العلاج بالتصوّر

العلاج بالتصوّر

تتكون في ذهن كلّ منا يومياً عشرة آلاف صورة، نصفها سلبي التأثير، فهل يمكننا التحكم في بعضها لأجل التشافي، والتعافي؟!

حتى أوائل السبـعـينيـات ظـل العالم (الأنجلو ساكسوني) (الجديد)، يدير ظهره لدور المخيلة في معالجة الجسد، لكن طبيباً من لوس أنجلوس متخصصاً في العلاج الإشعاعي للأورام السرطانية - أي قمة الطب المادي آنذاك - هو الدكتور (كارل سيمونتون)، صدم هذا العالم الجديد باستخدام علاج قديم جداً، جرى تحديثه، وطبّقه على 159 مريضاً من المصابين بأورام صُنّفت كسرطانات غير قابلة للشفاء وقيل لأصحابها إنه ليس لديهم غير عام أو نحو عام للحياة برغم العلاج. وكانت النتائج مفاجأة.

استخدم الدكتور سيمونتون العلاج بالتصوّر IMAGERY، بمؤازرة علاجات السرطان الأخرى كالكيماويات والإشعاع، وحدث أن 40% من مرضى هذه التجربة ظلوا على قيد الحياة بعد 4 سنوات من بدئها، و22% أظهروا تحسّناً ملموساً، و19% تراجعت أورامهم منكمشة. وكمحصلة عامة أظهرت الدراسة أن استخدام التصوّر العلاجي جعل هؤلاء المرضى يعيشون ضعف أقرانهم ممن لم يتلقوا غير العلاج الطبي.

وفي تعليقه على نتائج تجربته الرائدة تلك في أمريكا، قال الدكتور سيمونتون: (إن التصوّر يمكن أن يقوي الجهاز المناعي بتخيّل صور لكرات دم بيضاء قوية تقهر خلايا السرطان الضعيفة).

نظرة حديثة لعلاج قديم

لأجل هذا العلاج بالتصوّر، كرّس عديد من علماء الغرب جهودهم، ومنهم الدكتور (دينيس جيرستن) أستاذ الطب النفسي بـ(سان دييجو)، الذي ينشر مطبوعة دورية مخصصة لهذا العلاج تحت اسم: (أطلنطا - القارة المجهولة).

يقول الدكتور جيرستن: (التصوّر هو اللغة الأساس داخلنا، فنحن نتفاعل عقلياً مع كل شيء، عبر الصور، والصور ليست فقط بصرية، ولكنها قد تكون رائحة أو ملمساً أو مذاقاً أو صوتاً، وهي الأداة التي تتعامل بها عقولنا مع أجسادنا، ويقدر أن الشخص المعتاد تعبر ذهنه قرابة عشرة آلاف فكرة في شكل صور يومياً، ونصف هذه الصور على الأقل ذو طابع سلبي، وزيادة الجرعة من الصور السلبية يمكن أن يغيّر من فسيولوجية الجسم باتجاه التدهور الصحي على شكل صداع، أو التهابات مفاصل، أو قرح بالمعـدة والجهـاز البولي، وحتى أمراض القلب. ويكون العكـس صحيحاً، أي أن زيادة جرعة الصور الإيجابية تعمل كحافز للتعافي).

هذه الرؤية الحديثة لتأثير التصوّر العقلي على الجسد، هي تاريخياً ذات جذور عميقة وعتيقة في معظم ثقافات العالم التقليدية، بل في الديانات أيضاً. فالأطباء السحرة، أو الشامانيون، لدى القبائل الإفريقية وفي أمريكا الجنوبية، كما هنود النافاجو، يشجّعون المريض على رؤية نفسه معافى حتى يشفى. وقدماء المصريين واليونان - ومنهم أرسطوطاليس وأبوقراط - أبوالطب - كانوا يعتقدون أن الصور توقظ الروح في المخ فتنشط القلب وسائر أعضاء الجسد. كما كانوا يعتقدون أن التصوّر القوي للمرض يؤدي لظهور أعراضه فعلياً.

ظل هذا التصوّر العلاجي مزدهراً في الغرب حتى عصر النهضة، وفيه كتب الطبيب السويسري باراسيلسوز: (إن قوة التصوّر يمكن أن تلعب دوراً مهماً في الطب.. يمكن أن تنتج المرض، ويمكن أن تعالجه). واستمر الاعتقاد الطبي في تأثير التصوّر حتى العقد الأول من القرن 17، حيث امتد الاعتقاد إلى التأثير على الأجنّة في الأرحام. لكن السنوات الثلاثمائة التالية شهدت نكوصاً عن الاعتقاد في تأثير التصوّر، خاصة عندما تسلل إلى الأطباء رأى الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت المولع بالثنائيات والقائل باستقلال العقل عن الجسد. لكن تركيز أطباء النفس المشاهير كفرويد ويونج على معالجة النفس وتجليّاتها الجسدية عبر المخيلة أعادت هذه الأداة العلاجية حثيثاً إلى حقل الطب الغربي. ودعم هذه العودة وفتح لها باب الدخول إلى مجال الطب الجسدي كثير من المشاهدات والتجارب والبحوث، خاصة وقد بدأت الآثار الجانبية لمعالجات الطب الغربي الحديث المغرقة في التصنيع تسفر عن وجهها، وعن العجز الذي تقف به مكتوفة الأيدي أمام الكثير من معاناة البشر نفسياً وجسدياً.

من أبكر الشذرات البحثية في موضوع العلاج بالتصوّر الذي يدعى أيضاً VISUALISATION، كانت تجربة الأمريكي جاكوبسون - ولنلاحظ اهتمام اليهود بمجالات الطب البديل - عام 1920، إذ اكتشف أن الإنسان عندما يركّز في تصوّر أنه يركض فإن عضلات ساقيه (تغمز) بانقباضات صغيرة لاإرادية. ولم تتكرر تجربة جاكوبسون في أمريكا حتى السبعينيات، عندما قام الدكتور كارل سيمونتون ببحثه على مرضى السرطان، ويذكر أحد المراجع أن زوجته (ستيفاني) كانت تساعده في تشجيع المرضى على التخليق العقلي للصور الإيجابية المقاومة لخلايا أورامهم الخبيثة.

بين الأطباء الأمريكيين الذين اهتموا بالتصوّر العلاجي كذلك، يُذكر اسم الدكتور (بيرنارد سيجل) أستاذ الجراحة المساعد بكلية الطب جامعة (يال)، وكان يستخدم الصور التي تظهر للمرضى في أحلامهم أو التي يرسمونها في لوحات، والتي رأى أنها تكشف عن معرفة المرضى لاشعورياً بمكامن أمراضهم. ومن تجاربه استنتج الدكتور (سيجل) أن هناك كثيراً من الناس لديهم القدرة على الشفاء الذاتي، لكن تنقصهم الإرادة ويعولون دائماً على عوامل من خارجهم كالطبيب أو الأدوية أو التدخلات الطبية الأخرى، وهؤلاء لن يجدي معهم التصوّر العلاجي كثيراً، بينما هؤلاء الذين أعدّوا لتحمّل المسئولية، فإن العلاج بالتصوّر يمكن أن يساعدهم في تنشيط عملية العلاج الذاتي الداخلي.

ضلالات أم حقائق؟

إذا كانت التجارب الأولى في أي حقل يمكن أن تتهم بعدم الدقة، فإن قطار البحث الطويل لابد أن يتوقف عند محطات حقيقية وملموسة بعد ذلك، وهو ما حدث في مجال العلاج بالتصوّر.

في جامعة (أوهايو) أثبتت الأبحاث أن التصوّر يوفّر إعداداً جيداً لمرضى السرطان عند تلقي العلاج الكيماوي.

وأثبتت دراسة إيرلندية أن التصوّر رفع عدد (الخلايا القاتلة) السوية في الجهاز المناعي، وهي الخلايا المقاومة للفيروسات المعدية، وخلايا الأورام، والميكروبات والأجسام الغريبة التي يتعرض الجسم لغزوها.

وفي بحث بكلية الطب بكليفلاند تبيّن أن 7 من المرضى الذين تكررت إصابتهم بقرح الفم تباعدت أوقات إصاباتهم بعد (جرعات) من تصوّر هذه القرح مغمورة بغطاء من خلايا الدم البيضاء. وفي مستشفى ماساشوسيتس العام ببوسطن أثبت بحث أن (12) من (15) امرأة تتراوح أعمارهن بين 21و40 عاماً، استخدمن العلاج بالتصوّر فانتظمت دورتهن الشهرية، وقلّت معاناتهن للتوتر وتقلّب المزاج وضغوط ما قبل الدورة. وأثبت باحثون من جامعة جنوب فلوريدا أن مجموعة من مرضى الالتهاب الشعبي المزمن وانتفاخ الرئة تحسّنت حالهم العامة عن طريق العلاج بالتصوّر، الذي خفّض معدلات التوتر والاكتئاب والشعور بالإنهاك المفرط لديهم.

أما الدكتور (أنيس شيخ) (ولابد أنه عربي)، أستاذ علم النفس الطبي بجامعة (ميلواوكي) ومحرر نشرة (مقاربات الشرق والغرب في العلاج الطبي)، فقد أثبت أن العلاج بالتصوّر يمكن أن يخفّض من ضغط الدم المرتفع، ويبطئ من تسارع القلب، ويكافح الأرق، والسمنة، والمخاوف المرضية.

تطول لائحة الإثباتات، لكنها مهما طالت تظل في حاجة إلى إقناع، ولو بتقريب آلية عمل هذا النوع من العلاج إلى الأذهان.

الخيال يتحوّل إلى واقع

المخ يتفاعل مع الصورة الواقعية كما يتفاعل مع الصورة المتخيلة - هذا ما أثبته بحث باستخدام الأشعة المقطعية بجهاز الانبعاث البوزوتروني (بي.ي.تي)، إذ تبين أن نشاط المخ يتشابه إلى حد كبير في الحالتين، المتصوّرة والواقعية. وافترض بعض الباحثين أن الصور العقلية تتكون في ذلك الجزء من المخ المختص بالعواطف والانفعالات، كالبهجة والألم والغضب. لكن تأويل الصور المتكوّنة يتم في المستوى الأعلى من المخ أي اللحاء، وهو المختص بالوظائف (العليا) كالذاكرة والتبرير، ودون هذا التأويل تكون الصور بلا معنى. ومن الملاحظ أن هذا الجزء من المخ الذي تتكون فيه الصور LIMBIC SYSTEM يرتبط بغدة ما تحت المهاد وهي جزء المخ المسئول عن تنظيم درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والشعور بالجوع والعطش والنوم والنشاط الجنسي، كما يرتبط هذا الجزء من المخ بالغدة النخامية التي تقود النشاط الهورموني للجسم كله.

بعد أن تتكون الصورة وتعطيها قشرة المخ المعنى تأخذ غدتا تحت المهاد والصنوبرية في العمل - بتأثير الصورة المتكونة - لإحداث تفاعلات فسيولوجية متجلية في كل خلية من خلايا الجسد، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى ترسل الخلايا إلى المخ إشارات تعلمه باستجاباتها فتقوى الصورة، تصبح أكثر حياة، ويرد المخ مرسلاً المزيد مما يجعل الصورة تستمر، وتتواصل الدورة.

من هنا يتبين أن كل صورة تمر بأذهاننا تؤثر في أجسامنا، وهو تأثير يكون سلبياً أو إيجابياً تبعاً لنوع الصورة المتكوّنة في الذهن.

ولنأخذ مثالاً... يفترض أن شخصاً على موعد مهم للسفر بالطائرة، وبينما هو في الطريق إلى المطار يَعْلق في أزمة مرورية مستحكمة لسبب ما، ويلوح أن انفراج هذه الأزمة ومعاودة الانطلاق ليس قريب الحدوث. سوف تتبادر إلى ذهن هذا الشخص صورة الطائرة وهي تقلع من دونه، أو صورة مَن ينتظرونه أو ما ينتظره في بلد الوصول دون أن يكون موجوداً، وكنتيجة... تتسارع ضربات قلبه، وتنقطع أنفاسه، وتتعرّق راحتاه، وتتشنج عضلات جسده.

على هذا النحو، يتضح أن الصورة الذهنية تُحدث تغيّرات فسيولوجية حقيقية، والمثال المذكور يوضح أن جسد الشخص صار في حالة إنتاج لمزيد من الأدرينالين ليجعله في حالة تأهب، غير ضرورية، إذ ليس في مقدور هذا الشخص أن يفعل شيئاً، بل إن هذا الاستنفار الأدريناليني يمكن أن يعيقه، بالتوتر والارتباك، عن العثور الموفق على مخرج سريع ومناسب.

في ذلك، تقول الدكتورة (باربارا روزي) مديرة مركز استشارات الطب البديل بسانتافي - نيومكسيكو، ومؤلفة كتاب (استخدام التصوّر للصحة واللياقة): (إذا أمكن للشخص أن يستبدل بالصورة السلبية التي تضعه في حالة تأهب غير ضروري وغير مفيد، صورة أخرى إيجابية كما في لحظة استرخاء على شاطئ البحر، أو صورة له وهو يلعب مع أطفاله، فإن هذه الصورة - الإيجابية - بدلاً من إطلاق الأدرينالين في الجسم، تطلق المهدئات الطبيعية التي تجعل التنفس يهدأ، والقلب يتمهّل بارتياح، والتوتر ينخفض، والجهاز المناعي يتقوى وينشط).

كالعزف على البيانو!

يقول أستاذ الطب النفسي دينس جيرستن: (إن الإنسان لو تعلم كيف يجيد توظيف الصورة في دماغه، بدلاً من تركها تندفع وتمر بلا إرادة منه كما لو كانت نهراً غير مروّض، فيمكن أن تكون لها تأثيرات إيجابية طويلة المدى على صحته وعلى عيشه منشرحاً. لكن التحكم في الصور الذهنية هو شيء بالغ الصعوبة، يتطلب الصبر والمداومة كما في تعلم العزف على آلة موسيقية كالبيانو. والوقت اللازم للخروج بنتائج من التصوّر العلاجي يختلف، فآلام التواء كاحل قد تختفي عبر جلسة تصوّر علاجي لمدة 5 دقائق، بينما الشعور بالتخفف من آلام الحروق يحتاج إلى ممارسة أطول لجعل التصوّر فعّالاً. والجرعة المعتادة لمبتدئ قد تكون 15-20 دقيقة يومياً، لكن مع إتقان استخدام الصور الذهنية إيجابياً قد تكفي 5 دقائق للشعور بالارتياح طوال اليوم).

كل ما ذكره الدكتور جيرستن هو بالطبع صحيح، ولكن من منظور احترافي. ولأن هذه السطور أن تعرّف بشكل علاجي غير دوائي يكرّس للوقاية الصحية واللياقة البدنية والنفسية، فإننا نميل إلى التيسير، ونقول: ليكن التصوّر العلاجي كالعزف على البيانو، لكن هناك درجات في هذا العزف، فثمة مَن يعزف جملة موسيقية بسيطة، وثمة مَن يعزف لحناً، وفي القمة نجد عازفي السيمفونيات، وقد لا يتطلب الأمر أكثر من تذوّق هذا العزف وترجيعه في الذهن أو (دندنته) بصوت بشري خفيض. لهذا نتجه نحو إيضاح الخطوط العامة لممارسة العلاج بالتصوّر، وليقطف من ثمارها مَن يشاء، كل؟ بحسب قدرته وحاجته. فليس الأمر - وإن كان مطلوباً أحياناً - جلسات محددة تحت إشراف مدرب خبير، بل الأساس أن يتناسج أسلوب التصوّر مع لحظات حياتنا اليومية المعاصرة، المليئة بالمآزق والضغوط، لعلها تنساب بارتياح أكثر.

إن (صناعة) الصور الذهنية هي عملية طبيعية تحدث لنا كل ليلة أثناء الأحلام، ومن ثم فعملية التصوّر هي أقرب إلى الحلم، ولكنها ترتكز على العقل الواعي لصياغة وإطلاق صور مفيدة. لنقل إنها (صناعة) أحلام يقظة صورها بصرية ومختارة بعناية وتحت السيطرة والتطوير لجعلها كصور الحلم الملوّن النابض بالحياة، وكلما كانت الصورة مدعمة بالعواطف والأحاسيس، كانت أبلغ أثراً. مثال ذلك تصوّر الإنسان لنفسه في لحظة صفاء وود مع أطفاله، أو أحبّائه، أو أصدقائه، أو حتى مع الطبيعة.

تمرين وتسخين

لتحسين نوعية الصور المتخيلة، علينا أن نكون مراقبين أو ملاحظين جيدين للحياة من حولنا، فهذا ييسر صناعتنا لتصوّرات حية أكثر، فعندما نتأمل وردة - على سبيل المثال - ينبغي أن ننتبه ليس إلى شكلها فقط، ولكن أيضاً لرائحتها، وملمس وريقاتها، ومن ثم يكون استحضار صورتها في الذهن أقوى وأكثر حياة. وأفضل الصور هي تلك التي تكون من خبرتنا الحية، فهي تحمل معنى شخصياً أكثر، ومن ثم يكون تأثيرها أفعل لأنها جزء من الذات.

إذا وجدت صعوبة في بناء صور بصرية في البداية يمكن أن يساعدك التمرين التالي: انظر إلى لوحة أو صورة فوتوغرافية لمدة دقيقتين أو ثلاث، ثم اغلق عينيك وحاول أن تعيد تكوين هذه اللوحة أو الصورة في ذهنك بأكبر قدر من تفاصيل الشكل والألوان. وفي حال نجاحك في هذا التمرين، انتقل إلى التمرين على محتويات الغرفة بدلاً من الصورة أو اللوحة، ثم تمرّن بعد ذلك على منظر متحرّك من وقائع الحياة اليومية تختار منه صورة.

وكما يكون التسخين، أو تمارين تمديد العضلات، مدخلاً لتمارين الرياضة الأعلى درجة، كذلك يكون الاسترخاء مدخلاً لأداء التصوّر العلاجي. والاسترخاء في هذه الحالة يتكوّن من: ارتداء ملابس فضفاضة مع خلع الحذاء، مكان هادئ ليس عرضة لاقتحام الآخرين أو تداخلاتهم، مقعد مريح يتيح تمديداً سهلاً للساقين، أو سرير للاستلقاء على الظهر، إغماض العينين، التقاط وإطلاق بضعة أنفاس بعمق دون إجهاد، ثم الدخول في تكوين الصورة إيجابية التأثير. وعند العثور على الصورة الأكثر ملاءمة، يحسن التركيز عليها ليسهل استحضارها فيما بعد، وتكون في المتناول دون (تسخين) كثير، ودون انتظار، فتصير بمنزلة (إسعاف سريع) كلما مرّت ضائقة، أو احتدم مأزق، أو تزايدت الضغوط - جسدية كانت أو نفسية.

يقول المعالجون بالتصوّر إنه مناسب للتعامل مع معظم المشاكل العضوية والوجدانية. وعلى وجه التحديد وجد أنه يساعد مرضى الربو، واضطرابات القلب، والسرطان، والمخاوف المرضية (الرهاب)، وهو واضح التأثير كمخفف للألم، كما أنه يساعد في تحسين العلاقات الشخصية بالآخرين، وإغناء المحتوى الإيجابي لصورة الذات ومن ثم تعزيز الثقة بالنفس.

والأطفال أكثر مناسبة لهذا النوع من العلاج تحت إشراف الكبار، لأن التخيّل لدى الصغار يتسم بالصفاء، ومن اليسير عليهم خلق الصور الذهنية في مخيّلاتهم، فالكثير منهم يعيشون وسط ثروة من الأخيلة والأبطال والكائنات الأسطورية والمشاهد السحرية، التي يمكن أن تساعدهم في التغلب على مشاكلهم بالتصوّر، وفي التعبير عن أنفسهم، وتقوية ارتباطهم بوالديهم.

ختاماً، قد يكون مناسباً إيراد نموذج للعلاج بالتصوّر، يكون مساعداً للجميع على الاسترخاء - مع تمارين التنفس المفيدة للعموم.

في وضع الاسترخاء الذي يناسبك، اغمض عينيك، تصوّر دائرة في مواجهتك مباشرة، وبلا حركة من رأسك أو ملامحك، تخيّل أنك ترسم نصف هذه الدائرة بنَفَسك وأنت تأخذ الشهيق، والنصف الآخر ترسمه بنَفَسك أيضاً وأنت تطلق الزفير. وكرر ذلك حتى تبدو الدائرة متجانسة الاستدارة وناعمة، وبعد ذلك، اقض بضع دقائق في تصوّر نفَسك كما لو كان شهيقك يرتحل من أصابع قدميك عبر عمودك الفقري حتى يصل إلى قمة رأسك، وتصوّر زفيرك يمضي في مسار هابط من قمة رأسك حتى أصابع قدميك.

50 ألف دولار للعبة!

ويا ليتها لعبة واقعية، بل هي من ألعاب الواقع الافتراضي. بشّرت بها المجلة الرياضية الشهيرة (توتال سبورت) في أحد أعدادها الأخيرة. وهي (مماثل) ثمنه 37 ألف جنيه استرليني بالكمال والتمام، وتتيح لعشّاق لعبة الجولف أن يمارسوا عشقهم الرياضي في غرفة داخل بيوتهم أو مكاتبهم... المريحة بالطبع!

المجلة الرياضية تقول إن الأعجوبة الرياضية التقنية الجديدة ستتيح (لك!) لعب 35 جولة من ذوات الثماني عشرة حفرة وأنت مرتاح في (بيتك!).

هذه الأعجوبة المسمّاة (المماثل تام التجسيد)، والتي تسوّقها شركات (مايكل جوردان) المتمركزة في شيكاغو تتميز - كما يقول مروّجوها - بتحاشي عوائق الطقس وغيرها مما ينغّص على رهافة هذه (الرياضة). ويرتكز هذا المماثل على تقنية الكمبيوتر والمجسّات الضوئية الدقيقة لتحويل ضربة كرة باتجاه ستارة ضوئية معلقة تمثّل ملعب جولف بكامل مسطّحاته الخضراء وبحيراته وأشجاره وحُفَره، إلى لعب افتراضي يكاد يطبّق ما يحدث في ملاعب الجولف الحقيقية!!

أداء عقلي للفوز

(الأداء الرياضي هو عملية تكامل بين عوامل تقنية وبدنية وتكتيكية وعقلية أيضاً)، هذا ما يقول به (كريس هاروود) مستشار علم النفس الرياضي الأمريكي الذي يجسّد الوصول إلى هذا التكامل بأنه يشبه تحويل فريق رياضي إلى ورشة عقول للبشر الآليين (الروبوتات). وللوصول إلى هذه النتيجة ثمة آليات نفسية تبدأ بخلق (الدافع) الذي يجعل الرياضي يخرج من سريره في الصباحات الباكرة الباردة ليتدرّب، ويجعله يركّز ليبلغ الذروة دون أن تنهار جهوده تحت أي ضغوط. ومثال ذلك.. لاعبة التنس نوفوتنا التي جسّدت في دورة ويمبلدون المثال على أن انهيار المهارة العقلية يؤدي إلى انهيار سائر المهارات.

بناء هذه المهارات العقلية يكاد يمرّ كله من بوابة التصوّر، سواء في تكوين الدافع، أو مهارة التحكم العاطفي لاستبعاد المشاعر السلبية قبيل المباريات، وإطلاق شحنة إيجابية تهيئ لأفضل أداء بدني مطلوب.

في السباحة وألعاب القوى كمثال، يكون الإعداد النفسي باللعب على النقاط والأرقام الأفضل التي يسجّلها اللاعب، لكن في رياضات كالمصارعة والملاكمة، لابد من تمثّل حالة الانتصار، وعمليات تحفيز اللاعبين غالباً ما تكون الصورة هي أداتها.

وثمة تقنية في بناء برنامج المساعدة النفسية لرياضييّ القمة تسمى (صورة الأداء)، يتدرب عليها اللاعب ذهنياً قبل المباريات وأثناءها. وضمن هذه التقنية تصوّر حالات ضاغطة والتدرب عليها قبل حدوثها، مثل خروج إنجلترا بضربات الجزاء من كأس العالم، فلابد من اعتبار هذه اللحظات الحرجة طبيعة ثانية مغايرة وإعادة خلقها والتدرّب عليها بأقصى التفاصيل المحتملة مثل وجود جمهور كبير واللعب أمام خصم حقيقي.

إن كثيرين من الأبطال الذين نراهم يبلغون الذرى الصعبة أمام عيوننا، عادة ما يكونون قد تدرّبوا على هذه الذرى من قبل، بالتصوّر، داخل عقولهم.

 

محمد المخزنجي

 
 




للمساعدة في تكوين الصورة الذهنية ينظر الإنسان إلى اللوحة عدة دقائق ثم يستعيد بعض تفاصيلها مغمض العينين





مماثل لعبة الجولف.. رياضة نصف وهمية بخمسين ألف دولار!





مايكل جونسون نجم ألعاب القوى العالمي أحد الذين يمتلكون المهارات العقلية في الأاء الرياضي