إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

سقوط الحاجز اللغوي

إن عالم الإنترنت الذي يتوج عصر العولمة، تتداخل فيه جوانب عديدة، وتتفاعل لتؤسس بحيويتها عالما ديناميا جديدا هو في طور التشكل. ففي هذا العالم سينهار الحاجز اللغوي بين الشعوب، بفضل التقنية الجديدة التي تنشأ الآن، وهي تقنية الترجمة الآلية التي تنبئ بمستقبل مهم رغم أنها ليست دقيقة دقة مطلقة، وإنما تتقارب والترجمة البشرية لأول مرة، أي قبل أن يتدخل البشر في تدقيقها وتعديلها. وتشهد هذه التقنية الآن تطورا هائلا خارج الولايات المتحدة في اليابان والصين وكوريا والبرازيل. فهي تتطور لدى الشعوب التي لا تتحدث الإنجليزية ومنها الشعب العربي الذي يعد في أمس الحاجة إلى ترجمة الأبحاث والأخبار والمقالات والتي لا تتوافر إلا في اللغة الإنجليزية لغة الحضارة المعاصرة.

وفي العامين القادمين سيصبح من الميسور بالنسبة لأغلب العرب الذين لا يتحدثون الإنجليزية، أن يطلعوا على محتوى الإنترنت المنشور بالإنجليزية باللغة العربية، وبدقة تمكنهم من فهم هذا المحتوى GisTranslation. إنها إذن ظاهرة سقوط حاجز اللغة، الذي يحول دون تمكن العربي من فهم وتلقي النصوص الجديدة في العلوم المحضة والتكنولوجيا والعلوم الإنسانية. وبالمقابل فيمكننا أن نتخيل أن الترجمة من العربية للإنجليزية ستتم بنفس الطريقة، كما يمكن تخيل الترجمة من وإلى الفرنسية أو غيرها من باقي اللغات الحية.

ولعل في تطويرنا للتقنيات المتعلقة باللغة العربية للاستفادة من أنظمة الاتصالات والحوسبة الدولية، جهدا فاعلا ومؤثرا ومستفيدا من العولمة. فالترجمة من وإلى العربية تتيح للعرب ترجمة ما تنشره شعوب مختلفة على الإنترنت أولا فأول، وبدقة مفهومة، وكذلك تتيح للعرب ترجمة إنتاجهم للغات أخرى. وبذلك ندمج الجسم العربي ثقافياً بالعالم. ولاشك في أن سرعة الاندماج والتفاعل بالعالم هي الأساس لنمو العالم العربي الذي هو جزء من العالم الثالث المتخلف في التقنية ووسائل الإنتاج.

ومعلوم أنه تتوافر على الإنترنت اليوم أكثر من بليون صفحة، وهي متاحة لمن يريد الاطلاع عليها والاستفادة منها. وهذه ظاهرة جديدة. فتوافر هذه الكمية من المعلومات وأغلبها بالإنجليزية دون الإنفاق على الورق والمطابع، وهي أكلاف عالية، ظاهرة جديدة للبشرية. فكيف يستفيد العالم الثالث منها? ومن أين لنا ببشر كافين لترجمتها ?! إنها ظاهرة جديدة تحتاج إلى خيال وعلم واستثمار لتطوير تقنيات لترجمتها آليا وإيصالها لشعوب العالم الثالث ومن ضمنهم العرب. أما اللغات التي لا يستثمر في تطوير أدواتها فلن تستفيد من التقنيات الدولية الحديثة ومنها تقنية الترجمة الآلية وسينتج عن ذلك ضمور استخدامها، وتحولها إلى لغة محلية محكية ليست ضمن اللغات الدولية الحية. فاللغات الحية هي تلك اللغات التي تستطيع أن تعيش حياة طبيعية على الإنترنت Natural Language processing (NLP)، أي يماثل استخدامها على الآلة (الحاسب/الإنترنت) استخدامها في الممارسة الطبيعية للإنسان دون أي تطويع لها.

وجدير بالذكر أن العرب مع العالم، كتفاً لكتف، في هذه التقنية التي قام القطاع الخاص بالاستثمار فيها. وأملي أن يساهم هذا في تصحيح مفهوم شاع في البلاد العربية منذ الستينيات وهو أن القطاع الخاص عاجز عن أخذ مخاطر الاستثمار عموماً وفي التقنيات الحديثة، وبذلك تعطي الحكومات القطاع الخاص دوراً أكبر في البناء والتنمية في المستقبل.

كاتب كويتي رئيس مجلس ادارة شركة صخر

 

محمد الشارخ

 
 




محمد الشارخ