أنا والبحر (قصيدة)

أنا والبحر (قصيدة)

شعر

أنا والبحرُ والنادلْ
ومقهى الأربعين محاصرٌ بصياحهمْ
وهْمُ رجالٌ يحرقونَ الوقتَ بالداما
وفي لُعَبِ الورقْ
وجدالهمْ حولي كمن في حفلةٍ شخصيةٍ
وأنا أرتبُ مفرداتِ قصيدةٍ متوقّعهْ
ما قالهُ لي صاحبي..
أو تستلذُ كتابةَ الأشعارِ
في هذا المكانْ
صَخبٌ وأصواتُ مشتتةٌ ونرجيلاتٌ لا تُحصى
يضجُّ دخانُهَا في كل ناحيةٍ ويغزونا بلا استئذانْ
نعم يا صاحبي.. لكنهُ البحرُ الجميلُ
وذكرياتٌ جمّةٌ وحبيبةٌ كانتْ هنا
لكنها رحلتْ مع البحرِ المَهُولِ
إلى بلادِ السندبادْ
من أربعينَ سنهْ..
أنا مازلتْ يومَ رحيلها من كل عامْ
آتي إلى هذا المكانْ.. لا أدري إن كانتْ على وجهِ الحياة
كانتْ قد انقطعتْ رسائلها
مُذْ أخبرتها أمُّها
أني تزوجتُ التي كانتْ
تطارحني الغرامَ قُبيل رحيلها
هل كان لي أن أنتظرْ
إني هنا أُحصي فصولَ طفولتي
في أجملِ الأحياءِ حيِّ الأربعينْ
أتناولُ الماضي بملعقةِ الخيالْ
فلقد تغيرت المعالمُ والمواقع وحدها
والبحرُ أضحى نائياً عما ألفناهْ
كنا نلاعبُه بأيدينا ونُومئ للمسا
من شرفةِ المقهى
ونرسلُ للشطوطِ زوارقَ الورق المقوَّى
رمزَ هجرتنا إلى الزمنِ البعيدْ
ونجمِّعُ الأصدافَ، ما لفظتهُ
من بعضِ المويجاتِ التي كانتْ تراشقنا بها
وتلقيها على أقدامنا السمراءْ
هناكَ.. هنا.. هنالكَ
كان لي أغلى الأحبةِ
دُورهُمْ فتَّ المدى قاماتِهَا
وتوزعوا كلَّ اتجاهْ
ياحبذا لو يرجعونْ
لم يبقَ من آثارهمْ
إلا فناءُ القبة الخضراءْ
هي ذي تلوحُ لناظري
من شرفةِ المقهى
كنا نسمِّها «الزويتينهْ» ومازلنا
ونعصرُ عندها زيتونَ أعيننا
وقتَ الدعاءْ
مازلتُ يا سادهْ
على الكرسيِّ في المقهى
أسافرُ دون أن أرحلْ
إلى صيدا القديمةِ مستعيداً
سحنتي وملاعبي الأولى وصرخاتي
الطفوليهْ
ودورَ أحبتي
وأزقةَ السوقِ التي أكلتْ
من الأقدامِ
واحتفظتْ بأسماءٍ شهيهْ
كتابُ العمر يحفظها
وعطرُ الشاكريهْ(1).

------------------
(1) محلة في صيدا القديمة.

 

 

حسن جعفر نورالدين