الذاكرة الذهبية.. المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.. عبدالرحيم العلام

الذاكرة الذهبية.. المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.. عبدالرحيم العلام
        

          يتوافر المغرب على شبكة مكتبية واسعة، مهمة وغنية، تغطي التراب الوطني، منها فضاءات مكتبية عمومية، وأخرى تابعة, إما لمعاهد أو لمؤسسات أكاديمية، أو لجهات أجنبية.. وكلها فضاءات تساهم، بشكل أو بآخر، في دعم المشروع التنموي للبلاد، والتحريك الثقافي ونشر المعرفة، وتحقيق الإقلاع الثقافي، ونشر تقاليد القراءة، وتقديم الخدمات التوثيقية والعلمية لمختلف شرائح القراء والرواد.

          إذا كانت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية اليوم، هي أكبر فضاء مكتبي بالمغرب، فثمة فضاءات مكتبية أخرى، لا تقل أهمية وتأثيراً واستقطاباً لروادها، من مختلف الشرائح والاهتمامات الثقافية والعلمية، من قبيل «الخزانة الحسنية» بالرباط، و«مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية» بالدار البيضاء، و«خزانة القرويين» بفاس، و«الخزانة العامة والمحفوظات» بتطوان، و«مكتبة عبد الله كنون» بطنجة، وغيرها من الخزانات والفضاءات المكتبية والوسائطية، المنتشرة في مجموعة من المدن والقرى المغربية، من بينها فضاءات مكتبية تابعة لمراكز ثقافية عربية وأجنبية «مصرية وسعودية وعراقية وفرنسية وألمانية وإسبانية وإيطالية، وغيرها...».

في البدء كانت «الخزانة العامة»

          تعود فكرة إنشاء خزانة عامة عصرية للكتب بالمغرب إلى سنة 1912. غير أن تحقيقها فعليا، لم يتم إلا في سنة 1920، حيث عين الأستاذ دوسينفال «الفرنسي» محافظاً للخزانة العامة بالرباط، هو الذي يعود له الفضل في وضع نظامها الأساسي، وفهرسة رصيدها الوثائقي، المتكون أساسا من مخطوطات ومطبوعات، إلى جانب كتب معهد الدراسات المغربية العليا، وكان مقرها بمدينة الرباط.

          في سنة 1924، ستنتقل «الخزانة العامة» إلى مقر جديد بالرباط. وفي سنة 1926، ارتقت الخزانة العامة إلى وضعية مؤسسة عمومية، حيث عهد إليها بجمع الوثائق المتعلقة بالمغرب، وإتاحة الإطلاع فيها لعموم المهتمين، كما عهد إليها بمهمة جسيمة أخرى، وهي تلقي وثائق الإدارات وحفظها، وهكذا أصبحت بحق الخزانة العامة للكتب والوثائق.

          أودع في الخزانة العامة رصيد ثان من الكتب، عبارة عن محتويات مكتبة المؤسسة التي عرفت بالمعلمة العلمية بالمغرب، بعد أن وقع حلها عام 1920. بعد ذلك، اغتنى رصيد الخزانة العامة بمجموعات وثائق الخواص، من أمثال الهبة ماء العينين، والفقيه الحاج المختار بن عبد الله، ووثائق النادي الألماني بطنجة، ووثائق الحاكم العام ج. كلوزيل، والموظف الفرنسي بالجزائر أوكوستان بيرنار، وقنصل فرنسا ليريش، والمراقب المدني لوكَلي، وميشو بيلير، رئيس البعثة العلمية بالمغرب،

          استمر تزويد رصيد الخزانة العامة بفضل الإيداع القانوني، الذي أحدثه القانون الصادر عام 1932، وأيضا بفضل الشراء والهبات والتبادل. وخلال خمسة وثلاثين عاما من عمر الخزانة العامة، في عهد الحماية الفرنسية، تجمع رصيد يمثل ذاكرة ذلك العهد، كما يتجلى ذلك من نصوص تشريعية، وتقنيات، وتحريات، وإحصاءات، ودراسات، ومقاربات مختلفة، همت بلاد المغرب عامة، من حيث جغرافيته وسكانه وثرواته وثقافته وتاريخه.

          في بداية الاستقلال، دخلت إلى الخزانة العامة مجموعات مهمة، كمّا وكيفا من المخطوطات، كان مصدرها خزانات بعض الزوايا والمساجد وخزانات خاصة، مثل مجموعة عبد الحي الكتاني، ومجموعة باشا مراكش السابق، التهامي الكَلاوي.

          عين بيير دو سينيفال «1888 1937» أول محافظ للخزانة العامة عام 1920. وهو الذي وضع التصميم الداخلي للبناية التي حلت فيها الخزانة، وهو أيضا من حدد قواعد الفهرسة والتصنيف للخزانة، كما أصدر الببليوغرافيا الوطنية لأول مرة. وفي سنة 1927، عين فونك برنيطانو، مكان دو سينيفال.

          بعد الاستقلال، توالى في مهمة محافظ الخزانة العامة السادة: عبد الله الركَراكَي، ومحمد بلعباس القباج، ومحيي الدين المشرفي ، وعبد الرحمن الفاسي، ومحمد بنشريفة، وأحمد التوفيق، وأخيرا إدريس خروز.

          عين السيد إدريس خروز، مديرا للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية عام 2003، وهو أستاذ التعليم العالي في العلوم الاقتصادية بكلية الحقوق، بجامعة محمد الخامس بالربـاط، وهو أيضا سكرتير عام لمجمـوعة الدراسات والبحوث حول البحر الأبيض المتوسط، ونائب رئيس اللجنة التنفيذية لمركز شمال- جنوب، التابع للمجلس الأوربي من أجل الاستقلال والتضامن بلشبونة من 1997 إلى 2003، وعين عضوا في المجلس الإداري للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالرباط. نشر إدريس خروز العديد من الدراسات العلمية في قضايا الشراكة الأورومتوسطية، ورهانات العولمة، والجهوية، والتغيرات الاقتصادية بالمغرب، وغيرها من الدراسات والأبحاث، المنشورة في المغرب وخارجه.

المقر الجديد للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية

          إثر افتتاح المكتبة الوطنية للمملكة المغربية عام 2008، أصبح من الممكن القول إن حلم المغرب بتشييد مكتبة وطنية قد تحقق، بعد عقود من الانتظار، قبل أن تتجسد الفكرة، وتبرز المعلمة شامخة، في قلب العاصمة الرباط، وبذلك أصبح المغرب يتوافرعلى مكتبة وطنية كبرى، بمواصفات عالمية وعصرية، بفخامتها وأناقتها، وبشكلها الهندسي البديع، وبطاقتها الاستيعابية الكبيرة.

          شيدت المكتبة الوطنية على مساحة 55 ألفاً و766 مربعا، ويبلغ الجزء المغطى منها 20.832 متر مربع، يشغل فيه الزجاج والخشب مجالا مهما، إلى جانب الإسمنت المسلح، وقد ساهمت دول أجنبية، إلى جانب المغرب، في تجهيزها «فرنسا واليابان وإسبانيا وحكومة الأندلس وألمانيا». وتكمن أهمية موقع المكتبة، في كونها محاطة بفضاءات ومؤسسات أكاديمية ورياضية وفنية، وبحدائق ومعالم حضارية وتاريخية... وبذلك انتقلت محتويات المكتبة الوطنية من فضاء وبناية تاريخية وتقليدية إلى فضاء حداثي، جديد ومتطور، سواء في شكله الهندسي والمعماري، أو في طريقة تدبيره، وتوظيف أجنحته وتحديثها.

          وقد جاء تشييد المبنى الجديد للمكتبة الوطنية، في إطار توجه جديد للدولة المغربية، ولحكومتها، سعيا منها لتحويل مدينة الرباط من مجرد عاصمة إدارية إلى عاصمة ثقافية بامتياز، انصب بالأساس على إطلاق عديد المشاريع والأوراش دفعة واحدة، بغية إضفاء طابع تحديثي وثقافي على العاصمة الرباط، همت بالخصوص بنياتها التحتية، سواء عبر الشروع في إعادة تهيئة ضفتي نهر أبي رقراق، عبر خلق فضاءات سياحية وترفيهية وعمرانية جديدة، أو عبر بناء المسار الطرقي للترامواي، الرابط بين المدينتين الجارتين «الرباط وسلا»، وبناء «المتحف الوطني للآثار وعلوم الأرض»، و«المسرح الوطني» و«متحف الفن المعاصر»، و«متحف الحلي والألبسة»، وإنجاز «حديقة الحيوانات الوطنية»، إلى جانب تشييد «مكتبة وطنية للمملكة المغربية».

          وفي هذا الصدد، يقول إدريس خروز، مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية:

          «انتقلت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية إلى موقعها المتميز الجديد المنصهر في عمران عاصمة المملكة، والذي يعكس بحق طموحاتها. لذلك، فإن هدفها السامي هو وضع المعرفة في متناول القراء والطلبة والباحثين.

          إن من الاهتمامات الكبرى للمكتبة الوطنية، التي ما فتئت تنفتح على العالم، التعريف بالتراث الوطني ونشره لتجعل منه حقلا للتنوير الثقافي والمعرفي.

          وتندرج تنمية الرصيد الوثائقي للمكتبة ضمن ثقافة المواطنة والديمقراطية والإنسية العالمية. فالمعلومات والرقمنة والأنشطة الثقافية تنخرط كلها لخدمة هذا المسار الذي نريده جماعيا.

          إن الرهان الأساس بالنسبة للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية هو المساهمة إلى جانب مؤسسات أخرى وفاعلين آخرين في بناء وتشييد مغرب حداثي وديمقراطي».

الفضاءات الداخلية للمكتبة

          تتوافر المكتبة الوطنية على مرافق مختلفة، وعلى مجموعة من الفضاءات والمختبرات والأروقة الحديثة والأنيقة، سواء تلك الموجودة في الطابق تحت الأرضي، أو تلك التي يضمها الطابق الأرضي، أو باقي الطوابق العلوية، منها فضاء الاستقبال العام، الذي يشكل العتبة الأولى لزائر المكتبة، ويحتوي على مكتب للاستعلامات، ويقدم للزائر معلومات عن مختلف مصالح المكتبة، ومكتبة للتسجيل والانخراط، وقاعة للمؤتمرات والأنشطة الثقافية، تتسع لأكثر من 300 مقعد، وقد أصبح الطلب عليها كثيرا ومتزايدا، إلى درجة أصبح من الصعوبة إيجاد موعد فارغ لاستغلالها، وقاعة للمعارض الفنية، وأخرى للتنشيط والتكوين، وقاعة لجمعية أصدقاء المكتبة الوطنية.

          كما تتوافر المكتبة على مدخل رئيسي، يحتوي على مكتب استقبال وتوجيه ومراقبة المنخرطين وزوار المكتبة، بالإضافة إلى فضاء خاص بالمعاقين، وآخر خاص بالمكفوفين، وهو فضاء متخصص موجه لناقدي وضعاف البصر، حيث يسمح لهذه الشريحة من الرواد باستعمال وسائل متخصصة للاطلاع على الأرصدة الوثائقية المتاحة «مكبر للحروف، نظام معلوماتي خاص، طابعة بطريقة براي»، وفضاء آخر خاص بالدوريات، وضع رهن إشارة رواده عشرة آلاف عنوان، تغطي جل المعارف والعلوم بلغات مختلفة، وجناح خاص بالملصقات والخرائط وبطاقات البريد القديمة، ويوفر رصيدا غنيا، مكونا من 4000 خريطة ورقية وتصميم، و134 خريطة إلكترونية، و8000 صورة فوتوغرافية، إضافة إلى 400 صورة على الزجاج، و1200 صورة منقوشة، ويحتوي على معدات وأجهزة ضرورية لتداول الوثائق السمعية البصرية وفضاء للحوامل السمعية البصرية والرقمية والمصغرات الفيلمية، وفضاء لولوج المطبوعات، وجناح للمخطوطات والكتب والوثائق النادرة، يضم أماكن للعرض والبحث والتناول، ويوفر أكثر من 250.000 وثيقة تراثية للرواد تحت الطلب «مخطوطات، مطبوعات حجرية، كتب نادرة ومعاصرة»، وفضاء القراءة للعموم، يستوعب في طابقيه «السفلي والعلوي» أكثر من 90.000 مجلد حديث الصدور، منظمة تنظيما موضوعاتيا، وهو فضاء مجهز بأحدث التجهيزات والمقتنيات العصرية، وكونه يطل على فضاءات خضراء تتوسط المكتبة وتحيط بها، بما يجعل منه فضاء مناسبا للمطالعة والقراءة والتأمل.إضافة إلى مخازن للحفاظ على التراث الوثائقي والثقافي، وفضاء لمعالجة الوثائق، ويحتوي على مختبر للرقمنة والتصوير، ويندرج هذا المشروع الطموح في إطار حفظ التراث الوطني والتعريف به، حيث تمت رقمنة أكثر من 20.000 وثيقة.

          فكما تم استغلال الطابق تحت الأرضي بتخصيصه للمختبرات، من قبيل مختبر الترميم، ويستخدم فيه نوعان من الترميم، يدوي وآلي.ومختبر التصوير والاستنساخ، ومختبر الرقمنة، وفضاء للمخازن، فقد تم تهيئة سطح المكتبة ليكون ملائما لاستغلاله ثقافيا بما يناسب مساحته وموقعه، دون أن ننسى، هنا، برج المكتبة في امتداده نحو السماء، بطوابقه الأحد عشر، تزين قمته لوحة تشكيلية بديعة تتداخل فيها الألوان وتتلاقى فيها الحروف العربية والأمازيغية واللاتينية في وئام حضاري تام، بما يؤشر على خاصتي الإبداع والمعرفة، وعلى تمسك المغرب بهويته، وانفتاحه على ثقافات العالم.

مهام المكتبة

          تتولى المكتبة الوطنية القيام بالمهام التالية:

          - جمع ومعالجة وحفظ ونشر الرصيد الوثائقي الوطني، وكذا المجموعات الوثائقية الأجنبية التي تمثل مختلف معارف الإنسانية؛

          - العمل على تشجيع وتيسير سبل الإطلاع على المجموعات الوثائقية والمعلومات البيبليوغرافية المتوافرة لديها.

          - العمل على التنسيق والتعاون مع إطار الشبكة الوطنية للمكتبات.

          - المشاركة في الأنشطة العلمية الوطنية والدولية، والإشراف على برامج البحث ذات العلاقة بمهامها وبالرصيد الوثائقي المتوافر لديها.

العلاقات الخارجية للمكتبة

          تستند استراتيجية المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، فيما يتعلق بعلاقاتها الخارجية، إلى بناء أواصر تعاون عميقة، متينة ومستديمة. كما أنها تتمفصل في توسيع وتنويع شركائها على المستويين الوطني والدولي، حيث إن إنشاء شراكات منتجة، متميزة، تتسم بالاستمرار، لا يمكن أن يكون إلا ثمرة التفاهم والتناغم المتبادلين، والوضوح التام والرعاية المشتركة والمتواصلة.

          من هذا المنظور، تتطلع المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، بصفتها مؤسسة تتمتع بصيت وطني ودولي، إلى إثارة وربط وعقد علاقات فاعلة، سواء مع شبكات مهنية، ثقافية أو علمية، أو مع نظيراتها من مكتبات وطنية لدول شقيقة وصديقة.

          ويعكس هذا الخيار الاستراتيجي إرادة المكتبة الوطنية في توحيد جهودها، ودعم شبكتها الوطنية والدولية على حد سواء، ومضاعفة شركائها. فهي واثقة اليوم من أن فعاليتها تكمن في التشاور، وأن إشعاعها لن يمتد إلا من خلال التشارك؛ كما أنها مقتنعة تماما، أكثر من أي وقت مضى، من أن العزلة في عهد العولمة والثورة التكنولوجية الحديثة لا يمكن أن يكون إلا موقفا ذا انعكاس سلبي على الأدوار المنوطة بها.

          من هنا، اختارت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية أن تلتزم مع شركائها بكيفية منظمة، مبنية على أسس واضحة، وذلك من خلال بروتوكولات، أو اتفاقيات، أو مذكرات تفاهم.

          هكذا، ساهم الجمع بين الإستراتيجية السالفة الذكر والمنظور الجلي لمشروع المكتبة الوطنية، في نجاح العلاقات الخارجية للمؤسسة، وفي تألقها، والتي توجت خلال السنوات الخمس الفارطة بعقد مجموعة من الاتفاقيات مع شركاء محليين ودوليين.

          وفي هذا الإطار، تندرج، على سبيل المثال، اتفاقية التعاون العلمي والتقني بين المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ومكتبة الإسكوريال بمدريد التابعة لمؤسسة التراث الوطني الإسباني، وبموجبها سيتم العمل على تصوير جميع المخطوطات العربية والمغربية الموجودة في مكتبة الإسكوريال بمدريد، والتي يبلغ مجموعها 327 ألفاً و661 مخطوطا، وإعداد نسخة منها على الميكرو فيلم، لتصبح متوافرة للاستعمال العلمي في المكتبة الوطنية للمملكة المغربية.

          عدا ذلك، عملت المكتبة الوطنية على تفعيل اتفاقات الشراكة والتعاون والبحث، التي تجمعها مع عدد من نظيراتها في مصر وفرنسا وبلجيكا وكندا وكوريا الجنوبية وبلغاريا وبولونيا واليابان، عدا الدعم الذي تتوصل به المكتبة الوطنية من بعض الوكالات الأجنبية، كالوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية.

مجموعات المكتبة

          تمتاز المكتبة الوطنية للمملكة المغربية بغنى رصيدها وتنوعه، هذا الذي يتوزع بين المجموعات المتخصصة، والمجموعات المهداة، والمطبوعات الحجرية، والمخطوطات، والدوريات، والمجلات، والجرائد، والحوامل السمعية البصرية، إضافة إلى الحوامل التقليدية المتمثلة في الكتب.

          وتشكل المجموعات محور اهتمام المكتبة الوطنية، إن على مستوى تأهيلها، بمعنى معالجة وصيانة وتنمية رصيدها الوثائقي، أو على مستوى تداولها عبر الوسائط الممكنة، سواء في فضاءات المكتبة، أو خارجها، من خلال البوابة الإلكترونية.

          تتأسس استراتيجية المكتبة الوطنية، بهذا الخصوص، على جملة دعائم جوهرية، منها:

          توفير رصيد وثائقي متنوع، يعنى بالذاكرة الوطنية، وفي الوقت ذاته الانفتاح على المعارف الإنسانية؛

          تطوير الوسائل الضرورية للمعالجة والترميم والرقمنة.

          تحسين الخدمات وفق الشروط والمواصفات اللازمة.

          نشر وتداول مختلف المجموعات الموجودة في المكتبة الوطنية.

          تأطير العنصر البشري بالمكتبة الوطنية وتكوينه تكوينا، يساير من خلاله التطور الحاصل في المكتبات الوطنية العريقة.

الكتب

          تتوافر المكتبة الوطنية للمملكة المغربية على رصيد مهم وغني من الكتب المطبوعة، يوجد من ضمنها عدد من المصنفات النادرة. وتتوزع هذه الكتب حسب أهميتها وفق ثلاثة أصناف:

الصنف الأول

          ويضم الرصيد الذي يمكن الإطلاع عليه في قاعة القراءة بالمناولة، بعد ملء بطاقة خاصة بذلك. ولضرورة المحافظة، أصبح الإطلاع على كتب هذا الرصيد خاضعا لشروط خاصة تراعي طبيعة الكتاب، من حيث الشكل والمحتوى، وأيضا المستوى العلمي للقارئ. كما تجدر الإشارة إلى غنى هذا الرصيد وندرته، مما استدعى سن سياسة رقمنة مجموعة مهمة من هذا الرصيد، لإتاحته إلكترونيا للباحثين، جله كتب جميلة, مصورة.

الصنف الثاني

          يتكون من المجموعات المهداة من طرف شخصيات وطنية لها صيتها الفكري والثقافي والعلمي. كما يمكن الإشـــارة إلى المجموعــات التي انضمت إلى مـا كان يسمى الخزانــة العامـــة في فترات متلاحقــة، منذ تأسيسهــا سنــة 1926، ومن ذلك مجموعات كل من «محمد بن جعفر الكتاني»، و«عبد الحي الكتاني»، و«التهامي الكلاوي»، و«إيراهيم الكلاوي»، و«محمد حسن الحجوي» و«محمد المقري».

          أما المجموعات المهداة في السنين الأخيرة، فنذكر منها خاصة «مجموعة محمد أبو طالب»، وتضم حوالي 14000 كتاب، ومجموعة «الدكتور أحمد رمزي» وتتألف من حوالي 7.000 كتاب، ومجموعة «الدكتور عز الدين العراقي» وتشمل دفعتها الأولى 600 مؤلف، ومجموعة «محمد الحمداوي» ومجموعة «إدمون عمران المالح» ومجموعة «الدكتور عبد الكريم العمري» ومجموعة أسرة واعزيز «الطاهر ومحمد».

الصنف الثالث

          ويهم الكتب المخزنة بشكل نهائي، والمتعلقة بنسخة من المؤلفات المودعة بالمكتبة الوطنية، بموجب الإيداع القانوني الصادر منذ سنة 1932. عملت إدارة المؤسسة في السنين الأخيرة على جمع كل الرصيد المتعلق بالتراث الوطني، قصد خلق مخزن الإيداع القانوني، والذي يحتوي حاليا على ما يفوق 22.000 عنوان.

الدوريات

          تعتبر من أهم الذخائر التي تزخر بها المكتبة الوطنية، سواء من حيث الكم أو الكيف ومن ثم فإن تدبيرها يتطلب مجهودا خاصا، نظرا للواردات اليومية لأعداد العناوين الموجودة وظهور عناوين جديدة. ومن هذا المنطلق، فإن مصلحة الدوريات، وإيمانا منها بدور المجلات والجرائد في البحث، ولأجل تلبية كل الطلبات، قامت بمجهود جبار، تمثل في تنظيم المخازن وترتيب محتوياتها بكيفية علمية دقيقة.

          وكنتيجة عملية لهذا المجهود، فقد تم حصر عدد العناوين التي تزخر بها المكتبة الوطنية في أكثر من 10.000 عنوان. ويمتد مخزون المؤسسة من بداية القرن 19، مع ارتفاع ملحوظ في عدد العناوين التي ظهرت خلال ثلاثينيات القرن الماضي. أما مواضيعها فتشمل كل الفنون والمعارف الإنسانية وبكل اللغات، خاصة الفرنسية والعربية،والإسبانية، والإنجليزية.

          بالإضافة إلى ضرورة تنمية هذا الرصيد والمحافظة والصيانة والمعالجة الفكرية التي يتطلبها، فإن سياسة المؤسسة ترمي إلى الانفتاح على المجلات الإلكترونية العالمية، لإتاحتها لجمهور القراء والباحثين في مخادع مخصصة لذلك.

المخطوطات

          يتوافر المغرب على رصيد وثائقي مهم من التراث المخطوط، يعكس عمق الاهتمام بالمقروء لدى المغاربة عبر تاريخهم: إنتاجا وصناعة ومعرفة. ويتميز هذا التراث بغناه وتنوعه، سواء على المستوى المعرفي أو على المستوى الجمالي. بل ظل دوما ذاكرة المغرب بامتياز، عند الخاصة والعامة على حد سواء. وذلك على الرغم مما تعرض له هذا المخزون من تلف وضياع وسرقة.

          ورغم ذلك، فإن الرصيد الوثائقي للتراث المخطوط في المكتبة الوطنية يصل إلى 32.000. ومن بين نوادر هذا التراث، المصاحف المحفوظة بالمكتبة الوطنية، ويعود بعضها إلى القرن السابع الهجري، كتب بعضها على رق الغزال، وأخرى بماء الذهب، بخط مغربي، ومشرقي، وكوفي، وأندلسي.

          ومن نوادر المخطوطات المتوافرة في المكتبة الوطنية كتاب «التفهيم في أوائل صناعة التنجيم لأبي الريحان محمد أحمد البيروني، وكتاب» العز والرفعة والمنافع للمجاهدين بالمدافع» لإبراهيم بن أحمد غانم بن زكريا الأندلسي، وكتاب «التصريف لمن عجز عن التأليف» للزهراوي، و«كتاب الحيل في الحروب وفتح المدائن وحفظ الدروب» وكتاب «البرصان والعرجان والعميان والحولان» للجاحظ، وكتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى» للقاضي عياض، وكتاب «المحكم في اللغة» لابن سيدة، وكتاب «الجامع الصحيح» للبخاري، وغيرها من المخطوطات النادرة.

          عدا ذلك، تتوافر المكتبة على مجموعات خاصة لأرصدة وثائقية، وتتكون من:

          - مجموعة الخرائط والتصاميم.

          يحتوي هذا الرصيد على مجموعة من الأنواع من الخرائط، تغطي مجموع التراب المغربي والمغاربي، وكذا العالمي، من بينها : الخرائط الطبوغرافية، تصاميم التهيئة، أطاليس، بالإضافة إلى أن المجموعة تضم خرائط تاريخية مهمة تهم ميادين ومناطق مختلفة من المغرب.

          - مجموعة الصور الثابتة

          تمثل هذه المجموعة صورا عن مدن وقرى مغربية، ومعالم أثرية, كما تمثل العادات والتقاليد «الحلي، الملابس»، ومجموعة من الأحداث التاريخية والاجتماعية والثقافية.. وأغلبها يعود لفترة الاستعمار الفرنسي بالمغرب.

          - مجموعة التحف والميداليات.

          وتشتمل على مجموعة محدودة تضم الميداليات، واللقى الأركيولوجية، وإسطرلاب، تكتسي قيمة تاريخية، إثنولوجية وجمالية مهمة.

          - المجموعات السمعية البصرية

          ظلت تنمية الرصيد الوثائقي بالمكتبة الوطنية، في صيغتها القديمة «الخزانة العامة للكتب والوثائق» محصورة على الحامل الورقي دون غيره من الحوامل الأخرى، وذلك يعود إلى غياب تصور شامل ومنسجم، إضافة إلى غياب الموارد المادية، وانعدام الموارد البشرية المؤهلة.

          لكن، وبحلول سنة 2004، أصبح بموجب القانون المتعلق بالإيداع القانوني، الحق للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية في استقبال وتدبير الإيداع القانوني الخاص بمختلف الحوامل الورقية وغير الورقية، الصادرة داخل المغرب، وستتحسن هذه الوضعية بالشروع في استقبال وثائق سمعية بصرية ومتعددة الوسائط.

          انطلاقا من هذه المعطيات، بادرت المكتبة الوطنية إلى خلق مصلحة خاصة تعنى بالمجال السمعي البصري، تستجيب للاستراتيجية التي اعتمدتها المؤسسة لتحديث مرافقها، وأيضا ليصبح هذا المرفق عاملا محركا ومؤثرا في مستقبل المؤسسة، سواء على مستوى تحديث بنياتها، أو على مستوى تنويع وإغناء الأنشطة والخدمات التي يستفيد منها عموم زوار المكتبة.

التنشيط الثقافي للمكتبة

          جانب أساسي ما فتئت المكتبة الوطنية توليه، منذ افتتاحها، المزيد من الاهتمام، في انفتاحها غير المشروط على عدد من المؤسسات الثقافية، والمنظمات والقطاعات الثقافية، المحلية والأجنبية، وخصوصا فيما يتعلق بتنظيم الملتقيات والندوات والمحاضرات واللقاءات الثقافية، والمعارض التشكيلية، والأماسي الإبداعية، وتقديم العروض السينمائية، وحفلات توقيع الكتب، وعروض الرقص والحفلات الموسيقية. فضلا عن ذلك، احتضنت قاعة الندوات الكبرى بالمكتبة مراسيم افتتاح عدد من المهرجانات والمؤتمرات الكبرى.

          وقد يصعب اليوم، ولو عبر هذه المدة القصيرة التي تفصلنا عن تاريخ افتتاح المكتبة الوطنية الجديدة، والتي لا تتعدى سنتين، حصر عدد ونوع الأنشطة الثقافية والفنية التي نظمتها المكتبة الوطنية في مختلف فضاءاتها الداخلية، في استقطابها لمختلف شرائح المثقفين والمفكرين والكتاب والأدباء، والفنانين، في مختلف مجالات الكتابة والإبداع، وبلغات مختلفة.

          يصرح لنا السيد إبراهيم إغلان، رئيس قسم التنشيط الثقافي والتواصل بالمكتبة الوطنية «منذ أن تم الافتتاح الرسمي للمقر الجديد للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية «15 أكتوبر 2008»، ونحن نحاول أن نجعل من هذا الفضاء الثقافي مجالا للحوار المعرفي الرصين، إلى جانب الأدوار الكلاسيكية المعروفة لأية مكتبة وطنية.

          كان الرهان صعبا في البداية، بحكم تراجع دور الفضاءات الجامعية التي كانت دوما تلعب الدور الطلائعي لإنتاج المعرفة وتداولها ومساءلتها، فكان اختيارنا - كمؤسسة عمومية - الانحياز إلى العقلانية، وفتح قنوات تواصلية مع جمعيات ثقافية، ومع مثقفين وأدباء، يبحثون بدورهم عن فضاء حر، لطرح قضاياهم وأفكارهم. فكان لزاما علينا أن نطرح السؤال التالي: ماذا نريد من المكتبة الوطنية؟

          نريدها أن تكرس دمقرطة القراءة وأن تكون فضاء للمعرفة والحوار والجدل والسؤال، وأن تساهم في الحفاظ على الذاكرة الوطنية، وأن تنمي مواردها الوثائقية، البشرية والرمزية؛ وأن تنخرط في القضايا الراهنة على الساحة الوطنية والدولية، وأن تنشر قيم المواطنة والديمقراطية والحداثة.

          وبما أن القراءة تعتبر عاملا أساسيا لبناء مجتمع المعرفة، بل عاملا مؤثرا في التنمية البشرية، وبما أن المكتبة الوطنية للمملكة المغربية فضاء لممارسة فعل القراءة، فكان لا بد من الاشتغال على مختلف المقاربات، لتوفير الشروط الضرورية للقراءة، أي تهيئة فضاءات ذات معايير ومقاييس عالمية، وتشجيع القراء على الاستفادة من كل الخدمات التي تقدمها المكتبة، ومحاولة إحياء الرصيد الوثائقي النادر الذي تتوافر عليه المكتبة، من خلال تنظيم أنشطة ثقافية متنوعة، حتى لا تصبح المكتبة مقبرة للكتب.

          من هذا المنطلق، برمجنا مجموعة من الأنشطة الثقافية الموازية لفعل القراءة، تهدف بالأساس إلى فتح نقاش حقيقي حول «القراءة»، كمشروع مجتمعي، مع مختلف الفعاليات ذات العلاقة، من كتاب وناشرين ومجتمع مدني، ومؤسسات معنية بالشأن الثقافي على المستوى المحلي والجهوي والوطني».

          ويكفي أن نشير، على سبيل المثال، إلى عدد من الأنشطة الثقافية التي نظمت بالمكتبة، ولقيت تجاوبا كبيرا مع جمهورها، من قبيل: ملتقيات ابن رشد، و«المهرجان الدولي للفيلم حول حقوق الإنسان»، وتخليد اليوم العالمي للشعر، ومحاضرة الفيلسوف الإيطالي ستيفانو كونتسي، و«ندوة الرحلة العربية في أفق عام»، و«المهرجان الدولي لسينما المؤلف»، وندوة «المغاربة في القرن العشرين»، وندوة «التحولات الاجتماعية بالمغرب»، وأمسية الشاعر الشيلي لويس أرياس مونثو، وندوة إحياء الذكرى الأولى للمخرج الكبير يوسف شاهين، وغيرها من اللقاءات الثقافية والفنية الكبرى... وهي أنشطة تبرز مدى انفتاح المكتبة الوطنية للمملكة المغربية على مختلف مجالات الفكر والمعرفة والأدب والفن، بما يجعل منها اليوم معلمة حضارية وثقافية وفنية كبرى، ومفخرة للمغرب وللعرب كافة.

 

 

عبدالرحيم العلام   





صورة الغلاف





منظر عام للمكتبة الوطنية للمملكة المغربية ببرجها المخصص لحفظ المخطوطات بطريقة تقنية عالية الجودة





إدريس خروز - مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية





إبراهيم إغلان - رئيس قسم التنشيط الثقافي والتواصل بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية





جلالة الملك الراحل محمد الخامس أثناء زيارته للخزانة العامة





موظفة تقنية بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية في مختبر معالجة المخطوطات





الجزء الأول من تفسير القرآن الكريم لمؤلفه إسماعيل بن كثير





قارئة تتصفح بحثا عن مادة معرفية في بطون الكتب





معالجة المخطوطات بطريقة حديثة بالمكتبة





إحدى الحفلات الموسيقية بالمكتبة الوطنية للمملكة المغربية





أحد أجنحة القاعة الكبرى للمطالعة بالمكتبة