إلى أن نلتقي

صغار عمالقة.. وكبار أقزام!

الصراع الذي يدور بين الكبار والصغار في عالمنا اليوم، هو نفس الصراع الذي عرفه آباؤنا وأجدادنا منذ بدء الخلق، الصراع الذي كان ينتهي دائماً بتغيير كفتي الميزان ذات يوم.. ترتفع كفة وتنخفض أخرى.. فلا الكبار يظلون كباراً دائماً ولا الصغار يعيشون صغاراً أبداً.

والذين يعرفون التاريخ يذكرون أنه ما أكثر ما انتهت الحياة بكبار وهم في الحضيض، وما أكثر ما بلغ صغار قمة المجد وكان الظن أن تنتهي بهم الحياة وهم في القاع.. وهؤلاء يستطيعون أن يدركوا جيداً أن ثمة شيئاً واحداً فقط هو الذي كان يستطيع أن يصنع المعجزة، شيئا اسمه "تضامن الصغار".

فبقوة هذه المعجزة استطاع الضعفاء دائماً هزيمة الطغاة، وبهذه القوة طرد المصريون جيوش الهكسوس، وطرد السوريون جحافل التتار، وأطاح العرب بإمبراطورية الرومان، ومزق العبيد حياة "نيرون"، وحطم الفلاحون عرش القيصر.

ولكن هل يؤمن الكبار دائماً بقوة المعجزة..؟!

العكس مع الأسف هو الصحيح، فالكبار في العادة يتعامون عن المعجزة، ويمضون في الكفر بها، وينساقون وراء ساب الطغيان، ويبالغون في احتقار الضعفاء. وفجأة تحدث المعجزة بالرغم من كل شيء، ويجد الكبار أنهم لم يعودوا كباراً، وأن الصغار قد تحولوا إلى عمالقة، يدوسونهم بالأقدام، ويخنقون منهم كل الأنفاس..!

وهذا بالضبط ما يحدث اليوم..

كبار يظنون أنهم - وقد ملكوا كل أسلحة الدمار الشامل - يستطيعون أن يملكوا الرقاب ويستعبدوا الأحرار.. وصغار يتعاونون ويجتمعون من أجل تحطيم الأغلال ودك حصون الطغيان.

كبار يملكون كل الثروة ويظنون أنهم بالمال يستطيعون أن يشتروا حياة الصغار.. وصغار يمدون أيديهم بعضهم إلى بعض ليخنقوا مع التقاء قبضاتهم أنفاس الطغاة..

كبار عرفوا كيف يستولون في غفلة من الزمن على سلطة ملأتهم غروراً وعمى، وجعلتهم يضربون بالشمال وباليمين.. وصغار يدركون أنهم باجتماع قواهم يملكون أن يحطموا كل الضربات!

كبار ملأت بطونهم التخمة ولم يشبعوا، فانطلقوا يأكلون طعام الجوعى وينهشون جسوم اليتامى.. وصغار يدركون أن الجوع يمنحهم قوة ليضربوا البطن المتخمة لتنفجر وتنهار..!

كبار يحملون سلاح الغدر ويعمدون إلى استغلاله في نهب بيوت الضعاف واختلاس قروش الصغار.. وصغار يتكتلون لإطلاق سهام النقمة واستعادة نور الحق..!

ومن هنا يتحدث التاريخ عن المعجزة.. حين يحكي انتصارات الصغار على الكبار.. أيها الكبار.. خذوا حذركم..

فما أكثر الكبار الذين يتحولون إلى أقزام.. وما أكثر الصغار الذين يصيرون عمالقة.!