قطوف دانية أحمد السقاف

قطوف دانية

"3"
زهير بن أبي سلمى

بقلم:
إلى الذين يودون أن يتذكروا
هـؤلاء الشعـراء

هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رباح المزني ينتهي نسبه بمضر، وزهير هذا أحد الشعراء الثلاثة الفحول المتقدمين وهم: امرؤ القيس وزهير والنابغة الذبياني، وكانوا يفضلونه على شعراء الجاهلية، كما كانوا يفضلون الفرزدق على من كان في زمنه من شعراء العصر الإسلامي، وقد نشأ في نجد شأنه شأن كثير من فحول الشعراء الذين جادت بهم هذه البقعة من جزيرة العرب.

وكان أبوه شاعرا وخاله شاعرا، وأخته سلمى شاعرة، وأخته الخنساء شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وابن ابنه المضرب بن كعب بن زهير شاعرا، ويدل شعره على إيمانه بالبعث والنشور، وقد عرف بمدحه هرم بن سنان، وهو القائل فيه:

قد جعل المبتغون الخير في هرم

والسائلون إلى أبوابه طـرقا

من يلق يوما على علاته هرمـا

يلق السماحة فيه والندى خلقا

ويقال إنه كان ينظم القصيدة في شهر وينقحها ويهذبها في سنة وكانت تسمى حوليات زهير، وقد توفي قبل أن يبعث الرسول صلى الله عليه وسلم بسنة واحدة، ومعلقته مشهورة، ومنها هذه الأبيات:

أمن أمِّ أوفى دمنة لم تكلّم

بحومانة الدَّراج فالمتثلم

ديارٌ لها بالرقمتين كأنها

مراجيعُ وشم في نواشر معصم

بها العينُ والآرامُ يمشين خلفة

وأطلاؤها ينهضنَ من كل مجثم

وقفتُ بها من بعـد عشرين حجَّةً

فلأياً عرفتُ الدارَ بعدَ توَهُّم

فلما عرفتُ الدار قلت لرَبعها

ألا انعم صباحا أيها الربع واَسلم

فمن مبلغُ الأحلاف عني رسـالة

وذبيان هل أقسمتم كل مُقسَمِ

فـلا تكتمن الله ما في صدوركم

ليخفي ومهما يكتم الله يعلمِ

يُؤخّر فيوضع في كتاب فيدخرْ

ليوم الحساب أو يُعَجَّلْ فيُنْقَم

وما الحرص إلا ما علمتم وذقتمو

وما هو عنها بالحَديث المرجّم

متى تبعثوها تبعثوها ذميمة

وتفخر إذا ضرَّيتموها فتضرمَ

سئمت تكاليفَ الحياة ومن يعشْ

ثمانين حولا لا أبالك يَسأمِ

رأيتُ المنايا خبطَ عشواء من تُصب

تُمتهُ ومن تخطئ يُعَمَّر فيهرمَ

ومن لا يُصانعِ في أمور كثيرة

يُضرس بأنياب ويوطأ بمَنْسم

ومن يجعل المعروف من دون عرضه

يَفرْهُ ومن لا يتق الشتم يشتم

ومن يك ذا فضلٍ فيبخل بفضله

على قومه يستغن عنه ويُذْمَمِ

ومن لا يذُدْ عن حوضه بسلاحه

يهُدَّمْ ومن لا يظلم الناس يظلمِ

ومن هاب أسباب المنية يلقهَا

ولو رام أسبابَ السماء بسلمِ

ومهما تكن عند امرئ من خليقة

وإن خالها تخفى على الناس تُعْلَمِ

وشعر زهير بن أبي سلمى مليء بأخبار الحرب التي استعرت بين عبس وذبيان، تلك الحرب المعروفة بحرب داحس والغبراء، وقد دعا الشاعر القبيلتين إلى الصلح، وامتدح اثنين من رؤساء ذبيان هما هرم بن سنان، والحارث بن عوف اللذان لم يقصرا في السعي نحو وقف القتال، وليحظ هذا في كثير من أبيات المعلقة كقوله:

تداركتما عبسا وذبيان بعدما

تفانوا ودقوا بينهم عطر مَنْشَمِ

وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا

بمال ومعروف من الأمر نسلم

فأصبحتما منها على خير موطن

بعيدين فيها من عقوق ومأثَمِ

وله في هرم بن سنان من قصيدة طويلة:

لمن الديارُ بقنَّة الحجر

أقْوَيْنَ من حجج ومن دهر

لعب الزمان بها وغيَّرها

بعدي سوافي المور والقطرَ

دعْ ذا وعد القول في هرم

خير البُداة وسيد الحضْر

إلى أن يقول:

لو كنت من شيء سوى بشر

كنت المنور ليلة البدر

وله في هرم بن سنان أيضا من قصيدة طويلة:

إلى هرم سارت ثلاثا من اللوى

فنعم مسيرُ الواثق المتعمد

سـواء لديه أي حين أتيته

أساعة نحس يتقى أم بأسعد

أليس بضراب الكماة بسيفه

وفكاك أغلال الأسير المقيد

فلو كان حمد يخلد الناس لم تمت

ولكن حمد الناس ليس بمخلد

ولكن منه باقيات وراثة

فأورث بنيك بعضها وتزود

تزودْ إلى يوم الممات فإنه

ولو كرهته النفسُ آخر موعد

ومن شعره في هرم بن سنان الذي قال فيه الكثير هذه الأبيات:

قوم أبوهم سنان حين تنسبهم

طابوا وطاب من الأولاد ما ولدوا

لو كان يقعد فوق الشمس من كرم

قوم بأولهم أو مجدهم قعدوا

جن إذا فزعوا إنس إذا أمنـوا

مرزءون بهاليلٌ إذا قصدوا

محسدون على ما كان من نعم

لا ينزع الله عنهم ماله حسدوا

ومما سار مثلا من شعره قوله:

وهل ينبت الخطي إلا وشيجُهُ

وتُغْرَسُ إلا في منابتها النخلُ

 

أحمد السقاف

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات