أو «الرجل المكعب»، الذي فور حصوله على مفاتيح مسكنه الجديد، وضب حقيبته، وحملها بين يديه، للانتقال إليه، حتى فوجئ بصغر مساحة الشقة التي سيكتب له العيش فيها: مساحة لا تتعدى مترا مكعبا.
أما العروض الموجهة للصغار، التي جمعت بين السينما والمسرح، فلقيت ترحيبا كبيرا بها من قبل الأطفال، ومن بينها عرض «طاطاراسين، من تأليف الكاتب الإسباني إلياردو سانشيز، وهي تقنية فنية تجمع بين الصورة والضوء والتشخيص، بهدف تقريب جمهور الصغار من روح السينما، ليس فقط كشاشة توفر ظرفا مؤقتا للمتعة والاسترخاء، بل أيضا كآلية تربوية، تعمل على تحقيق تفاعل بين ما يعرض من مواقف وأحاسيس، إيجابية كانت أو سلبية.
ومن بين حفلات الكراكيز المقدمة للأطفال، العرض الإسباني المغربي المعنون بـ«رسالة سارة»، وتحكي حكاية تلقي سارة ذات يوم لرسالة غامضة، استعصت قراءتها على كل من حولها. ومن شدة حيرتها قصدت جدتها، فأشارت إليها بالذهاب إلى «السوق» للبحث عن كاتبها. وهكذا، بدأت المغامرة، وتوالت المفاجآت بالنسبة لجمهور الأطفال الذين تابعوا رحلة الطفلة- البطلة، ومرافقها الوفي كلبها.
أما العروض الغنائية، فكانت متنوعة، وشارك فيها الطرفان، الإسباني والمغربي، ومن بينها حفل فني عنون بـ«نساء المتوسط»، من إبداع امرأتين (إلهام لوليدي وأنا الكايدي)، تنتميان إلى ضفتين مختلفتين، تحاولان من خلاله الاحتفاء باللقاء الحضاري بين الضفتين، بما هو احتفاء بالأندلس وبالعالم المتوسطي، وحنين لزمن الوصل بالأندلس، واحتفاء بقيم التعددية والاختلاف في زمن أحادية القطب.
لقد جمعت أيام الدورة الثالثة لمهرجان الضفتين بين المتعة والفرجة والتوجيه التربوي، والتوعية بأهمية الحوار والتواصل الحضاري والثقافي والفني بين الشعوب، وبأهمية التعرف على الآخر والتعايش معه، وتبادل الخبرات والتجارب، وتعزيز القيم المشتركة بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط. والمهرجان بذلك إنما يساهم في تجاوز الطابع المنغلق للعديد من اللقاءات حول موضوع التقاء الثقافات، عبر تنويعه لمحتوياته الشكلية، وتوسيعه لمضامينه الفنية وللشرائح الاجتماعية المستهدفة، ونجاحه في استقطاب جماهير شعبية، انضمت جميعها إلى بهجة المهرجان وعروضه الفنية.
المغرب - عبد الرحيم العلام
- ندوة.. فعالية دولية تدرس الحوار الحضاري بين عمان واليمن
أوصت ندوة الحوار الحضاري العماني اليمني بجمع ودراسة المخطوطات والوثائق ذات الصلة بتراث البلدين، وتفوير وتهيئة الظروف والإمكانات للباحثين في إجراء الدراسات والبحوث عن مظاهر التواصل بين السلطنة واليمن وبصفة خاصة أساتذة الجامعات ومراكز البحوث في البلدين.
واختتمت في مسقط ندوة دولية نظمها مركز الدراسات العمانية بجامعة السلطان قابوس، وشارك فيها نخبة من الباحثين والأكاديميين من السلطنة واليمن، ومملكة البحرين، ومصر، وفرنسا، ناقشوا خلالها عشرين ورقة عمل بحثت محاورها في العلاقات التاريخية بين البلدين متلمسة الحوار الحضاري قديما بما يحفز على تفعيله نحو آفاق أوسع حاضرا ومستقبلا، وضمن توصياتها التأكيد على إجراء دراسات مسحية آثارية واجتماعية بين البلدين وتنشيط وتنمية الاستثمارات التراثية والسياحية ودعم المشاريع البحثية ذات العلاقة بالتراث المشترك والتواصل الحضاري بين السلطنة واليمن.
كما أوصت الندوة على ضرورة جمع الروايات الشفوية عن تاريخ التواصل بين البلدين وتسجيلها وتوثيقها ومتابعة البحوث العلمية الأجنبية حول موضوع التواصل الحضاري بينهما والعمل على ترجمتها ونشر ما يصلح منها وتنشيط الاستثمارات التراثية والسياحية بين عمان واليمن على مختلف الأصعدة بما يحقق تبادل المنافع واكتساب الخبرات، وأيضا تشجيع إقامة متاحف للتراث البحري في الموانئ العمانية واليمنية القديمة تخليدا لموقعها البحري ودورها في الملاحة العالمية وطباعة أدبيات الندوة وحصادها الفكري تأصيلا للتبادل الحضاري للبلدين. وأكدت بحوث الندوة أن وشائج التداخل الحضاري بين عمان واليمن تمتد جذورها إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث كانت الجماعات البشرية في الإقليمين تجوب المنطقة أينما استطاعت، تاركة وراءها أدوات حجرية ذات طابع تقني فريد. لم يتوقف ذلك الحراك الحضاري؛ بل استمر عبر الأجيال المتلاحقة حتى صار أكثر تجذراً ورسوخاً، مما تمخض عنه في نهاية المطاف تواصل متعدد الأشكال: سياسي، واقتصادي، واجتماعي، وثقافي.
وتناولت الندوة في محورها السياسي العلاقات السياسية بين عمان واليمن منذ العصر الحميري، حيث اتسمت تلك العلاقة بطابع تحالفي عزّز العلاقات الودية بين الجانبين، واستمرت تلك العلاقة المتبادلة قائمة، حتى غدا أئمة عمان في العصر الإسلامي الوسيط والحديث المرجعية القضائية لحكام اليمن، علاقة جسدت وشائج القربى، ونتج عنها تداخل سياسي، وحضاري فريد.
وفي المحور الاقتصادي أشارت الندوة إلى الإسهامات الاستراتيجية للموقع الجغرافي للبلدين في تعزيز النشاط التجاري عبر العصور، فانتعشت الموانئ وتنوعت السلع المتبادلة، كما أن للمعرفة الملاحية المتوافقة بين الجانبين دورا بارزا في إيجاد تكامل اقتصادي متميز، ومن الأسس الأخرى التي زادت من تدعيم الصلات التجارية وجود وكالات تجارية في كل من عمان واليمن جسّدت نموذجاً للشراكة التجارية، كما قدّمت تسهيلات كان لها دور فعّال في الانتعاش الاقتصادي للبلدين.
وتناول المحور الاجتماعي الهجرات القبلية التي كونت أحد الثوابت، حيث تركت بصمات للمسار الحضاري للشعبين، وعملت على توطيد العلاقات الاجتماعية، وفتح آفاق بعيدة في مسار حركة التواصل وبناء العلاقات الإنسانية، لقد جسدت الهجرات المتبادلة الوحدة الجغرافية، والسكانية، وأوجدت نوعاً من العلاقات الاجتماعية المتينة، والترابط الأسري الذي ترك أثراً عميقاً على مسار التاريخ العماني واليمني حتى يومنا هذا.
وفي المحور الثقافي والفكري أبرزت البحوث تنوع قنوات التواصل الثقافي، فظهرت في أشكال متعددة من وحدة اللهجات وترابطها، إلى الرحلات العلمية المتبادلة بين العلماء، وتبادل الكتب والمصنفات، والاتصال عبر المراسلات وحلقات المناظرات والتكوين المذهبي، كما امتد التواصل الثقافي ليشمل العادات والتقاليد.
تواصل ديني وسياسي
من أوراق العمل المقدمة خلال يومي الندوة ورقة قدمها الدكتور علي عبده الزبير بعنوان «مشهد من التواصل السياسي والديني بين عمان واليمن.. دراسة في شعر الإمام أبي إسحاق الحضرمي» مشيرة إلى مشهد تاريخي محدد لإحدى حالات التواصل الديني والسياسي بين عمان واليمن، كما صورها شعر الإمام أبي إسحاق الحضرمي «عاش في القرن الحادي عشر الميلادي» من خلال مخاطبته لأئمة وعلماء عمان من الذين عاصروه.
كما تناول محمد علوي عبدالرحمن باهارون العلاقة الحضرمية العمانية (مدينة الحامي نموذجا)، وقال فيها إن عرب جنوب الجزيرة العمانيين واليمنيين لعبوا دورا مهما في ميدان الملاحة البحرية وإحياء التجارة، العالمية، وإنعاش الموانئ التجارية أما الدكتور عبدالله سعيد الجعيدي فتحدث عن ظفار في مصادر حضرموت التاريخية للقرن العاشر الهجري وقال إن ظفار احتلت أهمية تجارية كبيرة في أثناء السيادة الإسلامية على تجارة المحيط الهندي بوصفها أحد موانئ التصدير والاستيراد الرئيسية في تجارة المحيط جنبا إلى جنب مع الموانئ اليمنية الجنوبية كالشحر وعدن.
وتطرق الدكتور محمد صابر إبراهيم عرب أستاذ تاريخ العرب الحديث بجامعة الأزهر ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية إلى الوضع الجغرافي بين البلدين وقال إنه وضع استثنائي على وجه الكرة الأرضية فسيطرت عُمان على مدخل الخليج العربي وسيطرت اليمن على مضيق عدن، وكلاهما شكلا ضرورة حضارية على البحر الأحمر، وكلاهما شكلا ضرورة للنشاط التجاري في هذه المنطقة الحيوية من العالم مضيفاً: أن هذا المؤتمر بمنزلة التواصل مع هذا الماضي العريق اعتماداً على ثقافة مشتركة، وتاريخ حافل ومصالح بين الشعبين».
وقدم الدكتور عبدالله بن ناصر الحراصي من جامعة السلطان قابوس حول (التاريخ العماني من خلال المصادر التاريخية اليمنية): فترة الإمام سلطان بن سيف اليعربي في كتاب (بهجة الزمن في حوادث اليمن) للمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم نموذجا، وسعت ورقة الحراصي إلى إبراز أهمية المصادر اليمنية في كتابة وإعادة كتابة التاريخ العماني، مشيرا إلى أن الكتب اليمنية تعرضت للكثير من التفاصيل التي لم يرد ذكرها في كتب التاريخ العماني، مضيفا أن الكتب اليمنية توثق أيضا للعلاقات التاريخية بين عمان واليمن على مستويات عدة أهمها المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وتحدثت الفرنسية ميري كلود الباحثة في المركز الوطني للبحوث العلمية عن عدد من اللهجات أو اللغات المتقاربة بين عمان واليمن منها المهرية والحرسوسية والهبيوتية والحميرية. وقالت الباحثة في ورقتها إن ثمة تقاربا كبيرا بين اللغة المهرية واللغة الهبيوتية. وقالت الباحثة إنه بالرغم من قلة الدراسات العلمية التي درست اللغة الهبيوتية اليمنية فإنها لم تدرس إطلاقا في عمان. واستعرضت كلود الكثير من الخرائط التي تبين أماكن وجود المتكلمين باللغة الهبيوتية. ودعت الدكتورة المراكز البحثية إلى دراسة تفاصيل تلك اللغات قبل أن تندثر. بعد ذلك قدم الباحث الفرنسي الدكتور ريمي كراسيد، باحث في مركز دراسات حقوق الإنسان التطوري في جامعة كامبردج في المملكة المتحدة ورقة عمل حول جذور العلاقات التاريخية بين عمان واليمن أكد فيها أهمية الموقع الذي تقع فيه البلدان. واستعرض الباحث الكثير من الآثار التي تعود إلى العصر الحجري ومنها الشفرات المنحوتة من الحجارة.
ورأى مدير مركز الدراسات العُمانية ورئيس اللجنة المنظمة للندوة الدكتور محسن بن حمود الكندي أن الندوة سعت لمد جسور التعاون البحثي استثماراً لخاصية الجوار الجغرافي والتاريخ المشترك الذي يعد بمنزلة المعبر الذي مد ذراعه باتجاه الإنسانية فيما عرف حضارياً بالهجرات الأولى، وما انبثق عنها من حوار الأطراف والمراكز، مؤكدا أن موضوع الندوة من الأهمية بمكان في حياتنا العُمانية، فالتبادل الحضاري العماني اليمني حظي على الدوام بخصوصية تنطلق من مكونات المجتمع وذاكرته التاريخية بدءا من الروابط الفكرية والفقهية.
مسقط: محمد سيف الرحبي
- في مؤتمر أجهد جمهوره.. مترجمو العرب والعالم ينصفون رفاعة الطهطاوي
كدت ألمح رفاعة الطهطاوي حارس المركز القومي للترجمة، المطل على نيل القاهرة، وهو يبتسم في رضا، يرقب كبار مترجمي العالم العربي، ومفكريه وهم يلقون عليه السلام في طريقهم إلى دار الأوبرا المصرية، للمشاركة في أول مؤتمر دولي يعقده ورثته، الأمناء على المركز القومي للترجمة، لمناقشة قضايا التعريب، وتحديات العصر، وقد اطمأن الطهطاوي إلى أن ريادته في هذا المجال لم تنكرها الأجيال الطالعة، بعد أن بلغه حرص المفكر الدكتور جابر عصفور على تحيته مع طه حسين وسواهما من صناع نهضة الترجمة في عالمنا العربي، في كلمة افتتاحه لهذا المؤتمر، الذي شهده المسرح الكبير بدار الأوبرا في حضور الفنان فاروق حسني وزير الثقافة المصري، رئيس المركز القومي للترجمة، ومدراء مراكز الترجمة في أرجاء عالمنا العربي، وعدد من ألمع المفكرين والمبدعين والمثقفين العرب. وتعجب رفاعة مما جاء على لسان عصفور من أن أجر المترجم في مصر وصل الآن إلى 60 ألف جنيه بعد أن كان 6 مليمات.
وبمقامة عربية أبدعها المستعرب الأمريكي روجر آلن راح يستولي على ألباب الحضور، وهو يلقي على مسامعهم كلمة المشاركين الأجانب بسجع عربي أنيق:
«حدثنا روجر بن آلن قائلا: وصلنا إلى مصر على متن طائرة، في طريقنا من الغرب إلى القاهرة، عاصمة مصر المعروفة بلياليها الساحرة، وبأرواح سكان حاراتها الطاهرة، وكانت عواطفى في حالة حائرة، بعد تسلمي من زميل لدعوة سائرة، أن أحضر هناك إلى مناسبة باهرة، وأن ألقي كلمات في قاعة فاخرة، وهنا لابد من أن أكشف لكم السرور، لأننا من الواجب أن نشكر جابر عصفور، الذي يحتل في علم النقد مكانا مشهور، وزاملنا فيه عقودا وسنوات وشهور، موفر لنا عن وجه الأدب الجميل سفورا، ورادا كل واحد منا بتمايزه مسحورا، والذى بمهارته المألوفة نظم كل الأمور».
وقد كان روجر آلن أحد الذين كرمهم هذا المؤتمر لدورهم الملموس في حركة الترجمة ومد الجسور بين الثقافة العربية وثقافات العالم مع: الإسباني بدرو مارتينيث مونتابيث، والبريطاني دينيس جونسون ديفيز، واسم الليبي الراحل خليفة التليسي، ومن مصر: الدكاترة: محمد عناني، ومصطفى ماهر، وفاروق عبد الوهاب مصطفى.
وفي حضور الدكتور سليمان العسكري وزملائه من أعضاء مجلس أمناء المركز القومي للترجمة، قام وزير الثقافة المصري بمنح جائزة رفاعة الطهطاوي وقيمتها مائة ألف جنيه إلى المترجمين: بشير السباعي عن ترجمته لكتاب «مسألة فلسطين» للمؤرخ الفرنسى هنرى لورانس، وهو الكتاب الصادر عن المركز القومى للترجمة في ستة مجلدات، والدكتور مصطفى لبيب عن ترجمته لكتاب «فلسفة المتكلمين» الصادر أيضا عن المركز، ومن تأليف المستشرق الأمريكي أ.ولفسون وكانت لجنة تحكيم هذه الجائزة قد ضمت هذا العام الدكاترة: محمد أبو العطا، وفتح الله الشيخ، وفيصل يونس، وعماد أبو غازى، والمترجمين: شوقى جلال، وطلعت الشايب. وقد رأسها الدكتور جابر عصفور.
وعلى امتداد أربعة أيام طُرحت العديد من القضايا المتعلقة بمشكلات الترجمة، كما عُرضت تجارب كبار المترجمين، مع نقل أمهات الكتب من لغاتها الأصلية إلى لغتنا العربية، وفضلا عن الحلقات النقاشية وجلسات الشهادات، ألقيت أربع محاضرات عامة: كانت الأولى حول (مشروع نقد العقل الإسلامي من خلال الترجمة العربية) وقد ألقاها هاشم صالح، وعقب عليها الدكتور مصطفى لبيب، والثانية عن المترجمين كصناع للتاريخ والهوية الثقافية وقد ألقاها جان دوليل، وعلقت عليها الدكتورة أمل الصبان، والثالثة بعنوان (الموريسكيون وحوار الحضارات) وألقاها المحتفى به بدرو مارتينيث وعقب عليها تلميذه الدكتور محمد أبو العطا، المدير الأسبق للمعهد المصري للدراسات الإسلامية بمدريد، وقد كانت المحاضرة الرابعة من نصيب هنري لورانس، مؤلف الكتاب الفائز بجائزة هذا العام وعنوانها (تجربة رفاعة ومدرسة الألسن) وقد عقب عليها بشير السباعي الذي نقل كتابه إلى العربية. وقد أجهد هذا المؤتمر حضوره بسبب توازي ندواته، ففي الوقت نفسه، كانت تعقد ثلاث ندوات لمناقشة ثلاث قضايا بالغة الأهمية مما فوت على الجمهور حضور ثلثي الجلسات.
ومن الأوراق التي لفتت الانتباه في هذا المؤتمر: (حركة الترجمة العلمية في عصر النهضة) لماريا أفينو، و(العلم لا يباع ولا يشترى) للدكتور يسري خميس، و(نحو خريطة معرفية للترجمة العلمية) لأحمد شوقي، و(التراكيب العربية المعاصرة وتأثرها باللغة الإنجليزية) لأحمد صديق الواحي، و(ترجمة المصطلح وذاكرة اللغة) للدكتور عبد السلام المسدي.
ومما يحسب لهذا المؤتمر حرصه على افساح المجال لعرض التجارب البارزة في مجال الترجمة في عالمنا العربي وما حوله مثل: مشروع بانيبال لترجمة الأدب العربي في بريطانيا، و(مشروع كلمة) في الإمارات، واطلاعنا على تجارب أبرز المترجمين في تعاملهم مع آداب اللغات المختلفة مثل تجربة فاضل جكتر مع الترجمة من التركية.
القاهرة - مصطفى عبد الله