المتعة والخطر.. رحلة الفرنسي م. بيير تريمو إلى السودان

المتعة والخطر.. رحلة الفرنسي م. بيير تريمو إلى السودان
        

          شهد القرن التاسع عشر الميلادي أكبر حركة رحلية جرت من أوربا، إلى دول المشرق العربي والجنوب الإفريقي، وتفوّقت الرحلات الفرنسية عن غيرها، بكثرة العدد، وتنوّع أغراض الرحلة، وفئات الرحالين، الذين كان منهم مَن يسعى إلى خدمة الاستشراق، بتزويده بالمعرفة العلمية، ومنهم مَن كان أقل التزاماً في خدمته، إذ أظهروا في حالات كثيرة جوانب من ذاتياتهم، ونوازعهم الشخصية، ومنهم مَن لم تقترن رحلاتهم بالأهداف الاستشراقية، وإنما بأغراضهم الشخصية، وبرغباتهم في تحقيق كتابة أدبية، ذات لمسات شعرية جمالية.

          ركّز الكاتب الفرنسي م.تريمو في «الرحلة إلى السودان الشرقي» على محورين أساسيين، هما: الماء يذكر موارده، وأماكن وجوده، وحالات فقده، والصحراء ووصفها، وبدا الرحالة خلال ذلك التحديد والوصف إما مبهوراً معجباً بمشاهداته، أو متخوّفاً، مرتاباً، وقلقاً على مصيره في المناطق الصعبة المجتازة. وإضافة إلى هذين المحورين اعتنى المؤلف بتعيين مراحل السفر، والطريق المتبع كما قدّم معارف مختلفة، طالت جميع جوانب الحياة بالسودان.

          كانت مصر منطلق الرحالة تريمو نحو السودان، يوم الواحد والثلاثين من شهر يناير عام 1848م، إذ وبعد زيارته لمصر قرر الاستمرار في التوغل بإفريقيا، والوصول إلى إثيوبيا، وقد أفصح تريمو عن الغرض من ذلك، حيث قال: «من المنتظر أن تريني بلاد مصر وإثيوبيا من خلال الأنقاض الكثيرة والضخمة بهما الآثار الأولى للقدرة الإنسانية، وستفتح أمامي آفاق الصحراء، وهذا السودان الملغز، والبلدان المجهولة في بلاد الزنوج، أين ظل الإنسان في حالته البدائية، وكأنه حديث الولادة، ليس له لباس غير تلك الطبقة السوداء التي سترته بها الطبيعة.

          ومثل جميع الرحالين الغربيين، أحسّ تريمو بالكثير من الدهشة، والخوف، والانقباض عند اجتياز صحراء كوروسكو، ومشاهدة مدخل تلك المتاهة الرملية المنبسطة، والجبال الصخرية، التي يتيه فيها البصر بحثاً عن نقطة التقاء، وهرباً من الفراغ القاتل، واللاشيء، لكن الرحالة، وقبل الوصول إلى هذه المرحلة تمتع بالكثير من المناظر الخلابة، وشاهد مظاهر الجلال والعظمة للإنسان والطبيعة، عند اجتيازه البلاد المصرية، وإبحاره عبر نهر النيل بواسطة مركب بخاري، كان يسمّيه المصريون مركب النار، وقد لقب تريمو النيل بملك الأنهار، ذي الخضرة الدائمة على أطرافه، وتلك الواحات، والآثار البسيطة والعظيمة، تعبر جميعها عن الجهود الخارقة التي بذلها أجدادنا - حسب تعبير تريمو - من أجل القول للعالم، وللأجيال القادمة: «أصبح الإنسان ملك الأرض». وفي هذا القول ما يبرهن لنا أن تريمو لا يختلف عن سابقيه، أو معاصريه من الرحالين، الذين تشيع في خطاباتهم هذه النبرة الإمبريالية، التي تبرر امتلاك أراضي الغير بدعوى خدمتها، والنبرة المتعالية أيضاً النابعة من الأفكار العرقية، التي تهمس في أذن كل أوربي بأنه ذروة التفوّق بين أجناس البشر الأخرى.

          وبعد عبور أعالي مصر الفاتنة، دخل الرحالة صحراء كوروسكو، أو ما يعرف بصحراء النوبة، ويعتبر تريمو هذه المرحلة هي البداية الحقيقية لرحلته، وفيها انتظمت للسير قافلة من سبعين جملا، وثلاثة حمير، وأربعين قائداً، وثمانين قربة من الحجم الكبير، وحزم متنوعة من البضائع مربوطة بأوثقة يسهل بها إنزالها، أو إرجاعها إلى سروج الجمال. ومن الأماكن المجتازة، ذكر الرحالة منطقة يسميها الجمالون «نهر بلا ماء»، وهي أرض منبسطة رملية خالية، وبعد ساعات من المشي يلاحظ المسافر مرتفعاً يسمى المقدودة، ثم منبسطاً آخر يسمى بحر الرمال.

          وتستمر القافلة في المشي بالصحراء حيث لايوجد أي واحة للاستراحة، ولا أي مصدر ماء، سوى آبار صادفتها القافلة بعد مرحلة بحر الرمال، وهي ذات ماء أجاج، ظهر من تصرف الجمال عند تذوقها للمرة الأولى، لكن العطش اضطرها للشرب منه، وبعدها تم التوقف عند جبل صخري له شكل هرم، يسمى غريبة، أي جبل الغراب.

          وقد استغرقت القافلة في مشيها نحو محطة «بربر» مدة أربعة عشر يوماً، كانت محفوفة بالمخاطر، شاهد تريمو خلالها جبالاً وطرقاً ملتوية أثارت دهشة كبيرة وخوفاً لديه، وزادت من ذلك رؤيته لهياكل عظمية لحيوانات عبرت الطريق ولقيت حتفها فيه، ومشاهدته لبعض الصخور المغروسة في الرمال تدل على ملاقاة بعض الرجال المصير نفسه لهذه الحيوانات.

          ويتواصل سير القافلة في الصحراء، وتستمر دهشة الرحالة لمظاهر الطبيعة الجديدة عليه، وغير المضيافة كما سماها، لكنه متّع قرّاءه بعد هذا بوصف لمظاهر الفرحة، والإبهار لرؤية الخضرة المحاذية لنهر النيل الأزرق، في بلدة: «أبو حمد»، معبّراً بقوله: «.. مَن يستطيع القول إن هناك عدداً من النخيل عند مخرج هذه الصحراء القاحلة؟ ومَن يستطيع وصف جمال هذا البساط الرقيق من الخضرة الواقع بعد تلك المساحات الرملية والصخرية الوعرة والشاسعة؟ لقد وجدت أن المفارقة سر هذا الجمال، لا! أبداً لم تثر فيّ تلك الغابات الكثيفة والمراعي الخصبة في وطني، ما أثارته هذه النباتات المتواضعة، وتركته من إحساس جميل. أين توجد إذاً المتعة والسعادة في هذا العالم؟ إنها هنا في هذا المكان، بعد كل ذلك الحرمان والعوز»! ويذكّرنا هذا المقطع بالجو الرومانسي، الذي أشاعته كتابات الرحّالين الرومنطقيين في القرن الثامن عشر، كما يجعلنا نتأكد من أن الرحالة ينتمي إلى فئة الكتّاب الذين عملوا على تقديم الواقعي، والخبر العلمي دونما إهمال للمشاعر، وبتوظيف مكثف للغة التعبيرية الوجدانية، خاصة أن تريمو أنجز هذه الرحلة الاستكشافية من غير تخطيط لها مسبقاً، ورغبة منه في تحصيل المتعة، والمغامرة باستكشاف مجاهل السودان وإثيوبيا، وهو ما أخبر به في مقدمة الرحلة، حيث قال: «إن الإنسان يخطط، والله يقرر، فعن طريق الصدفة، عن نية مسبقة، كنت في مصر سنة 1848، فلمحت في شمال إفريقيا عالماً جديداً، بشعوب مختلطة، وعالماً دارساً بفضل بقاياه الأركيولوجية، لكن بعد وصولي إلى جدران ملكة المشرق «مصر» عزمت على القيام باستكشافات أعمق وأطول.

          وقد توغل الرحالة في الجهة الجنوبية من السودان، فمر على واد مدني، الذي توسع في تعداد أنواع النباتات والحيوانات والطيور الموجودة به، مثلما أشار إلى وجود اضطرابات أمنية بسبب تظاهر الأنديجان هناك ضد المحتلين المصريين، ورفض بقائهم بالبلاد، ليصل إلى قرية سميت «سبا دولاب»، لأن بها أول دولاب يصادفه المتوجه جنوباً. وفي هذه القرية جرت حادثة مرعبة للرحالة، حيث غامر وابتعد عن رفاقه للتمتع بالمناظر الغابية الجميلة، لكنه تعرض لخوف شديد لسماعه أصوات حيوانات مفترسة كالأسد، الذي سبق أن سمع صوته وهو بالجزائر كما أخبر، مثلما سمع أصوات ضباع وأبناء آوى في المكان، وبعد جهد كبير بذله الرحال، وبفضل مساعدة أحد الزنوج استطاع النجاة بنفسه، والرجوع إلى المخيم، وقد علق قائلاً: «كان كل موجود في المخيم يمطرني بالتهاني، لقد كانت رعاية الله لك محققة، الله كريم! إن شاء الله! هتف المسلمون الواقفون في ضفة النهر، آمين! رددت بصوت منخفض».

          واستطاع الرحالة الوصول إلى أقصى الجنوب السوداني بالسنار وجبل فازوغلو، وهما مدخلا بلاد الزنوج «إثيوبيا»، وفيهما شاهد حيوانات كثيرة كالتماسيح، وفرسان النهر، والفيلة، واكتشف عدداً من النباتات الضخمة، والغريبة، وبعد مشي مطول في طرق ملتوية ووعرة يصل الرحالة ومرافقوه إلى منطقة «فامكة» الواقعة على الضفة اليمنى لنهر النيل الأزرق، في اليوم الرابع عشر من مارس 1848م، وقد شاهد تريمو في هذه المرحلة قصرين بناهما حاكم مصر محمد علي، بعد حملته العسكرية على السودان عام 1820م، وقد كان أحد القصرين زمن الرحلة مهدماً، بينما ظهر الثاني بالرغم من موقعه الأخاذ على سطح جبل فامكة الصغير، وقرب النهر: «عندما نقول هناك قصر في هذه المناطق، فيجب ألا نتصوّره اللوفر، إن أجمل القصور هنا يتكون من سور مستطيل لا يتعدى ارتفاعه طابقاً أرضياً، يضم بداخله خمس غرف سيئة التغطية، وذات بلاط طيني، تعرض الواجهة أربع نوافذ ومدخلاً واحداً، هذه هي الإقامة الرائعة، لقد وهبت الطبيعة تكلفة زخرفتها، المتمثلة في حزم عشبية منبثة على سطح السور».

أخبار تريمو وصوره عن السودان

          قدّم بيير تريمو الكثير من الأخبار العلمية حول السودان، جاءت متوزعة عبر مراحل سرد أحداث الرحلة، حسبما اقتضته ظروف التأليف، وسياقات الكتابة وموضوعاتها، ولأجل ذلك وجدنا الكاتب وهو يعدّد لقرّائه مراحل الطريق، يفيدهم بأنواع التربة والصخور، والرمال الموجودة في السودان، مدعّماً كلامه ببعض الصور المرسومة، كما أنه استوقف الزمن ليقدم معلومات جيولوجية عن طبيعة الجبال السودانية، وعن خاصية الجو والأرض، وهما اللذان جعلا الحيوانات التي تواجه مصير الموت بالصحراء لا تتحلل أجسامها، ويبقى شكلها ومظهرها الخارجي كاشفاً لنوع الحيوان.

          ويظهر تريمو خبيراً بأسماء القبائل، والأجناس البشرية الموجودة فيما كان يسمى بالسودان المصري، أو الشرق، منهم: الفون، أو الفوت، وهم أقدم سكان المنطقة، وكذلك الزنوج الموجودون بمحاذاة إثيوبيا، وقد نبّه على الخطأ الذي وقع فيه الدارسون والرحالون السابقون، حيث لم يكونوا يميّزون بين الفون، والزنوج، وجعلوهم من جنس، ولون بشرة واحدين، والسبب في هذا الخطأ كما رأى تريمو أنهم قارنوا بين أهل السودان جميعهم بالبيض، وهو ما أدى بهم إلى إيجاد الفرق الواضح بين البشرتين، وعدم التفريق بين درجات السمرة والسواد عندهم، كما يفيدنا تريمو بفئات أخرى من سكان السودان وهم العرب والبربر، وأخبر بأن البربر يتمركزون في ناحية إثيوبيا، وعلى ضفاف النيل، وناحية الدنقلاه والتاكة، أما العرب فهم ثالث أكبر العائلات السامية، وفدوا على السودان في هجرات متفرقة من الجزيرة العربية، يظهرون أكثر في شرق وشمال البلاد.

          ومثلما قدم تريمو معلومات جغرافية، وأنثروبولوجية عن السودان الشرقي، لم يهمل الجانب التاريخي، وهو الذي أدى به إلى تعيين الحدود بين مصر والبلاد السودانية غير الخاضعة لمصر، أثناء حكمي: علي باشا، وسعيد باشا، وعقب على ذلك، بأن الحدود المصرية السودانية، والتقسيمات الإدارية لمحافظات السودان كانت خاضعة للتحوّل والتبديل مراراً حسب الظروف السياسية، وأحداث السلم والحرب، وسرد بهذه المناسبة أحداث غزوة محمد علي حاكم مصر آنذاك على المنطقة الشرقية للسودان، واستيلاء مصر عليها، بالرغم من وقوع مقاومات عنيفة ممن سمّاهم الرحالة «الأنديجان»، أي السكان الأصليين، غير أن السيطرة المصرية قد أحكمت قبضتها لسبب قوي، هو إسلامية سكان المنطقة الشرقية من السودان، وتقارب الكثير من التقاليد، والأعراف بينهم وبين المصريين.

          ووصف لنا تريمو جبال السودان الواقعة في الطريق نحو قرية «بربر» وصفاً متأنقاً عبّر به عن أحاسيس متضاربة بين الخوف، والخيبة، عندما عجز عن التمييز بين الجبال في مستوياتها، وأحاسيس الإعجاب، والدهشة، لهذه المشاهد الأصلية، والفريدة من نوعها، وكذلك تابع منظراً جميلاً للغروب بهذه المنطقة، جعله يندم عن الانطباعات التي حملها معه عن هذا البلد، الذي تكافئ فيه الطبيعة المسافر فيها مساء، بعد عناء النهار، وكما قال: «بجانب أكبر مناظر البشاعة وضعت الطبيعة الأشياء الأكثر جمالاً».

          وتحدّث تريمو عن طبيعة حياة الجمالين المتقشفة والبسيطة، وغذائهم غير المنوع، والذي غالباً ما يتكون فقط من ذرة غير متبلة، مشوية على نار ضعيفة، مشتعلة ببعر الجمال، وليس ما كان يستهلكه الرحالة ومرافقوه من الأوربيين في الصحاري أفضل من ذرة الجمالين، حيث كما قال تريمو: «أراد باشا مصر تزيين القبيح «ويقصد أن الرحلة في الصحراء نحو السودان ليست بالمريحة وأراد محمد علي تزيينها للأوربيين»، فأرفق معنا طاولة جميلة، مجهزة وفق الطريقة الأوربية، مع كئوس كريستال بديعة، وأوانٍ فضية، وسكاكين مرصعة، ومناديل مطرزة بخيوط ذهبية، ومع كل هذا أرفق رئيس طباخين، وطباخاً ثانياً، ومساعداً له، لاشيء ينقص! إلا الأساسي.. إنه الحطب، الذي يعوزنا في هذه الصحراء، وهذه الأواني الفاخرة ستبقى حبيسة في صناديقها، وسنعتمد على بقايا فخذ مكلس في كوروسوكو غذاء لنا، أو لنقل عظماً نقضمه وفقط.

          وكذلك ذكر تريمو عادات الجمالين أثناء السفر، فقال إنهم كانوا لا يشرعون بالمشي قبل الوضوء، والصلاة، والطلب من الرسول الكريم أن يدعو الله ليوفقهم في سفرهم، ويقف الصالح أبو حامد سيد الصحراء، لحمايتهم طوال الرحلة، كما كان تريمو دقيق الملاحظة، إذ عين طبيعة حركات الجمالين عند رقصهم فرحاً بالنجاة من الصحراء، فرأى أن حركاتهم لم يستوحها هؤلاء من بعيد، وإنما هي إعادة صياغة مع تحسين، وترتيب لمشية الجمل، وهيئته، وجميع حركاته، وخاصة حركات رأسه، المتجهة عكس اتجاه باقي الجسم. وقد دعّم تريمو وصفه هذا برسم أنجزه الفنان كارل جيرارديه (Karl Gerardet).

          وفي كثير من مواضع رحلته، فصّل تريمو القول عن متاعب السفر بالصحراء، وعن آثارها الجسيمة على أجسام المسافرين، ونفسياتهم، خاصة الأروبيين منهم، وقد برع في هذه المهمة، إذ تحدّث عن التعب الذي أصابه، هو ومرافقوه من المسافرين والجمالين، وجمالهم، في مرحلة السير نحو أبي حمد، وقد أحس بتشنج شديد في عضلاته، نتج عن اهتزازاته المتكررة، إثر ركوبه الجمل، جعلته يرغب في إطالة استراحته، لكن الطريق لاتزال صعبة، وطويلة، قفرة، تضطر القافلة إلى الاستمرار في المشي دون توقف، وعدم تضييع الوقت، فهم مهددون بمخاطر الرياح الحارة من جهة، وعطش الرجال من جهة أخرى، إضافة إلى الكرامسين، أو ما يسمى السموم، الذي كان ذا أثر كارثي على القوافل، وقد استطاعت القافلة تفاديه بالإسراع في المشي، وكذلك الحرارة الشديدة كانت من العوامل المسببة للتعب، وتشقق البشرة، وعدم المقدرة على فتح العينين جيداً، والنظر أماماً، أو نحو الأفق، الذي سمّاه تريمو: «أفق الموت». يقول في أحد المقاطع المعبّرة عن هذه المتاعب: «لقد كان الظمأ الشديد، من العوامل الرئيسة لمعاناتنا، وبالرغم من ذلك كنا ننتظر دائما «رجوع الجمل السريع من أبي حمد محملاً بالماء» وقد استرجعت السماء ثقل هواء فاق ذلك الذي شهدناه في الأيام السابقة، وكأن السموم قد تركت الإحساس الخانق لهيئتها النارية على كل ما كان يحيط بنا، وكانت الشمس تغمرنا بضوئها المتطاير شرراً، وكانت إشعاعاتها المنعكسة على الأرض ترتد إلينا بواسطة شذرات حجر الميكا، والصوان، فكنا لا نكاد نفتح أعيننا إلا بمقدار ما نستدل به على طريقنا».

          لقد عرض لنا م. بيير تريمو في رحلته: «الرحلة إلى السودان الشرقي»، نظرته المزدوجة في الرحلة إلى السودان، إنها الرحلة التي تحقق لصاحبها الانطلاق والتحرر من حياة المدنية، وهي التي تملأ ناظره بالألوان الزاهية للطبيعة، وتفتح أفق نظره على بسيطة صحراوية ممتدة، لكنها في الآن ذاته تشكّل خطراً على حياة صاحبها، وتصيبه في أقل الأحوال بالمتاعب والمرض، والاضطراب النفسي أحياناً، بينما نلمس في ما وراء خطابات تريمو الانطباعية - بالرغم من إظهار الإعجاب بالطبيعة المشرقية والصحراوية - الكثير من الأفكار المعادية لأهل المشرق وإفريقيا، والمتعصبة للجنس الأبيض، وللدين المسيحي، والمزهوّة بالتفوق الحضاري للغرب على الشرق.

 

 

 

سميرة أنساعد   

 




الانطلاق رسم كارل جيرارديه مأخوذ من ألبوم الكاتب





قرية كوروسكو - رسم كارل جيرارديه من ألبوم الكاتب





فرحة الجمالين ورقصتهم رسم كارل جيرارديه





تنقية حفظ المحاصيل - رسم كارل جيرارديه