الشعر العربي هل انصرف عنه القراء؟ حسام الخطيب

الشعر العربي هل انصرف عنه القراء؟

هل تدهورت شعبية الشعر، وهل أصبح عدد الشعراء يفوق عدد القراء، يبدو أن هذا الأمر صحيح، فهناك أزمة استقبال شعري تتمثل في انصراف القراء "أي المستهلكين" عن شراء كتب الشعر في الوقت الذي نجد فيه غزارة واضحة تتمثل في عدد الشعراء "أي المنتجين" .. فما سر هذه الظاهرة؟

يجب أن نعترف منذ البدء أن الرأي العام "وربما جمهور المثقفين" ينظر إلى هذه المشكلة المعقدة نظرة أقرب إلى الأحادية، من شأنها أن تبسط الأمر تبسيطا شديدا ولا سيما من ناحية الميل إلى إلقاء ثقل اللوم على أحد طرفي العلاقة: المرسل والرسالة من جهة والمستقبل "المتلقي" من جهة أخرى.

وبشيء من التمعن يتوصل المرء إلى أن المشكلة أشد تعقيدا مما يبدو على السطح، لأنها أصلا أشبه بجدلية "دياليكتيك" ساخنة بين طرفين غير ساكنين وغير منجزين نهائيا، وكل منهما غير محدد في إطار ثابت، بل إن كل شكل من أشكـال السكونية يهدد الطرف المعرض لذلك بالخروج من دائرة التفاعل، أي بالبقاء خارج قوس الجدلية، كما يحدث مثلا حين يتجمد إنتاج شاعر ما في قوالب مسبقة الصنع فيخرج من دائرة التوهج الإبداعي إلى دائرة الإنتاج الخامد، أو - بالمقابل - حين يصر جانب من الجمهور المستهلك على نمط من الإنتاج مقيد بقوالب جازمة ومواصفات جامدة.

ومن الواضح أن الطرف الأول من الجدلية هو "المرسل - الرسالة أو المنتج - الإنتاج"، وهو في الحقيقة قسمان منفصلان ماهية متحدان عضوية، وكل منهما في حالة تشكل دائم.

وإذا حصرنا الكلام بالقصيدة فالشيء الطبيعي أن تظل القصيدة جملة اختيارات حية من الأشكال والاتجاهات والمستويات، منها ما هو عقلاني اتباعي، ومنها ما هو انفعالي متفلت، ومنها ما هو واقعي وصفي خارجي ومنها ما هو تعبيري حداثي جواني، ومنها ما هو موزون أو نصف موزون، ومنها ما هو متمرد على كل قالب، حتى أحيانا قالب اللغة المقعدة أو المعجمية.

إن القصيدة معنى فني يشكل نفسه باستمرار لاهثا وراء المجهول والمطلق والمدهش، وكذلك يشكله المستقبلون باستمرار من خلال التفسير والتأويل والهالات التي يضفونها على الإبداعات التي تستهويهم، وبذلك لا يمكن أن تكون القصيدة صيغة جاهزة عند نقطة محددة.

أما الطرف الثاني، وهو المستقبل - المتلقي، فيتألف أيضا من قسمين متباينين يؤثر موقف كل منهما في الآخر، ولكنه لا يستطيع أن يصادره أو يتحكم فيه، والقسمان هما فئة النقاد والمختصين من أساتذة أدب ومثقفين ومتابعين من جهة، وجمهور المتذوقين والقراء من جهة أخرى، وفي القسمين كليهما مستويات من التفاوت ربما تراوحت أحيانا بين الصفر والمائة، وليس من الحكمة إطلاق أحكام بالجملة على قسمي هذا الطرف الذي منه يتألف جسم الاستقبال والذي هو في حالة تشكل دائم بفعل المؤثرات الزمانية والمكانية الطبيعية، وكذلك بفعل التأثيرات المدبرة أو المصطنعة أو أحيانا "الجائحة" بسبب عوامل غير متجانسة "غير فنية" كتأثير القضايا الإعلامية والسياسية والاجتماعية في آليات الاستقبال، وهي مسائل يبحثها علم الاستقبال الذي تحتل فيه الاستقبالية الأدبية جناحا نوعيا مهما، ولكن ليس من شأن هذه العجالة "الاجتهادية" الخوض فيه.

طرفان متضامنان في المسئولية.

أ - بالنسبة للطرف الأول وهو "المرسل - الرسالة" أو "المنتج - الإنتاج"، يجب الاعتراف بأن هذا الطرف يمكن أن يكون أصل المشكلة، لأن موقف "المرسل إليه - المستهلك" مبني منطقيا على إشعاعات "أو إشارات" المنتج النفسية وطبيعة الإنتاج الشعري الذي يقدم للمستهلك. ولو أخذنا من اقتصاد السوق - وهو الزي الشائع اليوم - قاعدته الذهبية لمال بنا الرأي نحو إلقاء العبء كله على الطرف الأول "المنتج - الإنتاج"، فمن ناحية المبدأ، المستهلك حر وهو واحد من اثنين:

إما محب يبحث عن الجمال والحسن، أي عما يمكن أن يحب، ومن حقه أن يتفاعل مع ما يستهويه وأن ينبذ مالا يستهويه، وإما منتفع يبحث عن الفائدة الثقافية أو الفنية أو الدرس الأدبي أو المباهاة الاجتماعية - الفنية، ومن حقه أن يقبل على ما يناسبه وينفعه وأن يطوي كشحه عن كل ما لا يشبع تطلعاته، وفي الحالتين لا توجد قوة تربوية أو إعلامية أو دعاوية قادرة على استلاب هذا الحق الذاتي الطوعي، وهكذا يبقى جمهور المستقبلين سيد الموقف، وحتى لو كـانت هناك رسالة من المرسل بعيدة نسبيا عن المناخ الآني للجمهور ولكنها ذات قيمة ذاتية رفيعة - وهذا يحدث كثيرا - فعلى المرسل أن يحتال لها فنيا وفكريا ليضعها في القالب الذي يناسب الجهة المتلقية، أي عليه - إذا شاء لها أن تصل - أن يحملها حدا معينا من الإشارات "النفسية - الإعلامية" الرائجة في مرحلة معطاة من الزمن، وهذه مسئولية لا يمكن التنكر لها حتى في حالة القبول بمقولات الإلهام التلقائي ذات الأصل الأفلاطوني، أو التعبيرية المطلقة التي لا تعترف بالآخر أو المتلقي في ظل النظريات الحداثية. على أن هذا النوع من المسئولية غير مطلق وله حدود دقيقة لا يجوز التهاون بشأنها، فالمنتج شاعر وليس تاجرا، وللشاعر رسالة فوق ترويجية وفوق استهلاكية على الرغم من وجود أساس مشترك لعلاقة "المنتج - المستهلك"، وفي حالات كثيرة، بل في الأصل، من حق الشاعر ومن واجبه أيضا أن يعاند التيار الرائج، وأن يرفع لواء التغيير، وأن ينقض مقولات المتلقي المفترض، ويظل من أبرز حقوقه أن يتسامى "لا أن يتعالى على الرائج واليومي والسائد" وأن يحمل المتلقي على جناحيه ليقترب به من السمت البعيد البعيد.

تلوينات المشكلة

من خلال ترجمة بسيطة للحقائق التوصيلية العامة إلى الوضع الخاص للقصيدة العربية، يمكن إيراد الملاحظات التالية:

أولا: هناك استعدادات تربوية - تاريخية - فنية خاصة تجعل استجابة الجمهور العربي للشعر مرتبطة بنمط خاص من الشعر، فكلما كان الشعر المعروض أقرب إلى رنين الشعر القديم ونظامه اللغوي والموسيقي "الموزون المقفي" كان أقدر على استثارة الجمهور والتغلغل في وجدانه، بل كان أيضا أسهل حفظا وتداولا، وللشعر العربي جمهور واسع عريض ربما تقل نظائره في بلدان كثيرة، وقد تعود هذا الجمهور على تلقي الشعر بطريقة احتفالية ذات طنين ورنين وانفعال وهياج، ومن السهل على المرء أن يتذكر بأي روح جمعي يجري تلقي قصائد محمد مهدي الجواهري، ومحمود درويش، ونزار قباني، ومحمد الفيتوري، وسليمان العيسى، مما يذكر دائما بالتجربة الاحتفالية لأشعار أحمد شوقي وحافظ إبراهيم ومعروف الرصافي والأخطل الصغير وإبراهيم طوقان وبدوي الجبل وغيرهم من رموز الماضي القريب "الذي ما زال حيا".

وربما كان أحد تفسيرات هذه الظاهرة أن الجمهور يهتز لهذا النوع من الشعر الاحتفالي لأنه يتناسب مع ما هو سائد في أفراح المجتمع العربي وأتراحه من إيقاعات صوتية وفنية وعالية النغمة يمثلها في الموسيقى الطبل والبوق والمجوز أكثر مما يمثلها الكمان والبيانو والناي.

وهذه التربية التذوقية، أو الحساسية، وريثة عصور طويلة مغرقة في القدم، وليس من السهل تجاوزها من خلال تجارب حديثة العهد محدودة المدى للخروج إلى اختيارات أخرى.

ثانيا: كذلك تؤثر الناحية المضمونية تأثيرا شديدا في طريقة استجابة الجمهور العربي إلى الشعر الاحتفالي ذلك أن الحاضر العربي مشغول البال بقضايا جوهرية تؤرق الناس وتثيرهم، وقد كونت هذه القصائد موضوعة "تيمة" جبارة في سجل الشعر العربي الحديث، وبمجرد اتخاذ الشاعر موقفا متجانسا مع القضايا الحساسة التي سبقت تعبئة الجماهير بها فإنه يستطيع تأمين استعداد مبدئي بنسبة عالية لتلقي البث القومي والأيديولوجي الذي تقدمه القصيدة، وإن موضوعات مثل قضية فلسطين والوحدة العربية ومقاومة الاستعمار والتعاطف مع المعاناة الشعبية ومناصرة قضية المرأة والتغني بالأمجاد السالفة ومفاخرة أوربا بفضل العرب عليها، هذه الموضوعات ومثيلاتها تطغى على شاشة التلقي وتؤمن موقفا إيجابيا جماهيريا حتى لأردأ أنول الشعر، فكيف حين يكون الشاعر مبدعا مثل محمود درويش وسليمان العيسى ومحمد مهدي الجواهري وبدر شاكر السياب وصلاح عبدالصبور ومحمد عفيفي مطر وأمل دنقل وغيرهم، وغيرهم؟

ثالثا: وتتخذ هذه الحالة أبعادا غير طبيعية في منظور التلقي حين تتقاطع مع الخطوط الأيديولوجية والمذهبية، إذ كثيرا ما يكون المرسل والمتلقي مرتبطين بخط أيديولوجي ضيق، بل كثيرا ما يقرر الموقف الأيديولوجي أو الحزبي أو السياسي أو المذهبي، مصير النص صعودا أو هبوطا، فإذا وافقت مفاتيحه أقفال القفص الأيديولوجي فسرعان ما تتفتح المشاعر ويتوهج الإعجاب وتردم آليا ثغرات العجز أو الضعف أو الاضطراب. ويشارك نقاد كثيرون في هذه اللعبة فيزيدون الطين بلة بدلا من أن يعملوا على ترشيد أحكام الجمهور، من خلال الموازنة على الأقل بين النص المواتي الجيد، والنص الرديء. وفي مثل هذه الحالات تتضاءل مستندات النص الفنية أمام مستنداته القومية أو السياسية أو الأيديولوجية أو الدينية أو حتى الوطنية العامة. وقد شهد الوطن العربي منذ عصر النهضة موجات من التعبئة الجماهيرية العامة جعلت تربة الاستقبال "العام والخاص" أو "التخصصي" غير خالصة لوجه الفن، وإنما موجهة بقوة لصالح موجات فوق - فنية وفوق - ثقافية مسقطة على الجمهور ومثقفيه ونقاده، ودفعت بالنقاد الملتزمين خصوصا إلى تسويغية مفتعلة، وإلى إغضاء عن كثير من القيم الفنية، وغدا بعضهم ضحايا لعمليات غسيل دماغ كما مارس بعضهم العملية نفسها على جمهور المتذوقين.

وبما أن السلطة السياسية والحزبية والمذهبية والأيديولوجية استغلت تراث الشعر العربي السياسي والمدحي والهجائي استغلالا مفرطا من أجل "حشد الطاقات" الشعرية الحديثة لخدمة أهدافها اليومية لدى الجماهير، وبما أن عددا كبيرا من الشعراء البارزين لم يستطيعوا الابتعاد عن هذا التيار، فإن النتيجة كانت لغير صالح التجربة الفنية، وأدت إلى عرقلة التطور الطبيعي لرقي الذوق الفني والتلقي المرهف في مجتمع تتطور فيه بسرعة وسائل التحديث والتنمية، ولا سيما من الناحية المادية.

رابعا: وهناك شيء قائم في طبيعة الرسالة نفسها، يجعل النص المحافظ أسهل سيرورة وأقوى إغواء من الأشكال الشعرية المتمردة على القانون العام، وربما كانت هذه الظاهرة ذات طبيعة عامة غير مقتصرة على آليات استقبال الشعر العربي وحده ولكن الملاحظ أنها في حالة الشعر العربي تكتسب قوة مضاعفة، ربما لأن النص المحافظ يميل عادة إلى الاتكاء على عوامل جانبية ووسائل معينة قادرة على الإغواء من جهة ومتناسبة من جهة أخرى مع الطريقة الاحتفالية التي تصاحب عادة عملية استقبال الشعر العربي. ومن أبرز هذه الوسائل للإثارات اللغوية الخطابية "كأساليب الطلب من استفهام ونداء وأمر غير مقصود لذاته وغيرها" والتكرار اللفظي والتنويع في طريقة الإلقاء الذي يصل أحيانا إلى رتبة الإنشاد الخفيف، وكثيرون يتهمون الشاعر المحافظ بأنه يتعمد تعمدا استخدام وسائل فنية ولغوية وإلقائية تستهدف شد انتباه الجمهور وإثارته، بل لعله يضع استجابة الجمهور المحتملة في جملة شروط عملية صناعة القصيدة.

وبالمقابل تعاني القصيدة الحديثة المنفلتة من القيود معاناة واضحة من سيطرة مناخ عام تشكيكي بمستواها اللغوي والفني، ومن انقطاع نسبي عن التراث التذوقي المتراكم، ومن ضعف في أدوات الإيقاع العالي، ومن غموض تفرضه طبيعة التجربة، ومن تبعثر في المنحى والإيحاء ناجم عن حداثية تجربتها أو عن طبيعة فلسفتها التجريبية، وهناك أيضا معضلة التوجه إلى قطاع خاص من الجمهور هو قطاع الجيل الناشيء الذي تؤرقه - بالإضافة إلى الهموم العامة القومية والوطنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية - مشكلات خاصة تربوية ونفسية واجتماعية واقتصادية، وبوجه عام لا يجد الشاب الشادن في القصيدة الحديثة صدى مريحا أو مباشرا لما تقدمه رسالة القصيدة من استبصارات مهموسة وتجاوزات لسطوح الواقع الخارجية، وتوغلات في المنطقة المظلمة والمخبوءة من النفس الإنسانية.

يضاف إلى ذلك أن الشاعر الحداثي بوجه عام ينظم تعبيريا، أي أنه يترك لأغوار ذاته أن تنبثق من خلال جداول القصيدة وغدرانها دون أن يعبأ بما قد تثيره لدى الجمهور من ردود فعل، فالشاعر الحداثي - كما أشار أدونيس أكثر من مرة - ليس له جمهور ولا يريد أن يكون له جمهور، لأن الجمهور - فيما يبدو لنا - قد يؤدي نتيجة حضوره الذهني في عملية الخلق الفني، إلى المساس بصفاء الدفق الشعري ويترك بصمات تشويه في تكوين القصيدة التي هي عند شعراء العصر مخلوق حر كامل الحرية، بل هي عند شيخ شعراء العصر ت.س. إليوت "ما تكونه لا ما تعنيه، أي أنها لا تعبأ حتى بمقولة المعنى، وهي عند السيميائيين دلالة مجملة ناجمة عن مفردات المعاني النحوية، وهي عند بارت نص مفتوح لمختلف أشكال التأويل.

