عبدالعزيز حسين علم من أعلام الفكر والسياسة والثقافة

عبدالعزيز حسين علم من أعلام الفكر والسياسة والثقافة
        

          عبدالعزيز حسين علم من أعلام الفكر والثقافة العربية، نشأ على ضفاف الخليج العربي، في أسرة عملت في البحر كسائر الأسر الكويتية، وبرز فيها مرتبطا بالعلم والفقه. فوالده فقيه وخطيب في أحد مساجد مدينة الكويت، وفي هذه الأسرة مجموعة من المحدثين والوعاظ الذين درّسوا العلوم الدينية وعرفوا كخطباء.

          أما عبدالعزيز حسين فقد ارتفع بذاته، بعلمه وطموحه وخلقه، وأحاط بالفكر التربوي فطوّره وارتقى به، وصار في مجتمعه رمزاً من رموز الفكر والسياسة والمعرفة، أثرى المواقع التي عمل بها، وجعلها مصادر إشعاع تنير البلاد، كما اتسعت نطاقاته الثقافية لتشمل آفاقا من دول شبه الجزيرة العربية ودولا عربية أخرى. بدأ كغيره في الدراسة عند (المطوّع) وهو المدرّس الأهلي الذي يتطوع لتدريس الأبناء القرآن الكريم وأصول الكتابة بأجور زهيدة، وبعد ذلك التحق بالتعليم النظامي فدرس في المدرسة المباركية في عام 1927م ثم المدرسة الأحمدية التي أنهى بها تعليم المرحلة الابتدائية، وكانت هي مرحلة ما قبل الثانوية في سنة 1939 فأرسل في بعثة للدراسة في القاهرة، وفي عام 1943 حصل على شهادة كلية اللغة العربية من الأزهر، وفي عام 1945 حصل على شهادة التخصص في تدريس اللغة العربية من الأزهر، وفي العام نفسه حصل على دبلوم معهد التربية العالي من جامعة الملك فؤاد (القاهرة فيما بعد).

          عبدالعزيز حسين، رجل دولة خدم في مجالات عديدة بدأها في التعليم، وعلى رأس هذا الجهاز التعليمي تمكن من تطويره إذ استعان بالخبرات العربية من مصر والعراق وفلسطين، ثم تقلد بعد الاستقلال مناصب قيادية أخرى كوزير دولة لشئون مجلس الوزراء ورئيس للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب وكان له الفضل في إنشاء معرض الكتاب، والإصدارات الثقافية كعالم المعرفة والثقافة العالمية.

          في بداية عام 1343هـ(1924م) أوفدت إدارة المعارف أول بعثة طلابية رسمية إلى العراق للالتحاق بمدارسها، وذلك في عهد حاكم الكويت الشيخ أحمد الجابرالصباح، وتألفت البعثة من مجموعة من خريجي المدرستين المباركية والأحمدية وعددهم سبعة طلاب، وانتسب هؤلاء إلى كلية الأعظمية ببغداد التي كان يشرف على التعليم فيها الأستاذ نعمان الأعظمي.

          كما بعثت إدارة المعارف مجموعة أخرى من الطلبة المتفوقين إلى بغداد في عام (1939م) فالتحقت هذه المجموعة بدار المعلمين الريفية وتكونت من خمسة طلاب.

          وكانت البعثة الأولى الرسمية الأولى إلى مصر مكونة من أربعة طلاب منهم عبدالعزيز حسين، وفي سنة 1943 أرسلت البعثة الثانية إلى مصر وكانت مكونة من سبعة عشر طالبا تم توزيعهم على المدرستين السعيدية - نسبة إلى سعد زغلول - في الجيزة، ومدرسة طنطا الثانوية.

          وكانت البعثة الثالثة إلى مصر مكونة من أربعين طالبا وذلك في سنة 1945، وهذه الدفعة  أشرف عليها عبدالعزيز حسين ورافقها إلى القاهرة.

          وكان الطالب خالد خلف أحد أعضاء هذه البعثة وقد شرح تفاصيل هذه الرحلة في الجزء الأول من مذكراته: «في تمام الساعة التاسعة مساء بتاريخ 11/9/1945 انطلقت بنا حافلتان، وكنا نطلق على الحافلة اسم (أبو عرَّام) وحمل كل طالب فينا حقيبته الصغيرة وفيها بدلة، عبارة عن شورت وقميص، غير آخر كنا نرتديه». ويمضي فيقول: «لقد استغرقت رحلتنا إلى البصرة سبع ساعات وكان في استقبالنا محمد أحمد الغانم. وعمل لنا وليمة كبرى، وفي اليوم الآخر ركبنا القطار من البصرة إلى بغداد ووصلنا الساعة التاسعة صباحا وأقمنا في فندق العاصمة».

في رفقة عبد العزيز حسين

          ويقول خالد خلف في لقاء برابطة الأدباء عقب نشر المذكرات: «إذا كان ركوبنا للحافلة متعة فركوبنا القطار كان أعجوبة من العجائب ولأول مرة أيضا، ولم نحس بالتعب لأن الحياة في بلادنا كانت شاقة، ولم يشتك أحد منا من عناء السفر، لفرحتنا برؤية البصرة وبغداد. شاهدنا الكهرباء لأول مرة وماء شط العرب ونهر دجلة والقطار وخيرات العراق.

          وكان برفقتنا عبدالعزيز حسين لم يميز نفسه كمسئول عن البعثة، هكذا مع كل طلاب الكويت في مصر فلم يذهب بسيارة خاصة ولم يسكن في مكان مستقل بل عايشنا وكأنه طالب مثلنا، وكان صاحب عقل منظم، يقوم بترتيب كل لوازم الرحلة.

          أقمنا ليلتين في بغداد وسحرتنا هذه العاصمة الكبرى و بهرتنا مظاهر الحضارة، الطرق والجسور والكهرباء وإنارة الطرق والأسواق والمنازل ورأينا المطاعم لأول مرة، ففي بلادنا لم نعرف بعد نظام الأكل خارج المنازل، ولم تكن المطاعم قد فتحت بعد، ورأينا المرطبات وأنواع الحلوى.

          إذا كنا قد استمتعنا بركوب (الباص) بعد أن كنا نراه من بعيد يحمل العاملين في شركات النفط، فكيف تكون درجة الاستمتاع مع القطار الذي يمر بالمدن والقرى؟!

          هذه العجائب كانت تزيل منا أحاسيس الإرهاق والتعب، كنا نخشى أن نغمض أعيننا فيفوتنا منظر آخر لم تره أعيننا من قبل، ورأينا في البصرة وبغداد أعجوبة العصر «السينما» التي كنا نسمع عنها فقط من قبل».

          حجز لنا عبدالعزيز حسين حافلتين لتنقلاتنا إلى الأردن، وانطلقت الحافلتان في ليلة مقمرة جميلة، القمر مكتمل ويلقي ضوءه على نهر دجلة الذي يحاذي الطريق حينا ويفارقه أحيانا أخرى وأضواء القمر الزاهرة على مياهه والقوارب تجري فيه.

          «وصلنا بعد ظهر اليوم التالي إلى الحدود الأردنية وشاهدنا مدينة إربد، واستقبلنا فيها قائد المنطقة، ولا أعرف كيف رتّب لنا عبدالعزيز حسين في زمن لم تكن لنا في البلاد العربية ولا غيرها سفارات ولا مكاتب، صاحبنا قائد المنطقة إلى مطعم وفيه عرفنا (السلطة) وتندرنا باسمها.

          ثم اجتزنا الأردن وتوغلنا في فلسطين ومررنا على الناصرة، والقدس ثم يافا وحيفا التي أقمنا فيها ليلتين، وركبنا القطار فمررنا بمدن فلسطينية جميلة ذات هضاب وسهول ورأينا غزة وخان يونس والعريش والقنطرة شرقا والقنطرة غربا، توقف القطار بنا في القنطرة شرقا ثم عبرنا بالمعدية البحر  على القنطرة غربا، ثم ركبنا القطار الذي كان يصعد الجبال وينزل منها وكان ينتابنا الخوف أثناء صعوده وهبوطه، ولكن كانت متعة رؤياه تتغلب على كل شيء، وهكذا اجتزنا صحراء واسعة حتى وصلنا محطة القطار، في القاهرة أقمنا في فيلا كبيرة في الزمالك كان عبدالعزيز حسين قد استأجرها للطلبة الذين سبقونا، ولقد استقبلنا الأستاذ محمد السروي الذي كان يعمل مساعدا لعبدالعزيز حسين، وقد ألصق على أبواب الغرف أسماء الطلبة.

          وأعجب الطلبة إعجابا كبيرا بمدينة القاهرة، ومازالوا يتغنون بذكراها، حيث كانت أعجوبة الزمان».

شخص نبيل

          ومن صفات عبدالعزيز حسين التواضع والاستقامة وارتباطه المخلص بعمله، لم يتخذ لنفسه منزلا خاصا ولم يقم في فندق ويعتمد على مساعده محمد السروي، بل أقام مع الطلبة يأكل من أكلهم ويعيش معهم ويضع لهم البرامج الثقافية والترفيهية ويرتب لهم أيام إجازة الصيف وغيرها من رحلات عديدة.

          لقد أصدر عبدالعزيز حسين مجلة البعثة في سنة 1946، وكانت لسان حال الطلبة المبعوثين والكتاب والشعراء في الكويت، لأن البلاد لم تكن تعرف بعد الصحف والمجلات غير مجلة الكويت السابقة التي أصدرها الشيخ عبدالعزيز الرشيد سنة 1928، ثم توقفت، فجاءت مجلة البعثة كمنارة إشعاعية تستمد نورها من بلد العلم والمعرفة المملكة المصرية، وعاصمتها التي تحتوي على صروح المعرفة كالأزهر وجامعة فؤاد والمعاهد والمدارس ودور الثقافة والنشر.

          وفي العدد الأول من مجلة «البعثة» كتب فيها الطالب علي زكريا الأنصاري مقالا تضمن تقويما لنشاط (بيت الكويت) بعنوان (عام مضى):

          «الحقيقة أن أيام العام الماضي كانت مليئة بالحركة والعمل فقد استطاع مشرفنا العزيز - ويقصد عبدالعزيز حسين - بما أوتي من رأي سديد ونظر بعيد أن يشغل أوقات فراغنا، فقد كان يشرف على المحاضرات التي كانت تقام مساء كل يوم خميس، هذا عدا الحفلات التي كانت تقام في المناسبات، فيها ما تجود به قرائح الطلاب من خطب وقصائد وما تتحفنا به فرقة التمثيل أحيانا من روايات تناسب المقام».

عدد تذكاري

          وفي سنة 2001 أصدر اتحاد الطلبة الكويتيين في القاهرة عدداً واحداً تذكارياً لمجلة البعثة، وقال الطالب مبارك فيصل القناعي في كلمة العدد: «ليس سهلا أن تستعيد الماضي في ثوب من الحاضر، خصوصا إذا كان للماضي رونق خاص تمتزج فيه الأصالة بالفكر المستنير، الذي كان يسبق عصره»، كتب في هذا العدد مجموعة من الكتاب من بينهم عبدالله زكريا الأنصاري الذي تولى إصدار مجلة البعثة، بعد أن غادر عبدالعزيز حسين القاهرة إلى لندن لاكتساب تخصصات عالية ودراسة اللغة الإنجليزية.

          ومن الذين شاركوا في الكتابة في هذا العدد التذكاري بعض الأساتذة الذين كانوا من الطلاب الرواد الأوائل، الذين درسوا في القاهرة وشاركوا في الكتابة في مجلة البعثة مثل: داود مساعد الصالح وهو من البعثة الثانية التي ذهبت إلى مصر سنة 1943.

          وفي لقاء مع عبدالله زكريا الأنصاري في العدد التذكاري قال «إنني استلمت عملي في القاهرة كمحاسب في بيت الكويت وتوليت أمر إصدار البعثة بعد سفر الأستاذ عبدالعزيزحسين واستمرت المجلة في الصدور من سنة 1946 إلى سنة 1954 حيث جاءنا أمر من دائرة المعارف في الكويت بإيقافها، لأنها أخذت تتطرق لأخطاء تجري في الكويت».

          وكتب في عدد البعثة التذكاري هذا المحامي حمد يوسف العيسى ومحمد مساعد الصالح، وعبدالعزيز الصرعاوي من رواد البعثتين الثانية والثالثة.

          وكتبت أنا في هذا العدد التذكاري، في صفحة «أدب وفكر» وتحت عنوان مجلة «البعثة» قبس لنخبة التنوير.

          نعم إن الدفعات الأولى من طلبة الكويت ارتسمت عليها علامات النبوغ وشجاعة التعبير، وكانوا في بيت الكويت كأسرة مترابطة أشرف عليهم عبقري كان من رواد المبعوثين، وكان يجمع في شخصيته بين الحزم والهدوء وقوة الشخصية إلى جانب حبه لربط جميع الطلبة في مناهل العلم والمعرفة. وبعد ذلك تولى في البلاد مناصب قيادية مختلفة أنارت المسيرة التعليمية والاجتماعية والسياسية.

حلم التنوير العربي

          ولقد أنجز د. سليمان العسكري بتكليف من دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع كتاباً شاملاً عن عبدالعزيز حسين أطلق عليه اسم «عبدالعزيز حسين وحلم التنوير»، واستقطب فيه مجموعة من الأقلام البارزة التي خبرت بهذه الشخصية، وتصدر الكتاب بكلمة للدكتورة سعاد الصباح قالت فيها:

          «في تاريخ الشعوب أيام محفورة في الذاكرة، وفي تاريخها أيضاً أسماء خالدة في ذاكرتها لا تغيب، من هؤلاء بقي ويبقى اسم أستاذنا عبدالعزيز حسين على مدى أجيال أربعة أستاذاً ومديراً للمعارف ودبلوماسياً ووزيراً..». وتناول حسن الإبراهيم تحليل شخصية عبدالعزيز حسين إذ قال فيه: «.. من أهم صفات رجل الدولة هو تفانيه في خدمة الدولة والوطن، ويتصف بثقافة عميقة، كثير القراءة قليل الكلام نظرته للحياة نظرة شمولية، ذو نظرة بعيدة تتعدى الحاضر نحو المستقبل، ذو خلق واستقامة وهدوء وسيطرة على الأعصاب أمام الأزمات والكوارث إن رجل الدولة بحق هو صانع التاريخ لما يتمتع به من رؤيا بعيدة المدى».

          أما بحث د. سليمان العسكري في الكتاب المذكور فحمل هذا العنوان: «رحلة في عقل رائد تنوير».

          ومما قاله في باب عاشق المكان والناس:

          «ظل عبدالعزيز حسين دائماً عاشقاً لوطنه ولشعبه، وانعكس هذا العشق في فهمه العميق لطبيعة هذا البلد والمجتمع الذي نشأ في كنفه.

          وكان هذا الرجل قد وعى مبكراً أن الجغرافيا تفرض أحكامها تماماً، كما يفرض التاريخ أحكامه، فقد أدرك أن الكويت جزء من الوطن العربي تقع في الركن الشمالي من الخليج العربي وعليها أن تكون جزءاً من همومه وغاياته. ومجلة البعثة الرائدة التي أصدرها لم تكن فقط منبراً لتعريف العرب بالكويت وأداة للتواصل بين الطلبة المبعوثين والوطن الأم، ولكنها كانت أيضاً مدرسة تخرج فيها العديد من القادة الذين شغلوا بعد ذلك أهم مواقع المسئولية في بلدهم».

          وكتب الدكتور شاكر مصطفى بحثاً عن عبدالعزيز حسين في الكتاب وهو عبارة عن تسجيلات لجلسات مطوّلة معه.

          «ويكتب في سبتمبر سنة 1951 مقالاً حول تكافؤ الفرص في التعليم فيقول:

          «إن العصر الذي تسود فيه محض القوة البدنية قد أوشك على الانقراض، ولا يحب أن يترك مجال بروز العبقريات للمصادفات والظروف إن ساعدت على جلائها مرة، فقد تعمل على طمسها مرات، أن الدعوة إلى تكافؤ الفرص في التعليم هي نتاج ازدهار علم كان ولايزال له الفضل في تقدم أساليب التربية الحديثة، هو علم النفس الحديث..».

تأسيس المجلس الوطني

          وعندما أسس عبدالعزيز حسين المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في عام 1973 قال عنه: هذا المجلس الوطني في هيكله العام أشبه بوزارة للثقافة ولم يكن ممكناً أن تنشأ له وزارة أو يتحول إلى وزارة - للأسف - لأن عدد الوزارات في الكويت محدود ويجب ألا يتجاوز حسب الدستور ست عشرة وزارة، وهي متعلقة بحاجات الكويت الملحّة، على أن هذا لا يعني عدم الضرورة لإنشاء وزارة للثقافة تعطى كل الاختصاصات المتعلقة بالثقافة، وتتاح لها الفرصة للعمل والإنفاق في الشئون الثقافية، كما يجب أن يتم اختيار الشخص المناسب لها، المؤمن بالثقافة والذي يتمتع باحترام واهتمام زملائه الوزراء بحيث لا ينظر إليه على أنه وزير ثانوي.

          ويمضي د. شاكر مصطفى في أعقاب بحثه المشار إليه سابقاً:

          «أدرك عبدالعزيز حسين والقائمون معه على المجلس الوطني، ومنذ اللحظات الأولى أن ثقافة الكويت جزء من ثقافة الأمة العربية الشاملة، وإنها إذا شاءت الظهور والتوازي مع البلاد العربية الأخرى، فيجب أن تكون «الثقافة» هي سبيلها إلى ذلك، بالرغم من أنها ذات التعداد السكاني المحدودة العدد 1/200 تقريباً من سكان الوطن العربي وفي المساحة 1/50 من الأرض، فالطريق إلى مكانتها إنما يكمن في أن تكون بؤرة ثقافية دائمة التألق والإشعاع لهذا الوطن جاءت تجربتها الأولى في إصدار مجلة العربي كدليل كاف على أن الدول ليست بعدد سكانها ولا بمساحتها الشاسعة ولكن برجالها وثقافتهم..».

          أما الشاعر د.خليفة الوقيان الذي عمل مع عبدالعزيز حسين أميناً مساعداً في المجلس الوطني للثقافة، فقد شارك ضمن هذا الكتاب القيّم «عبدالعزيز حسين وحلم التنوير»، وجاءت كلمته تحت هذا العنوان: «عبدالعزيز حسين انطباعات عن شخصية عظيمة»، ومما قاله عن الأستاذ:

          في حياة الأمم والشعوب مراحل تتسم بالخصوبة والثراء. وفي هذه المراحل المهمة تبحث الشعوب عن بناة نهضتها الذين نذرهم القدر للقيام بالمهمات الصعبة ومواجهة التحديات، والانتقال بمجموعاتهم من طور السكون إلى طور آخر تتسارع فيه الخطى، وتتكسّر الحواجز على طريق تحقيق المنجزات الكبرى وفي مراحله من أخصب مراحل تاريخ الكويت الحديث، أنجبت الكويت جيل النهضة الذي يقف عبدالعزيز حسين واحداً من أبرز أعلامه، فهو حجر الأساس في النهضة التعليمية الحديثة، وهو العلم الشهير في مجال العمل الثقافي وارتباط عمله السياسي في مرحلة الاستقلال والنضال من أجل ترسيخ كيان الدولة وتوطيد العمل المؤسسي.

          إن وقار الأستاذ وقوة شخصيته وهيبته قد تخفى عن البعيدين عن حقيقة شخصيته، وحين الاقتراب منه يكتشفون أنه حلو المعشر، سريع البديهة، ميّال إلى الدعابة، ويحيط من حوله بجناح الأبوّة والرعاية. ويختلف عبدالعزيز حسين عن سواه من القياديين في التعامل مع مرءوسيه، فهو لا يقيم للشكليات أو المجاملات وزناً، فطوال عملي معه في المجلس الذي يتولى رئاسته، كنت أشعر أنه يبادلني الودّ والتقدير، وقد لا أضيف جديداً حين أشير إلى أنه معروف مقدّر على الصعيدين العربي والدولي بصفته واحداً من الحكماء والسياسيين العرب المحنّكين، فضلاً عن معرفة آخرين له من خلال دوره في تأسيس ودعم الكثير من المؤسسات الثقافية العربية، مثل، المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، ومنظمة اليونسكو ومعهد العالم العربي في باريس، ومعهد تاريخ العلوم في فرانكفورت، والصندوق الدولي للثقافة، ولذلك فإن تعريف الأجيال بالأعلام المميزين من بناة النهضة أمر بالغ الأهمية، فهؤلاء الأعلام هم الثروة التي ينبغي للوطن أن يعتز بها، وهم المثل العليا والمنارات التي يهتدي بها الراغبون في السير على طريق العمل البنّاء من أجل خدمة الوطن والأمة.

          عبدالعزيز حسين شخصيته فذّة، خدم المواقع التي شغلها وأثراها، وعندما اكتمل الجهاز التعليمي سعى مع أمير البلاد الشيخ عبدالله السالم إلى تصدير التعليم إلى دول خليجية وإلى اليمن.

          وبعد ذلك بنت الكويت جامعات في دول عربية، من ذلك المعتقد أن الكويت جزء من الأمة العربية فكما كان يخلص لوطنه، فقد أخلص لأمته العربية من منارة التعليم المشعّة، إلى السعي الحثيث لتقريب الأمة العربية من بعضها، وجعل الثقافة أداة مهمة لإصلاح الأوضاع السياسية العربية. وإقالتها من عثراتها بواسطة نشر الوعي والثقافة والمعرفة..».

 

 

عبدالله خلف التيلجي   




 





عبد العزيز حسين في مكتبه