هل أنت مريض؟ محمد الرميحي

حديث الشهر

عندما شدني غلاف هذا الكتاب "أعراض الأمراض" وهو معروض في واجهة إحدى المكتبات قال لى صاحبي: لن أدخل معك هذه المرة، ألا تكتفي من شراء الكتب؟ ولم أسمع كلامه، فقد كان موضوع الكتاب مشوقًا. وعندما انتهيت من قراءته، وقلت لصاحبي ملخصه علق: لابد أن يعرف عنه أكبر عدد من الناس. وهأنذا أحقق مشيئة صاحبي.

هذا الكتاب لابد أن يقرأه كل قادر على القراءة، وأتمنى أن يترجم كاملاً، كي يجد مكانه في كل بيت، ولدى كل أسرة، فهو كتاب يصف لك أعراض الأمراض بأسلوب علمي واقعي، إنه كتاب تثقيفي في هذا الشأن بكل ما تعنيه كلمة تثقيف من معنى.

قد يستيقظ أحد الناس من نومه في صبيحة أحد الأيام، ليكتشف أن هناك ورما- لا سمح الله- في أحد أجزاء جسده، لم يشعر به من قبل، أو أنه يعاني من ألم لم يعهده، أو من طفح جلدي. وتتسارع الأسئلة إلى ذهنه لحوحة متدفقة: هل أنا مريض؟ وإن كنت كذلك فهل مرضي خطير؟ وهل علاج مرضي ممكن؟

أثمن ما يقتنى

هذا الكتاب يعطي القارئ إجابات ناجعة عن هذه الأسئلة وأمثالها، بل ويدله على ما يجب عليه عمله، إنه كتاب يتسم بالعمق والشمولية في موضوعه، بل يمكن القول بأنه أثمن ما يمكن للمرء العادي أن يقتنيه من المراجع الطبية.

مؤلف الكتاب هو الدكتور إيزادور روزنفيلد، وله مؤلفات طبية عديدة، وتعد كتبه في هذا المجال أكثر الكتب بيعًا وانتشارًا. وقد أهله عمله فترة طويلة معلقًا طبيًا على الأسئلة التي ترد إلى إحدى شبكات التلفاز الأمريكي، أهله لأن يتعرف على أعراض الأمراض الشائعة.

لذلك فالكتاب يكاد يشمل معظم ما يمكن أن يعانيه الإنسان من أوجاع وآلام وقلق، وهو يختلف عن الكتب الأخرى التي ألفت في المجال نفسه، في أنه يقدم للقارئ شرحًا مستفيضا وافيًا للأعراض التي قد يشعر بها ودلالاتها، ولا يبخل عليه بالنصيحة لما يجب عمله في كل حالة من الحالات التي يشكو منها. لا شيء يفوق هذا الكتاب في شموله لكل أعراض الأمراض إلا وجود طبيب يلازمك طوال الوقت. أسلوب الكتاب سهل وممتع أيضاً، وفيه قدر من السلاسة، فأعراض الأمراض- في رأي المؤلف - ما هي إلا إشارات تنبيه وتحذير. يقدم الكتاب عرضًا قيمًا يفسر فيه قابلية بعض الأشخاص- دون غيرهم- للإصابة بأمراض معينة، ويقدم معلومات قيمة لمثل هؤلاء، للتقليل من احتمال إصابتهم بها.

قد يذهب المرء إلى فراشه وهو في أتم صحة وعافية، وما أن تبزغ الشمس ويستيقظ من نومه حتى يكتشف أنه في أشد حالات المرض. غثيان يرافقه إسهال وحمى ومغص شديد، وقد يتبادر إلى ذهنه - كما يقول المؤلف - أن سبب هذا الانحراف الصحي ربما يعود إلى طعام تناوله في الليلة الماضية، أو إلى " فيروس" أنفلونزا عابر، يستقر في المعدة مدة أربع وعشرين ساعة، ثم يختفي. ويصبر حتى صبيحة أليوم التالي، ويشعر بأن الإسهال قد توقف، إلا أن الحرارة مازالت عند مائة درجة فهرنهايتية، وتعاف نفسه الطعام، كما يضيق ذرعًا بالمغص المستمر، ويدرك أنها ليست أنفلونزا عابرة. وفجأة يخطر بباله ما حدث لزميله في المكتب الذي داهمته الأعراض التي يشكو منها الآن، وكان هو أيضًا يعتقد أنها أعراض أنفلونزا عابرة، فلم يراجع الطبيب، وعندما راجع الطبيب حوله رأسا إلى حجرة العمليات، وكانت زائدته الدودية على وشك الانفجار. وينصرف تفكيره إلى احتمال إصابته بالزائدة، وتنتابه الحيرة. فماذا هو فاعل؟

وإذا كان العارض سعالاً جافًا مفاجئًا، وكان الشاكي من المدخنين، ورافق السعال ألم متواصل في الصدر، وكان تاريخ أسرته يفيد أن والده قد مات بأزمة قلبية، فعليه أن يهرع إلى أقرب عيادة للحوادث، لتلقي الإسعافات الضرورية في الوقت المناسب.

وقد يظل الإنسان في شك من كونه معرضًا للخطر أو غير معرض، ومن أن الآلام التي تنتابه سوف تنجلي بعد فترة دون علاج، أو أن مراجعته للطبيب أمر لابد منه، وهل يفعل ذلك فوزا أو يؤجله إلى الغد؟ وإذا قرر التأجيل فهل في ذلك خطورة؟ إلى آخر الأسئلة المشابهة. وتردده هذا يعني سببًا واحدًا، هو عدم معرفته لدلالة الأعراض، أو عدم تمكنه من حصر الأعراض ووصفها وصفًا صحيحًا، الأمر الذي يثير سخط الطبيب الذي يحاول الكشف عن حقيقة ما يعانيه المريض من آلام.

الكشف عن المرض ليس بالأمر الهين، خاصة عندما تكون إجابات المريض عن أسئلة الطبيب مرتجلة سريعة، وعندما تأتي الإجابات عن الأسئلة قبل أن يستوعب المريض معناها. يقول المؤلف: إنه قام بإجراء تجارب عديدة على مرضاه بهذا الصدد، فكانت إجاباتهم تأتي مرتجلة، دون أن يكلفوا أنفسهم تحمل مسئولية المعنى المقصود من الكلمات التي ينطقون بها.

حقيقة المرض

يقول: كنت أسأل مرضاي: هل تشعرون بنوع من (الجريبلنج)؟ وهذه الكلمة ليس لها معنى طبي. وقد تعددت إجابات المرضى أحدهم قال: إنك طبيب رائع، لقد راجعت عدة أطباء في السنوات الأخيرة، فلم يعرفوا سبب مرضي، نعم إنه (الجريبلنج).

ملحوظة: المريض يعاني من عدم تحمله الحليب ومشتقاته.

المريض الثاني قال: نعم، كنت أعاني (الجريبلنج)، وهو سلس البول، ولكنني شفيت منه . وقالت مريضة ثالثة: زوجي عنده (جريبلنج)، ولكنني لا أعاني منه.

وهكذا تعددت الإجابات واختلفت، دون أن يكون للكلمة بحد ذاتها أي معنى. طبيبك يستخدم ثلاثة أساليب أساسية لاكتشاف حقيقة مرضك في مقابلتك الأولى له: عن طريق الحديث. فهو يترك لك المجال لبث شكواك، ويوجه إليك الأسئلة المناسبة، ويتلقى إجاباتك عنها. والأسلوب الثاني عن طريق الفحص السريري، ليتحسس موضع الألم، ويضغط عليه، ويستخدم حاستي النظر واللمس، وأحيانا يقوم بالضرب على موضع الألم.

والأسلوب الثالث عن طريق الفحوص الطبية، بدءاً بأخذ درجة الحرارة، وانتهاء بأكثر الفحوص الطبية تعقيداً. وفي رأي مؤلف الكتاب أن الخطوة الأولى- الحديث بين المريض وطبيبه- هي الأهم، ففي تسع من كل عشر حالات يكفي أن يعطي المريض وصفًا دقيقا للأعراض التي يشكو منها، ليستدل الطبيب على المرض، ويصل إلى التشخيص الصحيح، حتى قبل أن تأتي نتائج الفحوص الطبية وتحليلات المختبر.

ولو كان بإمكان كل طبيب أن يخصص الوقت الكافي لكل مريض، ليسجل تاريخ المرض كاملاً، لاختفت مشكلة التشخيص، ولكن الوقت الضيق الذي يقضيه الطبيب مع المريض، في خضم الحياة البالغة التسارع، لا يترك للطبيب فرصة للوصول إلى التشخيص السليم، فيحيل مريضه إلى اختصاصي، ومن اختصاصي إلى آخر، ويتنقل المريض بين آلة حديثة وأخرى، قبل أن يصل إلى التشخيص الصحيح. وهي إجراءات تستنزف كثيرًا، من الوقت والمال والراحة التي يحتاجها المريض، وفوق ذلك كله قد تعوق المباشرة بالعلاج الذي قد يتطلب السرعة. من هنا تتضح أهمية أن يعطي المريض للطبيب معلومات موثوقة دقيقة، تدله على الطريق الصحيح الذي يجب أن يسلكه في التشخيص ووصف العلاج، ومهما كانت هذه المعلومات صغيرة وغير مهمة فالمريض هو الشخص الوحيد المؤهل لإرشاد الطبيب إلى حقيقة مرضه.

يقدم الكتاب إرشادات للشخص العادي في كيفية وصف الأعراض التي يشعر بها لطبيبه، وكيف يتصرف عندما يتحقق منها، ومدى السرعة المطلوبة للتحرك.

الآلام

هل يتصور أحد من الناس كيف يمكن أن تكون حياته لو أن قوة خارقة في الطبيعة تدخلت في تركيب جسده، فحرمته من الإحساس بالألم؟

قد يتخيل بعض الناس أن مثل هذه الحياة الخالية من الألم، ستكون حياة سعيدة، ولكن العكس هو الصحيح، فالألم على الرغم من مساوئه، هو الإنذار المبكر الذي ترسله لنا الطبيعة لتنبهنا بلى خطر وشيك الوقوع، فحالما يتلمس الدماغ وقوع خلل ما، في أي جزء من أجزاء الجسد، يرسل إنذار الألم الذي يستمر في عمله حتى يزول الخلل، ويشفى المريض، فما الذي يحدث لو أن الجسد لم يتلق ذاك الإنذار؟ تخيل لو أنك وقعت من مكان عال وكسرت ساقك، دون أن تشعر بألم، أو أنك أصبت بمرض في القلب دون أن تشعر بألم، وظللت تتابع عملك الشاق المرهق، وتصور لو أن زائدتك الدودية التهبت، ثم انفجرت، دون أن تشعر بألم، حتى تسارع بإجراء العملية الضرورية.

خطورة المرض- كما يقول المؤلف- ليست مرتبطة بشدة الألم أو ضعفه، فهناك دلائل أخرى تنبئنا عن خطورة المرض، منها: كيفية شعورنا بالألم، هل الألم حاد مستمر، أو مفاجئ متقطع، أو شعور بالحرقان، أو ألم قليل؟ ومتى نحس بالألم؟

بعض الأمراض تشتد آلامها في أوقات معينة من النهار أو الليل، أو بعد القيام بنشاطات محددة، ثم ما الأعراض الأخرى التي ترافق الشعور بالألم؟ هل يرافقه قيء أو حمى، أو شعور بالغثيان، أو طفح جلدي، أو غير ذلك من الأعراض؟

أما مكان الشعور بالألم فقد يكون له دلالة مفيدة، وقد يكون مضللاً، إذ إن شبكة الأعصاب المتداخلة، بعضها ببعض قد تنقل مكان الشعور بالألم إلى عضو آخر في الجسم غير مصاب، ولكن كل هذه الأمور تساعد على تحديد سبب الألم ومدى أهميته، والطريقة التي يجب أن نتبعها في علاجه.

ثم يعرض الكاتب مجموعة كبيرة من أعراض الأمراض ودلالاتها، وطريقة التعامل معها، منها أن الشعور بالإجهاد والإرهاق يقتضي اللجوء إلى الراحة والاعتدال في العمل، كما أن التلوثات والعدوى الفيروسية أو البكتيرية غالبًا ما تزول وحدها دون اللجوء إلى أي علاج، أما الشقيقة- ألم الرأس المزمن- فعليك أن تتبع معها أفضل حمية غذائية يمكن أن يصفها لك طبيب، أما ارتفاع ضغط الدم، فإن السيطرة عليه تعتمد على إنقاص الوزن واتباع حمية غذائية. وكذلك يتناول الكتاب أعراض أمراض العين ودلالاتها وطريقة التعامل معها، والأذن واللسان، والرقبة والظهر، والكتف والساق والقدم، في قائمة طويلة، مقسمة بين الأعراض ودلالاتها وبين طريقة التعامل معها. ومنها مثلاً: إن كانت هناك نعومة مفرطة في اللسان فإن ذلك ناتج عن سوء تغذية، وإن اختلف لونه فإن ذلك إما نتيجة إصابته باليرقان أو بفقر الدم أو بنقص الأوكسجين.

قائمة طويلة

ولا يمكن سرد تلك القائمة الطويلة، لذا أكتفي هنا بضرب بعض الأمثلة، فبعض الأعراض التي يشعر المريض فيها بضيق أو ألم في الصدر، قد تكون دليلاً على احتمال وجود أزمة قلبية، وقد تأتي الأزمة القلبية دون ألم، بل إثر مجرد شعور بالضيق والثقل. هنا يجب أن فهرع إلى أقرب مركز للعناية الصحية، وإن كانت الظنون في غير محلها فلن نخسر شيئا، وإن صدقت أنقذنا حياتنا بتصرفنا السريع.

هناك آلام صدر ناتجة عن غير الأزمات القلبية، فإن لم تكن العلة في القلب، فقد تكون علة في الرئتين، أو فتقًا في الحجاب الحاجز تصعد معه المعدة إلى الصدر، مما يجعل المصاب يشعر بالحرقان، أو علة في القفص الصدري، أو أعصاب الرئة الخارجة من مجمع الأعصاب المجاور للعمود الفقري، وقد يخطئ بعض الناس في كل ذلك ويظنون أنها أزمة قلبية.

