السكر: حلو غالبا، مر ومالح أحيانا عصام عزو

هو مصدر طاقة الإنسان، بدونه لا يشرب فنجان الشاي أو القهوة، يدخل في صناعة الحلويات المختلفة، مفيد بمقدار، الإسراف في تناوله يفدي إلى استهلاك سريع لغدة البنكرياس، يعتمد عليه اقتصاد بعض الدول ،ممكن تناوله حرا أو في صورة مركبة، ولا يعلم أحدكم عمر السكر.

" انتهى إلينا بالدراسة والتمحيص أن سكر البنجر معروف منذ وقت ليس ببعيد، ففي عام 1747 تمكن عالم الكيمياء الألماني آندريك مارجراف من اكتشاف سكر في البنجر، أما خطوات استخلاصه وتحضيره صناعيا فقد عرفت بعد ذلك في بداية القرن التاسع عشر.

أما عن سكر القصب فيبدأ الخلاف، إلى أي عصر يرجع عمره؟ منذ 23 قرنا من الزمان وصل محاربو الإسكندر المقدوني إلى أرض الهند وشاهدوا فيما شاهدوا من عجائب الأشياء- والتي تتميز بها هذه الناحية من العالم- مادة لونها أبيض وشكلها صلب وطعمها حلو، وبالسؤال عن هذه المادة آنذاك عرفوا أنها عبارة عن عصير غليظ لنبات من نوع القصب يزرع في هذه المنطقة، ولقد كتب أحد قواد جيش الإسكندر المقدوني أنه في الهند يوجد نبات يعطي عسلا بدون نحل.

ومرت حقبة من الزمن قبل أن يصل هذا النبات غير المألوف إلى الصين، حيث سمي بالعسل أو حجر العسل، أما قدماء المصريين فقد أطلقوا عليه اسم الملح الهندي.

وعند الهنود ظهر السكر وعنهم عرف اسمه أيضا. فمثلا في اللغة العربية يطلق عليه " سكر"، في الإنجليزية "Sugar"، والألمانية "Zucker" والفرنسية "Sugar" والروسية "Caxap" ( سخر).

وليس بالضرورة أن تكون عالما في علم اللغة لكي تعرف أن أصل هذه الكلمات خرج من الكلمة الهندية القديمة "Sakkara"، وتصادف هذه الكلمة بعض التحورات كالسكر نفسه من مكان إلى آخر كي تتماشى مع لغة المكان الجديد.

وهكذا تعتبر الهند موطن السكر الأصلي أو بدقة أكبر موطن قصب السكر، وتروي الأسطورة الهندية القديمة أنه في ذات يوم أهدى الرب إيشبار الحفيد سوباندي والي بناريسا تقاوي بذور خرج منها قصب السكر، ومنذ ذلك الوقت حصل الناس على عصير حلو المذاق للأكل.

ولكن كيف تمكن الهنود القدماء من تحويل هذا العصير إلى سكر؟ وما هي الطرق التي استخدموها لتنقية وتغليظ العصير؟ هذا- مع الأسف- لا نعرف عنه شيئا، وهناك أسطورة هندية أخرى تروي أنه في الليالي البيضاء المنيرة نزعت الساحرات الهنديات السكر من قرن القمر الشاب.

ومن دواعي الأسف أنه في عصرنا هذا لا توجد مثل هذه الطريقة البسيطة للحصول على السكر كما نعرفه، ولكن توجد تكنولوجيا تتضمن عدة عمليات معقدة.

سنحاول سرد كيفية الحصول على سكر البنجر- والذي عادة ما نراه على طاولة الإفطار- يحتوي البنجر على 18% سكرا في المتوسط إلى جانب مجموعة من الشوائب غير اللازمة. واستخلاص السكر من هذه الشوائب يمثل العملية الأساسية في مصانع السكر، حيث يتم استخلاص العصير من نشارة البنجر (وعادة تسمى بعملية الانتشار)، والعصير الأولي يعتبر في مراحله الأولى شهيا، حيث يكون لونه غامقا ورائحته كريهة فضلا عن طعمه الخاص.

يستخدم الجير (أكسيد الكالسيوم) مع غاز ثاني أكسيد الكربون في تنقية العصير وهي نواتج احتراق الحجر الجيري (كربونات الكالسيوم) وعادة يحتوي كل مصنع للسكر على فرن احتراق الحجر الجيري، والذي يمكن مشاهدته من بعد. يرج الجير الناتج مع الماء معطيا لبنا جيريا يضاف بدوره للعصير المنتشر، ويعمل الجير على التفاعل مع العصير مكونا راسبا ومحلولا.

تتجمع في الراسب مركبات الدهون وأملاح الأحماض العضوية والمواد الملونة على شكل لفافات تترسب في القاع، أما السكر فيتفاعل مع الجير مكونا سكريات ذائبة في المحلول وبالتالي يمكن فصلها عن بقية الشوائب المتجمعة في الراسب. أما التخلص من الجير الزائد سواء الطليق أو على صورة سكريات فهي المرحلة الثانية من إنتاج السكر. ويعمل غاز ثاني أكسيد الكربون على تحرير السكر من الجير مكونا مادة طباشيرية غير ذائبة. وحتى بعد معالجة العصير بالجير وثاني أكسيد الكربون تتبقى فيه بعض الصبغات. وللتخلص من لون العصير يعالج بغاز ثاني أكسيد الكبريت في الماء، وينطلق الأيدروجين النشط الذي يتفاعل مع المجموعة الكيميائية المسببة للون وحينئذ يتحول الشراب إلى عديم اللون، ثم يعالج بالترشيح والتبخير والغليان، ويعطي هذا الشراب ذو القوام الغليظ بللورات السكر التي تفصل وتجفف.

الصمغ العربي والجلوكوز

بشكل عام توجد أنواع مختلفة من السكر، وسكر القصب أو البنجر المعروف بالسكروز ليس بالسكر الوحيد في غذائنا اليومي. يحتوي كل نوع من أنواع الطعام على سكره الخاص به، فسكر اللبن هو لاكتوز والشعير هو مالتوز والفاكهة والتوت فراكتوز أو جلوكوز.

سنتوقف خاصة عند سكر الجلوكوز حيث يعتبر أول سكر تم استخلاصه بطرق معملية وصناعية. وقد اكتشف العالم الكيميائي الروسي قنسطنطين كيرهجوف الطريقة المستخدمة صناعياً لاستخلاص الجولوكوز (سكر العنب) بالمصادفة البحتة في عام 1811 في أثناء إجراء بعض تجاربه على تصنيع الخزف، وفي بحث عن بديل رخيص للصمغ العربي (عبارة عن خلاصة سوداء تجمع من جذوع شجرة الأكاسيا العربية). فعند إضافة بعض المواد الكيميائية لهذه المادة حصل كيرهجوف على النشا، وعندما رج النشا مع الماء وسخنه في وجود حمض الكبريتيك، تحول النشا بعد فترة إلى كتلة لزجة تشبه الصمغ. وعندما حاول كيرهجوف التعرف على طعمها للتعرف عليها- كما كان متبعاً في ذاك الوقت- وجد أن طعمها حلو المذاق.

واستنتج العالم كيرهجوف أن جزءا من النشا قد تحول إلى السكر، وفي الحال أثبت هذا الاكتشاف في الأكاديمية العلمية التي منحته لقب (أكاديمي). وظل المبدأ العلمي الذي وضعه كيرهجوف هو الأساس في إنتاج الجلوكوز من النشا في العالم أجمع. فالنشا مادة كربوهيدراتية عديدة التسكر، أي تتكون من عدد كبير من جزئيات الجلوكوز غير المائية على شكل سلسلة، وفي عملية التمثيل الضوئي في النبات يتكون النشا من الجلوكوز، فإذا حدث العكس وتم تكسير النشا نحصل على الجلوكوز، وهذا هو ما حدث بالفعل في تحارب كيرهجوف، ففي أثناء تفاعل النشا مع الماء في عملية التميؤ في وجود حفاز مثل حمض الكبريتيك أو الهيدروكلوريك يتحول النشا على عدة خطوات معطياً الجلوكوز.

أما في الصناعة فيتم الحصول على جلوكوز النشا في أجهزة خاصة تحت ضغط من 3 إلى 3,5 جو في وجود حفاز بنسبة 0,5 إلى 65,% (حمض). بعد إجراء عملية تكسير النشا يعادل العصير الناتج بإضافة كمية من الكربونات إليه، ويرشح الشراب المتعادل ويسخن حيث تتم بلورة الجلوكوز. ويستخدم ملح الطعام لزيادة سرعة تبلور الجلوكوز حيث يتكون مركب بنائي من السهل تكسيره والحصول على بللورات الجلوكوز منه باستخدام الطرد المركزي.

ويمكن الحصول على الجلوكوز من الأخشاب أيضا وطريقة الاستخلاص لا تختلف كيميائيا عن الطريقة السابقة حيث إن السليولوز الذي يتكون منه الخشب عبارة عن مادة كربوهيدراتية ولكن الصعوبة هي في طريقة تنقية الجلوكوز المتكون.

ما المقصود بحلو المذاق؟

تتميز المواد السكرية بمذاقها الشهي وبكمية الحرارة الناتجة عند احتراقها، فمن المعروف أن حرارة احتراق جرام واحد من السكر في جسم الإنسان هي 4,1 كيلو سعر (السعر هو وحدة قياس الحرارة).

يختلف المذاق الحلو للسكر من نوع إلى آخر، وللتفرقة بين مذاق الأنواع المختلفة من السكر يعتبر سكر البنجر (السكروز) وحدة قياس للحلاوة، فنجد أن حلاوة سكر الجلوكوز 0,74 وحلاوة سكر المالتوز واللاكتوز 0,32 وأكثر أنواع السكر حلاوة هو سكر الفراكتوز الذي يمثل 1,73 طبقا لهذا المعيار.

وهناك اتصال وثيق بين مذاق السكر وتركيبه الكيميائي وتركيبه البنائي، فيعتمد مذاق السكر على وجود مجموعتين ضمن جزيئاته، الأولى هي مجموعة الجلوكوفورز فاسمها مركب من كلمتين إغريقيتين هما جلوكوز وتعني حلو المذاق وكلمة فوروز ومعناها حامل أي حامل المذاق الحلو. أما المجموعة الثانية وهي مجموعة أوكسوجلوكوزايد فاسمها من الكلمة الإغريقية أوجسانو وتعني المبالغة.

ولقد أوضح العالم شولنبرجر العلاقة بين حلاوة السكر وتكوين رابطة هيدروجينية بين مجموعة الهيدروكسيل في جزيئاته (عدد الروابط الهيدروجينية وتكونها داخل أم خارج الجزيء). وأكدت التجارب العلمية باستخدام الأشعة "فوق البنفسجية" نظريته. وبالرغم من سعة انتشار هذه النظرية في تفسير مذاق السكر والمواد المقاربة له في التركيب الكيميائي (مثل الكحولات عديدة الذرات) إلا أنها تعجز عن تفسير حلاوة السكرين مثلا، فهو لا يتشابه من قريب أو بعيد مع جزيء السكر في التركيب الكيميائي، وكذلك تعجز عن تفسير حلاوة ملحي البريليوم والرصاص، فالرصاص يتفاعل مع حمض الخليك مكونا ملحا له طعم حلو ولكنه سام جدا.

ليس سكرا ولكنه حلو المذاق

يوجد كثير من المواد حلوة المذاق التي تدخل في غذائنا اليومي ولا تنتمي إلى السكر المستخلص من المنتجات الطبيعية مثل الجلسرين والأحماض الأمينية وغيرها.

وهناك دراسات متعددة في مجال صناعة الأغذية تهدف إلى تصنيع بدائل للسكريات الطبيعية لاستخدامها في تحلية الأطعمة المتداولة، والسكرين أحد هذه المواد وتدخل الصبغة كمادة أولية في تحضيره صناعيا.

طعم السكرين النقي يفوق طعم السكروز (سكر القصب أو البنجر) 700 مرة، ويكفي ذوبان 0,00005 جرام منه في لتر ماء لتحليته.

وهناك المنتج الصناعي الألدوكسيم الذي ينافس السكرين بل ويتفوق عليه أكثر من 5 أضعاف.

هل من قلة السكر الطبيعي؟ الأمر هنا لا يتعلق بندرة أو وفرة مصادر السكر، فالسكريات الصناعية تستخدم في ظروف وتحت معايير معينة لتعالج الخلل في عدم انتظام التعادل الغذائي داخل جسم الإنسان، السكريات أو الكربوهيدرات بصورة عامة. وهو ما يعرف بمرض السكر. ومرضى السكر يتحتم عليهم استخدام السكرين في غذائهم بدلا من السكر.

في بعض الدول يسمح باستخدام السكرين في غذاء مرضى السكر، ويدخل في تحضير الحلويات ولا سيما العصير الخالي من الكحول، كما في الاتحاد السوفييتي، أما في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة فتستخدم مادة سيكلمات الصوديوم أو البوتاسيوم وهي واسعة الانتشار لهذا النوع من الغذاء.

ومادة السيكلمات هي ملح تفوق حلاوته السكروز 30 أو 40 مرة، وتستخدم في صناعة الألبان المجففة، ومصرح باستخدامها لمرضى السكر وللأصحاء من الناس.

السكرين والسيكلمات وغيرهما تعطي مذاقا حلوا خداعا، ولكن بدون قيمة غذائية على الإطلاق، وفي الواقع لا تعتبر هذه المواد بديلة للسكر الطبيعي بأي معيار.

لهذا تحاول كيمياء الأغذية جاهدة، في مجال بحوثها المتعددة، تحضير بعض المواد حلوة المذاق ذات قيمة غذائية مقبولة لا يكون لاستخدامها أي أضرار جانبية لمرضى السكر.

وتحضير مثل هذه المهاد يعد من المجالات الصعبة في الدراسة والبحث، فأولا يجب توحيد وجهات النظر في الحاضر والمستقبل حتى يمكن تلافي وتدارك أي أعراض جانبية ممكن أن تنشأ عند استخدام تلك المواد.

لقد تمكن العلماء من تحضير البديل وهو السوربيتول وهو منتج طبيعي، وهو عبارة عن كحول يتكون من ست ذرات من الكربون، وممكن التعرف عليه في غذائنا من التوت، ولقد اشتق اسمه من اللغة اللاتينية، وهو نسبة إلى خشب شجرة الدردار التي لوحظ في عصارتها لأول مرة.

يتميز السوربيتول بمذاق حلو يكافئ نصف حلاوة السكروز، فضلا عن قيمته الغذائية الكبيرة بعكس السكرين والسيكلمات. فكل جرام منه يعطي الجسم 3,9 كيلو سعر، علاوة على أنه مادة كحولية وليست كربوهيدراتية، لذلك فليس له تأثير ضار على مرضى السكر، وفي هذا تكمن قيمته الفعلية.

ويمكن الحصول على السوربيتول صناعيا من الجلوكوز بعملية هدرجة في وجود حفاز النيكل وتحت الضغوط المرتفعة (70- 80 جو). ويمكن الحصول على رقائق السوربيتول مثل قطع الشيكولاتة في بعض محال الحلويات وفيها تم استبدال السكر بالسوربيتول. والآن أصبح من الممكن أن نشاهد على موائدنا ذا المذاق الحلو والقيمة الغذائية العالية البديل الرائع للسكر الأوحد.