إلى أن نلتقي طارق حسني

تسويق الحلم

لم يعد مهما نوع البضاعة التي تسوقها، ولكن المهم كيف تعرض بضاعتك بغض النظر عن جودتها أو رداءتها، وأعتقد أن أول إنسان في تاريخ البشرية قال بأهمية الجوهر عن المظهر لم يكن سوى إنسان فشل في ترويج بضاعته، رغم أقتناعه بجودتها.

ونحن لا نتحدث عن البضاعة المادية فقط، فكل ما ينتجه الإنسان من فكر أو خدمات يؤديها أصبح بضاعة تحتاج إلى تسويق، والمشكلة كما نراها تكمن في"حس التاجر" الذي يفتقده الكثير منا، والذي يجعلهم يعرفون كيف ومتى وأين يسوقون بضاعتهم، ودليلنا على ذلك أنه ليس أفضل الكتب أكثرها رواجاً، وليس أعذب الأصوات أكثرها شهرة، ولا أمهر الأطباء أكثرهم عملاً أو غنى. وقس على ذلك جميع المهن، أو السلع، وإذا أردت قياسا قريبا، فحاول أن تتذكر كم رجلا تزوج من امرأة دميمة، لحسن أخلاقها ! ألم يقل حكيم ساخر إن مأساة الرجل أنه إذا أعجبه وجه امرأة تزوجها كلها!

لقد تنبه الغرب - وبخاصة الأمريكيون - لهذه الحقيقة منذ زمن، واعتبروا أن تسويق السلعة أمر منفصل عن إنتاجها، ولا علاقة له بجودتها، فأنشأوا لذلك المؤسسات والوكالات التي تقوم بمهمة التسويق، وبرعوا في ذلك، فباعوا كل شيء حتى رجال السياسة لديهم، فعندما رشح نيكسون نفسه لرئاسة الولايات المتحدة بعد فشلة في المرة الأولى كانت دعايته تقول" انتخبوا نيسكون الجديد"، وهي دعاية مستوحاة من إعلانات مساحيق الغسيل" اشتروا...الجديد". أما"ريجان" - وهو من أكثر رؤساء الولايات المتحدة شعبية - فقال ."أنا لا أعرف كيف يمكن أن تكون رئيساً دون أن تكون قد مارست التمثيل من قبل !."

هل نبالغ إذ قلنا إن ما يحدث من تغيرات في العالم اليوم يعود - ولو جزء منه في الأقل - إلى فشل السوفييت في تسويق حلمهم مقابل براعة لتسويق الحلم الأمريكي، ألم تكن السلعة السوفيتية - وباعترافهم - تفتقر إلى لمسة الجمال والذوق، وفن التقديم للمستهلك مقارنة بسلعة الغرب؟

لم تعد جودة السلعة تهم أحداً، وأصبح أساس النجاح"حسن التاجر"، فإن لم تكن تمتلكه، فلا تحزن، فقد أصبح بإمكانك أن تشتريه، فإن لم تكن تمتلك ثمنه، فعد مرة أخرى إلى مقولة الجوهر والمظهر، فهي عزاؤك الوحيد، وإلى أن نلتقي.