ومما يدهش أن أمراض القلب هي القاتل رقم واحد في سلسلة الأمراض المميتة، ولا يعرف كثيرون أعراضها الحقيقية، ولا يستطيعون التمييز بين أعراضها وبين أعراض بعض الآمراض الأخرى، فهناك نسبة لا يستهان بها من الناس يعتقدون أن الأزمة القلبية تكون دوما مصحوبة بالم حاد، أو وخز شديد، وأن المصاب بها يشعر بهذا الألم دومًا في الجانب الأيسر من صدره، ولكن الحقيقة، كما يقول المؤلف، هي أن الأزمة القلبية تكون دومًا مصحوبة بضغط على الصدر، وهذا الضغط يشعر به المصاب في منتصف الصدر، خلف ملتقى الأضلاع، ومن هناك يتشعب إلى أي من الكتفين أو الذراعين أو حتى الكفين، وغالبًا ما يتجه إلى الذراع اليسرى، وإن كان ذلك ليس قاعدة ثابتة، وقد يصل الألم إلى الفك أو إلى الأذنين، فإذا كان الانسداد الشرياني تامًا ظل الضغط موجودًا حتى عندما يتوقف المصاب عن القيام بأي عمل، وأصبح لون المريض شاحبًا، وشعر بالضيق والتهالك، وتصبب العرق البارد من جسده، وغمره شعور بالخوف والرهبة، وقد يرافق ذلك كله سعال وسرعة في نبض القلب، وشعور بالدوار والدوخة. هذا وصف شبه تام للأزمة القلبية العادية، ولكن قد يكون هناك اختلاف في بعض التفاصيل بين مريض وآخر، اعتمادًا على وجود اختلاف في القدرة على تحمل الألم بين إنسان واخر، ووجود اختلاف في مكان الانسداد الحادث في هذا المكان أو ذاك من شرايين القلب. وقد تكون بعض الأزمات القلبية صامتة، آي غير مصحوبة بأي شعور غير عادي بألم أو ضغط، ولا يعرف المصاب بإصابته، وفي هذه الحالة قد يتعايش المريض مع المرض دون علاج، ويظل على قيد الحياة، أو يسقط ميتا في أي لحظة. ويصف الكاتب بعد ذلك أشكالاً عديدة من أمراض الصدر كالخناق الصدري، والتهاب شغاف القلب، (الغشاء المحيط بالقلب) أو قد يكون الألم الصدري نتيجة علة في الرئتين.

كما يعرض أيضا لأشكال الإصابات التي تعرض الإنسان للأزمة القلبية، مثل الالتهابات الوريدية في الساق.

ويعرض الكاتب لآلام المعدة، وعلى الشاكلة الأولى، فهو يصف عرض المرض ودلالاته، وكيفية التعامل معه، ويقسم آلام البطن على أربع مناطق هي: الربع العلوي الأيمن ؤالأيسر، ثم الربع السفلي الأيمن والأيسر، ويعني وجود الألم في كل منطقة من البطن بهذا القسم معنى خاصًا لأمراض محددة. كما أن آلام الخاصرة لها دلالات وطرق للتعامل معها، وكذلك آلام المستقيم والشرج وألخصية والقضيب، وكذلت آلام البطن لدى الأنثى.

النزيف الدموي

يخصص الكاتب في الفصل الثالث من كتابه صفحات كثيرة لموضوع الدم، وهو كما يقول يجب أن يبقى داخل الجسم (لا يرى ولا يسمع) ومنظر الدم- خاصة رؤية الإنسان لدمه- كثيرًا ما يبعث الرعب في القلب، فلقد جعل الخالق- جلت قدرته- نوعا من التوازن بين قدرة الدم على التجلط عند تعرض الجسم لجرح تنزف منه الدماء- بحيث لا يظل الدم يسيل حتى ينفد- وبين قدرة الدم على البقاء سائلاً حتى يظل جاريًا في الأوردة والشرايين. هذا التوازن المعقد إذا أصابه نوع من الخلل قد يكون- في حالة ما- جلطة تسد أحد الأوعية الدموية، فتودي بحياة الإنسان إذا مال الميزان نحو التجلط، وقد تؤدي- في حالة أخرى- إلى نزيف مستمر، يفقد الإنسان به كل دمه، وحياته أيضًا إذا مال الميزان نحو زيادة السيولة. فكيف يتعرض مثل هذا التوازن للخلل؟ ومتى؟.

يتطرق المؤلف في ذلك بلى بعض الحالات ومنها: أن بعض الأدوية تؤثر على نخاع العظام، حيث يصنع الدم، أو على الكبد حيث تفرز المواد الكيميائية التي تعطي الدم خاصية التجلط، وهي بالتالي- أي تلك الأدوية- تؤثر على مكونات الدم نفسه وخصائصه. ومنها أيضا أن بعض الحالات التحسسية تجعل الأوعية الدموية ضعيفة رقيقة، بحيث تسمح للدم بالنفاذ منها، ومنها أن بعض الأمراض الخبيثة تؤثر على جدران الأوعية الدموية، فتسمح للدم بالنفاذ منها، فسرطان الأمعاء مثلاً يؤدي إلى ظهور الدم في البراز، إذ قد يصيب السرطان شريانًا أو وريدا في أثناء نموه، يفقده القدرة على الاحتفاظ بالدم فيسيل منه ليختلط بالبراز، وهو دم قد لا تراه العين المجردة، ولكنه يظهر في الفحص المجهري.

كما أن ارتفاع ضغط الدم الذي مضى عليه سنوات عند المريض دون أن يعالج بطريقة سليمة، أو أهمل علاجه، يؤثر على جدران الشرايين الدموية، فيضعفها، ثم يمزقها، مما قد يسبب نزفا في الشرايين الدقيقة، وبخاصة تلك الموجودة في الدماغ أو في العينن أو الجوف، وهناك- يقول المؤلف- قواعد أساسية لابد من معرفتها لتحديد نوع النزيف ومصدره إذا ظهر الدم في أحد مفرزات الجسم.

ثم يضع لنا الكاتب قوائم في أعراض النزيف الدموي ودلالاته، وكيفية التعامل معها، مقسمة إلى نزيف من الجلد، أو الأنف أو الأذن أو اللثة، أو التقيؤ، أو البصاق المدمى، أو دماء في البول أو السائل المنوي أو المهبل.

عندما تصاب بالحمى

الحرارة الطبيعية عند الشخص الصحيح السليم تتراوح ما بين 97.5 إلى 99 درجة فهرنهايتية، وتكون في حدودها الدنيا في ساعات الصباح الأولى، وتبلغ أقصاها بين السادسة والعاشرة مساء، ولكن إذا استمرت درجة حرارة الإنسان فوق (99) فهرنهايتية أو 37,2 سنتجريدية، مدة تزيد على يوم أو يومين دون أن تنزل أبدًا إلى 97,5، فمن المؤكد أن حرارة الإنسان غير طبيعية، وأنه مصاب بالحمى، إما إذا كان هذا الشخص يعيش في بلد شديد الحرارة، وارتفعت درجة حرارته إلى ما فوق 99 بقليل، فعليه الجلوس في مكان مكيف فترة كافية، فإذا ما قلت درجة الحرارة وعادت إلى طبيعتها، فمعنى ذلك أن الشخص غير مصاب بالحمى، بل الارتفاع الضئيل في درجة الحرارة ناتج عن التأثر بالجو. وارتفاع درجة الحرارة قليلاً بعد حمام ساخن، أو في أثناء القيام بعمل شاق ما هو إلا أمر طبيعي، وليس دليلا مرضيًا، كما أن ارتفاع درجة حرارة الأنثى الطفيف بعد يوم أو يومين من خروج البويضة أمر طبيعي، وهناك أمران آخران: فتجرعك شرابًا ساخنًا قد يرفع درجة حرارة فمك، وتناولك شرابًا باردًا أو قطعة من " الآيس كريم" قد يخفي ارتفاعا حقيقيًا في درجة حرارة جسمك. كما أن هناك حقيقتين علميتين: أولاهما: أن درجة الحرارة التي تؤخذ من الشرج تكون أعلى من الدرجة التي تؤخذ من الفم بدرجة واحدة فهرنهايتية.وثانيتهما: أن درجة الحرارة التي تؤخذ من الإبط أدني من السابقة بدرجة واحد فهرنهايتية.

ولكن ماذا عليك أن تفعل عندما تتأكد أنك مصاب بالحمى؟ الحمى في حد ذاتها ليست مرضا، بل عرضا لمرض آخر، وإنذارا من الطبيعة للإنسان بأن هناك مرضا ما، في جسمه، لتقوم عناصر الدفاع الذاتي بمقاومته، وعلى الجسم أن يساعدها في عملها، فإذا ما نجح في مقاومته وتغلب عليها اختفت الحمى، إذ لا يعود لها داع، وتكون قد أدت مهمتها.

وعليك أن تتأكد من ارتفاع درجة حرارتك غير الطبيعية، فدرجات الحرارة الطبيعية لدى الإنسان قد تختلف من شخص إلى آخر، ولا تتعجل في خفض درجة حرارة جسمك إلا إذا سببت لك إزعاجًا كبير أو أدت إلى تشنجات عند الأطفال، وتنتج درجة الحرارة غير الطبيعية عند التعرض للشمس الحارقة فترة طويلة - ضربة شمس- أو نتيجة ثانوية لتناول بعض العقاقير، أو ربما لوجود خراج، أو لأسباب كثيرة يسردها الكاتب، ويشرح طريقة التعامل مع كل سبب منها، ثم يتحول الكاتب إلى شرح ما يصيب الجهاز العصبي والدماغ الذي يسميه- أي الدماغ- سيد الجسم بلا منازع، ويصف أعراض الأمراض التي تصيب هذا الجهاز الحساس، ومنها النوبة العصبية، وفقدان الوعي- الإغماء- وشلل الوجه، والرجفة في اليد، والشعور بالخدر والتنميل، وفقدان حاستي الشم والتذوق، وسلس البول، وفقدان الذاكرة والشعور بالتشوش، وحدوث تغيرات مسلكية وهي عناوين لأكثر من عرض لمرض، كما يقدم الكاتب طريقة التعامل مع كل جزء منها، كما يخصص الكاتب بعد ذلك فصلاً لأمراض العين، وآخر لمشكلات السمع، ثم للجهاز التنفسي وللجهاز الهضمي.

جلد الإنسان

أكبر الأجزاء في جسم الإنسان هو الجلد، وأكثرها تعقيدا، وهو عرضة لأمراض شتى، وقد لا تكون ناتجة عن عدوى تلحق بالجلد نفسه، بل تظهر عليه نتيجة مرض لحق بعضو آخر داخل الجسم، فما يبدو للعين أنه مجرد طفح جلدى بسيط قد يكون دليلاً على خلل أصاب قلب المريض (كالتهاب شغاف القلب شبه الحاد)، أو دليلاً على فشل كلوي، أو حساسية منتشرة في كل أنحاء الجسم، أو نتيجة للإصابة بالسلس أو غيره من الأمراض التي لا حصر لها. الجلد هو مرآة الجسم، فأنت عندما تستشير طبيب الأمراض الجلدية عن سبب شعورك بالحكة قد يحيلك فوراً إلى طبيب آخر، لأن ما تشعر به من حكة قد يكون سببه مرضا في الكلية أو الكبد أو حتى في الدم، أو لأنك تعاني من مرض السكري، ثم يقدم الكاتب لائحة بالأمراض الشائعة التي تصيب الجلد ومدلولاتها- أعراضها - ثم كيفية التعامل مع كل واحد منها، سواء أكان ذلك حكة في الجلد، أم صلعًا، أم نمواً كثيفا للشعر، أم احمرارًا في البشرة أم شحوبها، أم إفرازًا غزيرا للعرق، أم شذوذًا في أظافر اليدين أو القدمين، وكلها عناوين تدخل تحتها عناوين فرعية عديدة.

وفي الفصول اللاحقة يتناول الكتاب القضايا المرضية المتعلقة بالجنس وخفقان القلب، وظاهرة النوم والنعاس أو فقدانها- الأرق- أو العطش الدائم، ولا يمكن أن نعرض كل تفاصيل هذا الكتاب القيم، إلا أن سبب تناوله هنا هو عرض لأهمية مثل هذه الكتب للقارئ العام، وأهمية هذا الكتاب بالتحديد- الذي أرجو أن يلتفت إليه ناشر عربي، فيضعة بين يدى القارئ مترجما كله، نظرا لأهميته القصوى للإنسان العادى- إنه مجال ثقافي نفتقد الكثير منه في ثقافتنا العربية المعاصرة.