سُقوط الأوهَام

حديث الشهر
ما لنا نحن العرب نكاد نراوح في مكاننا، بينما الآخرون يتقدمون، بل إن بعضنا يحاول أن يرجع عقارب الساعة إلى الوراء، ويود لو يوقف مسيرة التاريخ. تحدثنا عن نهضة عربية، منذ مطلع هذا القرن ، ولكن هذه النهضة بقيت أسيرة العبارات والألفاظ المعادة والمكررة، وتابعنا الغرق في هذا " البيات الشتوي "، وعللنا النفس بأن هذه النهضة في حالة كمون، وهي آتية لا ريب فيها، ومع ذلك، وبخلاف غيرنا من الأمم تابعنا وبشغف شديد إدمان الحديث والسجع والابتعاد عن الفعل والعمل والمعرفة.

من حولنا عالم يشيخ ويتهاوى إلى غير رجعة، وعالم جديد يبزغ بالفعل له قواعده ونظمه، والتاريخ من حولنا يتسارع، والكتل الدولية القديمة تتشكل بصيغ جديدة، ويبرز في الميدان الدولي لاعبون جدد، برهانات جديدة وبقواعد للعبة جديدة، وبعضنا لا يزال يحفظ عن ظهر قلب قواعد اللعبة التي تكسرت.

هل يمكن أن نفيق على أن الحرب الباردة، بين ما كنا نسميهما " جبارين " على المسرح الدولي ، قد انتهت، وختم فصلها الأخير عندما سقطت مؤامرة " عصابة الثمانية " في الاتحاد السوفييتي في الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي؟

وهل يمكن أن نستوعب أن الرهانات الجديدة هي على قوى السوق والتفاعل الحر الخلاق بين الأمم والدول، لا منطق القوة ولا مركزية التخطيط الاقتصادي؟ هل يمكن أن نعرف الآن أن أداة التنمية في المجتمع الإنساني وعلى المستويين المحلي والدولي هي التنظيم الاقتصادي القائم على حرية التبادل السلعي ونظام المال لا على القوي ولا على المقدس؟!.

يبدو أننا حتى الآن غير قادرين على استيعاب كل هذه المتغيرات الجديدة، لأن بعضنا إما غير واع لهذه المتغيرات أو غير معترف بوجودها، وآخرين يحاولون فقط أن يخفضوا رءوسهم حتى تمر العاصفة!، والعاصفة تزمجر من حولنا بقوة وبعنف.

والنظام العربي القديم:

لنعترف أن النظام العربي القديم قد استنفد أغراضه، ربما لم يحقق أياً من الأهداف التي قام لتحقيقها، وربما كانت تلك الأهداف محدودة ، ولكنه نظام عفا عليه الزمن، هو نظام اللا نظام. وعندما نلقي نظرة على الواقع العربي منذ ثلاثة عقود أو أربعة نجد أن غالبية هذه السنوات كانت سنوات صراع عنيف لتحقيق أوهام مستحيلة، وهذا الصراع أخذ شكل الحروب الأهلية والحروب بين دولتين عربيتين أو أكثر، هل نذكر بحربين أهليتين في لبنان وفي السودان، هل نذكر بحروب في شمال القارة الأفريقية العربية مع الجيران العرب أو الجيران الأفارقة، هل نذكر بحروب اليمن شماله وجنوبه، هل نذكر بحرب العراق ضد إيران، تلك بعضها فقط، وهل نذكر بعملية اجتياح العراق للكويت التي أنفذت المسمار الأخير في نعش النظام العربي القديم المتهاوي؟

المشكلة أن كثيرين حاولوا أن يدافعوا عن هذا النظام المتهاوي أو اللانظام وكأنه الأمثل والأبقى، وخلقوا أوهاما غير عقلانية ومعادية للواقع المعيش. والأوهام غير الأحلام، فنحن نستطيع أن نحلم بتحقيق شيء نافع لنا على المستوى الوطني أو القومي أو الإسلامي، ولكننا لا نستطيع أن نعيش أبدا على الأوهام.

الأوهام تلك حقنا شعوبنا بها وجماهيرنا، وأرضعنا أطفالنا وطلابنا بشعاراتها حتى أصبحت قيدا علينا. اليوم يضيق الخناق على واقعنا ومستقبلنا، وهذه الأوهام عديدة:

الوحدة العربية:

لعل ذلك هو الوهم الكبير، لم يكن حلما، لأن الحلم يمكن تحقيقه. والاختلاف هنا أن الوحدة العربية التي رفعنا شعارها لم يكن لها برنامج محدد ولا هدف محدد، وراوحنا بين ( التوحد الكامل ) و ( الخصوصية الكاملة ) وأضعنا الاثنين معا. وعندما نتحدث اليوم عن الوحدة العربية فإننا نسترجع كل تلك العثرات والأخطاء، بل والخطايا التي ارتكبت باسم الوحدة العربية، فتارة كانت اتحادا بين قطرين سرعان ما ينفصل، وتارة وحدة ثلاثية تنفصم قبل أن يجف مداد التوقيع على وثائقها، ثم جاءت محاولة ابتلاع الكويت وطمس هوية شعبها من النظام العراقي لتصدمنا جميعا، خاصة من عانى فترة الاحتلال من الكويتيين في الداخل، ومن كوته نار التشريد والغربة وكابد اللجوء من غير هوية في الخارج. هذه المحاولة للابتلاع أراد البعض أن يمررها ويفسرها ويفلسفها تحت شعار (الوحدة)، فكان علينا أن نطالب بتحديد واضح لهذا الشعار الذي رفعناه، أي وحدة، وكيف تقوم، وما هو برنامجها؟

هل الوحدة تعني الإلغاء والابتلاع في عصر يتجه فيه العالم لتدعيم حقوق الشعوب والأفراد واحترام رغباتها ووضع الإنسان وحقوقه في موضع الأولوية المطلقة؟ وكيف يمكن لنا أن نؤمن بوحدة تغيب دور الناس وتحولهم إلى ديكور، وتفشل في برامج التنمية وتخلق في تراثنا السياسي ( أدب التناقض )، فهي تدعو إلى شيء وتفعل شيئا آخر؟

إن أدب التناقض السياسي ظاهر جلي في حياتنا العربية السياسية. ففي الوقت الذي تنص كل مواثيق الجامعة العربية على " احترام سيادة الدول العربية " و "عدم التدخل في الشئون الداخلية " و " على عدم جواز استخدام القوة لتسوية النزاعات بين أي دولتين من دول الجامعة " يظهر أدب التناقض السياسي في الشعارات المرفوعة والممارسات السياسية الناتجة عن تلك الشعارات. إن الأفكار تفقد علاقتها بالواقع وكذلك اللغة.

والتنمية العربية:

اعتمدت شعارات التنمية العربية، أول ما اعتمدت على هوامش الفكر الاشتراكي العالمي، واجتهد بعضهم في محاولة لفلسفة هذا المنحى وخلصنا إلى أن نأخذ كل ما في النظامين العالميين إبان الحرب الباردة من مساوئ، فاعتمدت (اشتراكيتنا) على الإفقار والقمع وتهميش قطاعات واسعة من المجتمع، وعلى الإرهاب السياسي، بمعنى تكميم الأفواه ومحاولات النقد، كل ذلك تحت شعار عدم منح العدو فرصة للاستفادة من خلافاتنا. وفي المحاولات القليلة التي رفضت بعض الدولة العربية فكرة الشمولية الاقتصادية، لم نتبن الاقتصاد الحر بكل عناصره، إنما مزجنا مزجا هجينا بين الفكرتين، مع الاستعاضة عن الشمولية الاقتصادية بالشمولية السياسية ، فعاشت محاولات التنمية الاقتصادية في معظم أوطاننا العربية حالات من وهم التنمية والإنتاج، وتدهور الوضع الاقتصادي العربي من سيىء إلى أسوأ وهرب المبادرون واختفى رأس المال المنتج، رغم كل المحاولات للنهوض، وأصبح غنانا فقط هو فيما نقوله عن أنفسنا في الكتب والصحف من أننا نملك مصادر ثروة هائلة من الأرض والمياه والطاقة البشرية والمعادن، وفي الأماكن القليلة من أوطاننا العربية التي استطاعت أن تسخر ثروتها الطبيعية والبشرية تسخيرا معقولا لصالح التنمية الشاملة أصبحت هذه الأوطان مستهدفة بحروب، إما أهلية أو حروب اجتياح كما حدث للكويت في صيف 1990، واختفى التفكير الاقتصادي الجاد لنهرب إلى تفكير وفعل سياسي له علاقة مباشرة بخطاب التناقض العربي.

وحقوق الإنسان العربي:

نتيجة لكل ذلك فقد ضاعت في خضم هذا الصراع حقوق الإنسان العربي، وأصبح العربي المسكين من أواخر شعوب الأرض التي يحق لها التمتع بمكانة إنسانية رغم ميراثنا الحضاري الضخم، والتي من ضمنها- من المنطلق النظري- دين عظيم هو الإسلام، وحضارة عظيمة. فأصبح الإنسان على أرضنا المنكوبة أرخص سلعة لدينا في أوطاننا العربية، يقتل فلا يسأل عنه أحد، يؤسر فتنساه حكومته ومجتمعه، يموت من الجووالحاجة والمرض، فلا يلتفت إليه أحد ويحرم من العلم والعلاج.

بل إن حرمان الإنسان من حقوقه في معظم دولنا العربية فاق ما يحرم منه الإنسان الإفريقي وفي معظم دول العالم الثالث، فهو متهم حتى تثبت براءته، في المطارات وعلى الحدود.

وفي الوقت الذي يعاني منه الإنسان العربي كل ما يعانيه من نقص مرضي في حقوقه العامة والإنسانية، تتصاعد أصوات " التناقض العربي " لتحدثنا في وسائل الإعلام عن الكرامة العربية والعنفوان العربي ومقاومة الضيم، وكلها إلغاء كامل لكل الممارسات الواقعية وبناء " أوهام " على الورق عن حقوق ليس لها وجود في الواقع، بل صار المجتمع ككل والكتل البشرية الكبيرة مندمجة في شخص الزعيم الذي تنفخ وسائل إعلامه في دعوى زعامة فارغة ليل نهار، بينما يعامل الإنسان في بلاده كرقم وليس كإنسان يمكن أن يشطب في أى وقت يقرره الزبانية.

النظام العربي والأمن القومي:

النظام العربي كما نعرفه اليوم هو على فراش الموت، والجامعة العربية جثة تحتاج إلى من يدفنها وليست مريضا يحتاج إلى علاج ، فقد ولدت بعد الهزيمة العربية الأولى في فلسطين التي ضاعت منذ 1948 وبدأت رقعة الضياع تتسع، ونساعد نحن على اتساعها برفع أصواتنا الجهورة وضم أيدينا إلى صدورنا، نطلق الشعارات تلو الشعارات، ونفوت الفرص تلو الفرص، ونعتقد أن العالم يخاف من الأصوات العالية والتشنجات أكثر مما يخاف من الموضوعية والعلمية. وعندما انعقد مجلس الجامعة العربية في 13 أبريل (نيسان) 1950 ليصدق على معاهدة الدفاع العربي المشترك والتعاون الاقثصادي لم ير أي من بنود تلك الاتفاقية النور ولا الاتفاقيات العربية الكثيرة التي كرت في مسبحتها، ولم تستطع كل تلك المعاهدات والاتفاقات العربية- العربية توفير العناصر الأساسية اللازمة لحماية الأمن (القومي) أو التعامل مع التحديات التي واجهها العرب. أكثر من ذلك، وفي ظروف الانقسام والتربص العربي والشك المتبادل، تراجعت اعتبارات الأمن القومي إلى تأمين امتيازات لبلد على بلد آخر، وكانت فتنة الثاني من أغسطس 1990 التي هزت العرب وقسمتهم، بعد أن كانت تجربة هذه الفتنة الأولى في حرب إيران، وحروب لبنان.

وأثبت النظام العربي القائم عجزه وفشله للمرة الأخيرة عندما فشل بجهده الذاتي في رفع الظلم ورد المعتدي، وتشرذم العرب، وبقي نظامهم الإقليمي في مهب الريح.

النظام العالمي الجديد:

يتخلق اليوم نظام عالمي جديد له قواعد ونظم ومؤسسات وأهداف، ويصر العرب على التخلف عن هذا النظام. هذا النظام الجديد له قوانين مازال بعضنا يرفضها بعنف، ولعل المفارقة أن نجد بعضنا يسارع إلى (تهنئة) الانقلابيين في الاتحاد السوفييتي متوهما عودة النظام القديم، لعله يعزز من مواقعه وحروبه مع طواحين الهواء. وعشية حرب تحرير الكويت وما بعدها نجد أن مجموعة من المفاهيم قد ولدت، من بينها سقوط الأيديولوجيا بأشكالها المختلفة وخاصة الشمولية واندحارها وبزوغ النظام العالمي الجديد والاعتراف بالتعددية وعصر حقوق الإنسان وانتصار الليبرالية والديمقراطية على الشمولية والقطعية، وصعود مفاهيم العلم والتقنية والاتصال .

ومن هروب منغستو هايلي مريام إلى عودة غورباتشوف إلى السلطة مرورا بملحمة تحرير الكويت، تؤكد الثوابت الجديدة نفسها، وتتشكل في الوقت نفسه التكتلات الجديدة وأبرزها التكتل الأوربي (الوحدة الكاملة 1992) والثقل الأمريكي ودائرتا جنوب شرق آسيا والصين، وهي عوالم تتطور بسرعة وتأخذ مكانها على المسرح الدولي، هذا النظام العالمي الجديد أكد ترابط الاجتماعي بالسياسي بالاقتصادي، فلا توحد من دون إبداع، كما يقول جاك أتالي، المستشار الموهوب للرئيس ميتران، ولا إبداع من دون ديمقراطية، الإبداع هو البديل العقلاني للعنف، ولا إبداع وديمقراطية من دون تطوير للمعارف التي تساعد البشر على حل مشكلاتهم، إنه العلم بمعناه الواسع- لا الضيق- والعلم هو الذي ساهم مساهمة جادة في معركة تحرير الكويت.

العلم هو الذي يحسن لنا وسائل الصحة والإنتاج ويسهل لنا المواصلات والاتصالات، والعرب بدلا من الاندفاع إلى الأمام للقبض على ناصية العلم ينكصون إلى الخلف مسترشدين بالخرافة.

أليست الخرافة أن يدعي صدام حسين أن الراعي في البرية يستطيع أن يرى طائرة الشبح ويرميها بكف تراب؟! أليست الخرافة أن يدعي دجال مثله بنسبه إلى الرسول العظيم؟! أليست الخرافة أن نزعم تحقيق التنمية دون عمل وعلم؟! أليست الخرافة أن نؤمن بأننا يمكن أن ندحر الأعداء بالتهديد والوعيد والابتزاز والإرهاب؟!

تلك كلها خرافات وأوهام سقطت من عالم يتشكل اليوم حولنا معتمدا على العلم والتقنية.

العلم هو ليس الإبداع فقط والابتكار وإنما أيضا التطوير، لقد اخترعت الآلة البخارية خارج بريطانيا ولكنها طورت هناك، كما اخترعت التكنولوجيا الدقيقة خارج اليابان ولكنها طورت هناك، الاختراعات والعلم والتطوير هي (الزمن) الذي يعيش فيه النظام العالمي الجديد في شقه المتقدم، ويبدو أننا كعرب مازلنا خارج ذاك (الزمن).

ويعمل النشاط الحر والليبرالية السياسية والمبادرة الفردية والنظام المالي المفتوح (كمسرع) هائل لتلاحم الكتل الدولية في إطار هذا النظام الجديد، إلى درجة أن كتلة مثل الاتحاد السوفييتي تتسارع فيها التغيرات بوتيرة غير مسبوقة باتجاه تبني تلك الأدوات، ونبقى نحن العرب، في معظمنا خارج هذا (المسرع). والمطلوب منا نحن العرب كما يقول المفكر العربي سعد الدين إبراهيم، الخروج من (زقاق) التاريخ إلى طريق الإنسانية السريع، ولا تحتاج مواصفات سعد الدين إبراهيم للخروج إلى طريق الإنسانية السريع أكثر مما ذكرنا من سقوط الأوهام وتبني بدائل لها.

إن الانغلاق يؤدي إلى نبذ أي جهد لاكتشاف القوانين التي تتحكم في الظواهر الطبيعية، وهنا يقفل علينا الطريق الفسيح إلى ساحة العلم والاجتهاد العلمي، هذا الانغلاق حثت عليه أيديولوجيات تبناها بعضنا لفترة طويلة، ويكرس هذا الموروث الثقافي الانغلاق في صورة إهدار لقيم العمل المنتج اليدوي والذهني، أما النكوص إلى الماضي فهو مريح لبعضنا لأنه يفتش فيه عن حلول لمشاكل اليوم فيما مر بالآخرين أمس.

الانغلاق والنكوص ظاهرتان لازمتا تيارنا الفكري الغالب.

وفي نظرة في العمق لتيارات فكرنا العربي المعاصر نجد أن الانغلاق والنكوص هما قطبا الاستقطاب بدلا من الانفتاح والنظر إلى الأمام. لذلك فإننا نواجه، ليس خطر عدم الفهم الدقيق للنظام العالمي الجديد، بل ما هو أخطر من ذلك وهو تهميش العرب وتقليل إسهاماتهم في عالم جديد يتشكل.

وسائل الاتصال:

تواترت الاجتهادات أنه منذ حرب تحرير الكويت وحتى الاستغناء عن خدمات الحزب الشيوعي السوفييتي بعد محاولة الانقلاب في شهر أغسطس الماضي، تواترت هذه الاجتهادات على أن وسائل الاتصال لعبت دورا أساسيا في ربط العالم والتأثير على الأحداث. فالهاتف و (التلفاكس) والكابلات والأقمار الصناعية، هذه الوسائل التي بين أيدينا اليوم تسمح بنقل الرسومات والمخطوطات والرسائل والصور والبرامج والمعلومات الضرورية للصناعة والإنتاج والاقتصاد والسياسة، للاستهلاك العام أو الخاص. وما زال بعض أشكال هذه الأدوات يعامل (كممنوعات) في بعض بلداننا، ولن نستطيع أن نمارس هذا الانغلاق لفترة أطول، لقد سقطت الحدود المانعة لوسائل الاتصال هذه كما سقطت (الأسرار).

وأصبحت وسائل الاتصال جزءا أساسيا من النظام الجديد الذي ما عاد الفرد فيه كما مهملا، إن وسائل الإعلام مؤهلة لتوضيح المشاكل والتأثير على الجماهير، بل وإشعال الثورات وتغيير المجتمعات، إنها إن صح التعبير " الأيديولوجيا الجديدة "، فكما أوحى علم الميكانيكا بالنظرية الليبرالية، وعلم الديناميكا الحرارية بالنظرية الماركسية، يقوم اليوم التحليل الاجتماعي على نظرية المعلوماتية، وهذه النظرية تقول إنه ما من شكل اجتماعي يمكن أن يوجد إلا إذا كانت هناك عناصر تتبادل (الاتصال) فيما بينها، وفيما بينها وبين العالم. ورغم وجود الاتصال منذ الخليقة إلا أن زمنه قد تقلص مما يؤكد الأثر الدرامي على نتائج ذاك الاتصال.

التحدي:

إن التحدي الذي يواجهنا كعرب هو في مقاومة هذه الأوهام وإسقاطها، ونحن لا نبتعد عن الألف الثالث للميلاد إلا بتسع سنوات فقط، والعالم من حولنا- معظم العالم- يستعد للعبور بمرح إلى المجتمع التجاري الديمقراطي المفتوح، بينما تكبر الهوة يوميا بيننا وبين ذاك العالم.

لقد علمنا التاريخ أن الأمم تتقدم وتقدم الجديد نتيجة رد فعل ثقافي على تحد جغرافي أو عجز مادي، وليس هناك أكبر ولا أعظم من التحدي الذي يواجهنا، فهو تحد داخلي في التخلص من النظام المريض القديم وإسقاط كل تلك الشعارات، والتحكم بإرادة التغير بشكل فعال وإيجابي، ومن هنا فإن (التغيير) المطلوب هو أعلى ما يجب أن نضعه على جدول أعمالنا.