خامسا: ومما يزيد من وطأة هذه الاتجاهات الاستقبالية أن لها مستندات في الإرث التاريخي التراكمي للنقد العربي، وهناك فئة كبيرة من النقاد تقع تحت تأثير تنشئة فكرية - تذوقية، مقيدة بمسلمات ومرددات شائعة تجعلها أسيرة نظرة أحادية أو منمطة في التقرب من النص الشعري، وترفض هذه النظرة مبدئيا ودون مناقشة كل ميل للخروج على القواعد الساكنة، كذلك يبدو التناول النقدي للقصائد العمودية والمحافظة مريحا وملموسيا أكثر من التناول النقدي للقصائد المهموسة أو التأملية أو المتحررة من القيود أو المعتمدة على الموسيقى الداخلية.

ولا بد من الاعتراف بأن المؤسسة النقدية العربية ربما نتيجة لضعف دور النقد في حياة المجتمع العربي لم تستطع أن تنأى بنفسها ولو نسبيا عن المؤثرات المحيطية والاحتفالية التي أشرنا إليها سابقا، وهذا ما أسهم في الانتقاص من مصداقيتها وإبقاء دورها محدودا مقصوص الجناحين، وبذلك لم تستطع حتى الآن أن تضع أسسا لتربية نقدية - تذوقية تغلب العامل الفني وتنصفه. على أنه لا يجوز أن يفهم من هذا الكلام أنه انحياز إلى ذلك التيار غير المنصف الذي يلقي كل التبعة على كاهل المؤسسة النقدية، فقد حققت هذه المؤسسة إنجازات في مجال تفتيح الأذهان وتطوير الأذواق ومناصرة الاتجاهات الحديثة في النظم الشعري ووصل المفهومات النقدية العربية بإطارها العالمي الأوسع، وهي إنجازات غير كافية ولكن من يعرف الصعوبات التي تعترض فعالية النقد والنقد الأدبي، يدرك أنها خطوة مهمة في الطريق الطويل.

خلاصة ونظرة استقبالية

أخيرا، يبدو من خلال استعراض طرفي المشكلة المتعلقة بالظاهرة الشعرية أن الجانب الاستقبالي هو الجانب العملي البارز، وأنه من الممكن - دون الدخول في التواءات الجانب الإبداعي التي هي شديدة التعقيد - العمل على حل جزء من الأزمة بالتركيز على تحسين عادات التلقي الشعري، أي تحسين شروط القراءة والاستماع، سواء من ناحية التلقي المتخصص "النقد والتدريس الثانوي والجامعي للأدب"، أم من ناحية الاستقبال العام والجماهيري.

وعند العرب فرصة ممتازة في هذا المجال، لأن الجمهور العربي هو وريث تراث عريق في حب الشعر وتذوقه والتلذذ بلغته وصوره وموسيقاه، ولو استغنى العالم كله عن الشعر لما أمكن تصور اهتزاز إيمان الجمهور العربي باللفظة الموحية والصورة الفاتنة والنغمة الشاردة. وبالطبع يجري الحديث في هذه المقالة عن الشعر المبدع بصرف النظر عن اختياراته العمودية أو المفتوحة، والمهم هو توجيه جهود منظمة لتنمية الحساسية الشعرية وإرهافها، يشارك فيها النظام الأدبي والنظام الإعلامي، والنظام التعليمي، بغرض تكوين عادات استقبالية تتيح للشعر أن يستمر حيا مؤثرا في وجدان الناس، كما تتيح لعملية الولادة الثانية للنص أن تكون فرصة لإبراز النصوص الزاخرة بالإمكانات الفكرية والجمالية وشحذ دلالاتها وتمييزها من النصوص المرذولة. وإذن يكون الهدف النهائي لهذه المقالة لفت النظر إلى أهمية تنمية مشاركة المستقبلين - المستهلكين في التفاعل مع الرسالة الشعرية، وإعادة إنتاجها، وتحويلها من ملكية خاصة إلى ملكية عامة.

 

حسام الخطيب

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات