الإيدز والسود واليهود من فيلادلفيا إلى هوليوود محمد رضا

الإيدز والسود واليهود من فيلادلفيا إلى هوليوود

على الرغم من الضرورة الاجتماعية التي تحتم على السينما تقديم أفلام حول مرض الإيدز، إلا أن هوليوود آثرت غالبا الابتعاد عن هذا الموضوع حتى استطاع المخرج جوناثان دمي تقديم فيلمه الجديد "Philadelphia" الذي فاز بثلاث جوائز للأوسكار، لكن هذا الفيلم الدرامي ليس فقط أول فيلم رئيسي لهوليوود عن الإيدز بل أيضا فيلم خاص جدا عندما ننظر إلى بعض المعادلات الاجتماعية التي يحتويها ونقارنها بالأفلام الأخرى.

هناك ثلاثة مشاهد في فيلم "فيلادلفيا" تفصح عن العلاقة العاطفية بين أندرو باكيت "توم هانكس" وصديقه الشخصي ميغويل "انطونيو بانداريس". المشهد الأول في المستشفى عندما يهرع ميغويل للاطمئنان على صحة أندرو فيقبله حين الوصول قبلة قصيرة لا نراها بسبب استدارة الكاميرا، في الوقت المناسب، لتكون خلف أندرو.
المشهد الثاني لهما وهما يرقصان على هدوء الموسيقى في حفلة ساهرة.
المشهد الثالث لميغويل وهو يقبل أصابع يد أندرو وهو على سرير الموت مع نهاية الفيلم.
المشاهد ليست بحاجة إلى وصف لكي تفى بنوعية العلاقة بين الاثنين، بل تأتي- دراميا- فى مناطق طبيعية ومناسبة لتوجز جانبا من الفيلم علما بان تأثير ميغويل على أحداث الفيلم محدود بذلك الجانب، فالفيلم، كما هو عن حالة مريض مصاب بالإيدز، هو عن مجتمع غير المصابين واختلاف وجهات نظرهم تجاه المرض والمصاب به. على الرغم من ذلك هوجم الفيلم في الولايات المتحدة وفي ألمانيا لأنه "لم يذهب كفاية" في تقديمه العلاقة بين الرجلين، وكان المخرج قد حذف مشهدا اعتبره غير ضروري بين الصديقين، لكن لو لم يتم حذف هذا المشهد لقامت جماعات الشذوذ الجنسي، وهي تزداد تأثيرا على الرأي العام على نحو أو آخر، بالمطالبة بما هو أكثر. هذه الرغبة تبدت حينما عرض الفيلم في مهرجان برلين السينمائي الأخير حيث هوجم من قبل البعض بسبب "خجله من تقديم المشاهد الإباحية". إلى جانب أن الألمان وربما الأوربيين إجمالا، لا يفهمون أن المجتمع الأمريكي- على خلله- ما زال محافظا في كينونته الاجتماعية والأخلاقية، بحيث لا يمكن بيع فيلم تصنعه هوليوود بميزانية تصل إلى 25 مليون دولار على نحو يرضي القلة ويثير نقمة الأكثرية. هناك ما لا علاقة له بالفيلم وطروحاته في مثل هذا الهجوم، المنتقدون- وجلهم من الشواذ- يريدون محاصرة الفيلم، وجمهوره الواسع كونه لم يحفل بمشاهد تفصيلية ترضى رغباتهم، ولو أن الفيلم عمد إلى ذلك لما اختلف- إلا في القليل المتبقي- عن أي فيلم خلاعي
Pornographic تنتجه السينما تحت الأرضية المتخصصة.
كما أن في ذلك الطرح المحدود في آفاقه من قبل تلك الجماعات التي ابتليت بها المجتمعات كافة، تقليلا من أهمية ما يحاول الفيلم طرحه على بساط أكبر من مجرد شذوذ بطله وما يئول إليه.
"فيلادلفيا" دراما شارك في كتابتها المخرج جوناثان دمي مع رون نايزوونر حول محام شاب اسمه أندرو باكيت كان قد انضم حديثا لمؤسسة محاماة كبيرة في فيلادلفيا اكتشفت لاحقا أنه مصاب بالإيدز ففصلته، وفعلت ذلك في الوقت الذي ارتكب فيه باكيت خطأ كاد يتسبب في ضياع أوراق وملفات قضية مهمة مما سمح للمؤسسة بالتظاهر بأن تساهله في العمل- وليس مرضه - هو الذي أدى إلى الفصل. يدور أندرو باحثا عن محام يتولى قضيته إذ يريد تقديم المؤسسة ذاتها إلى المحكمة، وفي النهاية يصل إلى محام أسود اسمه جو ميلر "دنزل واشنطن" الذي يعتذر بدوره عن المهمة ويسارع بعد الزيارة ليسأل طبيبه إذا ما كان من المحتمل أن يكون التقط الإيدز بمجرد مصافحة الرجل في بيته، يكشف جو لزوجته عن موقفه المعادي للشاذين والمتمسك بالحياة الذكورية الطبيعية الموهوبة له. لكن جو يغير رأيه من موقف إنساني عندما يجد أندرو يحاول دراسة وضعه القانوني في إحدى المكتبات العامة محاطا بجو معاد من بعض الحاضرين، في مقدمتهم- ولو بتهذيب جم- موظف المكتبة الذي يقترح على أندرو، بنوع من الإلحاح الانتقال إلى غرفة خاصة، وإذ يتبنى جو القضية يتيح لنفسه فتح نافذة تغيير في موقفه المعادي يكاد يصل إلى حد الليبرالية الفعلية. وهناك مشهد مهم جدا يشي بذلك يقع قبيل الجلسة الأخيرة من المحكمة عندما يجتمع جو باندرو للتمرين على الاستجواب، لكن أندرو غير مكترث للتمرين ويلفت نظر جو إلى أغنية ماريا كالاس الأوبرالية المنبعثة من تسجيل، ثم ينهض أندرو إلى وسط الغرفة ليترنح ويدور حول نفسه راقصا مستمتعا بالأغنية، يرقب جو أندرو متحسسا موطن الألم النفسي العاصف الذي ينتاب أندرو في ذلك الحين، بعد قليل يترك جو المكان مسرعا "يحمل بيد سترته وبيد أخرى معطفه وحقيبته " ويغلق الباب وراءه، لكنه يقف مترددا: أيمضي مبتعدا أو يعود لأندرو ويواسيه؟ إذ يقرر الابتعاد، نراه في المشهد التالي يصل إلى بيته ويستلقي سريعا حاضنا زوجته، إن المعاني النفسية التي حاول المشهدان تقديمهما منوطة بقراءة ما كان يتفاعل في شخص جو وهو يرى أندرو الواهن يرقص ما يمكن أن يفسر برقصة الموت، لقد وجد جو نفسه مشدودا للجانب الإنساني من وضعية أندرو، للألم الذي يعاني منه، لكنه جانب هو في ذاته مخادع ومثير إلى حد أن المرء منا لا يستطيع أن يثق بقدرة جو على الممانعة فيما لو كان أندرو يرقص وهو في كامل قواه وعافيته. وإذ ينتبه جو إلى الموقف الذي بدأ يتغير حوله، يهرع خارجا، ثم يتوقف مترددا قبل أن يمضي إلى بيته ويحتضن زوجته: الصورة النموذجية للرجل المستقيم والطبيعي والملاذ من كل التحولات الشاذة في نهاية الأمر، هناك يجد جو راحته، هناك سيبقى.

مواقف وقراءات
قبل ذلك كنا شاهدنا بدء المحاكمة وجلساتها وكيف حاول المحامي جو وضع المؤسسة في موضع المتهم لاختراقها قانونا يحرم "التمييز ضد المعاقين" وسعيه لإثبات تهم التمييز على المؤسسة "التي يرأسها محام يقرر أندرو أنه كان قدوته الصالحة ويقوم بدوره جاسون روباردس"، من ناحياتها تحاول المحامية بيليندا كونين "مارى ستينبرجن" المنتدبة للدفاع عن المؤسسة إظهار تهاون أندرو في عمله وخداعه، بمحاولة إخفائه حقيقة إصابته، وأن المؤسسة لم تقدم على ما تستحق العقاب عليه. في النهاية يقرر المحلفون بأن أندرو على حق في دعواه وعلى المؤسسة أن تدفع له تعويضا "تجاوز الأربعة ملايين دولار"، لكن هذا ليس قبل أن يسقط أندرو مغشيا عليه بعد الاستماع إلى شهادته ولو أن الفيلم لا يحاول الإيحاء بأن قرار المحلفين جاء عاطفيا، وأحد المشاهد الأخيرة يكشف عن الرحلة التى قطعها جو وأدت إلى تفهمه للوضع المؤلم الذي يلم بالمصاب، فهو يجلس على سرير المرض دون ممانعة وهو الذي كان يخاف انتقال العدوى إليه بمجرد المصافحة، لكن إذ يخسر أندرو حياته، يربح جو تلك الحياة المستقرة بالإضافة إلى ما يتبناه من موقف متحرر من العقد والتطرف تجاه حاملي المرض.
"فيلادلفيا" بكل هذا الاستعراض، ليس فيلما عن حامل الإيدز فقط، بل- وربما أساسا- عن الرجال المستقيمين غير الشاذين وموقفهم، وهو إذ يعتبر من الخطأ اتخاذ موقف مناوئ من الشاذين قائم على المعاداة الهوموفوبية التي تنطلق من الخوف النفسي من التحول إلى شاذ أو معاشرة أبناء الجنس الواحد، يشق طريقا معتدلا بالنسبة لأندرو الشاذ فلا يخطئه ولا يتبناه أيضا. وهذا الخط الوسط يسيطر على الفيلم المنتمي إلى التفكير المجاز عرضه على شاشة فيلم هوليوودي، ويتجلى كذلك في محاولة رسم صورة متفهمة لا تناقض فيها ما بين أندرو وباقى أفراد عائلته من خلال مشهد يفصح فيه كل فرد من أفراد العائلة الكبيرة عن تفهمه وتعاضده، إنه موقف ساذج إلى حد بعيد، ذلك أن خروج أحد أفراد الأسرة ما كان سيخلق أي اضطراب في المنحى الدرامي الذي اختاره الفيلم لنفسه "بل إن من التعليمات الذهبية في فن كتابة السيناريو هو ألا تقدم مشهدا يتفق فيه أثنان أو أكثر على كل شيء". على أن جو- وبضع شخصيات أخرى- ليس هو الممثل الوحيد لما يرى الفيلم أن المجتمع يعانيه، المؤسسة هي التي تعاني من الحالة الهوموفوبية ذاتها وربما أكثر منها إذ تعرضت موظفة أخرى مصابة بالإيدز عن طريق نقل الدم لمعاملة سيئة. بذلك تتحول محاكمة تلك المؤسسة إلى محاكمة للمجتمع المعني أو المتعاطف مع المؤسسة، لكنها ليست مؤسسة مثالية حتى بالنسبة للطبيعيين منا، لذلك فإن محاولة تحويل المحاكمة إلى رمز اجتماعي تبقى فاشلة لأن المفروض لنجاح المحاولة أن تكون المؤسسة تعبيرا عن الغالبية. وفي الحقيقة فإن النية لتحويل المحكمة إلى محاكمة اجتماعية من تلك المناسبات المتوقعة في مثل هذه الدراميات الاجتماعية حيث على الأكثرية أن تتحمل مسئولية أعمالها، لكن إذ تنجح مثل هذه الأهداف في أفلام تطرح قضايا العنصرية مثلا، لشيوعها، فإن توسيع رقعة الطرح هنا ليست في صالح الفيلم لأن الشذوذ الجنسي يبقى مدانا سواء أكان المدين إنسانا معتدلا في معارضته أو متطرفا فيها.

الرجل الأسود كضمير الأمة البيضاء
وتحتوي المؤسسة القانونية المقدمة للمحاكمة على شريك يهودي واحد اسمه بوب سيدمان "يؤديه الممثل المسرحي رون فوتر" وهو الممانع الوحيد بإلحاق الأذى بأندرو، المشاهد القليلة التي هو فيها تقدم رجلا رقيقا وصادقا ومغلوبا على أمره، وبينما نجد- كمحايدين- أن الأمر مرده حب تمييز الشخصية اليهودية "في الواقع فإن الصقور القانونية في الغرب متشابهة عندما يصل الأمر إلى حماية مصالحها"، فإنه عند المخرج جوناثان دمي وكاتبه يأتي في جملة طروحات الفيلم الهامشية التي تتعامل وموقف المرأة وواجب العائلة وردة فعل المجتمع التلقائي تجاه المصابين. وبادئ ذي بدء تلك المشاهد المثيرة للشجن التي يبدأ الفيلم بها مصورا أوضاع البائسين والفقراء وأحياءهم.
الطرح الكبير الثالث لجانب ما يمثله موقف جو والمجتمع بأسره من الإيدز والمصابين به وإلى جنب معاناة أندرو من مرضه وضرورة تفهمه، هو ما يمثله جو على الشاشة كونه محاميا أسود يدافع عن مصاب أبيض ويواجه غالبية اجتماعية سوداء. هذا هو أصعب مناطق الفيلم تحليلا. فقد جرت العادة على تحديد شخصية الرجل الأسود بأبعاد معينة.
إنه في حالات كثيرة تذكرة اهتمام الجمهور الإفريقي- الأمريكي، المعبر عما قد يصل إليه الرجل الأسود إذا ما كان مستقيما، البطل الذي يقتدي به، أو الشرير الذي يستحق النهاية التي يصل إليها. بعض المحللين كتب في الصحافة الأمريكية وربما عن كتب موضوعة، أن شخصية الأسود على الشاشة ما زالت محتمة بنوعين من الشخصيات فقط: - شخصية الرجل الأسود الفحل، وهو عنيف ومتمرد وقد يكون وحشيا. - شخصية الرجل الأسود المهادن، وهو مسالم وراض بطبقته ومستواه الاجتماعي.
بكلمات أخرى هناك نموذج شخصية التحري "شافت" التي لعبها على الشاشة الممثل ريتشارد راوندتري "1971 " وشخصية التحري فرجيل تيبس في فيلم " في حرارة الليل "
In the Heat of the Night "1967 "، التي أداها سيدني بواتييه، الأول تحر لا يأبه للمحظورات، يستخف بالرجل الأبيض وسطوته لكنه يقف دوما في صف القانون ولا يتعداه إذا ووجه شافت بعنصرية رجل أبيض تصدى له وهو حصان جامح عاطفيا، ولا يأبه للاختلاط بالجنس الآخر من اللون الآخر، الثاني ذكي ويستخدم الحجة ويقبل بوجود حاجز اجتماعي بين البيض والسود ويعتمد على إقناع الرجل الأبيض سلميا بموقفه. مقتنعا، في ذات الوقت، بمواقف الآخرين المتضاربة من حوله لا يتجاوز حده العنصري مختلطا مع المرأة البيضاء وقد لا يثيرها أصلا.
شخصيا، لم أعمد لدراسة الموضوع على أساس من هذا التحليل وأعتقد بوجود ظلالات متدرجة تتفرع منهما، لكن إذا وافقنا على أن هذين النموذجين اللذين ظهرا في الأدب والسينما السوداويين، فإننا نعيد الأصل إلى النظرة النمطية التي كانت سائدة في زمن السينما الصامتة أيام فيلم "مولد أمة"
Birth of a Nation "1915 " وما بعدها، كذلك فإن معنى الأخذ به القول إن كل التحرر النمطي الذي تمتع به الممثل الأسود على الشاشة الأمريكية كان مشروطا بلعب واحد من هذين النوعين، وهذا ليس من السهل قبوله. ما يُقبل تبنيه هو أن الممثل الأسود بقي في معظم الحالات الاسم الذي يأمل المنتجون جذب الجمهور الأسود لمن يتعاطفون معه لممثل عنهم بكلمات أخرى.
ما علاقة كل ذلك بشخصية جو ميلر في "فيلادلفيا"؟ إنها علاقة أساسية، إنها حقيقة، إنها ربما المرة الأولى التي يجسد فيها ممثل أسود ضمير الأمة الأمريكية كلها بيضا وسودا. في تحوله من "هوموفوبيك" إلى متحرر من دون أن يتنازل عن أخلاقياته، لم يعبر جو ميلر كما لعبه دنزل واشنطن، عن الرجل الأسود فقط في هذه الحالة بل أيضا عن الرجل الأبيض، وهذا هو الشيء الجديد الذي لم يسبق للسينما أن شهدته وإن فعلت فليس في أفلام ذات قوالب مصنوعة من هوليوود بصورة محافظة تخشى التفريط بأي متفرج أبيض.
لكن "فيلادلفيا" بصرف النظر عن نجاح جوناثان دمي في تنفيذه فنيا أو بصرف النظر عن معالجته الدرامية للموضوع، يبقى أول فيلم عن الإيدز تنتجه هوليوود على نحو رئيسي. إنه ليس من إنتاج شركة صغيرة ولا قدمته هوليوود من دون عناء ترويجه والاهتمام به، كذلك ليس من إنتاج تلفزيوني تستهويه العائلات.
من ذلك الطاقم الثانوي، كإنتاج شهدنا سابقا "صاحب قديم"
Longtime Companion و" النهاية المعيشة" The Living end وأخيرا فيلما تلفزيونيا عنوانه "والفرقة واصلت العزف" And the Band Played on.
البعض يصف العملية بأنها جرأة من هوليوود أن تقدم على إنتاج فيلم رئيسي عن الإيدز، لكني أميل للاعتقاد بأنها عملية منطقية تجاريا في الأول والآخر، مخرج معروف مع ممثلين- نجمين- وموضوع يعرف كيف ينتقي خطواته بحذر فلا يغضب أي طرف غير متعنت أو متطرف، كل هذا يصنع فيلم "فيلادلفيا" على النحو الخاص الذي هو عليه من دون أن يكون فيلما فنيا رائعا "أو حتى لافتا للنظر على هذا الصعيد"، وهذا لا يؤكد مطلقا أن هوليوود ستنتج أعمالا أخرى من هذا النوع لأنه من الصعب تحقيق عمل فيه كل هذه المعادلات وناجح تجاريا أيضا، "فيلادلفيا" قد يكون الأول وعلى الأرجح الأخير لبعض الوقت، لا علاقة لها بالشذوذ ولا بالمرض الذي قد يحملونه، إنه تاريخ ليس بالبعيد في السينما الأمريكية، إلى جانب تلميحات لم تكن واضحة لمشاهدي فيلم "السير في الجانب الموحش " Walk in the Wild Side (أخرجه ادوارد ديماتريك عام 1962)، خرج في ذات العام فيلم "ساعة الأطفال " The Childrens Hour إخراج "ويليام وايلر" عن مسرحية ليليان هيلمان، المسرحية نفسها كانت خرجت فيلما عام 1936 لكن عوض تقديم بطلتين شاذتين تم استبدال الوضع برجلين وامرأتين. هذا على عكس السينما الأوربية بالطبع التي عرفت أول فيلم من هذا اللون عام 1919 عندما أنتجت ألمانيا فيلما صامتا، والاهتمام الأوربي استمر منتقلا ما بين أفلام ألمانية إلى فرنسية وبريطانية وغيرها وإن لم يتحول يوما إلى تيار حقيقي.
تأخر الولايات المتحدة في تقديم الموضوع يكشف عن مقدار اعتمادها على إرضاء السواد الأعظم من الناس، هذا مع العلم أن الشخصية الثانوية المقدمة في السنوات القليلة السابقة تدرجت غالبا من شخصيات غير محببة إلى شخصيات مكروهة تماما.
في "النوم الكبير"
The Big Sleep عن رواية رايموند شاندلر البوليسية التي نقلت مرتين إلى الشاشة، أحد زبائن التحري بطل الفيلم مخنث وهو يلقى مصرعه بعد قليل من الأحداث. وإلى جانب أنه شرير مطلق في فيلم جوناثان دمي السابق "صمت الخراف" نراه متمثلا في فيلم "حاسة أساسية" Basic Instinct بشخص بطلة الفيلم، شارون ستون التي يعشقها الجميع ولكنها قاتلة باردة، صحيح أن الفيلم لا ينتهي بقتلها لكن بعض الجماعات تظاهرت ضد الفيلم لأنه "يرسم صورة غير صحيحة" للشواذ.
هذا النوع من الاحتجاج تحول حديثا إلى ضغط لوقف نظرة هوليوود الساخرة أو المعادية للشاذين، فجأة صار الإنسان المستقيم هو المحاصر حيث لا يستطيع تقديم وجهة نظره المعادية أو المناهضة حول الموضوع.
في الفيلم الحديث "مسز داوتفاير"-
Mrs. Doubtfire يتنكر روبين ويليامز في دور امرأة على أن الفيلم- قدم له شقيقا شاذا تماما وبصورة محببة كأنما تريد أن تعلن بداية نهاية تنميط الشخصيات الشاذة، هذا إذا ما حدث، فإن هوليوود ستجد نفسها بلا ملامح خاصة لواحدة من أهم شخصياتها منذ بدايتها إلى اليوم: الشرير.

 

محمد رضا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




توم هانكس يتوسط المؤسسة.. لقطة من فيلادلفيا





ماري ستينبرجن تؤدي شخصية المدافع عن المؤسسة





روبين ويليامز في مسز داوتفاير الرجل في ثياب المرأة





دنزل واشنطن يلعب دور محامي المحامي.. ضمير الأمة





ريتشارد رواندتري.. صورة للفحولة السوداء