متحف الصحراء ضرورة عربية

الكتاب العربي والكمبيوتر

يثور السؤال عن مستقبل الكتاب العربي في مواجهة الكمبيوتر, وفي معظم الإجابات تظل هناك زاوية رؤية غائبة.

منذ أكثر من عشر سنوات لخص أحد خبراء المعلومات الثورة التي حدثت في الكمبيوتر بطريقة طريفة ولكنها كانت صادقة ودقيقة بنفس القدر.. قال هذا الخبير إنه لا يمكن أن يصور مدى التقدم الذي حدث بنفس الطريقة التي يصور بها تقدم آخر ولكنه مع هذا يمكن له أن يصور الأمر إذا لجأ إلى التشبيه.. وفي هذه الحالة فإنه يمكن له أن يقول إنه لو كان التقدم الذي حدث في مجال الكمبيوتر قد حدث في مجال الطيران المدني على سبيل المثال لكان بالإمكان أن يسافر الإنسان من لندن إلى نيويورك في دقيقتين وبدولارين فقط. غني عن البيان أن نقول إن هذا كان من عشر سنوات بالضبط وغني عن البيان كذلك أن نذكر أن الثورة المستمرة التي اشتعلت وانفجرت وازدهرت في السنوات العشر الماضية تفوق بكثير ما كان قد تحقق في السنوات التي سبقتها بمراحل شاسعة.

ثورة مختلفة

في وطننا العربي لم يتأخر الإنسان العربي عن اللحاق بهذه الثورة.. ولكن خطواته كانت متباينة في بعض الأحيان.. ومتعثرة في البعض الآخر.. ولكننا لا نستطيع أن ننكر أن الاستيعاب العربي لثورة المعلومات كان مرضيا إلى حد كبير.. على سبيل الجزم يمكن لنا القول بأن استيعاب العرب لثورة المعلومات يفوق بمراحل استيعابهم للثورة الصناعية وهي الثورة السابقة على ثورة المعلومات في مسار البشرية.. كما أننا نستطيع أن نجزم أيضا بأن إسهام العرب في صياغة ثورة المعلومات لن يقف عند حدود الانفعال وإنما سيتخطى هذه الحدود إلى دائرة الفعل. وربما يمكن إرجاع السبب في هذا إلى طبيعة ثورة المعلومات نفسها التي يمكن أن نلمح بسهولة من بين خصائصها عددا مهما من العناصر البناءة:

فهي ثورة ذات طبيعة استيعابية أكثر منها استبعادية.. بعبارة أخرى فإنها لا تنعزل بأصحابها ولكنها تمتد بمظلتها لتغطي وتشرك آخرين في الانتفاع بمواردها.. ومن ثم بفوائدها.

وهي أيضا ثورة سريعة الانتشار إذ إنه لا يمكن البقاء بمعزل عن آثارها التي تتناثر لتغطي كل الأرجاء الممكنة من نشاط الإنسانية.

وحتى تفعل ذلك فإنها سرعان ما تأخذ الزمام بيدها لتصبح بمثابة الفعل (القائد) في دائرة الأفعال المتصارعة.

هذا فضلا عن أن تكلفة المشاركة في الثورة الجديدة تكاد تكون أدنى تكلفة عرفتها البشرية للمشاركة في تقدم جديد.. فهي لا تدمر البيئة ولا حتى تلوثها.. وهي لا تستعبدالبشر ولا حتى تستنزف بعض طاقاتهم.. بل على العكس من ذلك فهي توفر للمشاركين فيها كثيرا من عوامل الأمان والسلامة والوقت والجهد.

وبطبيعة الحال فإن توظيف ثورة المعلومات في العالم العربي قد أخذ صورا متعددة.. وربما تميز قطاع المال بأنه حقق الاستخدام الأقصى لهذه الثورة.. وربما بدأت الفنون التطبيقية تتأثر إلى حد بعيد بالأسلوب الذي أتاحته هذه الثورة في أداء وإدارة الأعمال.. وبالطبع فإن الممارسات الطبية والهندسية لا تخرج عن هذا النطاق.. ولكن ربما ظل الكتاب ليمثل موقع الصراع الحقيقي مع الثورة الجديدة بكل ما تملكه من عرمرم الجيوش والجنود!!.

وعلى حين أن مجالات نشاط الثورة الجديدة قد استطاعت أن تتوافق إلى حد كبير مع طبيعتها الغلابة, فإن العاملين في مجال الكتاب العربي مازالوا يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى وهم يستشرفون طبيعة العلاقة مع الثورة الجديدة.

فمن ناحية نجح النشر العربي إلى حد كبير في أن يستغل الإمكانات الهائلة التي قدمها الكمبيوتر وأحدث بها قفزة هائلة في النشر والطباعة والإخراج.. ومع هذا فقد عانى العرب من تخلف البرامج software إذا ما قورنت بمثيلتها التي تتعامل باللغة الإنجليزية أو الفرنسية.. ولم يكن السبب غائبا عن الأذهان.

ومن ناحية أخرى قدمت الصحافة العربية ودور النشر منتوجات متميزة بفضل استعمال التقنيات الحديثة التي أتاحتها ثورة المعلومات. ومن ناحية ثالثة فإن معدل النمو في سوق الكمبيوتر والبرمجيات والمنتجات المعلومية كان مقبولا وإن لم يكن مرضيا.

ومع هذا فقد ظلت السوق العربية ومازالت بحاجة شديدة إلى أن تشهد المنتج الثقافي الذي كان ينتظر أن تحققه ثورة المعلومات.. ومع الأسف الشديد فإن العرب لا يستطيعون أن يجزموا فضلاً عن أن يدعوا أنهم قدموا شيئا ذا بال في هذا المجال.

وماذا عن الكتاب?

في السنوات القادمة لن يكون هناك مجال للتراجع عن خوض معركة المعلومات بطرق متعددة.. وتشير بوادر المشاركات العربية إلى أن المجال المفضل عند الناشرين سيكون هو ميدان استخدام الوسائل الجديدة كبدائل للوسائل القديمة.. بعبارة أخرى لا يمكن نفي صفة الاختزال عنها فان التفكير العربي اتجه إلى تقديم ما كان يقدم في صورة كتاب ليكون في صورة شريط كومبيوتري (سواء في هذا القرص المضغوط أو الأنواع والبدائل الأخرى من الأقراص).

ومع أن مثل هذا الجهد قد يمثل إنجازا في حد ذاته إلا أنه يظل بمثابة الاستغلال الساذج لثورة المعلومات.. بل ربما صدق عليه المثل القائل بأنه استخدام للطائرة في الوصول إلى مسافة لا تبعد أكثر من خمسين كيلو مترا مثلاً حين لا يصبح هذا الاستخدام أكثر إهداراً للمال فحسب, ولكنه إهدار للوقت وللجهد كذلك.. ذلك أنه مع كل الإمكانات الهائلة التي قد يتيحها الطيران فإن النقل البري يظل متفوقا في كثير من المعطيات والنتائج.

وليس هذا هو كل ما يتفوق به الكتاب على الكمبيوتر.. ذلك أن الكتاب ـ وللأبد ـ يبقى متفوقا على الكمبيوتر في عدة معطيات حيوية:

يظل الكتاب على سبيل المثال أقرب وأقدر على الخلود من كل الوسائط التي أتاحها الكمبيوتر حتى الآن.. وعلى حين أننا نعرف أن بعض المخطوطات قد عاشت مئات وألوف السنين فإن أقصى عمر مفترض لوسائل الكمبيوتر لا يتجاوز خمسا وعشرين سنة في القرص البصري.

يظل الكتاب ثانيا متمتعا بالميزة الهائلة التي يفتقدها الكمبيوتر في أن يقوم بنفسه بوظيفة دون حاجة إلى آلة يمكن من خلالها تشغيل الوسيط البديل.

يظل الكتاب ثالثا محتكراً وربما للأبد بما يمكن أن نسميه بالتأثير البصري لمحتواه, فنحن نقلب الكتاب أو الصفحة لنصل إلى الموضع المعين الذي نجد فيه ما نريده, على حين يصعب هذا على الكمبيوتر.

يظل الكتاب أيضا (وهذه هي النقطة الرابعة) مقرءوا بلغة واحدة أي أنه يمكن للعربي الذي لا يعرف إلا لغته أن يقرأ كتابه, وكذلك للإنجليزي والفرنسي.. أما في حالة الكمبيوتر فإن القارىء يظل بحاجة إلى لغة أخرى هي لغة الكمبيوتر نفسه التي تترجم البايت أو الثقوب إلى اللغة الأم.

وهكذا فإن حلول الكمبيوتر محل الكتاب ليس مستحيلا بسبب ضخامة ثروة المعرفة التي حوتها الكتب على مدى القرون الماضية فربما كان هذا ميسورا وإن استغرق بعض الوقت.. ولكن طبيعة الكمبيوتر نفسه هي التي تمنعه من أن يحل محل الكتاب.

ومع هذا فلابد أن ينتبه العرب إلى استعمال الكمبيوتر في المجالات التي لن يستطيع الكتاب أن يتفوق فيها عليه.. وهذا موضوع آخر.

 

محمد الجوادي