جمال العربية

جمال العربية

قراءة في المعجم الكبير

حين أصدر مجمع اللغة العربية في القاهرة الجزء الأول من المعجم الكبير متضمنا حرف "الهمزة" بعد قرابة عشرين عاما من العمل المتصل والمراجعة الدقيقة، قدم له المجمعي الكبير الدكتور إبراهيم بيومي مدكور بقوله: "في هذا المعجم جوانب ثلاثة أساسية: جانب منهجي هدفه الأول دقة الترتيب ووضوح التبويب، وجانب لغوي عني بأن تصور اللغة تصويرا كاملا، فيجد طلاب القديم حاجتهم، ويقف عشاق الحديث على ضالتهم. وفيه أخيرا جانب موسوعي يقدم ألوانا من العلوم والمعارف تحت أسماء المصطلحات أو الأعلام ". وفي مادة "أسد" يقول المعجم الكبير:

في العربية الجنوبية القديمة أس د: المحارب، الجندي والرجل عامة.

قال ابن فارس: الهمزة والسين والدال: تدل على قوة الشيء.

أسد بين القوم يأسد أسداً: أفسد. وأسد فلانا: عابه وسبه. وأسد يأسد أسداً: شجع فصار كالأسد في جرأته وأخلاقه. وفي حديث أم زرع: "زوجي إن دخل فهد (أي أشبه الفهد في طول نومه) وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد.

قال مهلهل:

إني وجدت زهيراً في مآثرهم

شبه الليوث إذا استأسدتهم أسدوا

وأسد: فزع عند رؤية الأسد.

وأسد عليه: غضب وسفه.

وأسد: ا جترأ. وآسد إيساداً: أغرى. قال المثقب العبدي في استماع الثور وتوجسه إذا أحس بشيء من أسباب القنص:

ويوجس السمع لنكرائه

من خشية القانص والمؤسد

(لنكرائه: لدهائه ومكره).

وتأسد الرجل: شجع.

واستأسد: صار كالاسد، وقوي واشتد.

قال النابغة الشيباني يصف مطرا:

وقد أرب بها مستأسد ذكر

جون السحاب ملث الهمر مؤتلف

(أرب السحاب: دام مطره، جون: أسود، الملث: المطر يدوم عدة أيام).

وقال أبوتمام في مرض أحمد بن أبي دؤاد:

تضاءل الجود منذ مدت إليك يد

من بعض أيدي الضنى واستأسد البخل

واستأسد الشيء: ارتفع. يقال: استأسد النبت:

طال وعظم فبلغ غايته، قال الأخطل:

بمستأسد يجري الندى في رياضه

سقته أهاضيب الصبا ومديمها

(المديم من الديمة وهي السحابة التي يدوم مطرها)

واستأسد عليه: اجترأ. قال عبيدالله بن قيس الرقيات يهجو جيرانا له:

يستأسدون على الصـ

ـديق وللعدوّ ثعالبُ

ويقال أسد آسد: مبالغة في القوة والشجاعة والجراءة.

والجمع: آساد وأسود و"أسد" وأسدان، وآسد

ومأسدة. والأسدة أنثى الأسد وهي اللبؤة، وقيل:

الأسد عام للذكر والأنثى. وله في العربية أسماء كثيرة (من بينها: الليث والقسورة والغضنفر والرئبال والهزبر والضرغام والضرغامة والأسامة).

والأسد في الفلك: اسم أطلق على أحد بروج السماء الاثني عشر وهو البرج الثاني من مجموعة البروج الصيفية الثلاثة: السرطان والأسد والسنبلة.

وأسد: أبوقبيلة من مضر وأبوقبيلة من ربيعة. وسمي به غير واحد، منهم:

أسد بن عبدالله القسري: والي خراسان من قبل هشام بن عبدالملك.

وأسد بن الفرات: قاضي القيروان وشيخ الفتيا وفاتح صقلية.

وأسد الدين شيركوه: الملقب بالملك المنصور، أخو نجم الدين أيوب وعم صلاح الدين الأيوبي.

وأسدالله: لقب حمزة بن عبدالمطلب عم الرسول عليه الصلاة والسلام. قال الكميت يذكر آل البيت:

ذو الجناحين، وابن هالة منهم

أسدُ الله، والكمي المحامي

(ذو الجناحين: جعفر بن أبي طالب، ابن هالة: حمزة ابن عبدالمطلب وهالة أُمه وهي بنت وهب بن عبد مناف).

وأسد الله أيضا: لقب علي بن أبي طالب، أطلقه عليه أتباعه. والأسيد: الشديد الجراءة، يقال: أسد أسيد. وأسيد: اسم لغير واحد، منهم: أسيد: والد عتّاب الصحابي الجليل الذي استعمله النبيَ صلى الله عليه وسلم على مكة بعد فتحها. وأُسَيْد: اسم لغير واحد، منهم:

أُسَيْد بن خضيْر: كان من أحسن الناس صوتا بالقرآن.

وأُسَيْد بن ثعلبة الأنْصاري: شهد بدرا، وشهد صِفّين مع علي بن أبي طالب.

وأُسَيْد بن عبدالله الخزاعي: كان من دعاة الدولة العباسية ومن قواد أبي مسلم الخراساني، ثم أصبح واليا على خراسان.

والأُسيدة: الحظيرة وجمعها أسائد.

والمأسدة: المكان تكثر فيه الأسود، يقال: أرضٌ مأسَدة.

ويقال للمكان إذا كثر شجعانه، واشتد فيه القتال: مَأسَدة، قال حسان بن ثابت:

من سرّه الموت صرْفاً لا مزاجَ له

فليأت مأسدةً في دار عُثمانا

(عثمان: عثمان بن عفَان رضي الله عنه).

والجمع: مآسد.

صفحة شعر
نفس عالية
للقاضي الجرجاني

القاضي الجرجاني لقب أطلق على الأديب والشاعر والقاضي علي بن عبدالعزيز الجرجاني الذي ولد ومات بجرجان، بعد أن أكثر من الأطواف فزار العراق والشام والحجاز، ودرس الفقه والأدب والتاريخ. من آثاره ديوان شعر ومجموعة رسائل وكتابه الشهير: "الوساطة بين المتنبي وخصومه " الذي يكشف عن عدالته وتثبته ونفوره من التعميم واتخاذه من مبدأ قياس الأشباه والنظائر أساسا للنقد. ويحدثنا التاريخ الأدبي أن القاضي الجرجاني كان ذا نفس عالية غالية. وقد ترك لنا في شعره صورة لهذه النفس الأبية المتمنعة، التي حرمت عليه طيبات الحياة إيثارا للعزة والأنفة والكرامة وصونا للعرض من الدنس، وإبعادا للمروءة عن مواطن الابتذال. وقد عزت نفس الجرجاني وأسرفت في التصون والاعتزاز، وما زالت به تصده عن مواطن الشبهات ومظان الريب والظنون، حتى زينت له العزلة والانفراد. وشعره في هذا المقام مثال من الأمثلة العليا التي تعتز بمحاكاتها كبار النفوس، فضلا عن صوره البيانية الرفيعة، ولغته القوية الآسرة، في وضوح وشفافية ونقاء: يقول القاضي الجرجاني

يقولون لي: فيك انقباضٌ وإنما

رأوا رجلا عن موقف الذلّ أحجما

أرى الناس من داناهمو هان عندهم

ومن أكرمته عزّة النفس أكرما

وما زلت منحازا بعرضي جانبا

من الذمِّ، أعتدُّ الصّيانة مغنما

إذا قيل: هذا مشربٌ، قلت: قد أرى

ولكن نفس الحرِّ تحتملُ الظما

وما كل برق لاح لي يستفزّني

ولا كلُّ أهل الأرض أرضاهُ منعما

ولم أقض حقّ العلم، إن كان كلما

بدا مطمعٌ صيرتُهُ لي سُلّما

ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي

لأخدم من لاقيتُ لكن لأُخدما

أأشقى به غرساً، وأجنيه ذلّةً

إذن فاتباع الجهل قد كان أحزَما

ولو أنَ أهل العلم صانوه صانهم

ولو عظّموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه، فهانوا، ودنّسوا

مُحّياهُ بالأطماع حتى تجهما

هذا المعنى نفسه، معنى الاعتزاز بالنفس، والترفع عن الدنايا والصغائر، وإعطاء العلم ما يستحقه من رفعة وتكريم،

يؤكده القاضي الجرجاني في قصيدة ثانية، يقول فيها:

على مهجتي تجني الحوادث والدهر

فأما اصطباري فهو ممتنعٌ وعرُ

كأني أُلاقي كلّ يومٍ ينوبني

بذنبٍ، وما ذنبي سوى أنني حُرٌّ

فإن لم يكن عند الزمان سوى الذي

أضيق به ذرعا، فعندي له الصبرُ

وقالوا: توصلْ بالخضوع إلى الغنى

وما علموا أنّ الخضوع هو الفقرُ

وبيني وبين المال بابان حرّما

عليّ الغنى، نفسي الأبيةُ والدهرُ

إذا قيل: هذا اليسرُ، عاينتُ دونه

مواقفَ خيرٌ من وقوفي بها العُسرُ

إذا قُدّموا بالخير قُدّمت دونهم

بنفسِ فقيرٍ، كلُ أخلاقه وفرُ

وتمضي على هذا الشعر وقائله قرون وقرون، وما تزال في السمع والقلب أصداء هذه النفس الأبية المترفعة وهذا التصوير الرائع للتعفف وإيثار النبل والكرامة، والحرص على أخلاق العلماء الجديرين بشرف العلم ومكانته. ومن جديد يتردد في أسماعنا صوت القاضي الجرجاني في شعره الجميل وهو يقول:

إذا قيل: هذا مشربٌ قلت: قد أرى

ولكنّ نفس الحرِّ تحتملُ الظما

وعندما يقول:

وبيني وبين المالِ بابانِ حرّما

عليّ الغنى: نفسي الأبيةُ والدهر

 

فاروق شوشة

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات