زهور ونيسي ومحمد حسين طلبي

زهور ونيسي ومحمد حسين طلبي

  • راهنت مبـادئ جمعية العلماء على المرأة، وقد كسبت الرهان.
  • فشل المرأة يعزى إلى أنوثتها، ونجاحها يعزى لتشبهها بالرجل.. لماذا؟
  • هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى تحريك العقل والاجتهاد والاستلهام لتقليل عذاب الأسرة العربية.

ترحل العربي إلى ربوع الجزائر كي تلتقي بواحدة من رائدات الفكر بها. ولعلنا في هذه المرحلة أحوج ما نكون إلى التذكير بكل رموز التنوير الذين ساهموا في إعطاء الجزائر وجهها العربي والتقدمي. وزهور ونيسي من مواليد مدينة قسنطينة عام 1936 من أسرة كان لها دور كبير في الحركة الإصلاحية التي رأسها العلامة عبدالحميد بن باديس. وقد كان لهذه التربية أثرها على نفس هذه الفتاة الغضة فساهمت بجهودها خلال حرب التحرير الكبرى، وتعلمت في إحدى المدارس الحرة. وبعد تخرجها في كلية الآداب قسم الفلسفة، اشتركت في إنشاء وتنشيط المنظمات الجماهيرية في الإعلام الوطني والمدرسة الجزائرية ورأست تحرير مجلة "الجزائرية"، وعينت وزيرة للتربية الوطنية ثم وزيرة للحماية الاجتماعية. وقد ألّفت زهور ونيسي العديد من الكتب الأدبية منها: "على الرصيف النائم"- 1978، و"الظلال الممتدة"- 1982، بالإضافة إلى الكثير من المقالات والأبحاث المنشورة في الجرائد والمجلات الجزائرية والعربية. وقد أجرى الحوار معها محمد حسين طلبي، وهو كاتب جزائري يعمل الآن مسئولا عن تعريب البرامج العلمية والتكنولوجية في المعهد الوطني للتكوين المهني، وله العديد من المؤلفات العلمية بالإضافة إلى اهتماماته الصحفية والأدبية.

  • جمعية العلماء، حركة إصلاحية ثورية رائدة، هيأت المجتمع إلى المواجهة الصحيحة والصريحة مع المستعمر الفرنسي، وكان للمرأة عندها دور كبير، بعد أن دفنت طويلا في ظلمات جهل شجعته الخرافات ودعمه المستعمر. كيف استطاعت الجمعية اقتحام ذلك الجدار المزدوج؟. وما هو الأثر الذي تركته مدارسها في التكوين الجديد للمجتمع محليا وعربيا؟. "على اعتبار أنك واحدة من جيل ترعرع في أحضـان تلك الجمعية وأخلص لها ".

- جمعية العلماء حركة وطنية بجانب الحركات الوطنية الأخرى، وإن هي اتفقت جميعا في وحدة الهدف، وهو استرجاع السيادة الوطنية، والقضاء على الاستعمار، إلا أن جمعية العلماء اعتمدت في منهجها على النفس الطويل للوصول إلى هذا الهدف اعتمدت الجانب الأصعب من جـوانب الكفاح ضد الاستعمار، التغلغل في عمق الإشكالية الاستعمارية. واتخذت ذلك أسلوب تنوير للشعب والقضاء على الأمية والجهل وإحياء التراث وغربلته من الشوائب والتراكمات السلبية، إضافة إلى التوعية والإرشاد والتربية والتعليم، كانت حركة ثورية رائدة عملت على تهيئة المجتمع للمواجهة الصحيحة مع المستعمر، نفضت التراب عن اللغة العربية والتراث الحضاري العربي الإسلامي، لأن كل ذلك كان مشوها ممنوعا ومقموعا من الاستعمار، طيلة قرن وربع قرن، انطلقت الجمعية من البداية في نهضة ثقافية إصلاحية متناغمة قوامها الرجل والمرأة معا، العلم والتعلم، لكل أفراد المجتمع، محاربة الجهل، فهو في رأيها سبب كل الآفات. لقد راهنت مبادئ هذه الحركة على المرأة أيضا وكسبت الرهان.

وفي أول مدرسة لهذه الجمعية وهي مدرسة الشريعة والتعليم بمدينة قسنطينة بدأت شخصيا أتلمس أبجديات الكتابة، لتفتق خيوط الشرنقة ولينطلق الحلم من المجرد إلى الواقع، إلى حروف عربية حرة تعبر إلى الكلمة الدالة لتنشر لي أول قصة في جريدة "البصائر" اللسان المركزي للحركة سنة 1955 دون إرادة واعية مني، فقد كانت القصة أحسن إنشاء في امتحان الشهادة الابتدائية على المستوى الوطني، كان عمري وقتها ست عشرة سنة.

المرأة.. رمز للحضارة

  • أنت واحدة من مناضلات الحركة الوطنية "قبيل" وخلال حرب التحرير الكبرى، ولقد أوكلت الثورة كما نعلم إلى المرأة أدوارا حساسة في المدن والأرياف. هل تعتقدين أن المرأة العربية ممثلة في المرأة الجزائرية آنذاك قد أدت الدور كما يجب؟.

- في تاريخ أي أمة من الأمم ذات الحضارة العريقة محطات تاريخية عملاقة طبعت العصر بطابعها الخاص، وتركت بصمات فكرها على عقول الأجيال التي أتت بعدهم، ومن ثم تحولت إلى ما يشبه "الظاهرة الفكرية والتاريخية" التي تتجاوز في الطول والعرض والعمق حدود المجتمع والتاريخ، ومن ثم فإن الخطأ في الحكم على إحدى هذه المحطات سواء بإعطائهـا أكثر مما تستحق أو وضعها دونما تستحق هو خطأ في تقييم جزء من حضارة هذه الأمة، إن الرموز والمثل الحضارية تستحق منا الدراسة المعمقة والاستلهام، وأقصد بهذه الفكرة ظاهرة بطولة المرأة العربية في الجزائر.

إن الثورة ينبوع استمدت منه المرأة قوتها ووجودها الملغي من قبل، الثورة طهرت القلب واللسان، ورفعت - إلى حين- ما يمكن أن يكون سائدا من أفكار وذهنيات مريضة متزمتة تجاه المرأة ودورها التاريخي، درب الثورة كان طويلا وشاقا لم تغب عنه المرأة لحظة، كانت في كل لحظة على مرأى ومسمع من الرجل، في الفجاج والوهاد والمنافي والسجون، كانت تنظف جرحه المتعفن وتؤثره بقطعة خبز وحيدة وجرعة ماء نظيفة، كثيرا ما كانت تشح على مدى سبع سنوات ونصف وقبل ذلك في ثورات وانتفاضات أخرى، طمس ذكرها تاريخ الاستعمار، كانت تفضل أن تنفجر القنبلة الغادرة فيها وحدها وحفاظا عليه وعلى رفاقهما المجاهدين.. المرأة أرض وعطاء، المرأة حرية.

قال لي أحد المجاهدين يوما ونحن نتحاور في معهد الجامعة فجر الاستقلال: "إن هذه الأفكار صحيحة" لقد قامت المرأة بدورها في الثورة أحسن قيام لكن عليها اليوم أن ترتاح، ليخدمها الرجل ويرد لها الجميل، كفاها عذابا وتشردا، البيت والزوج وتربية الأطفال نعمة حرمت منها طيلة سنوات الثورة يجب أن تلتفت إلى نفسها، ورغم نية الرجل السليمة- وهل يسعد المرأة غير ذلك- إلا أنني تصورت وقتها وكأن مساهمة المرأة وتضحياتها واستشهادها في سبيل الوطن إنما جاء كدين منها للرجل، سلفة يردها لها اليوم، لأنه كان من المفروض أن يحارب وحده، تصورته مرة أخرى، يحتكر حب الوطن والتوحد للحرية، والأعمال العظيمة..

  • قالت الدكتورة سهير القلماوي في تقديمها لمجموعتك القصصية الأولى "الرصيف النائم" والتي طبعت في القاهرة عام "1967 ": "ثورة الشعب لا يمكن أن توصف بقلم المؤرخين وحدهم، لا بد للفنان أن يساهم في هذا الوصف".
    وأنت الكاتبة والقصصية التي ترجمت أحداث الثورة الكبرى إلى إبداعات نالت شهرة كبيرة، فهل يمكن أن نعرف كيف تم ربط الخيال بالواقع في أعمالك تلك؟.

-إن الدكتورة سهير القلماوي- حفظها الله- أستاذتنا جميعا في الأدب والفن عندما أندلعت الثورة كانت خطوط الأبجديات قد بدأت تتكثف وخيوط النسيج بدت ألوانها واضحة تنتظر اليد الماهرة المبدعة، نمت الرغبة عندي في احتضان العلم، امتدت في الزمان والمكان، وما يحتويان من مواضيع حياة، أشدها ضغطا وأولوية ساعات وأيام وسنوات ثورة التحرير. الثورة تفجر الطاقات وتحل عقدة اللسان وتفتح الشخصية، لتنطلق الأفكار من عقالها، لتتوسع دائرة التأمل والتسجيل للخواطر والأحاسيس تارة في حالة تشرب وتارة في حالة انزلاق، وتارة في حالة تمرد، وتارات كثيرة ينتصر الركود، وأنت تجد أمامك متاريس عملاقة من الأفكار المريضة تقف حجر عثرة لتمنع المرور.

بالنسبة للخيال وارتباطه بالواقع، أعتقد ذلك بل إن الخيال يجب أن يكون أوثق ما يكون صلة بالواقع، وكل صورة مجازية يجب أن ترمز حتما إلى حقيقة حية، وكل استعارة خيالية تؤكد وتعزز حالة نفسية، وكل معنى شعري أو أخلاقي أو فلسفي من شأنه أن يكشف النقاب عن الدوافع والعوامل الإنسانية العميقة التي تحرك شخصيات الأبطال في القصة أو الرواية.

تحدي القلم العربي

  • إنك أول كاتبة جزائرية باللغة العربية، فقد كنت رائدة لجيل جاء بعدك وأعطى الكثير بتلك اللغة، وقد قالت الدكتورة عائشة عبدالرحمن "بنت الشاطئ" في تقديمها لمجموعتك "على الشاطئ الآخر": "لم يدر بخلدي أن الكاتبة الجزائرية تملك قلمها العربي إلى هذا المدى".
    فهل يمكن أن نعرف كيف كان التحدي؟ وبالأخص أن كتاب جيلك من رجال ونساء كلمهم كانوا يكتبون بالفرنسية؟.

- يحق للدكتورة عائشة- حفظها الله- أن تدهش عندما ترى امرأة جزائرية تملك قلمها العربي في وطن كبس المستعمر الاستيطاني على أنفاسه مدة قرن وربع، مانعا عليه لغته ودينه وحضارته وتاريخه، محاولا تعويض كل ذلك بحضارة جديدة لغة وثقافة وتاريخا، ودهشتها شرعية وهي تعلم أن من استطاع أن يحمل القلم في الجزائر كان خريج المدرسة الفرنسية، إلا القلة القليلة جدا، والتحدي في الدفاع عن الحرف العربي، بدأناه في مدارس جمعية العلماء، ثم ضحى من أجله بعد ذلك شهداء ثورة نوفمبر.

  • هذا يقودنا إلى سؤال آخر، وهو أن نظرة الإخوة أهل المشرق لا تزال إلى اليوم دونية بالنسبة لأهل المغرب في ميادين الأدب والإبداع باللغة العربية، فكيف يمكن الرد على ذلك؟.

- هناك أولا سبب رئيسي وموضوعي وهو تخلف مجتمعاتنا العربية عن استعمال علوم الاتصال والإعلام وفي هذا المجال لا تزال مجتمعاتنا تتعامل بالإمكانات البدائية أو غير المتطورة. ثانيا: أنا لا أوافقك على أن النظرة كانت دونية، حاشا إننا أهل وإخوة وعشيرة سواء ونحن في المشرق أو في المغرب والأخ لا يشمت أو يحط من قيمة أخيه، ربما هي نظرة جاهلة لمكونات الوطن العربي بكل جوانبها عند الكثير من أبناء الأمة العربية : قل نظرة مسطحة بكل جوانبها غير معمقة، نظرة لا مبالية، نظرة غير موضوعية، نظرة مغـرورة لكنها ليست نظرة دونية.

إن العقد التي تحكمت فينا نتيجة الاستعمار الفرنسي، هي نفسها التي تحكمت في إخواننا في المشرق نتيجة الاستعمار أيضا، كل أمر يأتي من الغرب جميل ولائق حتى الكتابات التي مرت على دور النشر في باريس هي المعتبرة في المشرق دون غيرها. وهنا أذكر حادثة وقعت للأستاذ الفقيد مولود قاسم أحد أبرز رجال الجزائر ثقافة وسياسة كان ذلك قبل أربعين سنة وقد استقبله أحد رؤساء حكومات مصر.. فاشتكى له الأستاذ مولود من الاستعمار قائلا:

- انظر يا دولة الرئيس حتى بطاقة التعريف "الهوية" مسجل فيها أنني فرنسي.

فأجابه دولة الرئيس:

- " بختك من السما يا ابني..وأنت مش عارف".

  • تقول لطيفة الزيات في أحد حواراتها: "الكتابة التي تكتبها المرأة حاول المجتمع العربي وضعها على الهامش خارج المجرى الرئيسي للسياق الإبداعي".
    باعتقادك ألا يزال هذا القول قابلا للتداول بعدما قدمت المرأة العربية من الفكر والإبداع ما فاق في بعض تخصصاته إبداع الرجل؟.

- أنا معها في هذه الفكرة إذا ما أخذنا الفكر والإبداع عند المرأة كقضية منفصلة عن الوضع العام ووضع المرأة بشكل خاص داخل الوطن العربي، خصوصا على المستوى الاجتماعي والسلوكي والذهني، رغم ما قدمت وتقدم كما قلت من فكر وإبداع.. والحكم على أعمالها يبقى دائما: عندما تفشل فلأنها امرأة وعندما تنجح فلأنها تشبه الرجل.

تجربة تولي الوزارة

  • أنت أول امرأة في الجزائر تتولى منصب "وزيرة" وفي وزارتين مختلفتين، كيف يمكن تقييم التجربـة بالنسبة إليك؟.

- أريد أولا أن أسجل ملاحظة مهمة، وهي أن منصبا كهذا حق من حقوق المرأة في الجزائر، إنها تستحقه، وصلت إليه بكفاح ونضال طويل ومرير، وهو ليس منة من أحد، حتى لو بدا كذلك، وبدا أنهم أرادوا أن يظهروا بمظهر النظم المتقدمة والتي تقدر نضالات المرأة نصف المجتمع، كما أنه جاء متأخرا في الزمن، بالمقارنة مع الدور الذي قامت به المرأة لتحقيق الاستقلال واسترداد السيادة الوطنية، ورغم ذلك لا بأس، على العموم إنه في النهاية رد اعتبار للمرأة وكنت دائما أشعر وأنا في هذا المنصب لمدة سبع سنوات أنني رمز يجب أن يظل مشرقا لجميع النساء العربيات.

لقد قبلت المنصب بعد تردد وتخوف، فأنا أقدر جدا مهمة كهذه، إنها تعني نوعا جديدا من النضال، الحكم عليه لا تسامح فيه.

وعندما قبلته فرضت على الجميع بذكاء ومرونة، معاملتي كعقل يسكن أنثى، نعم إنني أنثى تملك عقلا وقدرات وهبها لها الله تخول لها النجاح، وشهد لي الجميع في النهاية أن نجاحي لم يتحقق لأنني أصبحت "رجلة" أو شبه رجل.

فلانة كأنها رجل، دليل الكفاح والكمال الإنساني لذلك لم أتسامح أبدا في إلغاء جنسي وأنا أمارس هذه المهمة وأحقق فيها إنجازات معتبرة وأكتفي بهذا لأن هذه التجارب الفريدة في حاجة إلى وقت وجهد لعل المستقبل يوفرهما إن شاء الله.

هل كان ذلك خيرا أم شرا؟ إنه ليس خيرا ولا شرا، ولكنه رابط ضروري ومنطقي في سلسلة الحياة المعقدة.

أنا وقانون الأسرة

  • مواجهاتك في البرلمان كانت عنيفة من أجل قانون الأسرة الذى يعود الفضل الكبير في وضعه إليك، وتعرضت أيامها إلى هجومات كثيرة مس بعضها حتى منزلك. هل يمكن أن نعرف وجهة نظر معارضيك آنذاك وردك عليهم؟.

- بناء المجتمعات يحتاج دوما إلى قوانين ضابطة ومنظمة للأفراد والجماعات وسلوكياتهم وتهذيب ردود أفعالهم وتحصن أخلاقهم ووضع قانون لتنظيم الأسرة مهمة أعمق وأكثر تعقيدا، إنها في رأي مهمة بعث حضارة ومواكبة حضارة من خلال بناء الأسرة. بعث حضارة بإحياء قيمنا الدينية والحضارية الصحيحة وتطهير تراثنا في المعاملات الإنسانية من المعوقات  والسلبيات... ومواكبة حضارة تسمح لمجتمعنا بأن يحيا عمره ويوفر التقدم والتطور لأفراده دون ذوبان أو تبعية ويقف أمام المجتمعات المتحضرة القوية مساهما في الحضارة الإنسانية.

والقوانين ضرورية في انتظار تثقيف الشعب وتوجيهه وتربيته ليحمل كل واحد فيما بعد القانون في ذاته وعقله ونفسه، يصبح الناس قضاة أنفسهم عبر السلوكيات والأقوال والأفعال والمعاملات سواء داخل الأسرة أو خارجها. واستنادا على دراسات كثيرة ومعمقة لفصول الدين ومقارنات لمختلف قوانين الأحوال الشخصية في الوطن العربي، كنت شخصيا أحاول أن يصل البرلمان بنوابه إلى وضع قانون للأسرة أصيل ومتقدم، حيث لا شيء يمنع من ذلك ونحن نحافظ على الأصول كما هي وندعو للاجتهاد في الفروع لقد قرأنا قديما وحديثا أيضا أن أصول الدين صلبة وفروعه مرنة. إن القياس والإجماع كانا ولا يزالان مصدرين من مصادر التشريع الإسلامي خلافا لما يريده لهما أنصار الجمود والركود.

هناك قضايا كثيرة تحتاج إلى تحريك العقل والاجتهاد والدرس والاستلهام تشكل خطرا كبيرا يعمل على إضعاف وتمزيق وعذاب الأسرة العربية والإسلامية- مثل قضية التعدد والطلاق التعسفي، والحضانة والنفقة وغير ذلك من القضايا التي لا حصر لها.

كنت أطرح مثل هذه القضايا معتمدة على جوهر الدين وقيمه الحية دائما، في اعتدال ودون تحيز لا للرجل ولا للمرأة، إنهما معا أس بنـاء الأسرة ولم أفلح مع الأسف في إرضاء لا المتطرفين إلى اليمين ولا المتطرفين إلى اليسار.

التطرف منهج سهل يعتمده العاطفيون والضعفاء وأصحاب المصالح، نجد الاعتدال في الرأي صعبا وشاقا لكنه يعني التوازن الذهني والنفسي والاجتماعي، ويعني في النهاية انتصار العقل، إنه قيمة حضارية من أهم مبادئ تراثنا الديني والأخلاقي.

معركة طويلة حامية، لا أذكر لكم منها سوى حالة واحدة: كان معنا أحد الزملاء مشروع حياته غربي من شكلـه إلى مضمونه، هكذا عرفناه. وفجأة وجدناه يستشهد ببعض الآيات مستعينا في الدفاع عن تعدد الزوجات دون قيد أو شرط فقهي أو قانون. وأدهشتنا المفاجأة، الرجل كان متعددا في زواجه فأراد أن يضع قانونا على مقاسه، يلبي رغباته، وغطاؤه في كل ذلك تفسير خاطئ مغرض لنصوص دينية عادلة، إن الإعاقات في هذا المجال كانت ولا تزال إعاقات جادة في كل الوطن العربي.

المشروع الثقافي

  • تتهم زهور ونيسي في السنوات الأخيرة بأنها مقلة في الإنتاج وهي مكتفية بمقالات أسبوعية في بعض الجرائد فقط.
    فما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك؟

- اتهام غير صحيح، فأنا أكتب وأنتج، وأجلس أربع ساعات يوميا على مكتبي، وعندي مشاريع كثيرة تعاني ظروف الطبع السيئة فلدي في هذه الآونة مخطوطات في المطبعة، رواية ومجموعة قصصية، ثم إن صناعة الكتابة ليست بأي حال في مستوى الإبداع عندنا.

  • كأم وجدة وراصدة في آن معا، لما يعصف بأجيال الأمة من ضياع جراء غياب المشروع الثقافي والاقتصادي الذي يحفظ كرامة "عربي" المستقبل، ماذا تقولين للساسة ولمن بأيديهم الحل والربط؟.

- ماذا أقول وهل للقول فائدة؟ إضافة إلى أنني أمقت الفكر البابوي. بالنسبة للمشروع الثقافي، معظم النظم تعودت ألا تعطي قيمة لهذا الشرط "الثقافة" في تصورهم، الثقافة أمر قانوني، حضورها لا يعدو أن يكون شعرا وأدبا في منابر سهر وسمر، وقاعات مسارح وسينما وطبل وزمر في الساحات العمومية وليست أساسا لأي مشروع حضاري.

  • وأنت تلتقين عبر هذا الصرح القومي "مجلة العربي" بإخوة مفكرين وقراء من الخليج والمشرق، منهم من يعرفك ومنهم من لا يعرفك، ماذا يمكن أن تقولي لهم؟.

- "مجلة العربي" أحب المجلات إلى نفسي منذ أكثر من ربع قرن من الزمان، وقد قمت بتجليد أعداد عدة سنوات منها مع فجر الاستقلال، لكنني الآن لا أحصل عليها إلا بشق النفس، وكم أسعدتني هذه الدعوة الكريمة من المجلة والقائمين عليها لألتقي من خلالها بإخوتي العرب جميعا، وخصوصا شعبنا الكريم في الكويت، فتحية صادقة لهم جميعا.

  • في الأخير، أسألك عن رحلة الحياة، ناضلت في سبيل قضية مقدسة، تقلبت كثيرا في مواقع العمل الثقافي والسياسي قرأت كثيرا وكتبت كثيرا كذلك. ماذا بقي لديك، وأين أنت الآن من الحركة الدائرة، هل تعتبرين نفسك مثلا من جيل أدى دورا في مرحلة ما انتهت أم من تيار مازال أمامه نضال من نوع آخر.. أم ماذا؟

- أنا الآن امرأة متقاعدة بالمعنى والتعبير الوظيفي. متقاعدة عن المهن الإدارية وليس عن مهنة الكتابة والإبداع، إن الكتابة تبدو في نظري اليوم وكأنها العمل الحقيقي والأساسي للمثقف، إنني أستعيد وأراجع كل ما مر علي في حياتي الخاصة والعملية من ثراء وزخم للأحداث والتجارب في مختلف المجالات وعبر أجمل سنوات العمر. إن كل ذلك ضروري بمصداقيته كرافد مهم للعمل الإبداعي كما أنني أساهم مساهمة كبيرة عبر الصحف والمجلات في الدفاع عما أؤمن به من مبادئ تخدم الإنسان العربي بشكل عام.

 



أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




زهور ونيسي





محمد حسين طلبي





مجموعة كتب زهور ونيسي





مجموعة كتب محمد حسين طلبي





زهور ونيسي تدشن أحد المعارض التربوية أيام توليها الوزارة