حكايتان عن فانو وداتو غادة جاويش ومارينا تخينفاليلي

حكايتان عن فانو وداتو

قصة بقلم: إيرلوم أخليدياني
1 - فانو في حلم داتو

ذات مرة، كان فانو في حلم داتو.

كان داتو ينام وكان في حلمه عالم سماؤه من حجر، وشمسه من شجر، وشجره من ضباب، وضبابه من تراب، وترابه من رياح، ورياحه من رصاص، ورصاصه.. لم أعد أتذكر من ماذا..

كان داتو ينام فيأتيه فانو في الحلم.. يأتي فانو إلى حلم داتو.. أفكاره من نمل، وحلمه من طير، وأغانيه من حصى.

كان فانو يمشي في حلم داتو: يمشي فوق الماء فتلسعه النيران، يسير تحت الشمس فيتجمد، يأتي إلى هنا فيرى نفسه هناك، يسير إلى هناك ويبقى هناك، يتجه نحو اليمين ويتمنى لو أنه نحو اليسار اتجه. أحيانا يكون فانو في الليل وأحيانا يكون الليل فيه، هنا يرى شجون الأمس، وهناك أحزان الغد وأبعد قليلا، كان يدرك توحده.. أحيانا يكون فانو غصنا لشجرة - يتمايل ويعاني - وأحيانا ورقة - تصفر وتسقط إلى أسفل - وفي الأسفل كانت أيضا سماء.

كان داتو ينام، وكانت بنفسجة تطارد بعوضة، وبعوضة تطارد صرصارا.. وصرصار سمكة، وسمكة سنونوة، وسنونوة سمكة قرش، والقرش غزالا، والغزال ذئبا، والذئب نسرا، والنسر أسدا، والأسد يطارد بنفسجة، والبنفسجة لا تهرب إلى أي مكان، كانت بحالها.

كان فانو يمشي في حلم داتو.. وكان الأصفر رماديا، والرمادي برتقاليا، والبرتقالي كان أخضر، والأخضر أحمر، الأحمر أسود، والأسود سماويا كان.. والسماوي - أبدا - ما كان..

كان فانو يمشي في حلم داتو.. وحين يسقط ظله على الأرض، يكبر، يتجسم، يتحول إلى ديدان تزحف، ثم تتغلغل في جوف الأرض.

كان داتو ينام وكان فانو في حلمه، سعيدا أحيانا، حزينا أحيانا، مسرورا، كئيبا، خيرا، شريرا، وأحيانا يكون فانو واحدا، اثنين، ثلاثة، وأحيانا لا يكون حتى نصفه. وكانت في حلم داتو فاكهة متعددة ألوانها، ولها ثمة نفس الطعم.

ينام داتو وفي حلمه كانت حجرة مليئة بالأسى، حجرة مليئة بالفكر، وأخرى بالحب، ثالثة بالسعادة، حجرة مليئة بالخوف، واحدة بالشك، وأخرى بالوحدة، وحجرة فارغة من الحجر.

مرة، يولد فانو في حلم داتو، يكبر ويشب، وأحيانا يصغر، يذوي.. يتلاشى.. أحيانا يكون فانو القاتل.. وأحيانا يكون القتيل.

كان داتو ينام.. وتتسارع الثواني إلى شجرة البلوط مثل يرقات الموملا. وتفتش الأيام عن لياليها، تسير السنوات في الدروب البعيدة، تضطجع القرون في السهول اللانهائية، تدخن الغليون وتتحادث.

كان فانو يمشي في حلم داتو.. وعندما يستيقظ داتو ينام، وعندما ينام داتو يستيقظ هو.

مرة، يكون فانو في المطر، ومرة يكون المطر فيه، أحيانا يرى فانو حلمه في حلم داتو.. وفي حلم فانو كانت تسير امرأة - أمه، ورجل - أبوه، أخواته وإخوته، كلبه "مورا" بيته الخشبي، فناؤه الصغير وحديقته الصغيرة.. ويصيح الديك صباحا فيستيقظ داتو ويتلاشى كل ما كان في حلمه.

مرة، جاء فانو إلى حدود حلم داتو ونظر إلى الواقع، نظر فرأى.. سهلا مليئا بالأزهار، غابة مليئة بالشجر، نهارا مليئا بالضياء، وعلى السهل كانت امرأة جميلة، وكانت تقطف الأزهار وتغني.

صاح الديك فتلاشى حلم داتو.. وتلاشى واقع فانو أيضا.. مرت ليلة، نام داتو مرة أخرى فجاء فانو إلى حلمه، كان فانو يمشي فوق الماء فتلسعه النيران، يسير تحت الشمس فيتجمد، يتجه إلى اليمن ويتمنى لو أنه نحو اليسار اتجه، يأتي إلى هنا ويكون هناك، يذهب إلى هناك ويبقى هناك.

أخيرا.. وصل إلى حدود حلم داتو ونظر إلى الواقع: كانت السماء من سماء، والتراب من تراب والمساء من مساء.. رأى السهل مليئا بالأزهار، وعلى السهل كانت المرأة الجميلة تقطف الأزهار وتغني..

ينام داتو وينام، ومرة بعد مرة يأتي فانو إلى حلمه، مرة بعد مرة يمشي فوق الماء فتلسعه النيران.. يصل إلى حدود حلم داتو أخيرا، ليرى.. الحجرة مليئة بالحجر، البنفسج والزنابق، المطر المصنوع من أمطار، المرأة الجميلة التي لا تزال تقطف الأزهار وتغني..

مرة، طلب فانو من داتو أن يبعده عن حلمه.. وعن حلمه أبعده داتو..

يقال بأنه ذات ظهيرة مشمسة، وعلى طريق ترابية.. شوهد مسافر ممزق الثياب، جائعا، عطشا، وبيده عصا يتوكأ عليها.. كان هذا المسافر، فانو.

وقف فانو، مسح عرقا حقيقيا من على وجهه، ابتسم وتابع طريقه..

2 - فانو الطيب .. داتو الشرير

منذ زمان.. كان داتو فانو، وكان فانو داتو.

بعد ذلك.. صار فانو داتو، وداتو فانو.

أخيرا.. توحد الاثنان في فانو.

وهذا ما حدث..

كان داتو شخصا سيئا، يفعل أشياء شريرة للآخرين، بينما كان فانو شخصا جيدا، ويفعل أشياء جيدة للآخرين، ولأن الإنسان تزعجه الرتابة.. فقد أزعج داتو كونه داتو، وأزعج فانو كونه فانو.

قال داتو لفانو:

- فلأكن فانو!

- وأنا سأصبح داتو.

- ولم لا!

ومنذ ذلك اليوم صار داتو فانو، وفانو صار داتو، كان يوما مثل الشمس عندما خرج فانو المتلبس في داتو إلى الشارع يتمشى.. يرى رجلا فيضك عليه، امرأة فيشتمها، يرى طفلا فيضربه على قفا رأسه، يرى كلبا فيهشه بالعصا، يرى عصفورا فيرميه بالحجر، يكسر الأواني الفخارية، ويضرب الشجرة بالفأس..

إيه، بماذا أضربها إذن؟! وباختصار، فانو صار داتو تماما.

كان يوما مثل الشمس عندما خرج داتو المتلبس في فانو إلى الشارع، شرع يسلم على معارفه، وعلى من لا يعرفه أيضا، يلاطف الصغار، يقدم الدخن للعصافير.. إيه ماذا أقدم لها إذن؟!. وأحيانا يزرع الأشجار.

وباختصار، تغير داتو نهائيا، صار فانو تماما.

ومر زمان..

كان يوما غائما عندما كان داتو المتلبس في فانو يفرح لأنه صار فانو، لم يتذكر بأنه كان داتو ذات يوم، كان يحب الجميع والجميع يحبونه.. إيه، ماذا أريد أكثر من ذلك؟!

كان يوما غائما عندما كان فانو المتلبس في داتو يجلس ويتذكر بأنه كان فانو ذات يوم.. يتذكر كيف يضحك الرجل، كيف تبتسم المرأة، كيف يكبر الأطفال ويطير العصفور، كيف كان يلاطف الكلب، كم كانت الأواني الفخارية جميلة، وكيف زرع شجرة ثم تذكر بأنه صار داتو ورأى كيف صار الرجل ساخطا، والمرأة منزعجة، كيف مات العصفور وكيف تكسر الفخار، وكيف كانت الشجرة تئن..

ذهب فانو المتلبس في داتو إلى داتو الذي صار فانو، وقال:

- أنت يا من صرت فانو، لم أعد أريد أن أكون داتو، أعد لي فانويتي.

فأجابه داتو المتلبس في فانو:

- لا.

- أعد فانويتي أرجوك.

- لا.

- أعدها وإلا ضربتك، فأنا الآن متلبس في داتو، هل تسمع؟

عندها قال داتو المتلبس في فانو:

- لا تأخذ مني فانو، أرجوك.. كوني فانو هو شيء جيد، وأريده. فلا تأخذه أرجوك.

عقد فانو المتلبس في داتو ما بين حاجبيه:

- أنا أيضا، لم أعد أريد أن أكون داتو.

فكّر داتو المتلبس في فانو ثم قال:

- يا أنت الذي صرت داتو، هل تعرف ماذا سنفعل؟ تعال ولتكن فانو أيضا، عندها نكون نحن الاثنين فانو، أليس من الممكن أن يكون كلانا فانو؟!

حاول فانو المتلبس في داتو كثيرا حتى عادت إليه فانويته أخيرا، بالرغم من أن اليوم كان ماطرا.

وهكذا.. صار فانو داتو، وداتو صار فانو.

وفي النهاية.. توحد الاثنان في فانو.

 

غادة جاويش ومارينا تخينفاليلي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




غلاف المجموعة الجورجية فانو وداتو