عادة مص الإصبع عند الأطفال زياد بغدادي

عادة مص الإصبع عند الأطفال

هناك العديد من العادات التي يألفها الطفل منذ صغره وربما تأصلت في نفسه مع كبره، والتي يمكن أن ينتج عنها مشاكل عديدة على الصعيد الجسمي أو النفسي، تحتاج مثل هذه العادات لانتباه الوالدين، ومحاولة القيام بعلاج هذه العادات قبل تأصلها وتحولها إلى حالة مرضية.

إن أغلب هذه العادات تكون في منطقة الفم والأسنان، لأسباب سنذكرها لاحقا، كعادة مص الإصبع وعادة اللهاية "المسكتة"، وعادة مص الشفة، وعادة دفع اللسان، وعادة قضم الأظافر، وحتى عادة تعذيب الذات. تشكل عادة مص الإصبع النسبة الكبرى من هذه العادات، ولذلك سنتحدث عنها في هذا المقال ونكمل التحدث عن بقية العادات في مقالات لاحقة.

من المعلوم أن منعكس المص عند الوليد يبلغ درجة عالية من النضج، وأظن أنه لا تزال في الذاكرة تلك الصورة الفريدة لجنين يمص إصبعه وهو في رحم أمه، إذ إن المص ليس آلية لتلقي الغذاء فقط، بل كذلك يفيد في منح الطفل الوليد شعورا بالسيادة والنشوة، إن الوليد يملك طاقات كامنة تفوق ما قد يتصوره إنسان ويحتاج إلى صرفها، ولا يستطيع في هذه المرحلة المبكرة من عمره أن يصرفها إلا عن طريق هذه الآلية لكونه لا يقدر على الكلام أو الحبو، فإن توافرت له الفرصة لصرف هذه الطاقة من خلال الرضاعة الطبيعية الوالدية مع دفء وحنان الأم، فإن هذه الطاقة تصرف وبشكل طبيعي، ولكن الذي يحدث في هذا العصر، عصر السرعة وعمل المرأة، أن تعمد الكثير من الأمهات إلى استعمال الزجاجة البلاستيكية بديلا عن حليبها وحنانها، وتعمد إضافة لذلك إلى توسيع فوهة الحلمة وربما زيادة عدد فوهاتها، وبالتالي لا يستطيع الطفل صرف طاقته الكامنة فيصرفها بالطريق الوحيد الممكن لديه وهو المص وبخاصة مص الإصبع، إصبع اليد، وربما أحيانا إصبع القدم؟!.

ويوجد العديد من العوامل النفسية التي تتدخل في نشوء هذه العادة وترسيخها، أو ربما ارتدادها بعد انقطاع، منها شعور الطفل بالقلق والخوف فيندفع لوضع إصبعه في فمه ليبعث في نفسه الراحة والاطمئنان، ومنها لفت انتباه الوالدين وخاصة بعد ولادة طفل جديد للعائلة يكون محط اهتمامها.

تأثير موقف الوالدين

ولكن العامل النفسي الأهم في ترسيخ وتطور هذه العادة هو موقف الوالدين منها ومنذ البداية، فقد تكون هذه العادة في بداية أمرها في سياق التطور الفسيولوجي الطبيعي، ولكنها تنقلب مع الموقف غير السليم للوالدين منها والطريقة التي يتبعانها لردعها إلى مشكلة عميقة، تنعكس سلبا على شخصية هذا الطفل حاضرا ومستقبلا، فطريقة الردع بطريقة القهر، أو التوبيخ، أو ربما السخرية تكون بالتأكيد ذات تأثير معاكس تدفع الطفل لممارسة العادة بصورة أكبر، وربما سرا، فيتولد لدى الطفل شعور بالخيبة والفشل وفقدان الثقة بالنفس، وغيرها من المشاكل النفسية، والتي لا يجد الطفل منفذا للتعبير عنها سوى بالتصرفات العدوانية أو سلس البول وغيرها.

يمكن كما ذكرنا أن تعد عادة مص الإصبع هذه صمام أمان عندما تزيد الضغوط العاطفية على الطفل، بحيث لا يمكنه مع خبرته القليلة التغلب عليها، كما في حالة ولادة طفل جديد للعائلة، وانصراف اهتمام العائلة عن الطفل الأكبر وتوجهها إلى الطفل الجديد، أو حالة دخول المدرسة لأول مرة، أو غير ذلك من العقبات التي تعترض مسيرة حياته فيلجأ إلى هذه الطريقة للتفريج عن كربته، وللشعور ببعض الطمأنينة والتي كان يشعر بها عندما كان يمارسها قبل الانقطاع عنها.

وإن مص الإصبع قد يعتبر طبيعيا للأسباب التي ذكرت حتى سن قبل بزوغ الأسنان الدائمة "6 سنوات " حيث إمكانية التصحيح الذاتي ممكنة، ولكن كثيرا ما يطلب الآباء المعالجة في أعمار مبكرة لكون هذه العادات تبدو غير مقبولة اجتماعيا مع ارتقاء عمر الطفل. إن الجهود التي تبذل لمعالجة هذه العادة يمكن أن تتدرج من محاورة بين الطفل وطبيب الأسنان، إلى معالجة تتطلب وضع أجهزة معقدة. في الأحوال كلها حتى تكون المعالجة- أية معالجة- ناجحة يجب أن يكون الطفل راغبا في إيقاف هذه العادة.

ما هي مضار العادة؟

تحدثنا بشكل موجز عن أضرار العادة النفسية، حيث إن هذه العادة تشير إلى فقد الطفل لثقته بنفسه، وإلى شخصية متوترة والتي قد تقود الطفل للانحراف، ومصاحبة رفاق السوء أو التدخين وغيرها. أما التشوهات الجسمية والتي قد تنتج عن هذه العادة فتختلف تبعا لعدة عوامل وهي شدة ممارسة هذه العادة، ومدى تكرار ممارستها، وطول فترة هذه الممارسة. إن شدة العادة هو مقدار القوة التي تطبق على الأسنان خلال المص، أما مدى تكرارها فهو عدد المرات التى تمارس فيها العادة خلال اليوم، أما طول فترة ممارستها فهو مقدار الوقت الذي يقضيه الطفل في مص إصبعه. إن طول الفترة الزمنية لممارسة العادة يلعب الدور الحاسم والأهم في مقدار التشوه الحاصل نتيجة ممارسة هذه العادة.

الدلائل التجريبية والسريرية أوضحت أن ضغطا يستمر 4- 6 ساعات يوميا ضروري لتحريك السن، ولذلك فإن الطفل الذي يمص إصبعه بشكل متقطع رغم الشدة العالية لا تنجم عنها حركة على الإطلاق، على حين أن الطفل الذي يمص إصبعه بشكل مستمر لفترة تزيد على 6 ساعات يوميا يمكن أن تحدث له تغيرات سنية مهمة. على كل فالأعراض الكلاسيكية لعادة نشطة عند الطفل تتعلق بأسنان الطفل حيث تندفع الأسنان الأمامية العلوية نحو الشفة، أما الأسنان الأمامية السفلية فتندفع نحو اللسان، بما ينتج عن ذلك من نقص في التغطية العمودية للأسنان، وهذا ما يدعى بالعضة المفتوحة الأمامية. إن الأسنان الموجودة على قواعدها العظمية في الفم، تخضع لتوازن عضلي دقيق بين اللسان من جهة، وبقية العضلات المحيطة بالفم من جهة أخرى، هذه العادة تفسد هذا التوازن العضلي الدقيق واللازم مما، يؤدي لتشوهات عديدة ينتج عنها تضييق في الفك العلوي.

العلاج

لا بد لكي تكون المعالجة مجدية من الوقوف على أسباب هذه الحالة من خلال مصارحة الأبوين والطفل، فكل معالجة لا تأخذ الأسباب بعين الاعتبار تعد فاشلة.

يجب أن يمنح الطفل الفرصة ليوقف العادة بشكل تلقائي، قبل بزوغ الأسنان الدائمة أي ما بين 4 - 6 سنوات بحيث يجب على طبيب الأسنان توضيح مساوئ هذه العادة للطفل، وما ينتج عنها من مشاكل وبخاصة تجميلية، حيث يري الطبيب الطفل بعض الصور التوضيحية لشذوذات نجمت عن هذه العادة ليوصل الطفل إلى مرحلة الاستعداد النفسي بضرورة إيقافها، وليكون عنده الرغبة الحقيقية بضرورة تخطيها. ثلاث طرق مختلفة طبقت لمعالجة هذه الحالة حسب استعداد الطفل لإيقاف هذه العادة:

- الطريقة الأولى وهي طريقة المعالجة التذكيرية- وهذه الطريقة مناسبة للأطفال الراغبين في إيقاف العادة، ولكن يحتاجون بعض المساعدة لإيقاف العادة كلية- وهي حزام خاص يوضع على الإصبع الذي يمصه الطفل يخدم في تذكير الطفل بضرورة عدم وضع الإصبع في الفم. كما يمكن طلاء الإصبع بمحلول ذي مذاق كريه يذكر الطفل بضرورة الابتعاد عن مص إصبعه.

- الطريقة الثانية وهي طريقة نظام المكافأة، حيث يعقد اتفاق بين الطفل ووالديه، يشير الاتفاق إلى أن الطفل سيوقف هذه العادة لفترة محددة خلال الشهر وسينال مكافأة على ذلك، إن المكافأة يجب أن تكون كافية لدفع حماس الطفل لمقاومة العادة خلال الفترة المعنية.

يمكن ممارسة هذا الاتفاق على تقويم خاص يشير إلى ساعات الانقطاع عن ممارسة المص.

إذا استمرت العادة رغم ما سبق من محاولات مع رغبة الطفل الحقيقية في إيقاف العادة عندها فلا بد من اللجوء للطريقة الثالثة والأخيرة، والتي تجعل عملية المص غير ممتعة باستعمال الأجهزة الخاصة بذلك، ويجب التأكيد على أن هذه الأجهزة ليست عقابا بل تذكرة للطفل بضرورة عدم وضع يده في فمه.

 

زياد بغدادي 

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية  
اعلانات




عادة مص الأصابع عند الأطفال