قراءة نقدية: الكتابات النسائية في مواجهة الجسد

قراءة نقدية: الكتابات النسائية في مواجهة الجسد

تقدم هذه الكتابات وجهة نظر ذلك الكائن خافت الصوت. مهيض الجناح في نظر البعض. وينظر إليها النقّاد بوصفها كتابات ذات نكهة مختلفة.

من بيروت في المشرق إلى الدار البيضاء في المغرب، مروراً بالقاهرة وسواها من العواصم العربية، تجتاح دور النشر في العالم العربي موجة من الكتب الجنسية تتوسل أسلوب الرواية حيناً، وأسلوب البحث والدراسة حيناً آخر، متعرّضة لتلك العلاقات المسكوت عنها، المحرّمة أو غير المحرّمة، بين الرجل والمرأة، أو بين المرأة والمرأة. مؤلفو هذه الكتب نساء لا رجال، لذا فهي ذات (نكهة) مختلفة عن الكتب المماثلة التي يكتبها الرجل أو الرجال.

في بيروت قد تكون ليلى بعلبكي التي كتبت روايتها (أنا أحيا) في الستينيات من القرن العشرين أول كاتبة لبنانية خرجت من جناح الحريم في منزل الرجل غاضبة ومعلنة العصيان عليه. وفي تاريخ الأدب الحديث في لبنان، مازالت ليلى بعلبكي تحظى بمنزلة الرائدة في مجال رفع الصوت ضد سلطة الرجل والمطالبة بتحقيق المساواة معه.

ولكن مَن يطالع (أنا أحيا) اليوم، يجد أن أهداف كاتبتها تبدو متواضعة أمام أهداف كاتبات عصرنا، سواء كنّ لبنانيات أو غير لبنانيات.

وتأخذ صورة الرجل في بعض هذه الكتابات النسائية صورة العدوّ، لا صورة المتحكم المستبد المطلوب نزع بعض صلاحياته أو امتيازاته وحسب. ولا تتردد هذه الكتابات في تذكير الرجل بأن المرأة كانت في سالف الزمان هي الآمرة، لا هو. وما تكتبه بعض الباحثات أو الروائيات العربيات في هذا المجال، شبيه بما يكتبه الماركسيون عن الصراع الطبقي وضرورة استبدال صاحب سلطة بصاحب سلطة آخر.

وتتخصص كاتبات عربيات بالكتابة عن موضوع المرأة والجنس والمسكوت عنه في العلاقة بين المرأة والرجل، أو بين المرأة والمرأة، أو في موضوع (الجسد) بالذات. ففاطمة المرنيسي المغربية متخصصة في مثل هذا الموضوع.

أما الروائية الجزائرية أحلام مستغانمي فإن أعمالها تُقرأ من عناوينها: (الكتابة في لحظة عري)، و(ذاكرة الجسد)، و (فوضى الحواس). وقد وعدت أحلام قرّاءها بأن روايتها القادمة ستحمل عنوان: (سرير لرائحتك)، وفي هذا العنوان ما يشعل المخيلة ويشي بمكان مريح ودافئ في الوقت نفسه لأحداث الرواية.

وفي بيروت، صدر أخيراً كتابان أنثويان دافئان: الأول للدكتورة إلهام منصور أستاذة علم النفس في الجامعة اللبنانية، يحمل اسم (أنا هي أنت) ويدور موضوعه حول العلاقات المثلية بين النساء، والثاني للدكتورة منى فياض الأستاذة في الجامعة اللبنانية أيضاً، ويحمل اسم: (فخ الجسد: تجليات، نزوات، وأسرار)، وهو كما يشير عنوانه يدور في فلك الجسد، محاولاً تلمّس عالمه المملوء بالرغبات والأسرار، والغائب عن موضوعات الكتابة في حين أنه محرّكها وأحد موضوعاتها الأساسية.

كتاب إلهام منصور عبارة عن رواية تدور أحداثها بين بيروت وباريس، ولعلها أول رواية عربية أفردها مؤلفها للحديث عن العلاقات العاطفية بين النساء من خلال خطاب صريح ومباشر للإناث والذكور معاً.

فهي تسلط الضوء على خفايا العلاقات المثلية من ناحية، وتشير من ناحية أخرى إلى الهوّة والشرخ في علاقة الذكر بالأنثى وعدم فهم رغباتها، الأمر الذي يؤدي إلى هروب هذه الأخيرة نحو علاقة غير سوية.

أما الدكتورة منى فياض، فقد قدمت قراءة خاصة في أحوال الجسد وفي ما كُتب حوله. ارتكزت في بحثها على أن الجسد معطى جوهري يتم البحث عن خصوصياته الموجودة على مستوى من العمق يجعلها مشتركة بين البشر كافة. فمهما كانت ملابسنا مختلفة، فإن للابتسامة أو للألم أو للأنين أو للفرح المعنى ذاته.

ترى الباحثة أن دخولنا إلى العالم يتحقق في اللحظة التي نظهر فيها كجسد. فوجودنا هو جسدنا، وهويتنا هي في هذا الجسد، ومماتنا أيضاً يحصل على مستوى الجسد نفسه. ومع بروز الثورة الجنسية وثورة العري في الستينيات، بدأ الجنس والحب، وهما الأكثر ارتباطاً بالجسد، يظهران كضرورة شفائية تسهم في المحافظة على التوازن النفسي. وعلى الرغم من أن عالمنا العربي لم يتبع النسق ذاته الذي اتبعه الغرب في هذا الإطار، فإن هذه المؤثرات طاولته بدرجات متفاوتة.

وتعتبر الباحثة أن (المشكلة) في العالم العربي عميقة لأنها تطاول بنية الشهية العربية التي تقمع وتكبت كل ما يساعد على تفتحها وبلورتها. وهي تتعلق بالتحوّل الحاصل في تعاملنا مع الحب والجنس لجهة تحقيرهما واستبعادهما من مستوى التداول الطبيعي إلى الزوايا المعتمة المخجلة.

وتلقي الباحثة الضوء على قوانين الإثارة، فترى أن غواية المرأة تزداد كلما ازداد تحجبها، فيصبح أي جزء من جسدها مصدر غواية وفتنة، ولا يعود عندها التعامل مع هذه المرأة موضع التحريم سوى بإخفائها كليّاً عن الأنظار.

فصول كثيرة عن الجسد ونزواته وأسراره في الكتاب، وهي تشرح كذلك علاقة النساء بالحب وتوقعاتهن من الرجال، فتخلص إلى أن بعض النساء يشعرن بالذنب لأنهن يرغبن بالإفراط في الكشف عمّا في قلوبهن. كما أنهن يختلفن في نظرتهن إلى الجنس عن الرجال. فبينما يرى الكثير من الرجال أن العلاقات الجنسية تحل محل التواصل، تعتبر النساء أن غياب المبادلات الشفهية يسلب إجمالاً الفعل الجنسي المعنى والعمق.

بالإضافة إلى ذلك تحاول منى فياض سبر أغوار علاقة الزواج وقضاياها، وما هي العزوبية والعلاقات الحميمة عند المتزوجين والمتزوجات؟ كما تفرد فصلاً خاصاً لكيمياء الحب، فتستنتج أن المتعة أو الألم اللذين يسببهما الحب، ناتجان عن تنشيط أجهزة الكيمياء العصبية بواسطة الانفعالات التي يسببها، وترى أن عوارض الحب والتعلق تشبه عارض الإدمان.

وبالتالي، فقد يتسبب الانفصال عن الحبيب بألم بيولوجي حقيقي ويكون كمدمن المخدرات عندما يتعرض للحرمان المفاجئ والقاسي.

(فخ الجسد/تجليات نزوات وأسرار) كتاب يدور في فلك الجسد راصداً أسراراً كثيرة فيه، عاملاً على شرحها وتحليلها تحليلاً علمياً بحتاً.

كتابان مثيران في العاصمة اللبنانية كتبتهما باحثتان جامعيتان حرّكتا الكثير من الجمود السائد في الحياة الثقافية والاجتماعية في لبنان في الوقت الراهن، بالرغم من الملاحظات التي قد تُوجّه إليهما، أو التي وُجهّت إليهما فعلاً.

 

جهاد فاضل

 
 




أنا هي أنت





فخ الجسد





هل أنت محصنون ضد الحريم؟