عرب الصقيع الشمالي.. القلب في كندا والروح في المشرق

عرب الصقيع الشمالي.. القلب في كندا والروح في المشرق

إنهم في كل مكان فوق أرض هذه البلاد الباردة، الواقعة في أقصى نهايات الكون، يعملون ويجتهدون ويساهمون بعرقهم في صنع مستقبل بلاد لم تكن بلادهم، لكنها أصبحت، وأوطان لم يفكروا أنها ستتحول إلى مأوى لهم، ولكنهم ساروا في الطريق ذاته الذي اندفع إليه قبل مائتي عام مغامر خرج من زحلة إلى كندا فكان العربي الأول، الذي اتبع خطاه عرب آخرون زاد عددهم الآن علي نصف المليون.

هكذا حملتنا الطائرة التي قطعت وقتاً بين الطيران والانتظار والتوقف بالمطارات الوسيطة زاد قليلاً على 23 ساعة، خرجنا من الكويت في ساعات الفجر الأولى لأحد الأيام، لنصل إلى مطار (دورفال) بمدينة (مونتريال) العاصمة الثقافية لكندا، قبل عصر اليوم نفسه بفعل فروق التوقيت التي تمنح كندا شمساً يتأخر مطلعها عن بلداننا بنحو ثماني ساعات، وفي الطائرة، وجمارك المطار، وأماكن تأجير السيارات، وباعة الصحف، والأهالي الذين ينتظرون القادمين من خلف الحاجز الحديدي، كانت الملامح تنضح بشرقيتها، وتحديداً بعربيتها التي لا تخفى على أبناء الجلدة الواحدة كانت خطواتنا الأولى في مدينة مونتريال عاصمة الثقافة والفن في أمريكا الشمالية، وعلى امتداد المساحة التي يقطعها شارع سانت كاترين في قلب تلك المدينة الجميلة، كانت كلمات عربية بلهجة لبنانية لطيفة تتقاطع منطلقة عبر رصيفي المشاة اللذين يتوسطهما طريق مخصص لسيارات بدت كثيفة عندما كانت تعبر بهدوء وقت العصاري الصيفية.

ولأول وهلة بدا الأمر مدهشاً، أن يجد المرء عرباً يلقون بنكاتهم وتعلو ضحكاتهم، في أقصى شمال الدنيا، لكن الأمر سرعان ما أصبح معتاداً، إذ إن خطوات صغيرة في ذلك الشارع التجاري كفيلة بالتأكيد على كثافة الوجود العربي في تلك البقعة الكندية الناطقة بالفرنسية والمغردة خارج السرب الشمال أمريكي.

لم يتملكني الذهول طويلاً وأنا أرى عرباً يقطعون ذلك الشارع التجاري الطويل للغاية، فبعد خطوات من المشي، سرعان ما رأيت محلات كثيرة مكتوباً عليها باللغة العربية كلمة (حلال) إلى جانب أسمائها المكتوبة بالعربية والفرنسية، وعند العودة من الجانب الآخر، كان مشهد مقهى عربي يتوسط ذلك الشارع، كفيلاً بأن يدفعني الفضول للدخول، لأرى منذ البداية لوحات من البردى وتماثيل فرعونية متراصّة على جانبي المدخل، فيما واجهتني شاشة تلفزيونية عملاقة تعرض أحد الأفلام المصرية القديمة، رحّب بي (محمود) صاحب المقهى الذي لم تتغير ملامحه عن هيئة أي صاحب مقهى في ميدان العتبة الكائن في قلب القاهرة، لاحظ اندهاشي لأصبع الطباشير المحشور في الفراغ الواقع أعلى أذنه اليمنى، فمد يده وأزاحه ضاحكاً وهو يشير إلى اليمين واليسار حيث جلس أناس ذوو سحن صفراء وبيضاء أوربية يسحبون أنفاساً من (الشيشة) الملقاة بجوارهم ويستمعون إلى أغاني لأم كلثوم كانت تصدح داخل المقهى، الذي قال صاحبه: هنا كلهم كنديون يعشقون الشرق الأوسط والآثار المصرية، لذا كان عليّ أن أهيئ طابعاً أشبه بذلك الذي يتسم به المقهى القاهري، يضيف (في البداية كنت أتصوّر أن العرب سيكونون زبائني، ولكن توافد الكنديين بكثافة جعلني أسمّيه (مقهى الأهرامات) ثم أعيد تجهيز ما بداخله لأجلهم).

مضيت في طريقي قبل أن أدخل مطعماً من بين عشرات المطاعم التي يملكها لبنانيون وشوام وتقدم العديد من الأصناف العربية التي يؤكدون بحزم أن اللحوم بها مذبوحة وفقاً للشريعة الإسلامية.

وعندما تعبت من طول ذلك الشارع الذي بدا وكأن لا نهاية له، كانت المفاجأة الأخرى عندما اكتشفت أن سائق التاكسي الذي أوصلني لفندق (شاتو رويال) هو أيضاً لبناني الأصل، فيما التقطت مفتاح الغرفة من موظفة الاستقبال التي كانت قد بدأت للتو تسلّم دورها في العمل، وبعد كلمات قليلة، رحّبت بي بلغة عربية عقب اكتشافها من طريقة نطقي أنني من الشرق الأوسط، وعرفت منها أنها فلسطينية مولودة في إحدى الدول الخليجية.

في الصباح الذي يبدأه الكنديون باكرا كي يستقروا في مكاتبهم قبل التاسعة صباحاً، أردت الذهاب إلى منطقة Place vertu في الحي الذي يسكنه معظم العرب الكنديين المقيمين في مونتريال واسمه (Ville.St-Laurent) أو حي سان لوران، انطلقت إلى محطة مترو (Guy) تحت طبقات عدة من الأرض، إلى محطة أخرى لأستقل من هناك باصاً شديد الأناقة، أوصلني خلال عشر دقائق إلى المكان الذي قصدته، لأجد هناك حيّاً بدا لي أنه قطعة من بيروت. انتقلت من دفء المتوسط إلى الصقيع الشمالي شديد القساوة، وجدت ضالتي في سوق ضخم ظهر اسمه (بيبلوس) بوضوح من بعيد وأنا أسير في شارع (De Lacadie) وإلى جواره جريدة (المستقبل) التي تصدر أسبوعياً وبانتظام باللغة العربية في مونتريال وتوزع في معظم أنحاء كندا، في هذا السوق كان الباعة كلهم من العرب، وكان المشترون بلهجاتهم وملامحهم من الشام ومصر والعراق، وقد أقبلوا على شراء المواد الغذائية المستوردة من البلاد العربية، والتي لا يمكن أن يتوارد إلى الذهن منها صنف واحد دون أن يجده المرء قابعاً فوق أحد الأرفف، حتى أن أنواعاً من البقول العربية وجدتها بألوان مختلفة، ووجدت أعشاباً طبية عدة، ومأكولات شديدة الارتباط ببعض الدول العربية دون غيرها كالفسيخ المصري و (الكسكسي) المغربي مثلاً.

بعد العصر، كانت قد جاءتني دعوة مسائية عقب صلاة العشاء لحضور حفل (عقيقة) في مسجد بأحد أحياء مدينة مونتريال.

في هذا المسجد الذي ازدحم بعدد كبير من العرب، والذي يشغل الدور الثاني لإحدى البنايات وسط تلك المدينة التي تشبه إلى حد كبير مدينة نيويورك ببناياتها الضخمة ذات الواجهات اللامعة، شاهدت لوحة خشبية معلقاً عليها بيانات مكتوبة قرأت أرقامها، كانت نفقات هذا المسجد الشهرية كبيرة، ما جعلني أسأل عن كيفية الحصول على الموارد اللازمة لتغطية هذه النفقات، عندئذ أخبرني إمام المسجد بأنها تأتي عن طريق التبرّعات التي تستقطع من الضرائب السنوية التي يسددها العرب والمسلمون، حيث يسمح القانون بخصم التبرّعات الخيرية من الوعاء الضريبي.

صلاة العيد

في استاد تورنتو الضخم (سكاي دوم) كنت بين ما يقرب من العشرة آلاف مصل من الرجال والنساء، جاءوا من مختلف المدن المجاورة للمدينة الضخمة، لأداء صلاة العيد فتح الاستاد الأكبر من نوعه أبوابه للمسلمين من الجالية العربية، بعدما قام أحد المراكز الاسلامية باستئجار هذا المكان مقابل مبلغ وصل إلى 50 ألف دولار.

كان المشهد بديعاً، أن تكون في أقاصي الشمال وتجد نفسك محاطاً بجموع ينطقون مثلك ويؤدون شعائرك نفسها، كان الأمر حميمياً، أعادني فوراً إلى طقوس صلاة العيد في الخلاء التي تمارس في شرقنا الأوسط، وحاولت المقارنة، فوجدت أن الأمر في الشمال الأمريكي يبدو نوعاً من إثبات الذات والتمسك باستماتة في الحفاظ على الخصوصية، فقد كان الآباء في هذا المشهد الباهر، يمسكون بأبنائهم الصغار، في سعي دءوب لربطهم بتراثهم ودينهم وعاداتهم، وبهؤلاء البشر الأكثر قرباً في بلاد الهجرة.

هذا المشهد دفعني لمواصلة البحث عن المكانة الدينية في تلك المقاطعة ذات الوضع العجيب، فهي عاصمة لمقاطعة أونتاريو، ولكنها رغم امتداد مساحتها وكثافة عدد سكانها، ومع أنها أهم المدن التجارية والصناعية في الشمال الأمريكي بعد نيويورك،فإنها ليست عاصمة لكندا، فالعاصمة الاتحادية هي أوتاوا التي هي أيضاً رغم وقوعها في مقاطعة (أونتاريو) نفسها، إلا أنها ليست عاصمة إقليمية.

التفاعل والاندماج

والوجود العربي في كندا قديم، فهو يرجع إلى العام 1882 أي بعد قيام الدولة الكندية بست سنوات عندما وصل إلى مدينة مونتريال قادماً من زحلة عن طريق نيويورك المهاجر العربي الأول إبراهيم أبو نادر، ليتبعه بعد سنوات قليلة آخرون بدأوا ببيع البضائع لسكان المناطق المجاورة للمدن.

وفي الوقت الذي لا توجد فيه إحصاءات دقيقة عن عدد العرب، فإن هناك محاولات عدة وفردية لحصرهم، على عكس الإحصاءات الدقيقة لليهود خصوصاً رعايا إسرائيل الذين تستطيع استدعاءهم في أي لحظة، كما أن وزارة الإحصاء الكندية تشير إلى أن هناك 58 ألف مهاجر عربي ممن ولدوا خارج كندا، وحوالي 200 ألف ممن ولدوا من أصول عربية.

الوثائق التاريخية هنا تشير إلى أن عدد المهاجرين العرب قد وصل عام 1890 إلى 50 شخصاً، ثم قفز في عام 1901 إلى 2000 شخص، وفي عام 1931بلغ 10753 مهاجراً وبلغ عام 1961نحو 19374 وزادت الهجرة بعد الحرب اللبنانية، ثم تواصل الازدياد إلى أن بلغ الوضع الحالي الذي يزيد فيه على نصف المليون عربي في بلد لا يزيد عدد سكانه رغم كل تلك المساحة الشاسعة على 30 مليون نسمة.

لكن هذا العدد في رأي الناشط العربي في كندا الدكتور إبراهيم حياني غير قادر على أن يترجم ذاته إلى وزن سياسي، مرجعاً أسباب ذلك لعدم وجود مؤسسات قومية حضارية تجمع كل العرب الموجودين في كندا.

ويقول د. حياني - الذي يعمل أستاذاً للعلوم الاقتصادية في جامعة رايرسون، والذي يكتب مقالاته في معظم الصحف الكندية الكبرى، التي تصدر باللغة الإنجليزية ويساهم بشكل منتظم في تلك الصادرة باللغة العربية أيضاً - إن العربي يحضر إلى كندا ومعه رواسب مجتمعه التقليدي، وهو غالباً مسكون بصفات مرضية متفشية في العالم العربي، هذه الرواسب تشل لديه إمكان التعامل مع المجتمع الكندي، وهو مجتمع ديمقراطي فيدرالي حيث كل شيء فيه قابل للأخذ والعطاء، فليس بالضرورة في كندا أن تكون عدوّاً لمن لا تتفق معه في الرأي.

ولكن ماذا عن مسألة التفاعل مع المجتمع الكندي والاندماج فيه؟ يقول د. إبراهيم حياني الذي أصدر دراسة مهمة في مجال الهجرة العربية، إن الاندماج ضرورة صحية من حيث المبدأ، ولكن السؤال المهم هو: كيف يكون هذا الاندماج؟

يضيف: إن هناك في الوقت الحاضر ثلاث وسائل للتعامل مع الواقع الجديد، الأولى أن يعزل العربي نفسه عن هذا الواقع تماماً، أي أنه يعيش في كندا وكأنه ليس فيها، وهذه الوضعية غير صحيّة، أما الثانية، فهي الذوبان في الواقع الجديد بمعنى أن يتحول (عبدالله) إلى (ألبرت) مثلاً، وهو أمر سيئ يؤدي إلى زوال اللغة الأم والانقطاع عن الحضارة العربية، أما الثالثة فإن الأسلم هو الاندماج بمضمونه الأكاديمي، أي أن تنخرط في المجتمع وتتفاعل معه شرط أن تظل محتفظاً بالقيم والمثل الحضارية لديك.

قوة فاعلة

وتشير إحصاءات حديثه إلى أن 48 في المائة من العرب يعملون في التجارة والأعمال الادارية والمهنية، و17 في المائة في الأعمال الكتابية والمحال التجارية و15 في المائة في الزراعة والصناعات المختلفة، و20 في المائة من طلبة المدارس والمعاهد العليا ومن ربّات البيوت وأرباب المعاشات.

كما تشير هذه الإحصاءات إلى أن 92 في المائة من المهاجرين العرب يقطنون مقاطعات البرتا وكويبك وأوتاريو، وتبلغ نسبة الذكور منهم 60 في المائة.

ومعظم المهاجرين العرب هم من اللبنانيين يليهم المصريون ثم العراقيون الذين تزداد نسبتهم بشكل ملحوظ منذ حرب الخليج الثانية.

هذه التصنيفات جعلتنا نسأل عن السبب في عدم تحوّلها إلى قوة فاعلة في المجتمع الكندي، من هذا الاطار انطلقنا إلى مدينة (إيتوبيكوك) Etobicok في مقاطعة أونتاريو حيث يقع (مركز الجالية العربي) وهناك التقينا المسئولة عنه السيدة ليلى بندقجي التي أخبرتنا أن المركز الذي تأسس في عام 1972 هو عبارة عن منظمة خيرية ومعتمدة من قبل الحكومة الفيدرالية الكندية، يتم تمويله من الدوائر الحكومية على مختلف مستوياتها، وهدفه الرئيسي خدمة المهاجرين والقادمين العرب إلى كندا على مختلف أجناسهم ومعتقداتهم الدينية. الخدمات التي يقدمها المركز مجانية، ومن أهمها عقد جلسات توجيهية للقادمين الجدد وإعطاء معلومات لهم حول السكن والمواصلات وفرص العمل والمدارس والجامعات، بالإضافة إلى تقييم الشهادات الدراسية وترجمة وتوثيق جميع المستندات الرسمية ، إلى جانب إعطاء نصائح وإرشادات لحل المشاكل العائلية، وكذلك مرافقة أصحاب الطلبات إلى الدوائر الحكومية ومساعدة الأشخاص على تطوير مهاراتهم في البحث عن عمل وإعداد السيرة الذاتية.

وتؤكد السيدة بندقجي أن من بين أهم المهام الملقاة على عاتق المركز توجيه وإرشاد الشباب ومساعدتهم في حل مشاكلهم، إلى جانب توفير استشارات قانونية مجانية، ومساعدة أبناء الجالية على الربط بين تراثهم والحياة الكندية، وفي هذا الإطار، تقول السيدة بندقجي، فإن متوسط ما يستقبله المركز خلال السنة الواحدة يصل إلى نحو عشرة آلاف مهاجر جديد، تشكل النساء منهم نسبة 39 في المائة، وتؤكد أن الكثير من الخلافات العائلية بين العرب تقوم المحاكم بإحالتها إلى المركز الذي يتدخل لإصلاح ذات البين، وترجع معظم المشاكل العائلية التي يعانيها العرب خصوصاً القادمين الجدد إلى كندا، إلى سببين رئيسيين، الأول هو عدم وجود معرفة كافية بنمط الحياة في كندا والتي تختلف بشكل جذري عن نمط المعيشة في البلاد العربية، حيث يكون من غير المقبول صفع الأبناء أو استخدام العنف ضد النساء، والثاني هو عدم الحصول على العمل للقادم الجديد، الأمر الذي ينعكس في العديد من المشاكل يكون الاستقرار الأسري من بين ضحاياها.

ومنذ فشل الحزب الكيبكي في مساعيه لفصل المقاطعة الناطقة بالفرنسية عن بقية أجزاء كندا في مايو 1995، والأضواء بدأت تتسلط بشدة على الجالية العربية الموجودة في كندا، فاعتباراً من تلك الانتخابات التي أسفرت عن إحباط المسعى الانفصالي بنسبة لم تزد على 2ر-%، اكتشف السياسيون الكنديون أن الوجود العربي في كندا أصبح رقماً صعباً وقوة انتخابية مؤثرة للغاية، لدرجة أن جاك باريزو الزعيم الانفصالي خرج في تلك الانتخابات ليهاجم وبشدة الأقليات والعرب خصوصاً) الذين أجهضوا حلم حزبه بتشكيل كيانهم المستقل.

اعتباراً من تلك الانتخابات بدأت المساعي للجالية العربية، على استحياء في البداية ثم طرحت بعد ذلك نفسها بقوة على الساحة، وشاركت بشكل فاعل في الحياة السياسية في مختلف مقاطعات كندا، بل واستطاع عدد من رموزها الفوز بعضوية البرلمان الفيدرالي، وكذلك المجالس النيابية التابعة للولايات الكندية!

ومن بين الأسماء التي نجحت في دخول البرلمان الفيدرالي الكندي، مايكل ديبانيا وهو عربي مهاجر من لبنان، وكذلك داود البوشي الذي استطاعت الجالية العربية إيصاله ليكون نائباً عن منطقة سارينا في برلمان مقاطعة أونتاريو الذي يقع مقره في العاصمة الاتحادية أوتاوا، في الوقت الذي لايزال فيه مارك أسعد يشغل أحد المقاعد في البرلمان الفيدرالي.

أما في أدمنتون عاصمة ولاية البرتا، فقد استطاعت الجالية اللبنانية فرض وجودها بشكل جيد في المجتمع الذي هي فيه، فمنها كان أحد وزراء النفط السابقين، كما أن 45 في المائة من الأعمال في مدينة ليبيش مملوكة للعرب، وتعتبر اللغة العربية في تلك المقاطعة لغة شبه رسمية، وتدرس في عدد من المدارس لجميع الطلاب من أصل عربي، والسبب هو الحضور العربي الفاعل.

في الوقت نفسه، تشهد الانتخابات التي أجريت أخيراً في كندا مشاركة عربية فاعلة، في كل مستوياتها، وشارك عدد من الأسماء العربية في خوض تلك الانتخابات، غير أن الافتقار إلى التنسيق ساهم، في معظم الحالات، في عدم القدرة على الدفع بالمرشحين العرب لحسم النتائج لصالحهم، وهذا ما حدث في الانتخابات التي جرت عام 1999 عندما لم يفز أي من المتقدمين من أبناء الجيل الثاني للعرب المهاجرين، ومنهم ناشطون من أصحاب الأسماء اللامعة في أوساط الجالية العربية.

ولكن مع ذلك، فقد استطاع العربي اللبناني جوزيف أو (جوغيز) الذي توفي قبل خمس سنوات الفوز برئاسة وزراء مقاطعة برنس إدوارد لفترتين متتاليتين، فيما يشغل (جوزاكم) وهو عربي منصب المحافظ في مدينة شارلتون وهي عاصمة للولاية نفسها.

في الوقت نفسه، فإن مارسيل سعدي - لبناني الأصل - الذي توفي قبل سنوات عدة، والذي كان أحد الوجوه البارزة في الجالية العربية داخل كندا، ترأس إحدى البلديات في مقاطعة أونتاريو في الثمانينيات، في الوقت الذي كانت فيه امرأة عربية هي (فاطمة بابان) وهي من أصل مغربي قد حققت قفزة مهمة عندما فازت بعضوية البرلمان في كيبيك. والحديث عن المشاركة السياسية يفضي إلى التساؤل عن الوضع التعليمي، فالإحصاءات تشير إلى أن نسبة كبيرة جداً من العرب المهاجرين إلى كندا هم من أصحاب التخصصات المهمة، ويتولى عدد منهم مناصب مرموقة في مختلف المراكز الحكومية والمؤسسات الأهلية، حتى أن وكيل وزارة السياحة في كندا حتى وقت قريب هو عربي الأصل، أحيل إلى التقاعد ولكن أسندت إليه الحكومة الكندية مسئولية هيئة لتنشط السياحة واسمه د. إنطوان صموئيلي، وقد كان من قبل يشغل منصب عميد كلية السياحة في جامعة كيبيك على مدى 20 عاماً، هذا في الوقت الذي يتولى فيه سبعة من العرب المصريين عمادة سبع من كليات الهندسة التي يبلغ عددها في كندا 31 كلية، وتحتل منهم سيدتان مصريتان هذا المنصب.

إضافة إلى وجود عدد من البارزين العرب في مختلف فروع العلوم ولدرجة يقال معها هناك، إنه لا توجد كلية في كندا لا يوجد بها عربي، أستاذاً كان أو طالباً.

ويفاخر العرب هناك بأن أول سيدة يتم تعيينها عميدة لكليات الهندسة في كندا، كانت سيدة عربية هي الدكتورة هدى الجمال أو هدى المراغي نسبة إلى زوجها الدكتور المهندس وجيه المراغي، وقد أحدث تعيينها عميدة لكلية الهندسة في جامعة وندسور ثورة بين النساء في كندا، إذ اعتبروا هذا التعيين انتصاراً للمرأة الكندية، باعتبار أن مهنة الهندسة ظلت مغلقة على الرجال هناك حتى أوائل السبعينيات، ويحتل العلماء العرب أيضاً المناصب القيادية في جامعات (ماكمساتر) في هاميلتون، و(كونكوديا) في مونتريال، و (واترلو) في مدينة واترلو بأونتاريو.

صعود السلم

يقول أستاذ الحضارة العربية والاسلامية والفكر السياسي المعاصر في جامعات كيبك الدكتور سامي عون ـ وهو اسم يعرفه كل العرب الذين يستمعون في الشرق الأوسط لإذاعة مونت كارلو (القسـم العربي) فهو يقدم برنامجاً حوارياً يومياً ـ: إن المجتمع الكندي يتمتع بحراك اجتماعي قوي نسبياً، بمعنى أن المهاجر العربي يستطيع أن يتسلق السلم الاجتماعي بسهولة في حال توافرت بعض الشروط والظروف.

يضيف د. عون الذي هاجر إلى كندا من لبنان عندما تأججت نيران الحرب الأهلية فيها: إن المجتمع الكندي مفتوح على أصعدة عدة، فليس هناك عقيدة عنصرية ولا سياسة تصنيف بين المواطن والقادم الجديد، والقاعدة الأساسية تكمن في الانفتاح وتشجيع المواطن الجديد، لكن سامي عون يستدرك قائلاً إن هذه النقطة نظرية، وهي تواجه صعوبات في التطبيق، ناجمة عن عجز بعض المؤسسات الكندية عن استيعاب المواطنين الذين تخرّجوا وفق المعايير الكندية أصلاً، وحتى هؤلاء يجدون صعوبة في الاندماج، فما بالك بالآتي من الخارج.

هنا يرى أن الاندماج في المجتمع الكندي له مستويات عدة، غير أن العربي رغم وجود قدرات لديه على الاندماج والانفتاح، فإنه لم يستطع حتى الآن المساهمة مع العرب الآخرين في تكوين جيتو عربي، مشيراً إلى أن مشكلة العربي هي كراهته للاندماج الثقافي والأخلاقي، خصوصاً في علاقات الزوج والزوجة، وتربية البنات وطبيعة العلاقات الأسرية، فالصعوبة الأخلاقية تأتي في المقدمة، وفيما يكون التديّن عند العرب وفقاً لمستويات عالية، فإن المجتمع الكندي (يتعصرن) ويميل التديّن لديه إلى البرودة.

وهنا يقول د. سامي عون إن الحل على المدى القصير هو في المشاركة بالحياة الحزبية، وهناك عوامل التقاء بين العرب والكنديين حول طروحات العدالة الاجتماعية. إن التقارب ممكن حول المشكلات الكبرى، أما على المدى الطويل، فإن الأجيال الطالعة كفيلة بذلك، ولعل كندا هنا بالتحديد، تراهن على الجيل الثاني، وليس على الجيل الأول العصيّ على الاندماج.

والإعلام العربي مزدهر في كندا، وعلى أرفف معظم المحلات والأسواق المركزية التي يمتلكها أفراد من الجالية العربية، فإنه يمكن التقاط العديد من الصحف التي تصدر معظمها أسبوعية وتوزع في معظم الأحوال مجاناً.

والصحف العربية في كندا يتم إنشاؤها بجهود فردية في الغالب، وتوزع مجاناً في أكثر الأحوال، وهي تصدر إما بشكل إسبوعي أو كل أسبوعين، ومن أكثر الصحف انتشاراً في أوساط الجالية العربية (المستقبل) التي تصدرها الجالية اللبنانية، و(أخبار العرب) و (عرب ستار) التي يصدرها صحفيون مصريون ومعظم كتّابها من أبناء الجالية العربية بشكل عام، إضافة إلى صحف أخرى مثل (البتراء) و(بيسان) و (المغترب) و(الملتقى) و(الحياة العربية) في الوقت الذي تصدر فيه بعض المراكز العربية مجلاتها ونشراتها الخاصة.

وكان للعرب، ولايزال، تجارب في الإذاعة والتلفزيون، إذ تسمح مؤسسات الإعلام الكبرى هناك بتأجير قنوات تلفزيونية لساعات محددة، وتأجير ساعات بث إذاعية أيضاً.

ويقول لنا صلاح علام - وهو مهاجر منذ عام 1974 وصاحب امتياز جريدة (أخبار العرب) ذات التوجه الناصري، والتي تصدر كل أسبوعين وتوزع مجاناً - إن صحيفته صدرت قبل ربع قرن في شكل (تابلويد) من 12 إلى 20 صفحة قبل أن تتحول إلى حجم الصحيفة العادية المعروف في المنطقة العربية ومعظم بلدان العالم.

ويقول علام إن لدى صحيفته مجموعة من الصحفيين المحترفين الذين سبق أن عملوا في عدد من دور الصحف المعروفة، وأن هؤلاء يعملون بشكل تطوعي، نظراً لأن صحف الإثنيات في كندا لا تحقق أرباحاً، وتعتمد في المقام الأول على الإعلانات التي يصعب أيضاً تحصيل الكثير من قيمتها.

ويشير صلاح إلى أن صحيفته كان لها عدد من المواقف اللافتة، ومنها الحملة التي شنتها ضد دعوة رئيس حزب المحافظين السابق والتي طالب فيها بنقل السفارة الكندية إلى القدس، وعن مستقبل صحيفته يقول: إن هناك عدداً من الصفحات بها تخاطب الجيل الثاني من أبناء العرب المهاجرين، الذين قد يكون التعامل باللغة الإنجليزية أكثر سهولة لديهم، لكنه مع ذلك، يقول إن اللغة العربية هي ثالث أسرع اللغات انتشاراً في كندا بعد (الصينية ولغة البنجاب).

إعلامي آخر أكد أهمية الإعلام العربي عندما التقيناه في مبنى مؤسسة cnbc الضخم الذي يعد أحد معالم مدينة تورنتو، فقد كان الاعلامي العربي توفيق أغا وقتها يبث رسالته اليومية إلى القسم العربي من راديو كندا الدولي الذي يبث من مقاطعة كيبك عبر أثير موجة مونت كارلو حول الأنشطة العربية في مقاطعة أونتاريو.

قال لنا توفيق أغا الذي خاض قبل سنوات عدة تجربة إصدار صحيفة أسبوعية باللغة العربية، إنه حضر إلى كندا في عام 1975 بسبب اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، ويضيف: لم أعد من يومها، فقد وجدت نفسي في بيئة جديدة وجو مختلف، وكان لابد لي من الاندماج والاستقرار، وهو ما حدث، فقد وجدت مجتمعاً نموذجياً يقوم على العدالة والمساواة، وبه مزيج من الحضارات والثقافات، وهو في نظري أكثر مجتمع في العالم تزدهر فيه حرية الفكر والتعبير.

ويضيف توفيق أغا قائلاً: إن كندا تختلف عن طبيعة الولايات المتحدة، ففي أمريكا ينغمر الجميع في بوتقة واحدة، أما في كندا، فالمجتمع يقوم على تعدد الثقافات وتنوّعها، والحكومة الفيدرالية تشجع الأقليات على الاحتفاظ بجذورها وتراثها من خلال تمويل برامج مخصصة لهذا الغرض تقوم بدعم المدارس العربية مثلاً، وتعفي المدارس الاسلامية من الضرائب أيضاً.

قبل كولومبس

في شهر أكتوبر عام 1997، أقام مجلس الشورى (تجمع تورنتو الكبرى) مهرجاناً في مدرج كلية العلوم الطبية للاحتفال بالذكرى الألفية لوصول المسلمين إلى القارة الأمريكية، تخلله إلقاء محاضرات وورش عمل وعرض للأبحاث والدراسات الأوربية والأمريكية وللمراجع العربية والاسلامية عن وجود المسلمين في فترة ما قبل كولومبس في القارة الأمريكية، وتم عرض خريطة جغرافية تبين الطرق والرحلات التي اتبعها البحارة العرب للوصول إلى (الأرض المجهولة) من الأندلس وجزر الكناري والمغرب والساحل الغربي الإفريقي (جنوب المغرب)، كما عرضت خلال المهرجان صور للآثار الإسلامية التي لم تزل قائمة في بعض بلاد البحر الكاريبي والقارة الأمريكية، ومنها خريطة كانت مع كولومبوس وهي مكتوبة باللغة العربية، وقد حضر ممثل عن عمدة تورنتو.

وفي شهر نوفمبر من العام نفسه، احتفلت اللجنة الكندية اللبنانية للمهرجانات العالمية بذكرى مرور 2500 سنة على وصول الفينقيين (الكنعانيين) إلى القارة الأمريكية، وحاضرت في الاحتفال وزيرة الثقافة والجنسية مادلين ماسينسكي، وعمدة مدينة تورنتو باربرا هول، والنائب السابق داود البوشي إلى جانب البروفيسور يوسف مروة، والدكتور إبراهيم حياني، والبروفيسور عاطف قبرصي، والبروفيسور ميشال مرمورة، وتم خلالها أيضاً عرض وثائق حول الآثار والنقوش الفينيقية التي اكتُشفت في عدد من المواقع الأثرية في أمريكا الشمالية والجنوبية.

والمدهش أنه احتفال نظّمته جمعية الصداقة العربية - الكندية في مدينة أدمنتون عاصمة مقاطعة (ألبرتا) ورعته دائرة الإنماء والجنسية وحقوق الإنسان في حكومة تلك المقاطعة، قام أحد حضور المهرجان - وهو أستاذ في علم الآثار (الأركيولوجي) في جامعة ألبرتا - بالإعلان عن اكتشاف كهف قديم في جنوب المقاطعة بالقرب من مدينة (ماديسون) وجدت فيه نقوش عربية ترجع إلى القرن الثاني عشر، أي في فترة سبقت كولومبس بثلاثة قرون.

ويقول عالم الفيزياء النووية والباحث في التاريخ العربي والإسلامي الدكتور يوسف مروة: إن حقائق الوجود العربي في أمريكا الشمالية دفعت الحكومة الكندية إلى اتخاذ قرار بتدريس ذلك ضمن مادة التاريخ بالمدارس الثانوية، مضيفاً: (إن لديّ طلابا في الجامعة يقومون بالتحضير للدكتوراه حول تلك الحقيقة).

ويؤكد الدكتور مروة، أن هناك نقوشاً باللغة العربية تؤكد ذلك، كما أنه شخصياً يحتفظ بأسماء مدارس أسسها البحارة العرب، وأسماء مدن وقرى أطلقوا عليها أسماء عربية. ويشير د. يوسف مروة ـ وهو من النبطية (لبنان) أسس في كندا مركزاً للدراسات العربية والإسلامية، وحاز أخيراً جائزة اليوم الوطني الكندي للإنجازات تقديراً لمنجزاته العلمية والفكرية والثقافية، وتفانيه في خدمة أبناء الجاليات العربية والإسلامية ـ يشير إلى أن أبحاث علماء اللغات القديمة المنشورة حول لغات ولهجات الهنود الحمر تؤكد أن قبيلتي القري (Cree) وأجيبة (Ojibway) التابعتين لاتحاد قبائل الغنويين (Algonquinn) في كندا مازالت حتى الآن تستخدم الألفباء العربية، كما تنتشر اللهجات والألفباء العربية القديمة بين عدد من القبائل الهندية على الشاطئ الشرقي مثل المقمقة Micmac)) والأب نقي (Abnaki) والقطوبة (Catawba) والتيموقة (Timucua)، وعلى الشاطئ الغربي من كندا مثل قبائل (مكة Makah ويقينة Yakina وشستة Shasta والبمة Pima).

مساكن وهجرة

ولكن أين يسكن العرب، وما المساكن التي يفضلونها فور وصولهم إلى كندا وبعد استقرارهم فيها؟

يقول أنور حمه سور المتخصص في بيع وشراء العقارات للجالية العربية، إن هذا المجال يشهد منذ ثلاث سنوات إقبالاً عربياً على شراء البيوت، والشقق الخالية، ويركز العربي القادم حديثاً على شراء شقة مكوّنة من غرفتين أو ثلاث، وفقاً لعدد الأطفال، نظراً لأن المتعارف عليه في كندا هو تخصيص غرفة لكل فرد من العائلة. ويقول حمه سور الذي كان يعمل قبل سنوات عدة في إمارة العين الإماراتية قبل أن يهاجر ويستقر في مدينة مسيساجا في مقاطعة أونتاريو: إن كل المعلومات عن العقارات تتم عن طريق الكمبيوتر، سواء من ناحية السعر أو المواصفات أو خريطة المنطقة، وعن اختيار العرب للسكن في كندا، يقول: إن البعض يفضّل الشقق لأن عنصر الأمان بها أكثر وفق اعتقادهم، علماً بأن الأمان في كندا موجود بنسبة عالية جداً، وعموماً، فالمصريون يفضلون الشقق، والعراقيون يفضلون البيوت، أما اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون فيفضلون الشقق في بداية وصولهم، ولكن بعد الاستقرار يقومون ببيع الشقة ويشترون بيتاً.

أما عن الأعمال التجارية التي يفضلها العرب، فتنحصر في شراء محلات البقالة والسوبر ماركت ومحلات بيع القهوة والشاي والحلويات، لكن عدداً كبيراً منها يفشل، بسبب عدم فهم أصحابها لطبيعة الحياة الجديدة، ففي كندا، لا يكفي أن يأتي المهاجر بأمواله، بل عليه أن يعمل ليلاً نهاراً كي يأخذ راتبه من عمله، لا أن يلقي بأمواله في شراء منشأة ثم يجلس في بيته. ولكن كيف يمارس العرب المقيمون في أقصى شمال الدنيا حياتهم الاجتماعية؟ ذلك السؤال دار معي وأنا أنتقل من مقاطعة إلى أخرى في كندا، لكن الذي أدهشني حقاً هو تلك الإعلانات التي ظلت الصحف العربية تحفل بها والتي تشير إلى حفلات متتالية لعدد من المطربين المعروفين في المنطقة العربية.

أحد متعهدي تلك الحفلات هو المهاجر العربي إسماعيل عطية الذي يمتلك محلاً للفيديو، يقوم فيه ببيع شرائط الكاسيت والفيديو للأغاني والأفلام العربية القديمة والحديثة، وتحتل الكتب العربية خاصة الروايات جانباً مهماً منه.

قال إسماعيل - الذي يعيش في كندا منذ 32 عاما - إنه كان أول من أدخل الفيديو العربي إلى تلك البلاد، حتى انطلق بعد ذلك إلى تأجير قاعات للسينما في قلب مدينة تورنتو لعرض الأفلام السينمائية العربية، وقد بدأت هذه التجربة عام .1983

ويضيف إسماعيل الذي أقام قبل عامين حفلاً في أكبر الحدائق الترفيهية الكندية (وندرلاند) استقطب نحو 15 ألف مشاهد، في يوم أطلق عليه اسم (الحلم العربي) وجمع فيه عدداً من المطربين العرب المشهورين، إضافة إلى آخرين من المعروفين في شمال أمريكا الذين ينتمون إلى أصول عربية، إن تلك الحفلات تحظى بإقبال كبير، حيث نجد تجاوباً لافتاً من أبناء الجيل الثاني مع الأغنيات والطرب العربي.

ويقول إسماعيل: إن في مقدمة الشرائط الكاسيت التي يقبل عليها الشباب العربي في كندا، تأتي أغنيات عبدالحليم حافظ وأم كلثوم وعبدالوهاب، فيما يؤكد أن الأفلام القديمة أشبه بالثروة النادرة، فهي مطلوبة جداً، لدرجة أننا نسـمع ونـشاهد هنا أغاني وأفلاما قـديمة ربما أكثر مما كنا نسمع في بلداننا العربية).

غير أن إسماعيل يلخص طريقته في التعامل مع الجيل الثاني الذي ولد في كندا وتعاملت أذنه مع الأغنيات الغربية، قائلاً: (إننا لا ننتظر أن يأتي كل الشباب العربي لنا، بل نحن الذين نذهب إليهم، فنحن نقدم عروضاً للتراث العربي بين الفترة والأخرى في عدد من الجامعات الكندية.

وعن الكتب، يقول: إن (سرّها عجيب)، مشيراً إلى أن هناك إقبالاً على الكتب السياسية وكتب الأطفال باللغة العربية لدرجة أن بعض المكتبات الأجنبية أصبحت تهتم بتخصيص قسم منها لسد حاجة الجالية العربية.

نجاح ولكن

ورغم النجاح الذي يحققه عدد من العرب المهاجرين في المجالات العلمية والاقتصادية تحديداً، فإن الأمر لا يخلو من بعض الاخفاقات والشعور بالإحباط، فكندا التي يراها البعض مكاناً لتحقيق الأحلام، يراها آخرون منطقة لبيع الوهم أيضاً، ويعود السبب إلى أن كثيرين من يحملون حقائبهم متجهين إلى بلاد الصقيع الشمال أمريكية لا يعرفون حقيقة الأوضاع الداخلية هناك، خاصة في جانب فرص العمل المتاحة، وحاجات كل إقليم لنوعيات معينة من التخصصات، الأمر الذي يؤدي إلى إحداث صدمة كبيرة لكثير من المهاجرين بعد وصولهم إلى الأرض الكندية.

فالظروف الطبيعية والجغرافية لكندا والمساحات الشاسعة لأراضيها وبحارها والتي تضعها في المرتبة الثانية بعد روسيا الاتحادية من حيث الحجم، وتنوع الطبيعة والثروات الطبيعية في أراضيها، جعلت لكل إقليم خصائصه التي تختلف عن غيره من أقاليم كندا الأخرى، ووفقاً لذلك فإن معدلات البطالة تختلف من إقليم إلى آخر، وكذلك مستوى المعيشة ونوعية العامل المطلوب وثقافته تختلف أيضاً، وإذا كانت إجادة اللغة الفرنسية شرطاً أساسياً للعمل والتعامل في إقليم كيبيك، فإن الإنجليزية ضرورية في بقية أقاليم كندا التسعة الأخرى.ومع تغير الألوان والانتماءات العرقية للمهاجرين الجدد، واجه المجتمع الكندي ثقافات وقيماً جديدة عليه، وفي محاولة لاحتواء هؤلاء المهاجرين ومساعدتهم على التكيّف في وطنهم الجديد، اتخذت الحكومة الكندية سياسة من شأنها تشجيع المهاجرين على الحفاظ على ثقافاتهم الأصلية، وفي الوقت نفسه العمل على تسهيل عملية اندماجهم في المجتمع الجديد، لكن هذه السياسة التي تهدف إلى إثراء المجتمع الكندي، تواجه في الوقت نفسه انتقادات كثيرة، كما أن الصدمة الثقافية التي تصيب كثيراً من المهاجرين من أبناء الدول ذات الثقافات المحافظة والتي تتعارض مع قيم وعادات المجتمع الكندي، تؤدي إلى عزلة الكثيرين، ويصاحب عملية رفض الثقافة الجديدة عند البعض نوع من الانفصام والتمزق بين القديم والجديد، وفي الوقت الذي ينجح فيه البعض في التعايش والذوبان في الثقافة الكندية الشمال أمريكية، فإن كثيرين يفشلون في التكيف مع المجتمع الجديد، وبالتالي تزداد عزلتهم وانكفاؤهم على أنفسهم وشعورهم بنوع من الإحباط.

فضائيات وإنترنت

وللفضائيات وأيضاً للمواقع العربية على شبكة الإنترنت فعل السحر في تواصل هؤلاء العرب المقيمين في كندا مع أبناء أوطانهم الأصلية في الشرق الأوسط، فأي حدث يقع يكون معلوماً للجميع، لذلك لم يكن مستغرباً أن يخرج الآلاف في مدن مونتريال بمقاطعة كيبيك، وهاليفاكس في مقاطعة (نوفا اسكوشيا) أو فانكوفر في (كولومبيا البريطانية)، وتورنتو في (أونتاريو) للتعبير عن الغضب العارم من الممارسات الصهيونية الهمجية ضد أبناء الشعب الفلسطيني العزل في الأراضي المحتلة.

والمدهش في الأمر كان خروج تظاهرات حاشدة من جامعات مثل (ماكجيل) في كيبيك لطلاب فيها من الجيلين الثاني والثالث، كان هناك مَن يعتقد أنهم ابتعدوا عن اهتمامات الآباء وارتبطوا تماماً بالغرب وأفكاره، وقد خرج هؤلاء الطلبة منددين بالعنف الصهيوني، كما انطلقت تظاهرات الطلاب العرب التي تعاطف معها عدد من الكنديين أيضاً في جامعات (كونكورديا) و (يوكام) في المقاطعة الفرنسية، وكذلك في جامعات المقاطعات الناطقة بالإنجليزية في تورتنو وكالجاري وأوتاوا والبرتا.

وفيما تساهم الفضائيات في تقريب اللغة العربية للأبناء وربطهم بثقافة وحضارة وتراث بلدانهم الأصلية، فإن مواقع الإنترنت العربية تجتذب أعداداً كبيرة من العرب، الذين يتواصلون عبرها مع أصدقاء لهم في محادثات توفرها الشبكة الإلكترونية مجاناً، وفي الارتباط بالمواقع المتعددة العربية، والتي تتيح لهم الإدلاء بآرائهم في القضايا والأحداث الجارية في أوطانهم الأم.

ختاماً

في بلد شاسع مثل كندا، لا يستطيع المرء مهما بلغت قدرته وقوة احتماله، تغطية كل جوانب وأنشطة العرب الذين تناثروا في كل مدينة ومقاطعة تضمها تلك الدولة ذات المساحة المترامية، لكن محاولة الإمساك ببعض الخيوط وتسليط الضوء عليها، تظل أفضل بكثير من ترك الأمر برمته.وإذا كان بعض العرب قد اختار خلال السنوات الماضية الاتجاه شمالاً، فإن الأمر يلقي علينا واجب التواصل معهم وتقديم كل الدعم لهؤلاء الذين يضمّون أكبر الخبرات وأهم التخصصات، وهم يستطيعون بالقليل من التنسيق والمساعدة والإخلاص، تشكيل أهم (لوبي) يساند القضايا العربية ويقدم أكبر الخدمات لها في تلك البقعة المهمة في هذا العالم.... إنها دعوة لكل مخلص في وطننا الممتد من الماء إلى الماء لمد اليد ومصافحة أشقائه الذين ظلوا رغم بُعد المسافة، يعيشون بقلوبهم في الغرب... أما الروح فلاتزال باقية في أرض الوطن.

 

وفاء عبدالحفيظ

 
 




صورة الغلاف





عرب الصقيع الشمالي: القلب في كندا والروح في المشرق





واحدة من مناسبات اجتماعية يحييها أبناء الجالية العربية





في معظم أرجاء كندا توجد محلات يمتلكها العرب





مكتبات لبيع الصحف والكتب وايصال الفضائيات العربية





في سكاربو تنتشر المحلات العربية لبيع اللحوم والزعتر والمناقيش





المذيعان سامي عون ومي أبوصعب في راديو كندا الدولي





وجوه عربية تبيع المنتجات الشرق أوسطية في شمال أمريكا





الأرز اللبناني يمتد اسمه وصورته باتساع الأراضي الكندية









أنور حمه سور





صلاح علام





رئيس حكومة أونتاريو في حديث لوسائل الإعلام العربية





الدكتور ابراهيم حياني





إسماعيل عطية





ليلى بندقجي المسئولة عن مركز الجالية العربية





المقاطعات الكندية وأعداد العرب المقيمين فيها





الإعلامي العربي توفيق آغا وإلى جاره أحد السكان الاصليين