توماس غينسبورو.. «لايدي آلستون»

توماس غينسبورو.. «لايدي آلستون»

إن أفضل حديث عن الرسام الإنجليزي توماس غينسبورو يبدأ بتناول رسام آخر، وينطلق من زمن مختلف يعود إلى القرن السابق لظهوره.

ففي القرن السابع عشر، سيطر الرسام الفلامنكي السير أنتوني فان ديك على الحياة الفنية بأسرها في بريطانيا، من خلال رسمه للصور الشخصية للملك، والأرستقراطية التي عرف كيف يمتدحها ويعظم مكانتها في لوحاته. وعندما توفي فان ديك في العام 1641م، كان مجموع اللوحات «الإنجليزية» التي خلفها وراءه بلغ نحو 350 لوحة، من بينها نحو 40 لوحة تمثل الملك. ولنحو قرن من الزمن، بقي هذا الميراث الفني يشكل تحدياً لم يستطع أي فنان إنجليزي أن يرقى بأعماله إلى مستواه. وعند ولادة توماس غينسبورو في العام 1727م. كانت أسطورة فان ديك لاتزال حية، والتحدي الذي تمثله كذلك.

عرف غينسبورو كيف يستخلص من لوحات فان ديك أهم ما فيها وعناصر جاذبيتها. وأضاف إليها دراسة الطبيعة في لوحات الهولنديين، وبشكل خاص لوحات جاكوب فان رويسدايل. وانطلق وهو في مطلع العشرينيات في رسم الصور الشخصية التي ستبقى حتى أواخر عمره أبرز مجال برع فيه، ووصل فيه إلى مستوى فان ديك نفسه.

إن أول ما يستوقفنا في لوحة «اللايدي آلستون» هو أناقتها، والتناقض الصارخ ما بين بياض بشرة وجهها وصدرها ويديها المتواصل مع بياض قماش الساتان، وتناقضه مع الخلفية ذات اللون الأخضر الزيتي الداكن الذي يبدو مستوحى من غابة مظلمة.

وتزيد خشونة الخلفية البرية من وضوح أناقة هذه السيدة ورقة قماش الدانتيل الأسود والأبيض ولمعان قماش الساتان. وهنا تجدر الإشارة إلى أن توماس هو ابن تاجر أقمشة. ولاشك في أن مهنة الوالد تركت بصماتها على الابن، على الأقل خلال السنوات الأولى من حياتة المهنية.

وكما فعل فان ديك في صورة «المركيزة غريمالدي» التي تحدثنا عنها سابقاً في معرض العربي، ترك غينسبورو أطراف الملابس تذوب في الخليفة الداكنه، لإعطاء مزيد من الحجم والطول لهذه السيدة. بخلاف الوجة الذي يبدو من خلال تحديد إطاره جيداً ولون الأبيض الوردي واضحاً جداً وتسهل قراءته، ولا عجب في ذلك، مادمنا أمام صورة شخصية، وبخصوص وضعية السيدة، فهي تقول بصراحة إنها هنا من دون حراك أمام الفنان، وهي تنتظر أن يفرغ من عمله.

 

 

عبود عطية 




توماس غينسبورو (1727 - 1787) «اللايدي آلستون» حوالي العام 1760م، (226 × 168 سم) متحف اللوفر باريس