هجرة عربية متزايدة.. مشكلات الاستقرار في أوربا
هجرة عربية متزايدة.. مشكلات الاستقرار في أوربا
تشير بعض الإحصائيات إلى وجود أكثر من عشرين مليون عربي منتشرين في مختلف الدول الأوربية. بينهم مهاجرون شرعيون، لديهم حضور فاعل ومحدد في مراكز سكنهم وعملهم، ومنهم مهاجرون غير شرعيين لا يعرف عددهم، وليست لهم أماكن سكنية محددة، ويشتغلون عبر قنوات السوق السوداء، أو الشكل غير المعلن لسياسة «الاتجار بالبشر» التي تحاربها جميع الشرائع الإنسانية، ومنظمات حقوق الإنسان، وقوانين الأمم المتحدة. يتعرض هؤلاء المهاجرون لأبشع أنواع الاستغلال والإذلال بسبب حاجتهم الماسة إلى تأمين لقمة العيش، دون أن يستفيدوا من الضمانات التي نصت عليها القوانين الأوربية. هو ما يطرح تساؤلات لا حصر لها حول الأسباب العميقة لولادة هذه الظاهرة المتنامية، والتي باتت توتر الأجواء بين الدول العربية والدول الأوربية، بسبب سياسة التمييز التي تصل أحيانا إلى حدود التمييز العنصري في التعاطي مع المهاجرين العرب غير الشرعيين. وتتزايد أعداد هذه الجاليات باستمرار، مع ما يرافق الهجرة غير الشرعية من مشكلات شبه يومية تصل أحيانا إلى الاضطرابات الأمنية العنيفة، وحرق السيارات، وتوتير الأجواء في المدارس بسبب أزمة ارتداء الحجاب، ومشكلات البطالة التي تدفع بأعداد كبيرة من المهاجرين إلى تعاطي المخدرات أو الاتجار بها، وغيرها. لقد كانت سياسة هدر الإمكانات البشرية والموارد الطبيعية العربية في صلب أزمة الهجرة العربية المتفاقمة باتجاه مختلف دول العالم. ويعود السبب الرئيسي في ذلك إلى فشل الأنظمة العربية في إيجاد حلول علمية طويلة الأمد للمعضلات الاقتصادية والاجتماعية العربية. وأصبحت الكثير من المجتمعات العربية عرضة للتفجير الداخلي عبر العصبيات الطائفية والقبلية القائمة في كثير من الدول العربية بعد أن تقلص دور التنمية إلى الحدود الدنيا. وأرهق المواطن العربي بالقروض الخارجية المستدامة من مؤسسات مالية دولية بفوائد فاحشة. ويلعب الفساد السياسي والإداري، والشروط القاسية التي تفرضها القوى الخارجية لضمان استرداد قروضها دورا أساسيا في زيادة حدة الأزمة. وباتت شرائح سكانية كبيرة في الوطن العربي تحت خط الفقر، مع ارتفاع حاد في نسب البطالة والأمية. طريق الهجرة لذلك انفتح طريق الهجرة إلى الخارج على مصراعيه أمام الطاقات العربية الشابة، خاصة المميزة منها. وفرضت اتفاقيات «الجات» أو حرية التجارة العالمية على جميع الدول العربية فتح أسواقها التجارية والصناعية والزراعية لمنافسة غير متكافئة مع الخارج. وباتت الدولة العربية عاجزة عن حماية قوى الإنتاج التقليدية التي ضربت بعنف عبر انخراط غير مضمون النتائج في الاقتصاد العالمي. ومع زيادة حدة الأزمات الداخلية في الدول العربية تم استنزاف سريع للموارد الطبيعية العربية بأسعار متدنية جدا لسد العجز المتزايد في الهدر الحكومي غير المجدي. وزادت أعباء الدين العام، وتقلصت فرص العمل إلى الحدود الدنيا.وتراجع مستوى التعليم في جميع الدول العربية مع ارتفاع مريع في أعداد الأميين. فحتى نهاية القرن العشرين لم تكن الدول العربية تنفق على قطاع التعليم في مختلف مراحله أكثر من 7% في أحسن الحالات، وتتدنى هذه النسبة إلى أقل من نصف في المائة في الدول العربية الفقيرة. ودلت بعض الأرقام على أن نسبة الإنفاق العربي على البحث وتطوير المراكز العلمية إلى الناتج القومي لم تتجاوز 0.14% في العام 2008، وهي نسبة متدنية جدا، مقابل 3.6% في اليابان. كما أن غياب التوظيف المالي الكافي في البحث العلمي وتوطين التكنولوجيا سيبقي الدول العربية عاجزة عن حل أزماتها المستعصية، وسيحرمها من أجيال متعاقبة من الباحثين العرب الشباب المتخصصين في العلوم العصرية والتكنولوجيا، لأنهم سيسلكون طريق الهجرة للاستقرار في مراكز البحث العلمي خارج الوطن العربي. فالتوظيف الجيد والمقرون بالإدارة العصرية ذات الكفاءة العلمية الممتازة هما المدخل الأفضل لبناء مشروع نهضوي عربي قادر على مواجهة تلك الأزمات وتقديم حلول عملية لها. ودعوا إلى رسم استراتيجية طويلة الأمد لإيجاد مصادر تمويل دائم للبحث العلمي في الوطن العربي وحل هذه الأزمة المستعصية التي فتحت الباب واسعا لهجرة آلاف الباحثين سنويا، ومن أفضل الأدمغة العربية أن قدرة المجتمعات العربية على التفاعل الإيجابي مع مرحلة الحداثة الثانية التي تعيشها المجتمعات الصناعية المتطورة في عصر العولمة يتوقف، إلى حد بعيد، على وقف هجرة الأدمغة العربية، واستعادة أعداد كبيرة منها إلى داخل الوطن العربي، وإنشاء مراكز متطورة للبحث العلمي، وتوطين التكنولوجيا، وتشجيع متواصل للعلوم العصرية. البحث عن الحرية شكل هاجس البحث عن الحرية في أوربا عنصر جذب لعدد كبير من المثقفين العرب، بسبب غياب مناخ الديمقراطية السياسية، والعلوم العصرية، والإبداع الثقافي في بلدانهم.كما أن حركة التحديث والأعمال الإصلاحية في الدول المتقدمة جذبت إليها نخبا ثقافية متميزة من المبدعين والأكاديميين العرب من ذوي الكفاءة العلمية العالية، منهم من يتقن أكثر من لغة عالمية حية. وتدل بعض الإحصائيات الموثوقة على أن عددا كبيرا منهم يعمل في التدريس الأكاديمي، والبحث العلمي، والمهن الحرة، والصحافة، والطباعة، والمختبرات، والترجمة، والأدب، والموسيقى، والمسرح، والفنون وغيرها. ونجح أغلبيتهم في إقامة صلات وثيقة بالمؤسسات الثقافية والعلمية والأكاديمية في الدول التي هاجروا إليها، ونالوا جوائز عالمية متميزة. فاستمرت هجرة المثقفين العرب إلى الخارج واتسعت دائرتها طوال القرن العشرين، وأصبحت الآن واحدة من أكثر الهجرات خطورة على تطور المجتمعات العربية في المرحلة الراهنة. لعل أحد أبرز العوامل الدافعة للشباب العربي المثقف للهجرة الراهنة نحو الخارج يكمن في انعدام فرص العمل بسبب حجم الدين العام في جميع الدول العربية، وما نتج عنه أو رافقه من ارتفاع في نسب البطالة، والكساد التجاري، والفساد السياسي والإداري، والصراعات الطائفية والقبلية، والأفق المسدود للصراع العربي الصهيوني الذي ازداد عنفا في السنوات الأخيرة. وانعكست تلك العوامل مجتمعة على بنية النظام الإقليمي العربي بكامل دوله، وعلى مستوى أدائه في حقول التنمية البشرية المستدامة، وبات عاجزا عن تشجيع التعليم والبحث العلمي، واحتضان الكفاءات العلمية والمعنية ضمن إدارة رسمية مترهلة تقوم على الفساد والإفساد. هناك إذن الكثير من عوامل جذب أصحاب الكفاءة والإبداع والمهن الحرة والعاطلين عن العمل من العرب إلى الدول الأوربية المجاورة، بسبب قرب المكان الجغرافي والعلاقات التاريخية والاقتصادية الموغلة في القدم. إلا أن الملاحظ أنه وبعد أن كانت الهجرة العربية إلى أوربا سهلة ومتنوعة في السابق، باتت أكثر صعوبة منذ العقد الأخير من القرن العشرين، خاصة بعد تدهور مستوى التعليم في الأغلبية الساحقة من الجامعات والمعاهد العربية، والذي لم يعد ملائما لثقافة العولمة والتطور التكنولوجي العاصف إلا في عدد محدود جدا من الجامعات الأجنبية العاملة في بعض الدول العربية والتي مازال خريجوها يجدون فرص عمل بأجور مقبولة في الدول العربية وخارجها. وظهرت فئة جديدة من المهاجرين العرب الشباب ضمت شريحتين هما: أصحاب الشهادات العليا، وأصحاب التخصص المهني.وبسبب كثافة الهجرة السنوية من أفراد هاتين الشريحتين في السنوات الماضية، أصيبت جميع الدول العربية بنزيف حاد من النخب الثقافية والعمال المهرة من الشباب والشابات معا. فعلى سبيل المثال لا الحصر، شهد لبنان في السنوات القليلة الماضية نزيفا شهريا تراوح بين عشرة إلى اثني عشر ألف شاب وشابة من ذوي الثقافة الأكاديمية والمهن الحرة هاجروا إلى الخارج، وبشكل خاص إلى الدول الأوربية والأميركية والعربية. مما أدى إلى أزمة حادة في المجتمع اللبناني المعاصر، خاصة بسبب حاجة لبنان الماسة إلى أفراد هذه الشريحة المثقفة الذين يلعبون دورا أساسيا في تدريب القوى اللبنانية الشابة وفي تقديم خدمات ضرورية يحتاج إليها المجتمع اللبناني. والسؤال الأساسي في هذا المجال : في ظل دول عربية مأزومة، ووزارات للخارجية والمغتربين، والتربية والتعليم العالي والمهني، والثقافة، لماذا لم تتم صياغة سياسة ثقافية عربية موحدة ترعى شئون الشباب وتحد من الهجرة الثقافية إلى الخارج بشكل عام، وهجرة الأدمغة وأصحاب الكفاءات من العرب بشكل خاص؟ مع ذلك، لا تبدو الدول العربية قلقة من ظاهرة الهجرة الثقافية، لا بل تشجعها بشكل ضمني لأنها تساعدها على التخلص من أعداد كبيرة من المثقفين الشباب العاطلين عن العمل. هجرة النخب ونظرا لسياستها العاجزة عن حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة، لا يبقي أمام أعداد كبيرة من الشباب العربي المثقف سوى خيار وحيد هو الهجرة إلى الخارج والاستقرار هناك. ولا تمتلك أغلبية الدول العربية أي تدابير ملموسة للحد من هجرة الشباب والأدمغة والنخب الثقافية والمهنية المتميزة. أنها لا تمتلك سياسة ثقافية واضحة للاستفادة من المهاجرين في مراكز عملهم في الدول التي يهاجرون إليها. ولا تخطط لتشكيل نخب ثقافية عربية في مناطق الاغتراب. وليس ما يؤكد على أن الدول العربية تهتم كثيرا بهذه المسألة أو تضعها في سلم أولوياتها. لذا باتت هجرة الشباب العربي، كغيرهم من شباب العالم، في جانب منها طوعية وليس قسرية. فهي تطول الآن الشرائح الأكثر ثقافة، وخبرة إدارية ومالية وتقنية. في حين تتقلص إلى الحدود الدنيا كل أشكال الهجرات للعمال غير المتخصصين أو الذين لا يمتلكون خبرة معمقة. ومن المتوقع أن تزداد ظاهرة هجرة الكفاءات، والأدمغة، والعمال العرب المتخصصين، والنخب الثقافية في المرحلة القادمة، إلى مختلف مراكز الجذب التي تكاد تقتصر الآن على عدد محدود من الدول الغنية والمتطورة، والتي لاتزال تفتح أبوابها لنسبة معينة فقط من أصحاب الكفاءة العلمية، والخبرات المهنية. ولعل أخطر النتائج السلبية لظاهرة هجرة الشباب والعمال المهرة من العرب أن اتساعها أصبح مقرونا بظهور فتور حاد في الانتماء الوطني والقومي لدى المهاجرين العرب، في مرحلة تشكل الوحدات الجغراسية العملاقة كالاتحاد الأوربي، والوحدة الآسيوية، والوحدة الإفريقية وغيرها. وبات الشاب العربي في مختلف دول العالم يشعر بأن دولته مهمشة جدا، وهي الآن عرضة للإلحاق القسري بالنظام العالمي الجديد وثقافته الكونية التي تهمش جميع الثقافات واللغات والقوميات في البلدان النامية والمتخلفة. نخلص إلى القول إن النظم السياسية غير الديموقراطية السائدة تشكل عامل دفع لهجرة أعداد كبيرة من المثقفين وأصحاب المهن الحرة من أغلبية الدول العربية. لكن هناك مواقف مضيئة لعدد كبير من المثقفين الذين تصدوا بجرأة لسياسة قمع الحريات في بلادهم، ومنهم من تعرض للقتل، أو النفي، أو فقدان الجنسية. وكثيرا ما دفع المثقف العربي الحر ثمنا غاليا في تصديه لقوى القمع والإرهاب في بلده. وبعد أن امتلأت بهم سجون الوطن العربي الكبير، اضطر بعضهم للرحيل عن وطنه دون أن يبتعد معظمهم عنه بالفكر والانتماء. فلدينا عدد كبير من المثقفين العرب الذين هاجروا وسكنوا في الخارج إلا أن إنتاجهم الثقافي بقي فاعلا عن بعد في تثقيف أجيال من الجامعيين العرب، ومازالت أبحاثهم تصنف بين قلة نادرة من الدراسات العلمية العربية التي استطاعت أن تقف على قدم المساواة مع أرقى الأبحاث الغربية. والمجتمعات العربية هي الآن بأمس الحاجة إلى المثقف الرمز الذي يحمل قضايا وطنه في المهجر، كما هي بحاجة إلى المثقف المقيم الذي يعلم أجيالا متعاقبة من العرب.إلا أن غياب المؤسسات الثقافية العربية - الرسمية منها والخاصة على حد سواء - التي عجزت عن استقطاب نسبة مهمة من المثقفين العرب الشباب، ولم تحد من هجرة الكثيرين منهم إلى الخارج. وأنشئت مؤسسات ثقافية لا حصر لها، استمر بعضها لعقود عدة، ومنها من أغلق أبوابه بسرعة لنقص في التمويل أو لأسباب إدارية أو ذاتية.لكن غياب المؤسسات الثقافية التي ترعى شئون أبناء الجاليات العربية في أوربا يقود بالضرورة إلى مشكلات حادة لدى الأجيال المتعاقبة من الشباب العربي الذي ولد في المهجر، وإلى غياب حضور العرب الثقافي والإبداعي في بلاد الاغتراب.وهنا بالضبط يكمن الدور المميز للمثقف العربي المقيم في أوربا كصلة وصل للتفاعل الثقافي الحر بين الثقافة الغربية والثقافة العربية من جهة، ومساعدة الشباب العرب في بلاد الاغتراب الأوربي على كيفية التعاطي الإيجابي مع مجتمعاتهم الجديدة بما تخدم القضايا العربية العادلة من جهة أخرى. هواجس أوربية تجدر الإشارة إلى أنه بعد قيام الاتحاد الأوربي بات البحث عن التماسك الاجتماعي والوطني والثقافي هاجس أوربا الموحدة. فالوحدة الداخلية هي الركيزة الصلبة التي يبنى عليها مستقبل الشعوب الأوربية في إطار اتحاد مركزي. لكن التضامن الداخلي اليوم يتآكل من الداخل، ويقف حاجزا أمام قيام دولة أوربية كبرى موحدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا. وإذا ما غرقت أوربا في لجة الصدامات العرقية والدينية المتوقعة فإن العالم كله سيصاب بالطوفان.وموجة التعصب التي ابتلعت دولا أخرى كان يصنفها الغرب في خانة الدول المارقة، تستعد اليوم لتوليد موجة جديدة تبتلع الغرب نفسه. ويتحمل قادة الغرب، بشقيه الأوربي والأميركي، المسئولية المباشرة، عن ذلك الاختلال. فوقفت قلة منهم موقف المتفرج من صعود التيارات العنصرية والدينية، لكن أغلبيتهم اندفعوا بحماس كبير لمساعدتها، وقدموا لها كل أشكال الدعم القاتل. وهم، في الغالب، لم يكونوا من أصحاب البصيرة النيرة التي تدرك أن الوباء القاتل ينتقل إليها بسرعة قياسية لأنه لا يميز بين دول غنية وأخرى فقيرة، وبين دول عسكرية قوية وأخرى مكشوفة أمام التدخلات الخارجية. فما يميز التاريخ العالمي في المرحلة الراهنة هو زوال الحدود بين القوميات والثقافات. هناك إذن اختلال عام يسود شعوب العالم بأسرها ولا يصيب شعوب أوربا بمفردها بل أيضا ملايين إضافية من الشعوب التي ارتحلت إليها، واستقرت على أراضيها، وباتت لديها أجيال من أبناء المهاجرين القلقين على مصيرهم.فهم يعانون مأزق الانتماء إلى هويات آبائهم الأصلية التي لم يعرفوا عنها الكثير، ومأزق الانتماء إلى هويات جديدة، حملوا جنسياتها دون أن يعاملوا كمواطنين غير مشكوك بولائهم الوطني. ختاما، إن معالجة مشكلات الهجرة العربية المتفاقمة إلى أوربا وغيرها وما نجم عنها من مشكلات إضافية كالاستقرار والاندماج يتطلب إعادة نظر جذرية في مقولات الإصلاح السياسي والتنمية البشرية والاقتصادية المستدامة في جميع الدول العربية. فقد شجعت على الاستهلاك غير المجدي، وأهملت تنمية الطاقات البشرية، خاصة الشابة منها التي اختارت طريق الهجرة إلى الخارج، خاصة إلى دول الجوار الأوربية للاستقرار فيها. علما أن فلسفة التنمية في الدول المتطورة تولي أهمية قصوى لبناء الإنسان المبدع لأنه الرأسمال الأكبر، وهو هدف التنمية وغايتها. فالحد من سيل الهجرة رهن بتلبية حاجات الإنسان العربي الذي يشكل الرأسمال الثابت في جميع مشاريع النهضة العربية، وذلك بالتركيز على المقولات التالية: - إطلاق حرية الإنسان العربي وطاقاته الإبداعية في مختلف حقول العلم والمعرفة والإبداع الفردي والجماعي. - تنظيم المجتمعات العربية على أسس العدالة، والمساواة، وتكافؤ الفرص، والتوزيع العادل للموارد الطبيعية. - ضمان التنمية المستدامة للأجيال المتعاقبة، والحفاظ على بيئة نظيفة تتجدد الحياة عليها بشكل أفضل. - عدم التفريط في مصادر الطاقة والمواد الخام، واعتماد نظام المساءلة والشفافية في محاسبة المسئولين عن الهدر. - تحسين نوعية الأداء السياسي للقوى المسيطرة ووضع ضوابط لتسلطها وجنوحها نحو الديكتاتورية والتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية. - تطوير الإدارة ومدها بأفضل القوى البشرية ذات الكفاءة العلمية العالية لأن الإدارة مرآة الشعوب والحاضن الأمين لكل أشكال التنمية الشاملة. كما أن مأزق الهوية الثقافية العربية في عصر العولمة على صلة وثيقة بهجرة النخب الثقافية العربية الشابة وما ترتب عنها من تراجع مريع للإنتاج العلمي وللإبداع الثقافي والفني في جميع الدول العربية.وهي تقدم الدليل على أن مأزق المجتمعات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية وغيرها قد انعكس سلبا على قوى الإبداع الثقافي والفني من جهة، وعلى الطاقات الأكاديمية العاملة في مختلف العلوم العصرية من جهة أخرى. لقد شهد الوطن العربي هجرة أدمغة كثيفة طالت آلاف المثقفين العرب. وتحولت إلى مشكلة مستعصية الحل بسبب فساد النظام السياسي، وصعوبة الإصلاح الإداري والمالي والتربوي. والأغلبية الساحقة من ذوي الكفاءة العلمية من الشباب العربي لا تثق بالمؤسسات الثقافية العربية التي ترعى شئون الثقافة والإبداع الثقافي والفني والبحث العلمي في الدول العربية. فلا مكان لأصحاب الكفاءة من المثقفين الشباب في المؤسسات الثقافية الرسمية.كما أن المثقفين المبدعين ليسوا على استعداد للتعاون معها لأنها تشترط التأكد أولا من انتمائهم الطائفي أو السياسي أو القبلي المعتمد في تقاسم الوظائف الإدارية والثقافية في جميع الدول العربية. وتشير الإحصائيات العلمية الجادة إلى أن أغلبية المثقفين المبدعين الشباب من النخب الثقافية العربية تفضل إقامة أوثق الصلات مع مؤسسات ثقافية غير حكومية، عربية وغير عربية، من ذوات السمعة العلمية الجيدة في الوطن العربي. فالمواطن العربي، وبشكل خاص الشاب الذي امتلك ثقافة عصرية، عقلانية، وعلمانية بحاجة إلى مؤسسات ثقافية تتمتع بالمواصفات عينها، ويرى فيها القدرة على الاستمرار وإقامة التواصل بين المثقفين العرب أولا، ومع مثقفي جميع دول العالم. وتتحمل المؤسسات التي تهتم بشئون الثقافة والمثقفين في الوطن العربي مسئولية بارزة في استقطاب أعداد كبيرة من المثقفين والحد من هجرتهم إلى الخارج. ونظرا للثقة المفقودة بين أغلبية المثقفين العرب والمؤسسات الثقافية الرسمية التي تفتقر إلى كل أشكال التنظيم والفاعلية الإدارية والمالية، فإن سيل الهجرة الثقافية من الشباب العربي إلى الخارج مرشح لمزيد من التأزم في السنوات القادمة. فالمثقف العربي الشاب متروك لمصيره، في حين تدور الندوات الثقافية العربية في حلقات مفرغة. ولا بد من القيام بخطوات عملية لتأسيس منظمات شبابية عربية في بلاد الاغتراب، بالتعاون بين مؤسسات رسمية وخاصة، على أن تضع برامج سنوية محددة وقابلة للتنفيذ، بحيث تتم الاستفادة من الطاقات الإبداعية العربية الموجودة داخل الوطن العربي وفي الخارج، وإقامة حوار إيجابي معها. ومن المفيد كذلك تشكيل مكاتب ثقافية عربية في جميع بلدان الاغتراب لرصد تلك الطاقات، واقتراح الحلول العملية ومشاكلها، واعتماد افضل السبل للاستفادة منها في مناطق وجودها في الخارج، وتنظيم ندوات دورية للتفاعل بين المثقفين العرب، داخل الوطن العربي وخارجه. غياب الخطط أخيرا، تزداد أزمة المجتمعات العربية حدة بسبب غياب خطط التنمية البشرية المستدامة، وغلبة الفساد والإفساد على جميع مؤسسات الدولة. وليس لدى العرب مؤسسات ثقافية، رسمية أو خاصة، قادرة على منع هجرة المثقفين والمبدعين الشباب من جميع الدول العربية إلى الخارج. وبما أن الدول العربية لم تعد تشكل مركز جذب للمثقفين العرب الشباب، فإن أغلبيتهم الساحقة تتجه نحو دول أوربية وأميركية متطورة، وتكاد تنعدم لديهم الرغبة بالعودة إلى بلدانهم العربية. وقيام منظمات ثقافية مستقلة وغير مرتهنة سياسيا وماليا وإداريا لأية دولة عربية، يشكل المدخل السليم لوقف نزيف هجرة النخب الثقافية العربية الشابة إلى الخارج. كما أن استعادة عدد كبير منهم إلى دولهم العربية يساهم في إطلاق مشروع ثقافي نهضوي، يعطي لمؤسسات المجتمع المدني دور الريادة في إعادة تشكيل المجتمعات العربية على أسس عصرية. على أن يكون للنخب الثقافية العربية الشابة دور بارز في التخطيط والتنفيذ واستشراف غد أفضل لجميع الشعوب العربية في عصر العولمة.
|