التشنج الحراري عند الأطفال هيثم القاسم

التشنج الحراري عند الأطفال

قبضة قاسية تمسك بالأجساد الصغيرة الغضة، وترجها رجاً تنخلع له أفئدة الآباء والأمهات، فما مصدرها، وكيف الطريق إلى النجاة منها؟

البعض يسميها هزة الحائط والبعض الآخر يطلق عليها الرجفة وتعرف بين الناس أحيانا بالرجفان الحراري، وهي حالة إسعافية يكثر حدوثها عند الأطفال في سن 6 أشهر - 5 سنوات "5% من الأطفال قد يتعرضون لهذه التشنجات خلال سني حياتهم الأولى" وقد تنطوي على مخاطر قد تهدد حياة الطفل أو مستقبله في بعض الأحيان.. ولكثرة مشاهدة مثل هذه الحالات لا بد من التعرض لها بشيء من التفصيل.

التشنج الحراري

وبادئ ذي بدء لا بد من معرفة ما هو التشنج الحراري.

هو حركات ارتجافية مفاجئة لا إرادية "لا يمكن للمريض التحكم بها" معممة أو جزئية تشمل الأطراف كلها أو معظمها أو بعضها تدوم ما بين لحظات إلى دقائق، وتترافق دوما مع ارتفاع في درجة الحرارة أكثر من 38 درجة مئوية. وللتشنج الحراري شكلان:

الأول: وهو الأقل خطورة والأكثر مشاهدة ويدعى التشنج الحراري البسيط ويتصف بما يلي:

- معمم، أي يصيب جميع أو معظم الأطراف.

- يدوم أقل من 15 دقيقة.

- يترافق مع حرارة أعلى من 38.8 درجة.

- لا يترك أي آثار أو مشاكل عصبية فيما بعد.

- غير ناجم عن التهاب في الجملة العصبية المركزية "التهاب دماغ أو حمى شوكية". ويصيب طفلا طبيعيا تماما أي لا يعاني من أية مشاكل عصبية سابقة ولا توجد لديه أي قصة عائلية لحدوث صرع أو تشنج حراري.

الثاني: وهو الأخطر والأسوأ لكنه لحسن الحظ الأقل مشاهدة ويدعى التشنج الحراري المعقد، ويتصف بما يلي:

- يدوم أكثر من 15 دقيقة.

- قد يتكرر عدة مرات بعد حدوث النوبة الأولى أو خلال اليوم الأول من حدوث التشنج.

- تشنج بؤري جزئي أي يصيب طرفا واحدا أو جهة واحدة كأن يصيب أحد الطرفين العلويين أو السفليين أو عضلات الوجه.

- يحدث بعمر مبكر "قبل السنة". وأن تكون هناك قصة عائلية لحدوث صرع أو تشنجات حرارية.

- حالة الطفل العصبية قبل التشنج غير طبيعية كأن يكون لديه تخلف عقلي أو مشاكل عصبية سابقة.

لماذا يحدث التشنج الحراري؟

إن آلية حدوث التشنج الحراري لم تعرف بدقة إلى الآن، لكن يقال إن الارتفاع المفاجئ في درجة الحرارة يزيد من حاجة الخلايا الدماغية للطاقة وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض قدرة الخلايا الدماغية على تحمل الحرارة العالية مما يؤدي إلى إطلاقها تيارات عصبية مفاجئة تفوق قوة التيارات العصبية الطبيعية التي تطلقها خلايا الدماغ في حالتها الطبيعية، تماما كما يحدث عندما يلمس الإنسان سلكا كهربائيا يجري فيه تيار كهربائي عالي التوتر مما يؤدي إلى حدوث اهتزازات في جسمه قد تسقطه أرضا مغشيا عليه أو مصابا بصدمة. ويعتقد أن هناك استعدادا وراثيا لمثل هذه الحالات حيث يمكن إثبات وجود حالات من التشنج الحراري أو الصرع لدى والدي الطفل أو أحد أقاربه في 60 - 70% من الحالات.

ويحدث التشنج الحراري كما أسلفنا بسبب الارتفاع المفاجئ بدرجة الحرارة، وهذا بدوره ينجم في معظم الأحيان عن الالتهابات التي قد يتعرض لها الطفل كالالتهابات الفيروسية للطرق التنفسية والتهابات الأمعاء وغيرها أو التهاب الأذن الوسطى أو البلعوم أو اللوزتين.. وغير ذلك..

هل يتكرر هذا التشنج؟ وكيف نتحاشاه؟

نعم، فالأطفال الذين يصابون بالتشنج الحراري للمرة الأولى هم عرضة لتكراره مرة ثانية وثالثة، فقد أثبتت الدراسات أن 50% من الأطفال الذين أصيبوا بالتشنج الحراري لن يتكرر لديهم هذا التشنج في حين يكون الـ 50% الباقية عرضة لتكراره أكثر من مرة خلال فترة ارتفاع درجة الحرارة. لذلك ينصح في مثل هذه الحالات بأن يكون الطفل خلال الفترة الأولى التي تلي التشنج تحت المراقبة الطبية المكثفة في المستشفى.

وإلى حد ما يمكن تفادي حدوث التشنج الحراري، فالأطفال بالعائلات التي تشيع فيها حالات الصرع والتشنجات الحرارية هم أكثر عرضة من غيرهم لحدوث مثل هذه التشنجات، لذلك ينصح دوما بمراقبة حرارة هؤلاء الأطفال بشكل منتظم خلال إصابتهم بالالتهابات ومعالجة ارتفاع الحرارة بشكل فوري وفعال كما سيأتي لاحقا، ومن باب أولى أن يطبق هذا الكلام على الأطفال الطبيعيين.

والآن نأتي إلى أهم نقطة في هذا البحث ألا وهي كيف نتصرف عند حدوث التشنج الحراري.

أولا، وقبل كل شيء، علينا ضبط الأعصاب وعدم الارتباك والتصرف بحكمة وروية مع العلم بأنه موقف صعب ومربك لكن الارتباك لا يحل المشكلة بل يفاقمها وقد يؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها.

عند حدوث التشنج يجب استدعاء أحد ما للمساعدة ويفضل أن يكون ذا إلمام طبي أو لطلب المساعدة أو ترتيب نقل الطفل على جناح السرعة إلى أقرب مركز طبي ويفضل أن يكون مستشفى لتوافر الإمكانات الضرورية فيه، وهذا يجب أن يحدث خلال دقائق، وريثما يتم ذلك يجب القيام بالإجراءات التالية:

- يمنع إعطاء أي شيء عن طريق الفم حتى الدواء خشية حدوث استنشاق الأطعمة إلى الرئة وحدوث التهاب رئوي أو اختناق.

- يوضع الطفل على جانبه الأيمن وينظف الفم بلطف بقطعة شاش نظيفة من بقايا الطعام والإفرازات وتخلع ثياب الطفل بالكامل ولا يزال أي رباط حول عنقه وتقاس حرارة الطفل الشرجية ويعطى خافض حرارة بشكل تحاميل لأنها أسرع مفعولا وأضمن ألا يتقيأها الطفل.

إذا كان وزن الطفل 5 - 10 كغم يعطى

TYLENOL

100 ملغم.

إذا كان وزن الطفل 10 - 20 كغم يعطى

TYLENOL

200 ملغم.

إذا كان وزن الطفل أكثر من 20 كغم يعطى

TYLENOL

350 ملغم.

كمادات فاترة لا باردة

تطبق كمادات ماء فاتر على كل الجسم من الرأس إلى القدم وليس على جزء بسيط من الرأس كما يفعل البعض ولا ينصح أبدا باستعمال كمادات ثلج أو إضافة خل أو كحول كما يفعل الكثير من الناس إذ إن هذه الأمور ناهيك عن أنها لا تخفض حرارة الجسم المركزية فإنها قد تكون خطرة على الطفل، فاستعمال الكمادات الباردة جدا يؤدي إلى تقلص الأوعية الدموية السطحية للجلد مما يترك الحرارة الداخلية للجسم مرتفعة وهذا بدوره يؤدي إلى رفع درجة حرارة الجسم وحدوث ارتجافات قد تربك الأهل ظنا منهم أنه تشنج آخر.

كما أن استعمال كمادات الكحول قد يؤدي إلى انخفاض الحرارة بسرعة وحدوث تشنجات عند الأطفال الصغار كذلك قد يؤدي إلى انخفاض في سكر الدم لذلك ينصح دوما باستعمال كمادات الماء الفاتر حيث تبلل منشفة كبيرة بماء عادي وتطبق على مختلف أنحاء الجسم مع تدليك خفيف للجلد في محاولة لتوسيع الأوعية الدموية السطحية للجلد مما يؤدي إلى تبخر الحرارة من الداخل للخارج.

ومن العوامل الأخرى المهمة التي تساعد على انخفاض درجة الحرارة:

- تهوية المنطقة المحيطة بالطفل.

- إعطاء كميات إضافية من الماء عن طريق الفم وذلك بعد تحسن حالة الطفل وعودة وعية طبيعيا.

وبعد أن يقوم الأهل بالإجراءات الضرورية لخفض الحرارة ينقل الطفل إلى المستشفى لإجراء الفحص السريري وبعض الفحوص الدموية الضرورية وكشف سبب ارتفاع الحرارة وتقييم حالة الطفل العصبية وتقديم العلاج والنصائح الضرورية.

تساؤلات وأجوبة

قد يتساءل بعض الأهل متى ينصح بتناول دواء وقائي لمنع التشنج؟

نقول: إن هناك بعض الاستطبابات التي حددها أطباء الأطفال كما يلي:

- الطفل الذي يصاب بعدة نوب متلاحقة بعد النوبة الأولى خلال فترة ارتفاع الحرارة.

- الطفل الذي يصاب بثلاث نوب تشنج حراري متقطعة.

- كل طفل أصيب بتشنج حراري ولديه مشكلة عصبية سابقة أو هناك قصة صرع في عائلته.

- أي طفل مصاب بتشنج حراري من النوع المعقد الذي وصفناه في مقدمة البحث.

السؤال الأخير الذي لا بد أن يطرحه كل أبوين:

ما هو مستقبل طفلنا العصبي والتطوري وهل سيصاب بأي تخلف فكري أو اضطراب عصبي؟ نقول وبكل تأكيد: إن الطفل الذي يصاب بالتشنج الحراري البسيط لن يتأثر بأي شكل من الأشكال وسوف ينمو ويتطور فكريا وروحيا وحركيا بشكل طبيعي لا يختلف عن أي من الأطفال الآخرين، لكن هناك نسبة 2% منهم قد يتعرضون في مستقبلهم لما يعرف بالتشنج غير الحراري أي الصرع "EPILEPSY".

 

هيثم القاسم

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات