قصص على الهواء

قصص على الهواء

قصص لأصوات شابة تنشر بالتعاون مع إذاعة بي. بي. سي العربية
لماذا اخترت هذه القصص الخمس؟
-------------------------------------------

خمس محاولات لجس الوجود أو قصّه. بقدر ما هو فن، القص مزاج شخصي، يعكس أسلوب وذائقة ووعي القاص إزاء الوجود، الأمر الذي يعني أن كل قصة من القصص الخمس تحمل في سياقاتها ما يميزها من المبررات الفنية والمضمونية عن بقية القصص:

  • قصة «الكاميرا» عبدالواحد محمد:

يمارس الكاتب حالة من حالات فن إخفاء الفن، أو ما يُعرف بالمعنى المؤجل، حيث لا يقذف بمرادات نصه دفعة واحدة، بل يستعرض معانيه على جرعات، ومن خلال عبارات وصفية وكأنه أراد عبر تلك الموجات المتتالية من التوصيفات إحاطة بطل القصة بهالة تزيده مهابة ورفعة، لدرجة أن «الشخصية/الراوية» التي كانت تنمو بتصاعد الحدث، صارت تتلذذ بمناجاته كزعيم وقائد ومخلّص، حد استلاله من معناه العام إلى معنى خاص يعنيها، وكان من الممكن أن يتماسك النص بشكل أكثر إقناعاً لولا أن كاتبها تمادى في التغنّي بشخصية بطله عوضاً عن تحليله.

  • قصة «دعوى لا تحتمل التأجيل» عبدالله عطية السلايمة:

مكتوبة بخفة شعورية تضفى عليها نكهة سردية خاصة، حيث يمزج بين ما ترسّب في ذاكرته من المشاهد والعبارات الشعبية، مع ما يختزنه من رؤية ثقافية، يتم الإفصاح عنها من خلال العبارات والأفكار المتعالية، التي تعمل داخل النص كبنية فوقية، حيث أحدث حالة من التصادم - بوعي واقتدار- ما بين الإرجاء المتأصل في «همالة» البادية، والحاحية سؤال الكينونة الشكسبيري «أكون أو لا أكون بين لحظة البداوة المتخثّرة وفوران زمن المدينة.

  • قصة «رقص المازور» وجيهة عبدالرحمن السعيد:

تماهي الكاتبة ما بين الرقص والحرية، من خلال كائن توّاق للتحليق بدفق الأفكار الجامحة، وخدر الأحلام المستوية على لهيب المشاعر. أو هكذا ترسم معالم مدارها التحرّري بالرغبة في الرقص وإتيان الكتابة، بالنظر إلى أن الكتابة أداة استشفائية، مع الأخذ بالاعتبار اعتمادها على ضمير السارد المتكلم لتستحوذ على سلطة السرد والفعل معاً، وتأكيد أحقية حضورها، أو توسيع حيز الذات الكاتبة والمسرودة في آن.

  • قصة «سوق يوم السعد» محمد الزاكي:

أجاد الكاتب في تشييده القصة المرسومة بمشهدية لافتة،، فتكثيفه للسرد في «إنزغان» أعطى للنص طابع المكانية، الأمر الذي أدى بالتالي إلى توليد شخصيات مؤمكنة، مزاجها من مزاج المكان، وطبائعها من طبائعه، خصوصاً باعتماده على السرد الذاتي بضمير المتكلّم، ربما نتيجة قناعة الكاتب بكون الشخصية هي أكثر الدعامات التي يقوم عليها فن القصة، كما بدا ذلك جلياً في أسلوبه.

  • قصة «دار عمّي موح»

وتبقى قصة «دار عمّي موح» التي تعتبر الأفضل من بين كل القصص، والأكثر استجابة لفن القصة، من حيث تسلسل الفكرة بشكل بنائي، وانشحانها بعنصر التشويق، ضمن حبكة شبه محكمة، حيث يؤسس العيد بالح نصه على التماس العمودي مع مرجعياته المكانية، ومن سمات خاصة بالناس المحتضنين بالمكان، فيما يتدفق السرد على الجانب الآخر بلغة فصيحة، وببلاغة قولية قادرة على استيعاب النص، إذ لا تكتفى بالوصف، بل تمتزج بعناصر القصة ولا تتعالى عليها، لتضاعف من الأثر.

----------------------------------
دار عمّي موح
(العيد بالح - الجزائر)

غَسق لا ككلّ الأغساق، لون سمائه غريبة، ليس له مثيل،.. ستة أيام تمضي، اليوم الـ27 من ديسمبر، منذ أسبوع أسقط الخريف ورقته بعد أن أسقط ملايين أوراق الشجر، عمي موح سقطت ورقته أيضا، ليتها كانت صنوبرية لا تسقط إلا بعد أن تجف، أتصور أن الخريف يحمر وجهه خجلا كلما ذكرت ورقة الصنوبر أمامه، لكنّ ورقة عمّي موح كانت صفصافيّة تغني مع أدنى هبّة ريح، تغني و هي آيلة للسقوط، بل حتى وهي تسقط.. كان غسقا بطعم الحلبة التي لطالما عشقها عمّي موح.

لكم وددت لو سمعت منه جوابًا تأجل سؤاله في كلّ مرّة التقيتُه فيها، لسببٍ لستُ أدري ما هو، أعلمُ فقط أنّه شيطـان أو شبهه، يضحك الآن و هو يتأمل سحابة الحيرة على وجهي، «عْلاه يَا عَمّي موح دَايْمًا تْقُولْ دَارْنَا ومَا تْقُولْشْ دَارِي كِيمَا لُخْرِينْ؟..»، لم تُجِبني يا عمّي موح وأنتَ حيّ و كيف تستطيع فِعلَ ذلك وأنت تحت قناطير مقنطرة من الذهـ.. عفوًا من الأتربة الصفراء التي جاء دورُها لتعلوَ على السوداء..

كِدْتُ أضحك، بل وأُقهقه لو لا ذلك الصوت الذي سمعتُه بداخلي «أَجُننت ؟.. نحنُ في جنازة!»، كِدتُ أفعلها و أنا أتذكّر ما قالهُ نورمان ميللر في أحد الحوارات الصحفية، قيل لهُ كيفَ ترى نفسكَ في مرحلة ما بعد الموت؟..أجاب بأنّهُ يرى روحَهُ و قد تقمّصت صرصورًا.. غير أنّهم طمأنوني بأنّه سوف يكون أسرع صرصورٍ في البيت.. لِما لم تقُل بيتُنا يا ميللر؟.. هل أنت حيّادي أم أنّك تتحايد؟.. كم أمقتُ الحياديين لأنّني أعتقدُهم جُبناء، نعم يا ميللر إفعل ما شئت، لو قلتَ عكس ما يقولُه عمّي موح لكان الأمرُ أهون من أن تكون حيّاديّا، قُلْ «بيتي» أو كما يقول الآخرون «داري»، الأهمّ عندي أن عمّي موح لم أسمع منه هذه الكلمة، لم يقل يومًا سوى «دارنا».. انتظر من فضلك.. لكن، لو اتّفق لي وإن صادفتُ عمّي موح صُرصورًا.

ها القهوة يا الشّيخ.

التفتُّ إلى مُحدّثي فإذا به الابن البكر لعمّي موح يُقدّم لي فنجان القهوة، أردتُ أن أتأمّله قبل أن أمدّ يدي إلى الفنجان، الذي اكتشفتُ أنّ يدهُ مبتورة، كدت أنفجِرُ في وجهه «عْلاَهْ كَانْ بَابَاكْ يْقُولْ دَارْنَا وْ مَا كَانْشْ يْقُولْ دَارِي كِيمَا لُخْرينْ؟..»، ابتسم في وجهي ببلاهة عندما لاحظَ أنّي أتأمّل وجهه مُتجاهلاً الفنجان الذي- لسخونته - راحَت يُمناه تُسلّمهُ ليسراه ويُسراه ليُمناه في تنظيم كرونيكيّ.. بونٌ شاسعٌ بينك وبين عمّي موح يا عبد القادر، سمعتُهم يُنادونه هكذا، لستَ تُشبه الليث الذي كان يملأ لي الفنجان، يُمدّد الملعقة بجانِبِه، يرفع غطاء السكرية و هو يقول بنبرة أقرب إلى الصراخ منهُ إلى التحدّث «هَا هِي القَهْوَة، دِيرْ السُكُّرْ ارُّوحَكْ، اشْرُبْ و لاّ خلّيهَا فِي بْلاصتْهَا كايَنْ فِي دَارْنَا اللّي يشْرُبْهَا»، كنتُ أشربها في كلّ مرّة، إلاّ انه لم ينس يوما أن يُسمِعني هذه اللازمة.

أجلسُ على كرسيّ ذي أربعة أطراف معدنية غرِقت في الصدأ، خوفًا من انكسارِها رُحتُ أُسنِدُ جسدي على رجليّ وعلى العصا التي كُنتُ أُمسِك، ورثتُها عن جدّتي التي لم تكن تمرّ فرصةٌ و إلاّ و قالت «..

ولها مآربُ أخرى»، تقولُها بعربية فُصحى، لا تزيد ولا تُنقِص من هذه العبارة شيئًا..تُقابلني وجوه منتفخة أشبهُ بالبطون التي أسفلها، يجلسُ أصحابُها على كراسٍي خشبية، أرجُلها بسمك عنُقي، قلتُ في نفسي «لحسنِ الحظّ أن لا أحدًا منهم جلس على كرسييّ الذي لا أعتقد أنّه سوف يصمد أمام ذلك الكمّ من الشحم و اللحم و و.. لم أعلم إلاّ بعد أيامٍ أنّهم كانوا أصدقاء عبد القادر ابن عمّي موح.. لـولا غبائي لكنتُ استنتجتُ أنّهم من صنفٍ واحد بنظرة واحدة إلى كروشِهم التي تلوّحُ بالتدفّـق في كلّ لحظة.

مرّة أخرى وجدتُني أمام الضحِك وجهًا لوجه، لقد وقف خلف المكان الذي كنتُ فيه عبد القادر و راح يوشوشُ لأحد إخوته السبعة، «الجْمَاعَة اللّي مْقَابْلِينَّا إدّيهُمْ يْبَاتُوا فِي دَارِي».. أحسستُ في تلك اللحظة بعظمتك عمّي موح.. تملّكتنِي أيضًا رغبةٌ في النهوض و ضرب هذا الـ عبد القادر على قفاه، وما يمنَعُني من الوقوف، تأمّلتُه ثانية والإبتسامة البلهاء مازالت مرسومة على شفتيْه، صرختُ فيه هذه المرّة «عمّي موح كان يُتأتئ في كلامِه، الجميع يعلم ذلك، الجميع يعلم أنّ كلمةً وحيدة كان يقولها بطلاقةٍ،». رفعتُ يدي لم يقُل ولم يفعل شيئًا، فقط ازدادت ابتسامته اتّساعًا، فجـأةً انطفـأت المصابيح الثلاثة التي كانت تُنيرُ المكان، تلاشَت الأصوات، لم أعُد أرى شيئًا ولا أسمعُ شيئًا، صمتٌ مُطبــق، انقطع حبلُ الصخب الذي كان ينبعث من داخل دار عمّي موح.. صمتٌ يتبعهُ صمت، وظلامٌ يلاحق الظلام.. لا شيء غير الصمت و الظلام، أصيخُ السمع، صوتٌ يصِلني من بعيد، بعيد البعيد، لكن من أين؟.. وربما كنتُ أنا نفسي من قلتُ «من وجهة غير التي يعرفها العالم اليوم»، الصوتُ يقترب في هذه اللحظة، إنه بكاء رضيع «وغ.. وغ.. وغ.. وغ!»، يقترب ويقترب «وغ.. وغ.. آآآهنننننن، نا نا نا، آههههنا»، ماذا؟ إنهُ يريد قول كلمةٍ على وزن فُعالنا، لقد وجدتُها «دارنا» نعم «دارنا»..، يا للبشرى، عمّي موح عائد..، عمّي موح قادم ليُكملَ لي قصّة جدّه الذي كان ينتعل البومنتل ويتحايل على البصلِ عند زرعِه، يقسمُ الواحدةَ شطريْن اثنيْن، و إلاّ لما أعطت له كلّ واحدة أكثر من حبّة مثلِها، لقد قال لي هذا ما يُسميه جدّهُ بُخلُ البصل.. أصحاب الكروش الذين كانوا يجلسون قُبالتي تفوح منهم رائحة البصل.. لكن الرضيع قال دارنا، فليذهب العالم والبصل و دار عبد القادر إلى الجحيم. خطوتُ خطوات، لايزال الظــلام سيّدُ المكان، لايزال الصمتُ وليّ عهدِه، بلَغَني صوت، أشبه بالصوت الذي كانت أجسادُنا تُحدِثُه في أول ارتطامِها بصفحة البرك الطينية التي كنا نسبح فيها، سمعتُ عبد القادر وهو يئنّ من الألم «أي أي أي..»، انقشع الظلام? كما حلّ- فجأةً و عاد مصباحان من الثلاثة إلى الاشتعال، استدرتُ فـإذا بعبد القادر واقع و الدم ينزّ من قفـاه.. جلس على الكرسيّ ذي الأرجل الصدئة فوقع به في غمرة الظلام.

الكاميرا
بقلم: عبدالواحد محمد

قامت من نومها مبكرا تتثاءب ..يساورها شعور بالقلق .. الخوف من المجهول .. وعلي النقيض يساورها الشك في إبداء رأي ما.. تجاه قضية ما ؟احيانا يتعلل البعض بالدبلوماسية

قامت من نومها مبكرا تتثائب.. يساورها شعور بالقلق.. الخوف من المجهول.. وعلي النقيض يساورها الشك في إبداء رأي منصف ..

تجاه قضية ما ؟احيانا يتعلل البعض بالدبلوماسية ...عدم إغضاب الأصدقاء ؟

السلطة ؟

الليالي الباردة ؟

الملعونة الفاتنة ؟

ماعلينا تلفظتها في نبرة واهنة .. تصفحت جرائد الصباح كعادتها .. مع رشفات فنجان القهوة السادة.. لزوم الرجيم القاسي ..

خبر بالبنط عريض :الوطن ينعي خيرة الرجال ؟

الأباء ؟

الحكماء ؟

وصورته تتصدر الصفحة الأولي بوجهه البشوش !

تساءلت بريبة من يكون ؟دققت النظر أكثر اعرفه .. ثم اردفت ثانية اعرفه ..حالة استثنائية في تاريخنا الإنساني ؟فكل مسؤول سابق.. يرحل لاينعي.. إلا بخبرمنزو..

اسفل الصفحة الأولي..؟

علي اكثر تقدير ..مهما كانت انجازاته .. عطاءه .معدنه ..!

علي التو .. اسرعت تستبدل ملابسها بملابس اكثر وقارا .. عباءة عربية ..تتناسب مع خبر الرحيل لرجل من خيرة الرجال ؟

وبكاءها يسطر فاصل من فصول رحلة زمن؟

امسكت بالريموت كنترول

لتضغط بأصبع السبابة

علي المشاكس ... السحري لحدوتة الزمان...

.. تنقب عن الأحداث ..بحرقة عاشق كف بصره ؟

فتأتيها علي الفور .. اخبار الفضائيات من هنا وهناك

تنقل كل كبيرة وصغيرة

عن تاريخ الرجل

الساعات الأخيرة في حياته

محطاته

وجزءا لايبين الرؤية من تفاصيل مؤامرة كبري

ملعوبة بغباء

لا ذكاء

لا مجرمين

أندال هم أندال

أعرفهم بالأسم الواحد .

آه

آه

اودت بحياته خسة !اشعلت سيجارتها من فوهة ولاعتها الذهبية ..

وسحبت نفسا عميقا ثم طردته في فضاء غرفتها ...كأنها تسترجع زمنا كان فيه الأب والأم والقدوة والإنسان ...

بلا دعاية زائفة ؟

توقفت ثانية عند احدي المحطات الأخري .. المحايدة ..

.. شد انتباهها فيلم تسجيلي عن حياة رجل غير عادي

ثاقب النظر .ذو كبرياء

وسيم المحيا

يحمل القاسم الاكبر من وجهه .

. التواضع

الفطنة .

. الشموخ

عزة الأوطان ؟

غرقت في دموعها دون ارادة منها ؟

فتحولت وجنتيها إلي حديقة مطر؟

فكم تمنت لو أن العمر.. امهله ... لأجرت معه مقابلة صحفية ... فهو فارسهاوحلمها الآبي

فهي محررة في صحيفة الزمن ؟

ليس للشهرة اوسبق صحفي..

بل كان سيمنحني للتاريخ رسالة صادقة ؟

حقائق .. لايعرفها غيره؟

آه فقدناه !

آه فقدناه !

مازال يخاطبها من وراء الكاميرا

وهي تشعل سيجارة ثالثة !

تمتمت .. أنه معجزة في زمن لايتكرر كثيرا ؟

والفيلم التسجيلي يقرب لها معدن الرجل

سيرته الذاتية

الساعات الآخيرة

روشتة دواء لكل طريق خطت فيها قدمه

صفحات مشرقة من تاريخ أمة ..

لم يتخف وراء اقنعة من الوهم ؟؟كان حاضرا رغم بعده عن المناصب الرسمية أكثر من عقد

!نعم كان معبودنا .. امير نهضتنا .. ثقافتنا .

. حلمنا الذي كف عن الصياح

لا... لم يكف يا أندال ؟

لم يرحل .. يا ذئاب العالم ؟

آه... ومن القائل... يوما أنه سكن برجا عاجيا ..

تبرأمن حبيبته ...

. تنسم هواء غير هوائنا ...

. خطت بقدميها نحو مكتبها للتأكد ...

من صورته... فمنذ أن كانت طالبة في الجامعة.. تحتفظ بها في طي كتابها الفضل ... الكاميرا ..

مرت عقود... وهو إنسان لم يتغير؟

أنهمرت دموعها... كشجر البرتقال.. واحتضنت صورته الأبوية جدا

وعينيها تبحث عن مغتاليه

وسط كم البشر... الذين لايعرفون غير حمامات الدم... وطنا لهم ؟؟لتكتب بسطور أناملها ..

تاريخ رجل لم يرحل .. ولن يرحل .. فمازال يقرأمعنا حقيقة اسفارنا إلي المجهول !

يتآلم لحال فقراءنا ... أوجاعنا .. حلمنا الكبير .. الذي تضاءل علي أرصفة المتسكعين !

آه .. آه لما ذا لاتأخذهم شوطة .. نيران العدالة .. الذين ذاقوها له .. ولنا .. جبناء .. والله العظيم جبناء ..

ظلت تصرخ في أعماقها .. تري الذئاب .. وهم يوارونه الثري .. الرجل الذهبي ... تلعنهم .. تسبهم .. فهي امرأة .. لاتعرف غير مفرد .. وجمع .. والأغرب ... من يكونوا؟

دونت الحكاية .. ورسمت ملامح كل منهم .. وهي تتوعدهم يوم قريب .. لن تفلتوا من العقاب .. كله سلف ودين ... اشعلت سيجارة عشرينية ... وهي تكتب سطور الرجل الأخيرة..

سوف تعود؟

سوف تعود ؟

أحتضنت كتابها المضل الكاميرا ... وهي تبكي كشجرة برتقال ندية .... قائلة .. لن ترحموا .. فأنتم شياطين عالمنا ؟

الكاميرا .. تخرج من درب .. إلي درب .. ويدها تشعل العلبة الثانية عن بكرة أبيها .. وهي تلملم .. المفرد .. والجمع .. في بلاتوه غرفتها.. التي كساها الضباب .. ولم تعد تعد تفكر في يومها

بل أيام قادمة؟

عقود حبلي بمولود استثنائي؟

دعوى لا تحتمل التأجيل
عبدالله عطية السلايمة - مصر

لم يكن سبب غضبى، ما أثاره قرار أبى المفاجئ من سخرية حملتها نظرات البعض إليه، واتهامهم له بأشياء،فقدوا الجرأة على البوح بها،ولا تليق بشيخ قبيلة مثله، يتمتع بميزات أهلته وبجدارة لزعامة القبيلة، بل لأنه لم يستثمر مقدرته المذهلة على حشد جموع، كانت بعد أن توطنت المدينة واستوطنتنى،ربما أتعامل بلامبالاة، يسمونها فى باديتنا "همالة" مع قضية يعتبرها البدو حساسة ومصيرية، ولا تحتمل التأجيل، أو اللجوء إلى الحكمة والاحتكام لصوت العقل، بل إلى ترجمة فورية وحاسمة لمقولة "هاملت": "أكون أو لا أكون".. منذ أن تركنا ـ نحن شباب البدو ـ ربوع البادية، وآثرنا العيش فى حضن مدينة، يعتبرها أبى ـ كغيره من البدو ـ ألد خصومه، وهو يعلن ندمه على أنه لم يحسن تأديبي، ولو كان قد فعل ،لما تجرأت ـ كما يقول ـ على استبدال ثوب بداوتى بثوب مدينة يراه مليء بالثقوب..!

ولكي يكفر عن خطيئة، قال أنه لن يغفرها لنفسه،ويصفها دوماً بالفادحة، واصل محاولاته إعادتي إلى رشدي،ولما فشل، هددني يائساً: أنه سوف يعلن" تشميسى"، وربما لأنني لا أتعامل مع القضية بجدية مثلهم، وبنبالة ـ أظنهاـ لم تعد تليق بمنطق العصر، لم أبال بتهديده.

كلما تذكر جرحه لكبرياء رضعته ـ مثله تماماً من ثدى الصحراء ـ أمام عروسي فى ذلك اليوم الذى غادرت فيه مضارب القبيلة،يكاد يفقد عقله ندماً على فعلته المتهورة ،ثم لا يلبث أن يقسم بغليظ الإيمان،قائلاً فى توعد :أنه سوف يلقن تلك المدينة التى عملت على إغوائنا،وتجرأت على استدراجنا من البادية درساً قاسياً، فربما ـ كما قال ـ اتعظت، وتخلت عن غطرستها، ونهجها الخبيث فى محاولة إعادة تشكيلناـ نحن البدو ـ وتغيير ملامحنا الأصيلة..!

لأنه لا يأمن غدر سياستها الاستحواذية،ولا يعرف ماذا تخبئ المدينة له، ولأحفاده فى قابل الأيام،بعد أن نجحت ـ كما يقول فى مرارة ـ فى خلط دماء أبنائها بدماء أبناء البدو،أخذ ينصح البدو باليقظة الكاملة، لإفشال كل مخططات المدينة طويلة المدى، ومساعيها الحثيثة للهيمنة عليهم،وإبطال مفعول كل أسلحتها الشيطانية، التى تفاجئهم المدينة مع إشراقة كل شمس بسلاح جديد منها.

ولكى يضمن أبى استمرارية دعم البدو لقضيته، وتضامنهم الكامل معه، واصل يحذرهم، قائلاً: أن طوفان خطرها القادم، ربما لا يستثنى منهم أحداً، لذا لابد ـ كما أكد ـ من ضرورة إعداد العدة لإيقاف مده.

ثمة محاولات مستميتة، لم يزل يبذلها بعض الحكماء من البدو،لدفع أبى على التراجع عما فى رأسه،وما يعده المحامون جنوناً ،إلا أنه مازال يصر على رفع دعواه ضد خصمه المدينة ، التى ـ كما سوف يتهمها ـ بأنها تهدد البدو بالفناء البطيء.

ورغم إحباطاته المتكررة، لم يزل يأمل فى العثور على محام يتبنى قضيتهم،وقاض يؤمن بها..

أما أنا رغم إشفاقي عليه من خوضه لقضية ، يقبض خصمه المتخيل على كل خيوط الفوز بها،إلا أننى مازلت غاضباً لإضاعته فرصة فوزنا بعضوية البرلمان.

رقص المازور
وجيهة عبد الرحمن سعيد - سوريا

ثَمَّ رقص, نعم رقصٌ يحفر ذاكرتي كحيوان الخلد يحفر في الظلام.

فقد كانت ليلة ٌ مريبةٌ, لأنَّ الظلام يبيِّتُ الشرَّ ويقتل براءة الأحداق,كما يشاع عنهُ .

فهو الذي يزرع حقول ألغام في دروب الشمس, في تلك الليلة صار عقلي كسهم ينطلق من وتر قوسهِ .

بدأت منذ أن استدار الأفق, وأخذت لجَّةُ اليحر تمتصُّ الشاطئ, وكابنة ملَّت حياة القصور و الغلمان فهاجت كلبوة تبحث عن فريسة لصغارها, بدأت أخطو الخطوة الأولى, وما بعث الارتياح في نفسي ودفعني لئن أعتصم بالصمت, هو أنني كنت على يقين بأنَّني أخطو على سفح عشبٍ أزغب.

البداية التي بدأت بها رقصي, أعادتني إلى ما يشبه الحياة الهلامية التي ليس في مستطاع أحد الإمساك بها, فإفلاتها يقين لامحالة, وبالرغم من ذلك كان لابد لي من الاختباء في قناع العتمة, على أنَّ الحكايات القديمة من الصعب سردها, لأنّها ستفتح معبراً لزحف أفعوان الصيف بالتسلل إلى أسرَّتنا, والمبيت فيها, وهل لنا النوم مع أفعوان, لابد أنَّها صفعة مؤلمة من القدر, لذا اخترت الرقص المنهمك في اللاعودة .

كنت أنصب كمائني, لأتعرَّف على مصارعي من جديد, وبعد تعب ولهاث جثوت على ركبتيَّ ألتقط أنفاسي, أمتزج باللامرئي, أغمض عيني فيغزل نول الحقيقة أوهامي.

تراءى لي طيفان, ثمَّة طيفان هناك على مرأى مني غير بعيدين

أسمعهما .... لاأدري ربما يتعاركان, أو ربما يتناجيان, أعلم بأنَّهُ لن يكون ثمَّة طيف رابع لأنَّني كنتُ أنا الثالث....

مازلت ألهث بإيقاع رتيب للرؤى تقول له:

- أنتَ من علمها الرقص..

- لالا أبداً... كنت أشعر بها تصمت وتبتعد, الطيف الثاني يخطو خطوة إلى الوراء ويقول.

أبتسم في سريرتي .... لامتاريس للسعادة هنا, فكل شيء بدأ ينجلي أمامي...

أراهما يتشظيان اعترافاً....

- لو لم نفتح البوابات, لما خطت تلك العتبة, والان لما فرَّت بقدميها الحافيتين,لما انغرزت قدماها في الوحل...

اسمعهما, ابتسم, أراهما وهما لايرياني, طالما رأيتهما.

خالجني شعور بالندم, رغبتُ بالعودة إلى الوراء, لكنني كنتُ محاطة بأشياء لاأدري كنهها.... أشياء دفعتني إلى المضي.

كان علي فعل شيء, قلت في نفسي:

- لم يكن يجدر بي المضي في ذلك الدرب...

ثمَّ أعود فأهز رأسي بالنفي...

لكن كان لابد من أن أختار طريقاً ما وحدي, فمنذ أن فتحت بصيرتي وتنفستْ رئتي, لم أجد نفسي أمضي وحدي في قرار, كانا يقدمان لي برنامجي كل صباح على سفرة الفطور, يملون عليَّ واجباتي, يفكرون عني في كل ما يتعلق بي وبهم, حتى بتُّ أكره نفسي, فهي لم ترضني يوماً.

لاأتكلَّم إلا قليلاً, أسمع قدر ما يشاؤون...

يتركون الأبواب مفتوحة على مصراعيها, فأنا لن أخترقها وأخرج طالما لم يدرج خروجي على قائمة مهامي وواجباتي.

من نافذتي رأيت الكلَّ يحلم, ووجدتُ نفسي أصمت, أحزن, أحزن على أشياء منتهية أو ربما لم تنتهِ.

كنتُ قد قطعتُ شوطاً من حياتي حين ذات مرَّة تنقلّتُ في غرفتي المشرَّعة أبوابها ونوافذها, بخطاً طويلة, كانت طويلة, وقفزت عالياً, قفزت في الهواء, وفتحتُ ذراعي...

أذكر بأنّني تنفستُ عميقاً تلك الليلة... هل كنتُ أقود مبتعدة عن نفسي, ربما لأنّني منذ تلك الليلة بدأت أغلق الأبواب وأوصدها.

تدرَّبتُ مطوَّلاً على النطق بكلمات لم أعتدها, وركضتُ كثيراً في أرجاء عالمي في غرفتي المهمَّشة.

تلك الليلة كانت البداية, كانت الموجة التي ارتطمت بالشاطئ فتشظتْ.

وحين تيقنتُ بأنَّني غير باقية لامحالة, رقصتُ ...رقصت حتى الانهاك.

اعتدتُ القفز والحركات البهلوانية, كنت أرقص كل ليلة رقصة مختلفة, وآثرت بعدها الشوارع, نعم كان عليَّ أن أعرف كيف يحلمون( فالشوارع غرف بلا جدران إن أردت التوغل فيها ) ليست أشبه بالغابات ذوات الفضاءات الممتدة والأفخاخ حيثُ تضع قدميك.

فتحتُ النوافذ مجدداً وخرجت خلسة منهم, وها أنا هنا الآن بعد أن جعلت الشمس في ظهري توقاً للشفاء...

على أنَّني أظنُّ أن الشفاء وحده لايكفيني, عليَّ عدم العودة

إذ أن العودة إلى الوراء ربما ستسبب لي كدمات أخرى على نوافذ الذاكرة المهجورة.

المازور: طائر ذو ألوان خضراء وزرقاء وحمراء , غنه صياد ماهر يغطس في الماء ويصطاد الأسماك الصغيرة ويعود ليقف فوق نبات القصب أو ما شابه , يأكل ما اصطاده بهدوء.

سوق يوم السعد
محمد الزاكي - المغرب

أرسلت الشمس خيوطها متدرجة في إشاعة جو دافئ لبداية أبريل الربيعي .. حالفه الحظ ليكون في " إنزغان " ، ففيها يعقد تجمع سوق شعبي كبير مرة في كل أسبوع .. تصير " إنزغان " قبلة لسكان أغادير وما حولها ..

كان من المفروض عليه أن لا يبرح المقهى ليتسنى له ملاقاة مسعود ، فهو الكفيل بحل مشكلة انقطاعه عن العمل ، وبعث أمل جديد ، بعدما انتهت المهلة المؤقتة للصيد في أعالي البحار بشركة مغربية- إسبانية بميناء أغادير.

في اللحظة الراهنة يشعر أن أحمال الأرض كلها وضعت فوق ظهره ، فالشعور بالتعطيل عن العمل قاس ، لا يدرك حقيقته ومرارته إلا من تجرعه في أحلك الظروف ، ومهما تحدثت مع شخص لم يذق هذه المرارة، فإن كلامك معه كمن يستمع إليك وقلبه أصم.

مسعود مر بمراحل دامسة ، لم يجد فيها فلسا ينفعه . ما أن اطلع على دخيلته حتى تجاوب معه وقاسمه همومه ، فقرر مساعدته .. قال له أحدهم بالمقهى :

- وما عسى أن يصنع لك مسعود ؟!

رد عليه بتفاؤل لا يفارقه :

- مسعود يملك مركب صيد تقليدي بالساحل .. وعمل مدة ثلاثين سنة بميناء أغادير، فلا بد أن تكون وساطته نافذة ...

كان الصباح جميلا تتخلله حياة متكررة بنفس نهار جديد على إيقاعات ضجيج الباعة المعروضة سلعهم على قارعة الطريق .. السوق امتلأ بزواره شيئا فشيئا .. اكتسى بهرجته ونشاطه .. ازدادت حيويته بتعالي أصوات الباعة ليلفتوا انتباه المشترين إلى سلعهم .. تداخلت الأغاني والموسيقى الأمازيغية النبعثة من هنا وهناك .. راسمة بألحانها العذبة ما يشبه مهرجانا ساحرا للموسيقى الأمازيغية السوسية ، وعلى نشوة هذه الألحان تمر بين الفينة و الأخرى أمام المقهى بعض الحسناوات ، فيظهر السوق في أفتن بهرجته .

" تأخر مسعود " . قالها وهو ينظر إلى ساعة المقهى الحائطية . صحيح بأنه لم يحدد ساعة بعينها مع مسعود ، لكن الساعة الآن قاربت الحادية عشرة .. فمتى يأتي ؟ .. ربما أخره أمر مستعجل ..؟ .

شرب كأس الماء وأتبعه الفنجان يرتشف قهوته بكل شوق ، فطاف به الحنين إلى ركوب موج أعالي البحر ، فعلى الرغم من مشاق العمل داخل سفينة تعمل ليلا ونهارا ، لتخرج ما يزخر به البحر من خيرات ، فإنه اشتاق إلى الشباك ومعانقة الصناديق المملوءة بكل نوع سمك قشري أو رخويات .. يلفف بالبلاستيك ، ويسجل نوعه ووزن الصندوق ، وتلصيق وجه التصدير ..

استعاد بحنينه فترات الراحة القصيرة الممنوحة أثناء العمل داخل السفينة.. يتاح له خلالها أن يسبح بتأملاته مستشرفا آفاق البحر الممتدة .. ينتابه خلالها شوق الرجوع إلى اليابسة بعد شهرين أو أكثر فوق الماء .. ما ألذ أن تتذوق معنى الراحة بعد تعب طويل ! .

كان مكوثه مدة طويلة بالبحر لا يشعره بالملل والرتابة ، وإنما بالمشقة الجسدية ، فيسرح مسافرا باستغراقاته عبر أجنحة التأمل والتخيل والتفكر ، ويزداد هذا الامتداد اللامحدود لعالم الأمواج عندما يجن عليه الليل ، فيكثر سفره في عوالم الامتداد وينتهي به إلى الإقتناع بأن السفر لن ينتهي ولن يشبع نهم التأمل.

ارتشف القهوة، وقال: "تعب كلها مهنة جر الشباك ومراقبة الصناديق المتراكمة آناء الليل وأطراف النهار.".

ها هو الآن في راحة قصيرة بالمقهى ، يذكر هذا التعب ويصطفي منه إمتاع البحر ومؤانسة آفاقه وظلماته المجهولة، فيقول لنفسه: "تعب بلذة سفر تأملي وعائد مالي خير من هذا التعطيل..".

أمارات استثقال تعطيله عن العمل بدت واضحة ، فإذا أريد للإنسان أن يموت في داخله كل شيئ حي أو تخنق أحلامه وتغتال كل مواهبه وملكاته ، فما عليك إلا إعدامه بحبل الجلوس بدون عمل.

كان من المفترض حسب رأيه أن يلج عالم البحر والصيد منذ أن بلغ الثامنة عشرة من عمره ، وما كان له أن ينتظر حتى يحصل على شهادته الجامعية العليا ، فتنسد أمام وجهه كل الآفاق المستقبلية التي تطلع إليها إبان كفاحه الدراسي ، فقطع هذه الأشواط والرجوع إلى أشياء كان على المرء أن يخوض مشاقها وتجاربها في سن مبكرة وبيسير من المستوى الدراسي ، لهو من أعظم الغبن الذي يمكن أن يحسه كل من في مثل حالته .. وجد نفسه في نهاية المطاف في البحر مع بحارة لم يضنوا أنفسهم بالدراسة كثيرا ، وهم أقدم منه في مهنة الإبحار ، ولا يأسفون على شيئ من أمر ماضيهم لأجل مستقبلهم ..

فعلام يأسف هو الآن ؟ .. هل يأسف على عدم الاستمتاع بتجربة البحر باكرا ؟.. أم تراه يتحسرعلى متابعة دراسته دون أن يظفر بما تطلع إليه ؟ ..

هو لا يتحسر على متابعة الدراسة ، فالدراسة لم تقترف ذنبا لا بيديها ولا برجليها ، وعكس ما تصوره قبل خوض تجربة الإبحار بمشاقها ، فقد وجد نفسه بين رفاقه البحارة هو الأقدر على أن يقدر شرف هذه المهنة حق قدرها ، وأن يغازل ويفهم طلاسم البحر غير المنتهية ، ويتجاوب مع سحر امتدادات أمواجه المتراقصة أحيانا والساكنة حينا آخر.

هو بين رفاقه معزز محترم ، بل محسود على نعمة استطعام عذوبة تأمل واستكناه آفاق البحر .. كل ذلك عنده يقضي على رتابة الإبحار الطويل المدى ، فيما يسري في أفئدتهم الملل . ومبلغ تقديرهم وحبهم له يصل إلى حد خلق جو الخلوة مع نفسه في فترات الاستراحة لينفرد بتأملاته ، أو يبدع بعض السطورعلى أوراق ، يجري فوقها مداد التأمل الممزوج بندى البحر بكل عفوية ويسر .

استفاق من كل هذا ليعود إلى ربط اتصاله بالسوق وازدحامه .. نظر إلى ساعته ، فوجدها تشير إلى الثانية عشرة " تأخر السيد مسعود " .. قالها بقليل من اليأس، فلن تبلغ درجة يأسه أكثر مما بلغته وهو ينتظر لسنوات أن ينعم بعمل مستقر .

هو لا يحلم بعمل ينسجم مع ميولاته أو يتناسب مع مؤهلاته .. لا يحلم سوى بعمل ثابت يضع حدا لكل الأشباح المطاردة له .. تخيفه بتقدم عمره .

دخل فجأة مسعود .. سحب له كرسيا .. ارتاح ملتقطا أنفاسه ، لكن وجهه كان يسطع ببريق ابتسامة لافتة .. قدم مسعود عذر تأخره .. هو سعيد بأن زوجته قد وضعت اليوم حملها .. قال فرحا : " وضعت مولودا .. وضعته أخيرا .. والحمد لله على هبته .. " .

طالما انتظر مسعود لمدة عشرين سنة تحقيق هذه الأمنية .. كان هذا الخبر أشد فرحة لديه ، فلن يبخل مسعود في غمرة سعادته أن يسدي له خدمة .. أمر مسعود بأن توزع المشروبات على جميع من بالمقهى .. خرجا من المقهى .. وصلا إلى بيت الرايس " موحا " .. ناوله مسعود رسالة مكتوبة .. ستمكنه العمل بشركة تفريغ وإيداع للصيد بميناء " طانطان " .. صاحب الشركة من أقرباء الرايس " موحا " ...بعد أيام سيذهب الرايس موحا إلى طانطان برفقته .. سيتم تمتيعه بعمل مستقر .

شكر كثيرا أفضال مسعود،، ثم انطلق كالريح قاصدا سوق إنزغان .. دخله فوجده أبهج مما سلف ، وشعر بأن يوم السوق .. يوم سعد لديه.
--------------------------------
* ناقد وكاتب سعودي

-----------------------------------------

قلنا الصّلاحَ فقالوا لا نصالحكمْ،
أهلُ النُّبوكِ وعيرٌ فوقها الخصفُ
لَسْنَا بِعِيرٍ، وَبَيْتِ اللهِ، مَائِرَة،
إلاّ عَلَيْها دُرُوعُ القَوْمِ، وَالزَّغَفُ
لمّا التَقَيْنَا كَشَفْنَا عَنْ جَماجِمِنا
ليعلموا أنّنا بكرٌ، فينصرفوا
قَالُوا البقِيّةَ، وَالهِنْدِيُّ يَحصُدُهم،
وَلا بَقِيّةَ إلاّ النّارُ، فَانْكَشَفُوا
هلْ سرّ حنقطَ أنّ القومَ صالحهمْ
أبو شريحٍ ولمْ يوجدْ لهُ خلفُ
قَدْ آبَ جَارَتَهَا الحَسْنَاءَ قَيّمُها
رَكْضاً، وَآبَ إلَيها الثّكْلُ وَالتّلَفُ

الأعشى

 

 

محمد العباس*