تعقيب على مقال "تحت الأرض يبحثون سر الكون" أحمد الناغي

حوار لاغنى عنه

ننشر هذا التعقيب موقنين أن الحوار يثرينا، ويدفع عملنا نحو الاكتمال الذي نحلم.به، خاصة في مجال العلوم، حيث تكتنف محاولات تقريب العلوم للقارئ - ولا نقول تبسيطها- صعوبات جمة. ولعلها مناسبة لدعوة علمائنا وباحثينا العرب للمساهمة، ليس فقط بالملاحظة والتعقيب ، بل بالمبادرة كتابة في تخصصاتهم ، لمشاركة المجلة في جهودها للإمساك- معرفيا- بملامح التطور العلمي المذهل لنهايات هذا القرن، واستشراف آفاق القرن القادم.

أكتب التعقيب التالي على مقال: "تحت الأرض يبحثون سر الكون" للأخ الدكتور محمد نبهان سويلم المنشور في العدد 399 فبراير سنة 1992، راجيا أن يعتبر ذلك إضافة للجهد المشكور الذي بذله في مقاله.

في البداية يذكر الكاتب أنه لفحص الذرة وما هو أدنى منها فإن العلماء " في مسيس الحاجة إلى توليد حرارة لا تقل بحال عن درجة حرارة قلب الشمس. وأين؟ في باطن الأرض..!! " وفي ص 37 يعود فيقول "ففي داخل الأنابيب سوف تتعدى درجة الحرارة درجة حرارة قلب الشمس..." ويزيد فيقول "ورغم شدة الحرارة لا ينصهر..." ويفهم من العبارات أن المقصود هو درجة حرارة الوسط الذي تتسارع فيها الجسيمات النووية، ناهيك عن أن ذكر درجة حرارة قلب الشمس تجعل القارئ يفكر في تفاعلات الاندماج النووي التي تتطلب عشرات الملايين من الدرجات المئوية والتي يمثل قلب الشمس مسرحا مناسبا لحدوثها.

والمعنى الحقيقي والمقصود هنا أنه في كل التفاعلات النووية الشديدة عند الطاقات العالية تتولد كمية من الطاقة تناظر درجة حرارة عالية جدا، ولكن ذلك يتم في حيز التفاعل فقط وقطره حوالي 10-15 (أي واحد على واحد وأمامه 15 صفرا) من المتر وهذه حرارة محلية Localized تظهر في هذا النطاق الميكروسكوبي، ولا علاقة لها بدرجة حرارة الوسط المحيط (هواء الأنبوب) .

وعن دور المغناطيسات في- المعجلات (المسرعات) النووية يقول:

"وتنطلق المغناطيسات تؤدي دورها المرسوم، وتلهب ظهور الجسيمات فتزداد سرعتها وتظل تتزايد... " ورغم الجمال اللغوي في التعبير فإنه يعطي مفهوما خاطئا، فمعناه أن المغناطيسات هي التي تكسب الجسيمات الزيادة في سرعتها (التعجيل).

والحقيقة أن جميع المعجلات النووية الحلقية الشكل والتي تعمل عند الطاقات العالية تقوم بالتعجيل على أساسين: (1) وجود مجال أو مجالات كهربائية تعجل (تزيد سرعة) أي جسيم مشحون يعبرها. (2) وجود مجال أو مجالات مغناطيسية تسمى أحيانا عدسات مغناطيسية للحفاظ على مسار الجسيمات المعجلة دائريا أو حلزونيا وحصرها بعيدا عن الجدران، حتى لا تصطدم بها، ولتستمر عملية التعجيل. ومن أجل تيسير هذه المهمة فإن أنابيب المعجل تكون مخلخلة الهواء، ويختلف معجل عن آخر في تقنيات تطبيق المجالات الكهربية والمغناطيسية طبقا للتقدم التقني في البلد الصانع.

وفي ص 38 يقول الكاتب: " لقد بدأ فك أسرار تركيب الذرة منذ حوالي قرن كامل بفضل نتائج تجربة بسيطة تمت بمحض المصادفة... ". والحقيقة أن تاريخ تطور مفهوم الذرة بدءا من الفيلسوف اليوناني ديموقريط (400 ق. م) مرورا بعالم الكيمياء دالتون ورائد أنابيب التفريغ الكهربائي كروكس ومكتشف الإلكترون طومسون وتلميذه رذرفورد الذي اكتشف البروتون- كان تطورا منطقيا لا دور للمصادفة فيه. إن التجارب التي قام بها هؤلاء العلماء كان لها مقدمات وأفعال ونتائج، وتم ذلك بأسلوب علمي متسلسل ودقيق. فأين المصادفة إذن؟.

وفي الصفحة نفسها يقول عن الشمس ".... أم الحياة ومركز الكون" فأما أنها أم الحياة على كوكب الأرض.. فنعم، ولكن اعتبارها مركز الكون بعيد كل البعد عن الصواب. فالشمس وتوابعها (المجموعة الشمسية) جزء بسيط من تجمع أكبر يسمى مجرة (في حالتنا مجرة درب التبانة أو اللبانة) والمجرة جزيء ضئيل من عنقود Cluster أضخم ومن هذه العناقيد الهائلة يتكون الكون المنظور. فكيف تكون الشمس مركزا لهذا الكون؟ إن أقصى ما يمكن قوله هو أن الشمس مركز المجموعة الشمسية.

ويقول في نهاية ص 38 في مجال وصفه لأحد الكاشفات النووية (أجهزة لتسجيل نواتج التفاعلات النووية في الطاقات العالية). " لذلك يضم المعجل محطة تصادم خاصة مملوءة بالماء والغازات السائلة..." وفي نهاية ص 39 يقول "لذلك يتم اللقاء داخل غرفة مملوءة بالماء أو غازات مبردة تحت درجة الصفر بحوالي 243 درجة، وتعبر الرقائق (هنا أيضا خطأ مطبعي فصحتها الدقائق) الجديدة... "..

يدور حديث الكاتب دون أن يذكر صراحة حول نوع من الكاشفات النووية يسمى بحجرة الفقاعات Bubble Chamber . والحقيقة أن هناك أنواعا عديدة من الكاشفات النووية الأخرى التي لا تتطلب الشروط المذكورة والتي تتميز بدقة وكفاءة أعلى ومنذ عشر سنوات مضت لم يبق لهذا الكاشف أي وجود في أوربا أو أمريكا لانقضاء مهمته وعدم صلاحيته لمتطلبات العصر، وتعتمد المختبرات الآن بالدرجة الأولى على أجهزة إلكترونية مهجنة ومعقدة للغاية وتتمتع بدقة وكفاءة عالية

وفي ص 40 في مجال وصفه للبنات المادة يقول: "وتخيلوا (أي العلماء) وجود طبقتين منها، طبقة عليا وأخرى سفلى. . " وهذا يعطي مفهوم أن المادة مرتبة طبقات بعضها فوق بعض. والحقيقة أن الكواركات جسيمات أولية تدخل في تركيب الهادرونات (جميع الأجسام التي تتفاعل عن طريق القوى النووية الشديدة) والكوارك العلوي له شحنة 2 / 3 شحنة الإلكترون، والسفلي له 1 / 3 وهذا هو المقصود بالعلو والتدني وليس طبقا لوضع هندسي في الفراغ.

وفي نهاية ص 40 يتحدث عن توحيد القوى دون أن يذكر ما هي هذه القوى فيقول: "جميع القوى المؤثرة في الكون كانت موحدة... " وفي ص 41 "كما ثبت في الستينيات توجد قوى الترابط الذري الضعيفة مع القوة الكهرومغناطيسية لما وكان يجدر إيضاح أن القوى في الطبيعة أربع: (1) قوى الجذب، (2) الكهرومغناطيسية، (3) النووية الضعيفة، (4) النووية الشديدة. وقد أمكن توحيد القوى النووية الضعيفة مع القوى الكهرومغناطيسية فيما يعرف بالقوى الكهروضعيفة، وهناك أمل يراود العلماء في توحيد القوى الأربع، لكن ذلك مازال بعيد المنال لا سيما أن قوى الجذب تختلف اختلافا بينا عن بقية القوى.

وفي صفحة 41 يقول " علماء تجريبيين أمثال كارل روبيا وعبد السلام و.... " الحقيقة أن كارل روبيا عالم تجريبي فرنسي وحائز على جائزة نوبل في الفيزياء لعام 1984 أما محمد عبد السلام فعالم نظري ومدير المركز الدولي للفيزيقا النظرية بتريستا وحاصل على جائزة نوبل عام 1979 ولا علاقة له بالتجارب العملية.

وفي ص 39 يقول عن تبريد الموصلات الكهربائية ".. وتدفق ماء التبريد... " الموصلات الكهربائية المولدة للمجالات المغناطيسية تعمل بمبدأ الموصلية الفائقة Superconductivty والتي تتحقق فقط عند درجات قريبة من الصفر المطلق (- 5273 م) ولذلك فوسيلة التبريد لابد أن تكون غازات مسيلة مثل الهيليوم وليس الماء.

ويقول أيضا في الموضع نفسه عن القوى الموجودة في قلب الذرة: "ويزول أثر الجاذبية الأرضية ... لما ومعناها أن الجاذبية كانت موجودة ثم زالت. والحقيقة أن قوى الجذب موجودة قبل وفي أثناء وبعد التفاعل ولكنها ضئيلة جدا ومهملة بالنسبة للقوى النووية الشديدة إذ إن الأخيرة أكبر من الأولى بحوالي 4010 (أي واحد وأمامه 40 صفرا) مرة.

والله من وراء القصد وولي التوفيق.