مساحة ود

 مساحة ود

طيف

أنا ذا الذي ظن نفسه فارسا لم يخل جسده من ضربة رمح أو طعنة سيف أعترف لكم أنني لم أكن أحميها.. بل حاربتها منذ البداية.. تصورت أنني أراقب حركاتها ومحاولاتها للانفلات من طيفها.. كنت أعرف.. أو هكذا تصورت.. مواعيدها.. ورائحة عطرها.. وعرقها.. لونها.. وانثناءاتها.. حيلها الصغيرة.. كيف تتخفى وتدعي الاستـسلام.. وكيف تعود للعب مجددا.. تخربشني قليلا.. وتجرحني أحيانا.. منتشية في طفوليتها الشريرة.

وعندما كانت تفعل ذلك كنت أكشر عن أنيابي أمامها.. أو هكذا كنت أدعي.. حتى تعود إلى استسلامها وترتاح قليلا.. كنت أحبها.. وأخاف عليها.. وكنت أعرف.. أو هكذا تصورت.. أن الأيام أتعبتها كثيرا.. لكنها كانت في كل مرة تنسل من طيفها باكية.. تشكو ظلمة راحتها.. كانت تقول دائما إنها تخافها.. وإنها تريد أن ترى النور ولو مرة أخيرة.. عندها فقط كنت آخذها بين ذراعي.. أضمها إلى صدري.. أمسح دموعها.. وأمنحها الدفء.. فتستكين.. أقول لها يا صغيرتي إن الظلمة آمن.. وإن العالم بارد في الخارج.. وإنني حارسها الأبدي وحاميها.. فتنام.

لكنني أمضيت العمر أرقد إلى جانبـها مفتـوح العيـنين.. كنـت في داخـلي أخافها وأخاف مراوغاتها.. وكنت أقول لنفسي إنها صغيرة ستتوه وتضيع وحدها لو خـرجت للـنور.

لكنها تستيقظ ثانية.. تسألني بلة ريق.. أمنحها إياها فتحتضنني.. تبكي وتقول لي إنها تخاف من أحلامها.. وإنها تريدني أن أحرسها هناك.. أقول لها إني متعب.. هدتني السنون.. وإنني يجب أن أبقى إلى جانبها مفتوح العينين لأحرسها.. تبكي مجددا.. أستسلم لها.. وأغمض جفني.

تنفض جسدها.. تدور حولي فاردة جناحيها في عبثها الماجن.. تقتل طيفها.. تجلس إلى جانبي.. تتأملني.. تعريني.. تمرر أطراف أصابعها على ندوب الجراح القديمة.. تتأمل الجسد المنهك في استسلامه الأخير.. تراقب خلجاته.. تنظر إليه في براءتها الأبدية.. وتسدد طعنتها.. إلى القلب تماما.. تنهض متثاقلة.. تفتح الباب.. وتخرج إلى النور.

 

أحمد خضر