هو تفتتٌ ... ولكن..

  هو تفتتٌ ... ولكن..
        

          وأخيرا.. وجدتُ نفسي مدعواً لأن أكتبَ إلى مجلة العرب الحضارية «مجلة العربي»، ففي العدد 614 -  يناير - 2010م كتب رئيس التحرير د. سليمان العسكري مقاله الشهري بعنوان «التفتت العربي في زمن العولمة» وكما هو مشهودٌ له قلم الدكتور حينما يتناول موضوعاً فإنه كمبضع الجراح الماهر الذي يضع الأصبع على الجرح، بمهارة لغوية فائقة، وسلاسة أدبية رائعة، وما حفزني للكتابة جملة وردت في سياق حديثه عن بعض ظواهر التفتت العربي، وقد ضرب مثلا لذلك ما يجري في العراق «الذي يشهد فتنا طائفية»، «وفلسطين المنكوبة التي تتصارع فيها حماس مع منظمة فتح»، ثم يستطرد قائلا: «إلى اليمن الذي أشعل الحوثيون فيه نيران الصراع المذهبي بين ليلة وضحاها»!

          وهنا لابد من قول شيء إذا سمح سيادته بذلك، وقبل أن يسمع قولا آخر عن «الحوثي» وهو قول جدير أن يؤخذ به، حتى لا يحول غبار الحرب دون رؤيته، وللتشويش الإعلامي دون الإصغاء إليه وسماعه!

          ثم إن ما حتم عليّ حقيقة أن أكتب لمجلة العربي هو ما أحمله لها من امتنان وتقدير عظيمين، لما تقوم به من رفد الثقافة العربية المعاصرة، بزبدة المعارف الإنسانية الراقية، فهي تنقب في الماضي لتصل به الحاضر وصولا إلى المستقبل، وهذا ما جعلني أتعلق بها حتى الشغف، وأحرص على اقتنائها أولاً فأولاً: حتى وإن قُذف بي في غياهب السجن، سيظل مطلبي من إدارة السجن ــ بالرغم من منع الكتب والمجلات ــ أن تسمح لي بإدخال «مجلة العربي» .. وقد كان.

          ففي الزنزانة إذن، قرأتُ مقال رئيس التحرير الذي نحن بصدده... فهل تتفضل مجلة العربي بأخذ وجهة نظر قارئها الأسير بعين الاعتبار والتقدير، علَّ هذا الأسير أن يجد نسائم الحرية ــ وقد عزّت ــ على صفحاتها الغراء، فالعنقاء التي انتفضت من تحت ركام الغزو الصدامي للكويت، وعادت ثانية إلى الحياة الأدبية والثقافية والحضارية، حرامٌ عليها أن تبخل بتلك الانتفاضة على مريديها ومحبيها..!

          والآن سأورد وجهة نظري حول «الحوثي» في نقاط محددة:

          ــ برزت حركة السيد حسين الحوثي، في اليمن كتجسيد لسنة التدافع الإلهية وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا  وكان ذلك في سياق الهجمة الأمريكية على المنطقة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م المفتعلة !

          ــ لم يكن الحوثي إلا رجع صدى لأوجاع الأمة، وأنه لا عذر للجميع أمام الله حتى ينهض الكل بالمسئولية الملقاة على كتفه!

          ــ مثلت رؤية «حسين الحوثي» حول طبيعة الصراع العربي مع أمريكا وإسرائيل ــ عودة الوعي لدى الشعب اليمني العربي!

          ــ أثبت السيد «حسين الحوثي» أن الشعب العربي في اليمن ليس بعيدا عن الذي يجري حوله من أحداث وتطورات تمس الهوية الحضارية لهذه الأمة.

          - أكد بحركته النهضوية أن الشعوب العربية قادرة على انتزاع زمام المبادرة، والمشاركة الجدية في صياغة مستقبل الأمة.

          - أدرك الشعب العربي في اليمن مع الحوثي مدى الخطر الكبير الذي يمثله الوجود الأجنبي في المنطقة، والاحتلال الاسرائيلي لفلسطين المنكوبة بالاحتلال وبالضعف العربي، وما الشرخ القائم بين فتح وحماس إلا امتداد للانقسام على المستوى العربي.

          - برهن الشعب العربي في اليمن مع الحوثي أنه ليس أقل وعياً عن الشعب التركي والشعب الإيراني!

          - كشف الشعب العربي اليمني مع الحوثي الحقيقة المرة المتمثلة في الخطيئة الكبرى التي يمارسها النظام العربي بحق الجيوش العربية، وأن النظام العربي لا يكتفي بإضعافها بل يسعى إلى تغيير عقيدتها العسكرية بإقحامها في صراع مع الداخل، وهي الخطيئة التي سَلِمَ منها الجيش اللبناني فلم يسقط في صراع مع المقاومة اللبنانية!

          - الحوثي لم يشعل صراعا مذهبيا بل أشعل جذوة التحدي العربي في لحظة بلغ فيها الانكسار الرسمي مداه الأقصى وذلك بعد أحداث 11 سبتمبر 2001م، وذلك التقزم للنظام العربي ليصل به الأمر ليرضي نفسه أن يكون: مكتبا لمكافحة الإرهاب، لتصبح بذلك جامعة الدول العربية مجمعا لمكاتب مكافحة الإرهاب.

          - أخيرا وليس آخرا: رسالة الشعب اليمني لكل الشعوب العربية أنه:

لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
                              حتى يراق على جوانبه الدمُ.

علي شرف زيد المحطوري
صنعاء - اليمن