الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية جسور للإنماء عمرها 40 عاماً

الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية جسور للإنماء عمرها 40 عاماً

عدسة: فهد الكوح

على مدى أربعين عاماً، طافت إمدادات الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية بلدان العالم، متخطية الحدود، ناشدة تنمية المكان وحفظ كرامة الإنسان، ليس ركضاً وراء الربح ولا خدمة لأيديولوجيات وسياسات، ولكنها الأيادي البيضاء امتدت أناملها العطوف من الكويت التي تعد واحدة من أصغر دول العالم لتأسو آلام الإنسانية غاضة النظر عن الجنس واللون والانتماء.

قصة هذا الصندوق لا تكمن في مجرد إنشاء أول مؤسسة للمساعدات الإنمائية تؤسس في العالم النامي سنة 1961 بقدر ما هي قصة التغير الذي طرأ على الكويت إثر اكتشاف النفط، وكيف تعامل هذا البلد مع القفزة الكبيرة من تجارة اللؤلؤ كمصدر رئيسي للدخل، حيث كانت المراكب بطواقمها تقيم في عرض البحر من بداية يونيو إلى نهاية سبتمبر، ليقوم الغاصّة بسبر أغوار المياه بحثاً عنه، وبعد أن غطى اللؤلؤ المزروع العالم، تدخلت العناية الإلهية لتنقذ الساكنين على ضفاف الخليج فعوّضتهم عن عذاباتهم بالثروة النفطية التي تدفقت ناشرة عهداً جديداً وشكلاً آخر للحياة. فكيف تعامل الكويتيون مع هذا العهد الجديد؟

تبدو الإجابة عن السؤال طويلة للغاية ومتسعة، ولكن يبقى الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية واحداً من ملامح العهد الجديد، ومعلماً كبيراً يدل على حب الكويتيين لفعل الخير ومد يد العون للآخرين، وهذه أبرز مزاياهم التي حافظوا عليها بعد ظهور الثروة النفطية.

إلى ذلك المبنى القابع وسط مدينة الكويت والشامخ ببضعة عشر طابقاً، توجهنا حاملين كثيراً من الإكبار لأربعة عقود من العطاء، وقليلاً من إشارات الاستفهام.

بداية مشوارنا كانت مع بدر مشاري الحميضي المدير العام للصندوق وأولى إشارات الاستفهام، كانت حول تسمية الصندوق الخاصة بالتنمية العربية وأعماله التي لم تحددها الخارطة العربية، وحول هذه الملاحظة، بدأ الحديث كعرض للمرحلة الأولى وما بعدها من إنشاء الصندوق الذي توجه بمساعداته وقروضه الميسّرة إلى الدول العربية للمساهمة في المشاريع الإنمائية العربية، وأول قرضين قدمهما كانا للسودان والأردن، ومع تطور نشاطه الذي شمل دول العالم بما فيها وسط آسيا وشرق أوربا والدول الإفريقية التي عانى بعضها من وباء (عمى النهر) الذي انقض على أكثر من مليون إنسان، فبث الرعب في قلوب القاطنين، فهجروا (25) مليون هكتار من الأراضي الزراعية الخصبة، واستمر الحال كذلك حتى تدخل الصندوق بمساعداته ليضع حدّاً للمأساة ويعيد الفارين إلى أراضيهم، إنه مشروع إنساني وإنمائي من ستمائة مشروع في (96) دولة، وأغلب هذه المشاريع كان ناجحاً، فبعضها حقق أهدافه وبعضها حقق أكثر منها، والبعض لم يصل إلى الأهداف، ولكن المشاريع قاطبة كانت جيدة، وقد تركت آثارها الكبيرة في اقتصاديات وسكان الدول التي أقيمت فيها، فحين قدمنا إلى الصين - والكلام للحميضي - قرضاً بقيمة (20) مليون دينار تغطية لمشروع في المناطق الإسلامية، استطعنا أن نغير في طبيعة وجغرافية المكان، إذ تم إيواء مليون ساكن في أفقر مناطق الصين وبعدما كانوا يلتجئون إلى قمم الجبال هبطوا ليعملوا في زراعة الأراضي التي تم استصلاحها ولينعموا بالمرافق الصحية من مستشفيات ومدارس وما إلى ذلك. كما بثت النقود المتدفقة من الصندوق على شكل قروض ميسّرة طويلة الأمد إلى مصر الحياة في (400) ألف فدان في سيناء واستوعبت مليوني يد عاملة في هذا المشروع الزراعي الضخم، كما حلت قروض الصندوق أزمة الصرف الصحي في العاصمة السورية دمشق.

دعم.. في منتهى الحذر
كنت أجد في دعم الصندوق لمشاريع السدود مشكلة ربما يزيد الصندوق في تعقيدها بدلاً من حلها، وغني عن البيان أن الكثير من الأنهار تنبع في قطر ثم تتلوى مياهها في مجار عابرة لأقطار أخرى. وحين استفسرت من المدير العام للصندوق حول تعاملهم في مثل هذه المشاريع ذات الحساسية العالية سياسياً واقتصادياً، اكتشفنا أن الصندوق يتعامل مع الطلبات التي ترده في هذا المجال بدقة بالغة، فلا يحرّك ساكناً قبل أن يتأكد من وجود اتفاقيات دولية بين البلاد التي يمر بها النهر لكيلا يمول مشاريع فيها خلاف على تقاسم حصص المياه مثلاً، وأضاف السيد الحميضي إلى ذلك أن مثل هذه المشاريع تنجم عنها أضرار أخرى، فعندما يقام السد، تتشكّل البحيرات، كما تسبب إنشاء طريق حيوي في بنين في تهديد للحيوانات البرية التي تعبر الطريق، فشقت الأنفاق الخاصة لعبور الحيوانات.

والصندوق بنشاطاته التي لا تقف عند حدود، لم يعد يقتصر على عدد محدد من الأشخاص، وإنما غدا خلية نحل بين متابع للعمل في الكويت ووفود تدرس المشاريع وأخرى تتابع تحقيقها ونهوضها في مشرق الأرض ومغربها متابعة دورية ترصد المراحل واحدة تلو الأخرى ثم تحسب العائد منها، وبين الإنجاز وبدء التمويل لا يطالب الصندوق بقروضه، وإنما يبدأ السداد بعد تنفيذ المشروع، وفترة الإمهال تتفاوت بين مشروع وآخر، فزيت النخيل في ماليزيا - مثلاً - استغرق ثماني سنوات حتى أخذ يؤتي ثماره.

وعن سياسة الصندوق يختصر الحميضي الحديث بأنها جزء من سياسة الكويت الخارجية، فالصندوق جزء من الكويت وسياستها الخارجية هي سياسته، وأي دولة تترقب مساعداته ينبغي أن تكون لها علاقاتها السياسية الجيدة مع الكويت، ويبتسم الحميضي وهو يقول: كيف نساعد دولة تعادي الكويت؟

ويتابع: ويمكن أن نتغاضى تماماً عن العامل السياسي حين نحدد المبلغ الذي يحتاج إليه المشروع ونترك الحكم يقرر، والحكم هنا هو العاملان الاقتصادي والفني، فجدوى المشروع هي التي تحدد تمويله.

وبما أننا نعيش في عالم تعمه الأرزاء من حروب خارجية أو خلافات داخلية واضطرابات من جهة، والفقر يضرب أطنابه فيه من جهة أخرى، فربما تأخرت الجهات المدينة في سداد ديونها، وهنا يكون للصندوق موقفه الذي يبلوره مديره العام بأنه إذا تأخرت بعض الدول في سداد ديونها سنة أو أكثر، فإن ترتيبات جديدة توضع للسداد بموجبها، والصندوق أولاً وأخيراً يتعامل مع دول فقيرة لا تمتلك الثقة الائتمانية لدى البنوك العالمية وتأخر هذه الديون بشكل أو بآخر لا يؤثر بشكل ملموس في عمل الصندوق واستمرار نشاطاته.

وأعود إلى مسألة ضمانات القروض مع هشام الوقيان نائب المدير العام لشئون العمليات المصرفية فتزداد الصورة وضوحاً، حيث توقع الاتفاقيات على القروض دائماً مع حكومة الدولة المستفيدة نفسها ممثلة بوزير المالية، وهذا بذاته ضمان للقرض، فهناك ديون متأخرة لدى بعض الدول، ولكن نسبتها ضئيلة جداً والنظام الداخلي للصندوق لا يلغي أي ديون.

ويرجع الوقيان إلى عام 1961 ليبرهن على حب الكويتيين لفعل الخير وميلهم لمساعدة الآخرين، وهذا ما تميّزوا به قبل ذلك لدى مساعدتهم للفلسطينيين في 1948 وبعد ذلك للثوار الجزائريين، وإنشاء الصندوق جاء بعيد الاستقلال ببضعة أشهر فيما كان بعض الكويتيين لايزالون يعانون من شظف العيش، فالكويت قاسمت برغيف الخبز الأشقاء والأصدقاء وقت الضيق.

ويقارن الوقيان بين قروض الصندوق والقروض الأوربية، إذ يعقد المستفيدون دوماً مقارنة بين الديون التي يقدمها الصندوق وتلك القادمة من الغرب الأوربي الذي تتوالى إمداداته مجملة في ثياب التنمية والإنعاش وما إلى ذلك.

فالقروض الأوربية تنقطع لأي خلاف بين الدولة المدينة والدولة الدائنة، وأي دولة أوربية تستعيد دولارها الذي تقرضه بأربعة أضعافه إذ تشترط أن تكون الخدمات اللازمة والمكتب الاستشاري منها، كما أن فوائدها مرتفعة، بينما قروض الصندوق لا ترهق مالياً الدول المستفيدة حيث تتراوح فوائدها ما بين (1.5) و(4%) هذا عدا فترة القرض التي قد تستمر لربع قرن.

وبما أن التنمية والاستقرار صنوان، لذلك تدمر الحروب بأشكالها التنمية، والكويت انطلاقاً من محبتها للسلام تدعم حل الخلافات حول طاولة مفاوضات، ولذلك أخذت على عاتقها دعم التنمية كمساعدة على الاستقرار، فقدمت من خلال الصندوق القروض إلى الدول العربية والدول النامية الأخرى لتساعدها في تطوير اقتصادياتها، كما ساهمت قروض الصندوق في رأسمال المؤسسات ذات التمويل الإنمائي، ولم تقتصر على ذلك، وإنما تحوّلت للمواطنين، فسعت في حل أزمة البطالة من خلال توفير فرص عمل بقروض بسيطة تقدم للمواطنين العاديين ليؤسس المستدين ورشة ميكانيكية - مثلاً - وتبدأ الورشة بالعمل مستوعبة بضعة أشخاص، وبذلك فإن أسراً عدة تستفيد من مثل هذه المبادرة.

وصلت قروض الصندوق إلى الهند وباكستان ودول إفريقيا وكانت سبّاقة إلى الصين في الوقت الذي تردد فيه البنك الدولي في دخول عالم العملاق النائم، وقد امتدت الجسور إلى الصين، وهذا الاندفاع دليل على عدم المحاباة، وهو من أجل التنمية والاستقرار، ويدل على ذلك أيضاً وصول القروض إلى جزر سليمان وفيتنام وبابوا نيوغينيا المجاورة لأستراليا، ولا توجد أي أسباب تدفع الصندوق إلى هناك إلا الأمانة في تأدية الهدف وهو تخليص البشر من ضيق الحياة ومن المعاناة الجاثمة على الصدور، كل ذلك النشاط عرف به الصندوق قبل مطلع التسعينيات من القرن الماضي أي قبل الحدث الجلل الذي ألمّ بالكويت.

تستوقفنا العبارة الأخيرة ويصطحبنا مصطفى بو شهري من قسم التعاون الدولي في ذكريات مريرة عادت بنا إلى الشهور السبعة السوداء التي تلفعت بها الكويت إثر غزوها في 2/8/1990.

فرغم فداحة المصاب، بقي الصندوق صامداً يؤدي دوره من العاصمة البريطانية، وخلال الأزمة، قدم الصندوق سبعة قروض بلغت 87.3 مليون دينار إلى كل من: غينيا، باكستان، المغرب، مصر، سوريا، الصين، النيجر.

ومن رحمة الله بالصندوق أنه قيض له أخوة كويتيين يحتفظون بوثائقه المهمة قبل أن تطالها أيادي الغزاة، ولم يتلف في الصندوق إلا أشياء بسيطة وأثاث عادي في المبنى يبدو أنها أحرقت تحت قدور الطعام أو من أجل التدفئة على نيران احتراقها.

والطريف أن الصندوق موّل مشروعين عراقيين قبل الاحتلال أحدهما سد سامراء والثاني مشروع اسمنت السماوة في جنوب العراق وقيمة المشروعين 6.25 مليون دينار، وللمفارقة فقد كانت الموافقة قبل الغزو بيوم واحد على إمداد مشروع منظومة البصرة الكهربائية بما يقارب عشرة ملايين دينار.

يقدم الصندوق قروضه للمدينين بالدينار الكويتي القابل للتحويل إلى أية عملة أخرى، والسداد يكون بالدينار، ويسعى الصندوق في قروضه أول ما يسعى إلى الدول العربية ولا تزال 54% من قروضه مقدمة إلى 16 دولة عربية، فالدول العربية تحظى بحصة الأسد من قروض الصندوق، ونصيبها يزيد على القروض المقدمة إلى (96) دولة نامية في العالم.

خط سير القرض
ويشترط الصندوق في طلب القرض أن يكون رسمياً موجهاً من هيئة حكومية وبالتحديد من وزارة المالية، وبعدما ينظر الصندوق في المشروع يطلب دراسة عنه، والجهة صاحبة المشروع تقدم الدراسة الاقتصادية والفنية، ويعين الصندوق مكتباً هندسياً لدراسة المشروع في حال عدم توافرها وتقييم المشروع من قبل الصندوق من جميع جوانبه الفنية والاقتصادية والقانونية وتشمل اتفاقية القرض شروط الإقراض، ويكون القرض مضموناً بكفالة الدولة صاحبة المشروع، والالتزام برد القرض قائماً حتى ولو تغيّرت الحكومة. ولم تحصل خلافات مع الدول التي تم تمويلها، ولم يحصل أن تساهل الصندوق في قروض أو تركها.

إن مؤسسة اقتصادية تسعف المشاريع التنموية في مختلف أنحاء العالم ورأسمالها 2000 مليون دينار لا يمكن أن تكون مؤسسة عادية من حيث هيكليتها، فالصندوق وببنائيه الضخمين وما يحتويانه من أعداد كبيرة من الموظفين والإداريين والخبراء مثال للحركة في المتابعة والإشراف.

فإدارة العمليات في الصندوق بمنزلة جهاز يقوم بتنفيذ وتمويل للمشاريع ودراستها وتضم الإدارة خبراء واقتصاديين يدرسون المشاريع بدءاً من تسلم التقارير حول المشاريع وتحديد تكاليفها، وقسم التعـاون الدولي في هـذه الإدارة يـربـط الصندوق بتعاملاته مع المؤسسات التمويلية الأخرى.

ولذلك يبدو قسم التعاون الدولي كمركز معلومات تطلب منه المؤسسات الأخرى المعلومات، فهو الذي يعد الكتيبات والتقرير السنوي ويقدم الصندوق لدول العالم من خلال المعارض والمؤتمرات.

فيما تمثل إدارة الاستثمار والإدارة المصرفية رئتين يتنفس بهما الصندوق الذي يطوف في رحاب العالم ليصل إلى الأماكن التي تعاني ويلات الفقر والفاقة فيسعفها بقروضه.

فالإدارة المصرفية وهي خزينة الصندوق تتابع صرف القروض وسدادها. يعرّفنا بهذه الإدارة معن الرشيد نائب مدير الإدارة ومديرها أسامة العتال، فالقروض تقدم على فترات ربما تمتد إلى أكثر من عشر سنوات، فبعد أن تنتهي إدارة العمليات من مهمتها وتوقع الاتفاقية يبدأ المشروع، ومع البدء يرسل المقترض مستندات على شكل فواتير وبموجبها يدفع الصندوق للمقترض أو المستفيد. والمقترض هو الدولة صاحبة المشروع، وأما المستفيد فهو المقاول الذي ينفذ المشروع، وعادة يكون المشروع مؤلفاً من مراحل عدة، كلما أنجزت واحدة تدفع تكاليفها، فالقرض على دفعات وليس مرة واحدة، وإذا توقف المشروع لسبب ما، فإن سيل الدفعات يتوقف ولا يعود إلا إذا عادت الأمور إلى مجاريها الطبيعية.

وحين يقترب استحقاق القسط، تكون مراسلة الجهة المدينة قبل شهر ونصف ليكون تسليم القسط الأول في الوقت المحدد له، وبعد تاريخ الاستحقاق بأسبوعين يعاد التذكير ثانية، ثم يكون الإنذار ويعقب الإنذار تعليق لقروض الدولة، وهذا يهدد سمعتها لدى المؤسسات المالية في العالم، وذلك لما لهذه المؤسسات من علاقة طيبة مع الصندوق.

وتحوّل مبالغ السداد إلى حساب الصندوق في البنك، ويصل الإشعار إلى الإدارة المصرفية وإدارتي الاستثمار والمحاسبة والإدارة المصرفية مؤلفة من أقسام تغطي مختلف أنحاء العالم، إلى جانب قسمين خاصين بالحسابات والمراجعات.

انطلاقاً من تكامل عمل الإدارات في الصندوق، فإن مهمة إدارة المحاسبة تأتي بمنزلة رابط بين الإدارتين المصرفية والاستثمارية، وهي عين ثالثة تراقب وتدقق درءاً لأي خلل وتجمع لديها البيانات اللازمة.

يبتسم معن الرشيد وهو يقول: في إحدى المرات طالبنا إحدى الدول بألفي دينار، فأرسلت إلينا الدولة المقترضة مليوني دينار، ومثل هذه الحالة تكتشفها إدارة المحاسبة ثم تتم المراجعة فيها.

الاستثمارات... عالمياً
الأموال المستعادة (المسددة) التي تدخل خزينة الصندوق تتحمل إدارة الاستثمار مهمة تحريكها واستثمارها، فماذا تفعل هذه الإدارة بهذه الأموال، وما الطرق التي تستثمرها بها؟

فاضل العون مدير إدارة الاستثمار، يحدّثنا عن المهام الملقاة على عاتق إدارته التي لا تضن بجهد في المحافظة على النمو الاستثماري للصندوق بعيداً عن أي مخاطر، وهذا أمر غاية في الصعوبة، فالسوق يشهد تذبذبات ومؤشراته دوماً بين انخفاض وارتفاع، وعلى إدارة الاستثمار أن تجد فرصاً استثمارية عوائدها مضمونة ومخاطرها ضئيلة، وسعياً وراء هذا الهدف يكون توزيع الاستثمارات، وتجري متابعة المحافظ الاستثمارية على أجهزة الكمبيوتر أولاً فأولاً، كما يكون البحث عن الأسواق الكبيرة كالسوق الأمريكي والسوق الأوربي والأسواق الرائدة الأخرى، وتحديد حجم المخاطرة في البلد والأدوات المستعملة، وهل الاستثمار مباشر أو بأوراق مالية.

وبناء على المعلومات المكوّنة، فإن استثمارات الصندوق موزعة ما بين 25% في بنوك كويتية تعتمد على الاقتصاد المحلي وهي ودائع سنوية وحوالي 60%، منها على شكل أسهم وسندات، وما يتبقى هو استثمارات في صناديق متخصصة كأدوات استثمارية، ومن هذه النسبة 60% سندات و40% أسهم ذات جودة عالية.

وحرصاً على تنويع الاستثمارات وتوزيع مخاطرها، فإن استثمارات الصندوق تدخل في منطقة متكاملة وليست في بلد واحد، فاستثمار العقار بفرنسا وحدها يجعل المغامرة كبيرة - على سبيل المثال - ولكن دخول أوربا يجعل المخاطرة موزعة وأخف وطأة، فيما يتم توزيع محافظ الصندوق الاستثمارية الخارجية حسب التخصص، والكمّ الكبير منها موزع على الأسواق القوية، ويحدد مسار السهم صعوداً وهبوطاً في السابق الحكم على مدى المخاطرة فيه، وقد سهّلت التكنولوجيات الحديثة من كمبيوترات وغيرها جمع المعلومات التي تحدد معرفة السوق وتحديد المخاطرة من جراء اقتحام أي جزء من أجزائه.

وبشكل عام، فإن توزيع الأموال المراد استثمارها من قبل الصندوق مقسم على شكل هرم قمته هي المغامرة أو المخاطرة، وكلما هبطنا على سفحي الهرم ازدادت السندات والودائع، أي أنه كلما ازدادت المخاطرة والمغامرة قلّ الاستثمار، وهذه ميزة الصندوق كمؤسسة تنموية تسعى للمحافظة على رأس المال وتنميته قدر المستطاع بعدما كانت هذه الأموال حتى عقد الثمانينيات المنصرم تودع في البنوك فقط ولا تزيد مهمة إدارة الاستثمار حينذاك على كونها مجرد متابع لهذه الأموال، ولكن حين بدأت المحافظ تحقق ربحاً أكثر صار الصندوق متوجهاً نحو الجوانب الاستثمارية، وفي مجال الاستثمار توضع القضايا السياسية جانباً، وكذلك المشاريع التنموية.

واستثمار الصندوق لا يقتصر على الجانب النقدي فحسب، وإنما هو بشري أيضاً، فقد خصصت ميزانية لتدريب الشباب الكويتيين، وخلال السنوات الأربع الماضية درّب الكثيرون تدريباً جادّاً أسفر عن تميّز بعض الشباب بعلاقات خارجية عادت بالفوائد الملموسة على الصندوق، كما أن الصندوق يعتمد بشكل أساسي على الشباب المدرّبين تكنولوجياً في رسم الخطوط البيانية للسوق والذي يساعد في اتخاذ القرار بالاقتحام أو الإحجام.

إلى جانب إدارة الكمبيوتر، وما توصله من معلومات إلى الجهاز العامل في الصندوق أو عن الصندوق، فإن هناك رافداً آخر وهو إدارة المعلومات والدراسات، وبين الملفات والوثائق والكتب ترافقنا سعاد الفرج نائبة المدير. الوثائق تشغل حيّزاً كبيراً وهي تأتي من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وإلى جانبها ترقد عشرات التقارير الاقتصادية القادمة من المنظمات الدولية والعالمية كمنظمة الزراعة والتغذية (الفاو)، الأوبك، الأوابك، وبين طياتها تصوّر هذه التقارير الأوضاع الاقتصادية في مختلف الدول، وبعضها تقييم لمشاريع، وتأتي هذه التقارير المجانية بكميات كبيرة، وهي في تزايد مستمر وتشكّل مع الوثائق ما يربو على (25) ألف وثيقة وتقرير، وتشكل هذه الوثائق والتقارير مرجعاً لقسم العمليات في الصندوق، كما يستفاد منها قبل السفر لمراقبة ودراسة المشاريع.

وتتخصص الإدارة في ثلاثة مواضيع: اقتصاد وهندسة وقانون، وجميع الوثائق والكتب والمعلومات تدور في محور المجالات الثلاثة وعددها يصل إلى 10.000عنوان تقريباً.

وإلى جانب ذلك كله، يوجد أرشيف للدوريات منذ الستينيات، وموظفو الصندوق والخبراء يستفيدون منها أيضاً على أن الدوريات المتخصصة في القانون والهندسة والاقتصاد فائدتها للمتخصصين، وباقي الدوريات للموظفين جميعاً، وفي الإدارة استراحة يستفيد منها القارئ موظفاً كان أو غير موظف، على عكس الدراسات السرية التي يحافظ عليها ولا تعرض لأي زائر.

وبالإضافة للدوريات توجد الدراسات، وهي مقسمة إلى أربعة أقسام: الجدوى من الدراسة، تقارير المتابعة والتقرير المالي والتقارير الخاصة بالمناقصة. والدراسات خاصة بمشاريع الصندوق والمكاتب الاستشارية (سجلات عن المكاتب على عمليات تنفيذ المشروع عربية وأجنبية).

والإدارة مزوّدة بالحاسب الآلي وتحفظ فيه المعلومات وتخزن على الكمبيوتر، وفي القسم دليل للمجلات تحمل تصنيف وعنوان ورءوس أقلام عن المحتويات إضافة إلى مكان الوثيقة أو الكتاب، والكتب منظمة بطريقة الكونجرس الأمريكية من A إلىوكل حرف يشير إلى علم ومجال معين ولكل علم تفريعاته.

بينما كنا نهم بإنهاء الجولة في الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، تريّثنا لنستوضح شيئاً عن نشاط الصندوق في مجال المعونات الفنية، وكانت الأرقام التي وردت في حديث هشام الوقيان مؤشراً حقيقياً إلى حجم هذا النشاط، فإجمالي ما قدمه الصندوق من مساعدات فنية (196) معونة فنية استفادت منها (81) دولة في العالم، ولهذه المعونات أو المنح شكلان، فهي إما لإعداد دراسات الجدوى من المشروع أو هي تزويد لجهة ما بكفاءات ضرورية كأن تحتاج الوزارة إلى مستشار اقتصادي، فالصندوق يتكفّل بذلك، وربما لا يستفيد الصندوق من المعونة التي يقدمها إطلاقاً.

لقد بدا الصندوق وهو يمد الجسور الأخوية بين الكويت والدول النامية في شتى أصقاع العالم عملاقاً اقتصادياً ومعلماً للخير في الكويت لاتزال الدول العربية وغيرها تشيد بإمداداته، كثيراً ما اعتمد عليه اللبنانيون وهم يعيدون إعمار بلدهم، ولجأت إليه بعض الدول الخليجية لإنعاش مشاريع حيوية فيها، وكذلك بعض الدول العظمى لايزال بعضها مديناً للصندوق، فأي سمعة حسنة حققها الصندوق للكويت، وأي أياد بيضاء مدّها لشعوب العالم!

الصندوق في أرقام

التأسيس13 ديسمبر 1691

مليون (د.ك)

رأس المال المقرر والمدفوع:

2000

الاحتياطي العام:

1189

الاحتياطي الخاص:

118

قيمة القروض:

3074

إجمالي المسحوبات من القروض:

2233

إجمالي المسدد من القروض:

1039

قيمة المساعدات الفنية (فعلي):

55

مساهمات في المؤسسات الإنمائية (المدفوع):

257

عدد القروض:

عدد الدول المستفيدة من القروض:

590

عدد المساعدات الفنية (فعلي):

96

عدد الدول والمؤسسات المستفيدة

196

من المساعدات الفنية (فعلي):

82

 

 

جمال مشاعل