محمود السعدني ومحمد مسعد الصالح

محمود السعدني ومحمد مسعد الصالح

  • قـد يعتقـد بعضهم أن الكتابة الساخرة أمر يتوقف على التجربة فقط، وهذا ظن خـاطىء.. المسألة في عظام الشخص ونخاعه.
  • عملت في صحيفة تمتلىء بالقتلة لا بالمحررين، وعندما اطلع مدير التحرير على كتاباتي الساخرة صرخ: ما هذا الكلام الفارغ؟ اكتب كـويس أحسن لك !.. وطردني!.

محمود السعدني: كاتب صحفي مصري، اشتهر بقلمه الساخر وأسلوبه المميز وانتقادته اللاذعة، مما أوقعه مع المسؤلين المصرين في مشاكل متوالية، بلغت ذروتها في عهد أنور السادات، إذ قبض عليه واعتقل في القضية التي عرفت بمراكز القوى. بدأ حياته صحفيا في جريدة "الزمان" ثم تدرج في المناصب، فعمل في جريدة "الجمهورية" منذ نشأتها مع زكريا الحجاوي وكامل الشناوي، ثم انتقل إلى مجلة "صباح الخير"، وأصبح رئيس تحريرها، قبل أن يقُبض عليه ويوضع في السجن. وبعد أن أفرج عنه السادات لأسباب صحية، فضّل الهجرة خارج مصر، فاستقر أولا في الكويت حيث عمل في الصحافة، ثم ذهب إلى العراق وليبيا ثم استقر أخيرا في لندن وأصدر مجلة "23 يوليو" لسان حال القوميين العرب، لكنها كانت قصيرة العمر! عاد إلى مصر بعد مقتل السادات، الذي كان قد أصدر أمرا بمنعه من الكتابة مدى الحياة، وبدأ يكتب صفحة أسبوعية في مجلة " المصور"، وعمودا أسبوعيا جريدة "أخبار اليوم" القاهرية. كان من أشد مؤيدي الكويت، ومنتقدي نظام الديكتاتور صدام حسين، وكتب عمودا يوميا في جريدة "صوت الكويت" طوال فترة صدورها تحت عنوان "ليس إلا.. " أصدر العديد من القصص والروايات والكتب التي تحكي رحلته في الصحافة .. "الولد الشقي"، "الولد الشقي في السجن" ،" الموكوس في بلاد الفلوس ".. وغيرها .. وقد أجرى الحوار معه محام وكاتب كويتي ساخر، هو محمد مساعد الصالح، الذي أسس العديد من الصحف الكويتية، وتخصص في كتابة الانتقادات اللاذعة في عموده اليومي "الله بالخير"، والذي جمع أهم مقالاته في كتاب تحت نفس العنوان.

محمد مساعد الصالح: ما أعلمه أن الأسماء لا تعرف .. في الكـويت مثـلا أيام الغوص وعندما كـان الفرد الكويتي ينتج أكثر مما هو عليه في مرحلة ما بعد النفط، كان اسم الكنية يسبق بـ "بن" وحتى اليـوم هنـاك بعض العـائلات تستعمل "بن" بـدلا من "ال" التعريف مثل: بن نصف .. وبن عيسى.. وبن قطامي وهكـذا .. ولكن التغير عصف بذلك، فصرت تقرأ عائلة " الحمود" و"اليوسف" و" العيسى" .. وهكذا.

  • فمن أين لحقت "الـ" التعريف بـ "سعدني" ، وما هو أصلك؟ بمعنى أين جذورك الأولى؟

- محمود السعدني: أولا، الأصل يمني، ولمعلوماتك، فهناك "السعدني " في فلسطين، و"السعـدني " في المغرب، وفي ليبيا، وفي "الشـام " وأيضا في مصر، حينما ذهبت إلى اليمن قيل لي "توجد قبيلـة السعدني هنا"، وكـان ذلك عندمـا ذهب الجيش المصري إلى هناك، وبعـد معرفتهم رغبتي بـالتعرف إلى الجذور، اصطحبـوني في سيارة "جيب " عسكـرية إلى بلـدة تبعـد عن صنعـاء حـوالي عشرين كيلومترا، والتقيت "أقربائي " وا قفين وكـانـوا حوالي ألف فرد، يحمل كل منهم سلاحه، وعند وصولي أطلقوا النار في الهواء احتفاء بقريبهم .. الذي هو أنا.

ولأنهم رأوا معي سجـائر فقد اعتـبروني غنيـا، فقلت للعقيد الـذي يصطحبني وهو "محمـد عبداللـه ": حود، حود.. هم سيأخذون " الجاكيت " الـذي ألبسه.. وهـو الوحيد الذي أملكه.

أما عن دخول "الـ"- التعريف على كنيتي- بالرغم من تخلي مصر أخيرا عن ذلك- فقد وجدت جذوره في كتـاب تم إعـداده من قبل باحثي "الحملة الفرنسية" الذين اصطحبهم نابليون بونابرت، فهذا الكتاب يصف مصر في دقـائقها وفي مختلف نشاطات أهلهـا الزراعيـة والصنـاعية وفي الـوضع الاجتماعي وغيره .. وفي هـذا الكتاب جزء عن القبـائل العربيـة، وفي هذا  الجزء تقرأ عن "آل سعـدني " وتجمعهم .. كـذا .. وقد كـان تجمعهم الأكـبر في بني سويف.

الولد الشقي

  • محمد مساعد الصالح: أستاذ سعدني .. كيف اكتسبت لقب الـولـد الشقي؟ ولماذا ارتبط هذا الاسم بسلسلة الكتب التي تحدثت فيها عن تفاصيل حياتك؟ هل أنت ولد شقي فعلا؟.

- محمود السعدني: والله يا عم محمد بـاشا، نحن كنا أشقياء، نحن جيل فتح عينيه على الحرب العالمية الثانية، ففي اليوم الأول من امتحان الشهادة الابتدائية عام 1939 حصلت أول غارة جـوية على مصر، كنا نصعد "السلم " وقيل لنا إنه "ضرب حقيقي "، فنزلنا، وتغيرت الحيـاة بعد ذلك، فـالفتاة التي كـانت تعمل خادمة في البيوت عملت راقصة في شـارع الهرم للإنجليز، والذي كان "صايع " أو "فتوة" ترك كل هذه الأشياء وبدأ يعمل في سرقة الجيش الإنجليزي، والتعامل معه، فظهرت فئة أغنياء الحرب.

ولقد كنا صغارا آنذاك "13- 14 " سنة، ومع ذلك تعلمنا التـدخـين، ونظمنا أنفسنا كـ"عصابات " ترتكب الجرائم ضد العسكر الإنجليز والغرباء في مصر.

تصور كنا نبيع "الفضلات وخلافها.. " في زجاجات للجنود الهنود والأفـارقـة على أنها خمرة بمبلغ "25" قرشا.

كنا بعـد أن نقضي الساعات في خلط موادهـا نغلفها بورق فضي، ونقف في شـارع التروماي، ونصيح: رم، رم، والذي يمر علينا يشتري.

في إحدى المرات شـاهدنا أحد الجنود الذي اشترى من زجاجـاتنا قبل ذلك، فطـاردنا مسـافة طويلة حتى تعب وتعبنا، وكان معي "عبدالمنعم عثمان " الذي أصبح فيما بعد أستاذا في كلية الهندسة- جامعة القاهرة، نظرت خلفي فـرأيت الجندي الإنجليزي مثلنـا لا يستطيع الجري- خلاص تعب- وعنـدما وقفنـا، نادى علينـا: Come here، فقلت له: Come you، فوقف وكان معه زجـاجة "رم " من النوع الذي نصنعه، فقـذفنا بها فأصابت كتف عثمان الغزالي، مما اضطره لربط يده ثلاثة أشهر، وفي أحيان أخرى كدنا نموت.

ومن شقاواتنـا الكثيرة، أننا أخـذنا- طوغان رسام الكاريكاتير الشهير وأنا- عساكـر إنجليزا يركبون عربة مليئة بالشاي يريـدون بيعه، إلى محل كتب عليه "عطا الله وشركاه "، وعقدوا الصفقة مع "عطا الله " هذا بوجودنا، فبـدأت "أنق ": عم عطا اللـه .. عم عطـا اللـه.. فأعطانا متبرما خمسة جنيهات، وهي مبلغ كبير، بعد أسبوع عدنا إليه: عم عطا الله .. العسكـري الإنجليزي واقف هناك، ويريـد الشـاي، فطـردنا .. ولكنني ألححـت عليه: الإنجليزي واقف هناك مـاذا ستعمل؟ فأخـرج عم عطا الله جنيهين وأعطـانا إياهما وعندما صرفنا المبلغ .. عدنا إليه .. وقلنـا له: الرجل الإنجليزي واقـف هناك ويريد الشـاي ومعه عربة "بوليس "!! فصرخ بنا: هاتوا فلوسي وخـذوا الشاي وخلصوني .. أسقط في يـدنا، فطلبنا منه سجـائر .. وعندها قـام إلينا وهـو يصرخ ويسب ويلعن.

طنازة

محمد مساعد الصالح: أتفق مع " أبوأكرم "، عمنا محمود آل السعدني من قبيلة "حلو" أن السخرية ليست نابعة من قرارات معينة وإلا لأصبح الجميع ساخرين، ولكنها تولد مع الإنسان، فأنـا شخصيا لا أتعمد الكتـابة الساخرة، فكثيرا ما أكون بصدد موضوع جاد، ولكن في منتصف الفكرة أو في نهايتها، ودون قصد، يتنرل علي وحي السخرية ..

  • لكن المشكلـة التي أواجهها في الكـويت في كتابتي الساخـرة، أن مجتمعنا مجتمع صغير وضيق، وعندما تسخر من تصرف إنسان تجده في نفس اليوم، إما في الوزارة أو في الديوانية ، أو على الهاتف، يعـاتبك و"ينيل صبـاحك "، مظهرا غضبه من سخريتك و"طنازتك " كما يسمونها في الكويت! وطبعا هذه المشكلة لا تواجهونها في مصر والتي تعتبر بحق "بلـد النكتة"، ألا تقول لي يا عم محمود لماذا تكاد تخلو مصر الآن من الكتاب الساخرين؟.

- محمود السعدني: يعني .. هي "لا تكـاد تخلو" .. فحاليا يوجد الجيل الجديد، وقد ظهر منه "عيال " على مستوى!! هنـاك "محمد مستجـاب " و"عاصم حنفي " و"حـازم .. "وآخـرون .. يوجـد بعض الأدبـاء يبشرون بالخـير، هم لن يكـونوا مثل الذين سبقوهم، فـالحياة لا تكرر نفسها، قد يكـونون أقل شوية ، أحسن شـوية .. المهم الاستمرارية .. وحين يكون لديك خمسـة أو  ستة على مستوى فهذا شيء جميل.

  • هل أنت في الكـويت مثلا، ميق من تلاميذك اقتفى خطاك في الأدب الساخر؟.

دخلت الجزائر مع الثوار

محمد مساعد الصالح: ليس لدي تلاميذ، فهنا في الكويت التلمذة في المدارس فقط أما على مستوى الكتاب فالجميع أساتذة وآباء ولا يقبلون صفة التلمـذة بل وعليك أن تغدق عليهم بأوصاف طنانة أقلها العبقرية.

لكن إذا عدنا إلى نسبة الكتاب الساخرين في مصر، فأنا أرى أن عددهم قليل جدا قياسا لعدد السكان الذي ينوف على " 60" مليونا.

- محمود السعدني: لقد قلت كتابا "ساخرين" .. مثلا إبراهيم المازني وبيرم التونسي كاتبان ساخران، بل أعتبر تـوفيق الحكيم كـاتبـا ساخرا في "يوميات نائب في الأرياف " مع العلم أن الكتابة الساخرة كانت "عيبا" في زمانه، يعني الكاتـب يجب أن يكون "مبوزا" .. تصور .. حينما بدأت عملي في الصحافة والكتابة، بدأته في مجلة اسمهـا "كلمـة ونصف " أسسهـا شخص فلسطيني ، وأعتبر أنها أفضل مجلة ظهرت في تاريخ العرب، كـان ذلك عـام " 1947"، وقـد رأس تحريرهـا "مأمـون الشناوي " وكتب لها إبـراهيم الورداني ورسم فيها جميع رسامـي الكاريكاتـير، وبعـد إقفالها توجهت للعمل في صحيفة تمتلىء بـ "القتلـة" لا بالمحررين .. اطلع مدير التحرير على كتـاباتي الساخرة فتوجه إلي قـائلا: "ما هذا الكـلام الفارغ .. اكتب كـلام كـويس أحسن لك"! وطردني.

ومرة أخرى أعادني كامل الشناوي - رحمة الله عليه - كان فنانا وفهيما وعظيما .. فمرة قـرأت له، وسألني لماذا لا أنشر، فقلت له: لا أحـد يريد نشر هذا الكـلام، فقال لي: أنا سوف أنشره، وكـانت عنده صحيفة بعنوان "المسـائية" من أفضل صحـف مصر أيام الملك فـاروق، ونشر لي في الصفحـة الأخيرة، وبعـد إقفـال الجريـدة نشرت هذا اللون من الكتابة في جريدة "القاهرة" بعض الوقت، لكنني كلفت بـالعمل في قسم الشئون العـربية ، وذهبت إلى " الجمهـوريـة " لأعمل في قسـم الشئـون العربية، وقـد استنفـدني هذا العمـل تماما، كنت دومـا أجـوب الـوطن العـربي، فمـن بيروت إلى المغـرب إلى الجزائر التي دخلتها عام 1959 مع الثـوار عن طريق "طنجـة" ومن طنجة إلى "وجدة" ومنهـا إلى الجزائر في الجبال، لقد سجلت ذلك في كتـاب سميتـه: "الجزائر، أرض اللهب والدم ".. عناوين كفاح أيام زمان ..

ولقد عـرفني عملي بكثيرين .. منهم مثلا شخص من الجيزة اسمـه أحمد رشدي صـالح، وهـو أستاذ أسـاتذة الأدب الشعبي في الـوطن العربي، وكان يعمل سكرتير عام الحزب الشيوعي المصري، ويصدر مجلـة مع "سيد قطب "! تصـور .. سيـد قطب كـان اشتراكـيـا في ذلك الـوقت وكـان معهما أيضـا شخص أصبح فيما بعـد سكرتير عام الحزب الشيوعي المصري اسمه "أبوسيف يوسف ".

عندما كنت أروي "نكتة" لأحمد رشدي صالح، كان يقول: قديمة! فأقول له: أين سمعتهـا؟ يرد: لم أسمعها بل قـرأتها! وأسألـه: أين قـرأتها؟ فيقول: في كتـاب لشخص يدعى "ابن سودون المصري " ظهـر في العصر الأيوبي بعد الفاطميين وألف كتابا عن "صعيدي " يتعلم في الأزهر- بالقـاهرة- يرسل خطابات في غـاية الطرافة إلى أبيه في الصعيد .. تصور هذه الخطابات كلها "نكت " فقـد كتب هذا "الصعيـدي " لأبيه مـرة يعتذر فيهـا عن تأخره في الكتابة:

الحمد لله، فربنا نجاني من الموت بأعجوبة، وكتب لي عمرا جديدا، وأنـا أستحق الحلاوة . والحكاية أنني كنت أنشر جبتي التي ألبسها فـوق السطوح، وهبت زوبعـة فأطاحت بالجبة في الشارع، والحمد لله يا أبي أنني لم أكن داخل الجبـة،. وإلا لكان نهاري "أزرق " ومت، فـاعمل "حاجة" يا أبي واذبح!!.

وحينما تقرأ كتـاب "بيرم التونسي " (السيد ومراته في باريس) .. تكتشف أن كثيرا من نوادر و"نكت " الكتاب متداول بـين النـاس هذه الأيام، بل لقـد رأيت في هـذا الكتاب - وأنا ابن حـواري الجيزة- ألفـاظا لا أعرفها، ولكنها شعبية ومن روح الشعب المصري .

ولقـد أحببت التاريخ جـدا، فقـد قرأت ابن ايـاس، والمقريزي ، وابن خلكان ، إنهم يجعلونني أعيش عالما آخر مع أسلوبهم الجميل، بل أحب الخرافات التي يكتبونها، وأعتقد أن المقريزي كتب عن تاريخ الكون وكيف نشأ.

وتصور أن نهر النيل "ينبع من جنات فيها ذهب وفضة"، و "الماء يأتي محملا بالذهب" - هي خرافات .. لكنها تاريخ يومي .. جريدة يومية.

واحد يكتب يوميات، وآخر يكتب "وفيات الأعيان" فكان يقول : مات فلان، أصله من بادية كذا.. ولقد اشتغل .. عند الشيخ فلان، ثم هاجر إلى مصر ، وكان كثير الثراء، كثير العطاء، وكان .. وغير ذلك .

إنني أحب هذا اللون جدا، ولقد ألفت كتابا اسمه "مصر من تاني" وكان أول كتاب في مصر يبيع "60" ألف نسخة في شهر، لأنني كتبت فيه تاريخ مصر كله في "برشامة" ومن وجهة نظر غريبة جدا في مائتي صفحة، وفي رأيي أن هذا الكتاب هو "التاريخ الحقيقي لمصر " !!!.

23 يوليو .. مجلة انتحارية

  • محمد مساعد الصالح: آنا أرى يا عم محمود أن ظاهرة كثرة الصحف والمجلات في الوطن العربي تعتبر نتيجة طبيعية لانعدام الحرية- فـالأعداد الضخمة من الصحف والمجـلات التي تصـدر داخل الأقطار العـربية تابعة للأنظمة العربية بشكل مباشر أو غير مباشر، كـما أن عددا كبيرا من الإصدارات الصحفية  اضطرت لمغادرة أوطانها لتصدر في باريس ولندن واليونان وقبرص حيث حرية الإصدار وحرية الكتابة. 

    كما أن النسبة الهائلة لـلأمية تؤثر سلبا على توزيع المطبوعات بأنواعها، ويبدو لي أن ضعف التوزيع يتبع أمرا آخر أكثر خطورة، وهو أن هذه المطبوعات لا تتقدم للقارئ العربي ما يريد قراءته..

    وبصفتك صحفيا كبيرا وذا تجربة أريـد منك أن تحدثنـا عن الصحف والمجـلات التي أصـدرتها وخصوصـا "23 بوليـو" التي أصدرتها في لندن، وكانت تجربة قصيـرة العمر، وبصراحة.. إلى أي هدف كنت تسعى؟.

- محمود السعـدني: بالنسبة لـ "23 يوليو" فقد كانت مجلة انتحارية، بل طلقة، أردتها ضـد اتفاقية كامب ديفيد وضـد السادات، والشخص الـذي كـان وراءها ومـولها طلب إبقـاء اسمـه سرا، ونجحنـا بـذلك، والدليل أن السادات كـان يشتم المجلـة ويعلن أن "بتوع ليبيـا" هم الذين يمولونها، والمفارقة أن ليبيا والعراق هما اللتان كانتا وراء إقفال المجلة، وكذلك الخلافات العربية- العربية.

بيعت المجلـة في المغرب ومنعت في الجزائر وليبيـا وتونس، ولم يكن للمجلة سوق في أي دولة خليجية.

بعد إقفال المجلـة ذهبت إلى العراق لتسلم حقي في التوزيع، لكنهم كـانـوا قد جهزوا مقلبا "لم يحدث في تاريخ البشرية".

فقد أرسلت لهم "5 " آلاف نسخة، ثم طلبوا " 10 " آلاف، ثم " 15 " ألفا، وكنت أرسل النسخ بالطائرة.

وقـد تسلمت منهم تحت الحساب " 30" ألف دينار، ثم استلمت " 20 " ألف دينار..

  • وعندما قـابلت رئيس الدار الوطنية للتوزيع قال لي: هلا، مرحبا بـالأستاذ .. ثم أخـرج كشف التوزيع، فـوجدت " 4" آلاف نسخـة توزع شهريا!! فقلت لـه: أهؤلاء عسـاكر؟؟ ألم يمت أحد منهم، ألم يتزوج أحد، ويكف عن شراء المجلة؟ ألم ينقص التوزيع أو يزيد، كله أربعة آلاف .. أربعة آلاف ..

قال بهدوء: يا أستاذ. نحن حمير في التوزيع، لسنا مثل مصر.

لقـد دفع العراقيون ثمن " 11 " ألف نسخـة فقط! فكتبت إلى طارق عزيز ما معناه:

تبين يـا أستاذ طارق عزيز أن الفكـرة الوحيـدة من إصدار "23 يوليو" هي تمويل شركة الطيران العـراقية، "وكنت أنقل الأعداد بطائراتهم".

قلمي أروع وأرفق

  • محمـد مساعـد الصـالح: مـا هي أهم الإصدارات التي قدمتها خلال مشوارك؟.

- محمود السعدني: أول صحيفة أصـدرتها في حياتي كانت "السحاب " في القاهـرة، كنت أنا وطوغان، وعلي جمال الـدين طاهـر، أصـدرنا ثلاثة آلاف نسخة أيـام الملك، وكـان المرتجع ثـلاثـة آلاف وأربعمائة، ولم تكن الجريدة ساخرة بل على العكـس كانت تحوي افتتاحيات ومقالات كنا شبابا لديه طموح.

وممـا أذكـره من تلك الأيـام أنني قـابلـت الأستـاذ "التابعي " وكان أهم صحفي مصري وعربي ولا يزال كذلك رغم مضي فـترة طويلة على وفاته، إنه أعظم من خط حرفا على ورق الجرائد، لقيته بـالمصادفـة وطلبت مقابلتـه، وكان ساخرا وعظيما وأنيقا وغنيـا ومشهورا، قـال لي: تعـال إلى بيتي. وحين ذهبت إلى البيت ردني البواب إلى المكتب.

طبعـا لم أذهـب إلى المكتب، بل أخـرجت ورقـة من جيبي وكتبت لـه قـائلا: "يـا تـابعي إن لي قلما كقلمك، لكنه أروع وأرفق، وعندما يحين الوقت المناسب سأنشر قصة الـذين يسكنون الـزمالك ويكتبون عن آلام الناس.. "

بعد سبعة عشر عاما، وبعد أن توطدت المعرفة بيننا، ذكرته بهذه الحكـاية، فقال: لسـت أنا!!! وبعـد ذلك، أصـدرنا "الأسبـوع " واشترك معنـا لأول مرة " صلاح جـاهين " وكـانت تجربتـه الأولى حيث بـدأ بـرسم الإعلانات.

وفي عام 1948 أيـام حرب فلسطين، كـانت الرقـابة تقـوم بعمل "الـلازم " فتخـرج الصحف، وبها من الصفحـات البيضـاء "الممسـوحـة" أكثر ممـا بها من الصفحات المكتوبة.

المهم أننا أقفلنا المجلـة بعد أن هربنا من صاحب المطبعة فقد كنا مدينين له بمبلغ "7" جنيهات.

وفي عـام 1956 أتيح لي أن أصـدر صحيفـة "الجمهورية" لسان جمال عبـدالناصر، طبعة بيروت، وكـان ذلك أثناء العـدوان الثلاثي على مصر، هـذه الصحيفة انتشرت وبيعت كثيرا، وكنا نلجأ إلى أساليب عجيبة، مثلا: حديث بالتليفون مع عبدالناصر!! وطبعا لم يكن يوجد عنـدنا تليفون. أو مثلا: القاهرة- حديث مع عبدالحكيم عامر!!.

ثم نحضر صورة لأي إنجليزي ونكتب: حديث مع الجنرال "فلان " الذي وقـع أسيرا في يد القوات المصرية، وبقينـا كـذلك حتى آخـر تخريفـة"! " والتي أقفلت الصحيفـة بسببها، فقـد كتبنـا تحت عنوان "حـديث مع ماوتسي تـونج" : مليون جنـدي صيني في طريقهم إلى مصر لرد العدوان..

فجاءنا ممثل وكالة " تـاس " السوفييتية ، وسألنا: كيف تنشرون هذا الحديث؟ فقلت له: إنه مراسلنا في .. " !! "

والمهم، صدر قرار من عبدالناصر بإغلاق الجريدة. وجـاءنا رجل يـدعى "محمـد عزت " وكـان يعمل مندوب إعلانات في الجريـدة .. وحينما أغلقت الجريدة اتضح أن "عم محمد" هـذا ما هو إلا مسئول المخابرات المصرية في عموم الشرق الأوسط!! وتصور .. كان جمـيع السفـراء يخافـون منـه .. وأنـا أرسلـه ليحضر لنـا "الأشيـاء"!! وقد عرفتـه في القـاهرة باسمه الحقيقي "محمـد غانم ".. وهـو الآن رئيس مجلس إدارة شركـة النصر بإفـريقيا، ثـم أنشأت صحيفـة أخـرى بـاسم "الفجر" عندما هربت إلى "أبوظبي "، فقد سافرت حاجا من القاهرة عام 1974 ولم أعد إليها، كـانت "الفجر" تطبع في الكـويت، ممـا دفعني للمجيء إلى الكـويت وإصدار ملحق السياسة لمدة ستة أشهر، غادرت بعدها.

أوضاع مقلوبة

  • محمد مساعد الصالح: أبا أكرم .. ما العلاقة بين حالة عدم الاستقرار في نشاطك، والمآسي والأحـداث المؤثـرة على الكـاتب الساخر فيك .. هل ما يمر به الوطن العربي يطلق إمكانات السخرية برأيك.. أم يثبطها؟

- محمود السعدني: أولا عدم الاستقرار ليس بيدي، فقـد طـردت من "أبـوظبي ".. وطـردت نفسي من الكـويت "! " وبالنسبة لأوضـاع الوطن العربي فـلأنها أوضاع مقلوبـة، تتيح للكاتب الساخر إمكـانات أرفع، بل وتتيح ظهور عدد كبير من الساخـرين لأنها أوضاع عجيبة، بالمناسبـة .. هل قرأت "حمار مـن الشرق "! فقد طبع هذا الكتاب للمرة الثالثة، وبيع كثيرا في مصر " 60 ألف نسخة"، وفي لندن رأيت كـويتيين يشترونه.. هذا الكتاب منع في بعض الدول العربية!.

تركت القصة

  • محمد مساعد الصالح: لقد كنت روائيا وقاصا وكاتبا وأديبا مسرحيا وصحفيا .. لكنني أرى أن الصحـافـة هي التي غلبت عليك ..

- محمـود السعـدني: إذا كنت لا تعتبر "حمار من الشرق " و" الطريق إلى اليمن " أدبا، فأنا أعتبرهما كذلك. أنا تركت "القصة" لأنها تحتاج إلى مجهود معين، وبال خال رائق، وإذا لم أكتب قصة في مستوى "ليالي القمر" فلن أكتب بعد، وأعتقد أن لي خـوالي خمسة أو ستة كتب في السنوات الأخيرة منها "مسافر على الطريق ".

كتاب ولكن لا يكتبون

  • محمد مساعد الصالح: توجد ظاهرة في الخليج، وهي وجـود كتـاب كثيرين، ولكن ليس هم الذين يكتبون، ماذا تقول في ذلك؟

    وما تقول في الصحـافة العربية عمـوما والساخرة منها خصوصا؟.

- محمود السعدني: إن بعض الصحف العربية هي جزء من السوقية، وأحـد مظاهرها، هناك عشرة آلاف مطبوعة يوميـا ومجلات من كل لون، إلا أن الحابل اختلط بالنابل، يوجد عندنا كتاب وصحفيون أكثر من لاعبي كرة القدم وهـذا شيء غير طبيعي ومبالغ فيـه، فالأمية أغلبية، والحرية مقيدة.

والكتـاب الذين لا يكتبـون، ليسـوا ظاهرة.. حالـة موجـودة ولكنها فـردية، لقـد عرفت واحـدا من أشهر الكتـاب الساخـرين في مصر والعالم العربي، وكنت من المعجبين به وبكتاباتـه وهو "أحمد الألفي عطية" ، وحينما تعرف إلى أخـذ يتودد ويطرح إمكـان أن "نتعاون معا" (!)، فعلمت أنه كسلان ويريد من يكتب له. ولما ترك " أخبار اليوم " حيث كـان يكتب تعاقدت معه "دار الهلال " للكتـابـة لها وبمبلغ كبير جـدا، فكتب .. وبعـد ثـمانية أسـابيع اكتشف الكاتب الحقيقي ففصلوه .. فرفع قضيـة عليهم، بموجب العقـد الموقع، فحكم القـاضي لصالحه .. ثم رفعت قضية عليه من قبل الكاتب الحقيقي "فتحي الرملي " .. وطبعا فتحي الـرملي مغمور، في حـين كـان الألفي مشهورا جدا، تصـور أنه كـان يكتب إلى جـانب مصطفى أمين وعلي أمين وكـامل الشنـاوي ومأمون الشنـاوي في "أخبار اليوم " وهذا لأنه كان غنيا وله مزارع موز .. من هنا حتي أبو ظبي !، ثم إنه كان من، عـائلـة " الألفي " .. مصطفى أمين كـان يحب أمثـال "صـاحبنـا"، يحب النجوم الفـارغين بمعنـى أن ذلـك الكـاتب الساخر كـان يجد مـن يكتـب لـه .. ويصنـع مجده .. ألم تسمـع بما حصل أخـيرا؟ صـاحـب جـريـدة في لنـدن نشرت باسمه مقـالة رائعة، فاتصل بـه أصدقاؤه ومعارفـه ليثنوا عليه، وعلى آرائه "العظيمة"، فقال لهم: " لا تؤاخذوني فأنا حتى الآن لم أقرأها " (!).

وقـد كـان لي صـديق رائع ومثقف في لبنـان اسمـه "هشام أبوظهر"، أصدر صحيفـة لم تبع أكثر من 150 نسخة، وعندما توفي في "عز شبابه" استلم مكانه أخوه وليـد الذي كـان يعمل كنـدرجيا "جزمجيا"، تصـور أصبح بليونيرا وأصدر عشر مجلات، وقـد فاوضني أن أكتب عنـده، فقلت لـه: يا وليـد .. أنت الرجل الـذي أثبت أن الصحفي أصله جزمجي.

خيبة يني!

  • محمد مساعد الصالح: على الرغم من روحك الساخرة، وطريقتك الحلوة في النظر إلى الحياة إلا أنني أرى أنك تتكلم والتشاؤم يغلف كلماتك.. بل و"النرفزة" أيضا، فهل هو الطوفان " أبا أكرم" ؟ وكيف تحدد القضية الأساسية في وطننا العربي؟.

- محمود السعدني: توجـد قضيـة أولى وأخيرة في الحقيقة هي "خيبـة يني " التي نحن فيهـا، وهي تقارب حكايـة "عاد بخفي حنـين ".. وهذه الخيبة تنـدرج تحتها القضايا الأخـرى .. نحن يا أخ محمد الرجـل الذي فقد ظله .. ففي حيـاتنا اختلط الحابل بالنابل، لا نعـرف أصدقـاءنـا ولا نعرف خصـومنـا، حتى رغبـاتنا لا نعرفها .. يضربوننا ونفرح لأنهم يضربوننا وهذا هـو الطـوفـان الـذي تحدثت عنه.

أمـا القضيـة الأسـاسيـة في الوطن العربي فهي " الـديمقراطيـة "، نحن في هذه الحالة المزريـة نتيجة انعـدام الديمقراطية وغيابها.

نحن أمة مهزومة، وهذه آثـار الهزيمة .. نحن نطلب أشياء لا نستحقها، فالديمقـراطية تحتاج بشرا يفرضونها ويحققونها ويدافعون عنها ويحافظون عليها.

نحن في حـالة "استسلام" وليس في حالة "سلام"، فهنـاك نظريـة ثـابتة تقول: "لا تستطيع أن تذهب على مائدة المفاوضات أبعد ممـا ذهبت إليه مدافعك في ميدان القتال".

انقلبت الموازين

  • محمد مساعد الصالـح: ولكننا لو نظرنا إلى الأمور من زاوية أخرى فقد نراها بصورة أكثر تفـاؤلا، فلنأخذ وضـع التعليم في مصر قبل خمسين عاما ونقارنه بعدد الجامعات الآن .. الجسـور.. المطـارات .. الفنـادق.. حتى في الوطن العربي ككل، يبدو الوضع أفضل مما كان عليه. فالأمية "وهي موضوع حساس جدا" في تناقص، ألا ترى كل ذلك؟.

- محمـود السعدني: في الماضي كـانت "الـروح " مـوجـودة .. الآن تـلاشـت!، وفي الماضي كنت تجد "نماذج " .. الآن لا يوجـد .. في الماضي كنت تجد "مثلا" .. الآن لا يوجد .. كنت تجد أهدافا .. الآن لا.

المسألة أنه كان هناك "مشروع قومي " واليوم أجهض هذا المشروع.. ما قيمة التعليم، والمتعلمون يمسحـون زجـاج سيارات أو يشوون اللحم أو .. مدرس اللغـة الإنجليزية في الماضي كان يصلح للتدريس في كمبردج .. ومدرس اللغـة العربية كان مـدرسا بحق .. أنا أعرف مدرس لغة عربية له خبرة طويلة ، وأتحداه إن كان يعرف العربيـة، بينما في الماضي .. تصـور أن كـامل الشناوي الأديب والشاعر العظيم كان مصححـا في جريدة الأيام لصاحبها د. طه حسين، اليوم.. يوجد في "أخبار اليوم " عشرون مصححا لغـويا، وأنـا أصحح مقالتى بنفسي.. فلو قـام واحد منهم بـذلك لجعل "نهار أمي أزرق " من كثرة الأخطاء.

لقد عرفت - محمود كامل - الذي ترجم آرسين لوبين كله!! ولم يكن يحمل سوى شهـادة "البكالوريا" فقط، لم أر أنشط أو أجمل من هذا الرجل.

كنت وزملائي عام 1949 نتبارى لكي ننشر مقالة في "روز اليوسـف" وكانت المقـالة بخمسين قرشـا، نعم.. محمود أمين العالم، أنيس منصور، محمد عودة، مصطفى محمود، صلاح حافظ ، فتحي غانم، وعشرات من هذا المستوى.

الآن لا يريدون.. الشباب في مكـاتبهم، يتصلون بعمرو دياب: ازيك؟ وأمه تزغرد حين تعلم أن ابنها قد تشرف بمهاتفة عمرو دياب!.

لقد ضاعت الموازين، ما لم نغير ذلك سوف "نروح في داهية".

السماء السوداء

محمد مساعد الصالح: دوما ومهما تقدم العمر بالأديب، ومهما تقدم في مراتب الأدب، يظل العمل الأول، الأقرب إلى الروح، ويظل له في النفس وقع خاص، ألا ترى ذلك؟ ما العمل الأول الذي أصدرته أبا أكرم؟.

- محمود السعدني: كتابي الأول - وأعتز به كثيرا - كان "السماء السوداء" وكنت خائفا من نشره، لكن صديقا لي شجعني، بل ودفعني إلى ذلك، وكـان تـرددي كبيرا فطبـاعتـه ستكلف "32" جنيهـا!!، وبعـد أن طبعنـاه وأحصينا "الثروة" وجـدنـا أنه باع سبع عشرة نسخـة فقط.. هذا الكتاب طبع فيما بعد سبع طبعات.. في عـام 1954 فكـرت روز اليـوسف التي كـانت تنشر لطه حسين والـعقـاد ومحمـد عبـدالحـليم عبـدالله وأمين يـوسف غراب ويوسف السبـاعي وإحسـان عبدالقدوس أن تشجـع المواهب الجـديدة، فـاختارت شابين تنشر لهـما.. وكانـا يوسف إدريس وأنا، فطبعت لإدريس "جمهورية فرحـات " ، ولي : "جنة رضوان ".

وحـدد "يوسف السبـاعي " لنا مـوعدا لكي نقابل "الست " ونتسلـم " حقوقنـا"! ولقد أوصـاني يـوسف إدريس ألا أقـبل أقل مما يأخذ "أمين يوسف غراب " و" محـمد عبدالحليم عبدالله " مكـافآة لي.

المهم دخل يـوسف السباعي بنـا إليها، وقـال لها: الشباب الجدد يشكرونك يا ست.. أدامك الله لهم.. فصرخت: "يخرب بيـوتهم ".. أولاد الـ "... " هـذه الروايات لم تبع.. لقد خسـرنا لأننا نشرنا لهم.

قال لهـا: طيب- ولكن لا بـد من بعض التشجيع.. فردت عليه غاضبة : لا شيء.. ثم أردفت: اكتب لكل منهما أربعين جنيهـا.. ولا تـدعني أرى وجهيهما مـرة أخرى !. لقـد عـرفت من الوطـن العربي أشخـاصـا كثيرين وأدباء كـثيرين.. أحدهم "أديب نحـوي " وهو سوري وآخر سنصب تولاه في بلده "وزارة العدل ".

جاء أديب نحـوي في زيارة لمصر سنة 1953 ونشر قصة في مجلـة "البوليس " التي كـان سعد الـدين وهبة سكرتيرا لتحريرها، وبعد نشرها رأيته حزينا وغاضبا، ولما سألته عن السبب أجـاب: لقد حـذفوا من قصتي خمسين سطرا، يجـب أن أقـاضيهم، ماذا سيقـول القراء الذين سيشعرون بانقطاع القـصة؟.

قلت لـه: بل هنـاك حـل أفضـل، لن نقـاضيهم، سنـذهب إلى مقر المجلـة ونروي لهم بقيـة الحكايـة، المجلـة لا تبيع سوى نسخـة واحـدة!!! ولقد عـرفت أيضـا شفيق كـمال، وعدنـان الـراوي ، عرفت جورج جرداق وسليمان العيسى وحنا مينا.

الموهوب يحتاج حماية

  • محمد مساعد الصالح: قلت إن الأوضاع الجديدة تساعد على ظهور كتاب ساخرين.. من من الكتاب الساخرين في مصر تستطيع أن تقول إنه يميل إليك ؟.

- محمود السعـدني: عاصم حنفي.. لكن المشكلـة عـدم تقبل النصيحـة.. تفتح لهم الباب.. تسـاعـدهم على الصعـود.. تحميهم.. تـذلـل الصعـاب أمـامهم- والموهوب يحتاج كل هذه الأشياء من أحد ما- فلولا كـامل الشناوي كنت تـركت هذه المهنة، لقـد حماني، وأعادني إلى العمـل بعد أن فصلني أنور السادات من مجلة التحرير "كان أنور السادات رئيس مجلس الإدارة ونائبا للرئيس جمال عبدالناصر".

لـو كان مكـان كـامل الشنـاوي أحد "القتلة" فلن يكـترث بي ولن يهتم.. لقد - بقيت مع هذا الرجل إلى أن طـردوني ومعـي ستـون صحفيـا، من بينهم: بيرم التـونسي، عبدالـرحمن الخميسي، ألفريد فـرج ونعمان عاشـور .. كان ذلك عام 1958 وكنت الوحيـد الذي عملت بعـد الفصل بأسبـوع واحـد، فقـد بعث بي "كـامل " إلى "إحسـان "، وعملت سكـرتيرا لتحـرير "روز اليوسف ". بعد ثـمانية أشهر قبضـوا علي .. وهنا جاء دور كامل مرة أخرى "الحـماية"! أنا مدين لكامل الشناوي بأشيـاء كثيرة منها: تهمة أني شيوعي، وأنا لم أكن شيـوعيا فعلا، لكن أصـدقـائي كانوا كـذلك، معظم أبنـاء جيلي كـانـوا كـذلك، لكنني كنت مختلفـا عنهم، أنـا لا أنضـوي تحت لواء أحـد، كنت أسخـر منهم، وكـانـوا يحتملـونني، ولكـن أجهزة "... " في الوطن العربي أجهزة غبية.. إما أن تكون مخبرا لهم أو فأنت ضد النظـام، وهو نفس غباء الشيوعيين.. أنت لست معنا! إذن أنت من المخـابرات المركزية وعميل المباحث المصرية.

كان من المفروض أن أشارك الأخ الأستاذ محمود السعـدني أفكـاره وأطـروحـاتـه وآراءه، ولكن كثـرة تجاربـه والظـروف التي مر بها والشقـاوة التي عـاش خلالها وكونه ينتمي إلى دولـة عربية ذات حضارة تمتد إلى سبعـة آلاف عام جعلتني أقـف موقف المتفرج أو التلميذ من أستـاذه، لا أقول هذا مدحا أو تزلفا للعم السعـدني، فهو ليس لـديـه ما يهبني ولا أحتاج مـا عنده.. كـما لا أقول هذا تـواضعا بل الحقيقة التي يجب أن تقال فـالأستاذ محمود السعدني واحـد من الكتاب القلائل الـذين استطاعـوا أن يعالجوا أمور ومشاكل حياتنا العربية بمظاهرها المختلفة.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




محمود السعدني





محمد مساعد الصالح





ياناس يا عسل السعدني وصل





محمد مساعد الصالح والله من وراء القصد