أرقام

أرقام

سيناريو .. للمستقبل

كيف يبدو العالم سنة 2010؟. السؤال طرحه البنك الدولي في دراسة أخيرة، والتطبيق كان على منطقة الشرق الأوسط التي تشهد تغيرات أساسية، بين مناخ دول جديد ومناخ عربي مختلف، ومحاولات للإصلاح الاقتصادي وسلام مرتقب.

تتحدث الأرقام عن مشرق ومغرب وإسرائيل، وفي المشرق يجري استبعاد الخليج لطبيعته الخاصة، بينما يجري استبعاد موريتانيا والسودان والصومال وجيبوتي لتقتصر الدراسة على مصر والأردن ولبنان وسوريا واليمن من المشرق، والجزائر وتونس والمملكة المغربية من المغرب العربي.

ملخص الأرقام أن التقدم ممكن، فعلى الرغم من وجود مشاكل اقتصادية حادة شملت كل المنطقة فإن مضاعفة الناتج المحلي وضبط الزيادة السكانية وتحسين مستوى معيشة الناس.. كلها أمور ممكنة. بداية التوقعات زيادة في الناتج المحلي الإجمالي للمشرق من 68 مليار دولار عام 1990 إلى 126 مليارا عام 2010، في نفس الوقت يزيد ناتج دول المغرب المحلي من 82 مليارا إلى 158 مليارا في نفس الفترة، ويزيد ناتج إسرائيل من 53 مليارا إلى 118 مليارا. وخلال هذه الفترة يزيد تعداد السكان العرب "للدول الثماني موضع الدراسة" من 141 مليون نسمة إلى 224 مليونا عام 2010.. بينما يزيد سكان إسرائيل من خمسة إلى سبعة ملايين نسمة خلال العشرين عاما وبنسبة 40% بالقياس لعام 1990.

هذه الأرقام أو التنبؤات التي يمكن تسميتها بسيناريو التقدم تعني الكثير..

فهي تشير لإمكان مضاعفة الدخل كل عشرين عاما على وجه التقريب، وتتساوى في ذلك دول المشرق والمغرب، مع فروق شاذة، لدول ذات مستقبل مجهول مثل اليمن والجزائر.

حياة أفضل

ولكن، وفي نفس الوقت، فإن دول المغرب تبدو أفضل حالا من دول المشرق بينما تبدو إسرائيل كحالة خاصة أكثر تفوقا فيبلغ ناتجها المحلي الإجمالي عام 1990 حوالي 53 مليار دولار وبما يقترب من 78% من مجموع ناتج دول المشرق العربي، أو 65% من مجموع ناتج دول المغرب الثلاث، أما عام 2010 فسوف يتضاعف الناتج الإسرائيلي وبمعدل أعلى من الناتج العربي.

مرة أخرى، ماذا تعني هذه الأرقام؟. في ظل تنبؤات أخرى بتخفيض معدل الزيادة السكانية تصبح الأرقام متفائلة، وتصبح ترجمتها تحسنا ملحوظا في مستوى معيشة هذه الشعوب. وقضية السكان قد تكون أكثر دقة أو أسهل تناولا من قضية الأداء الاقتصادي الذي يشهد عقبات كثيرة، فلنمو السكان سجل سابق يشهد أن تغيرا مهما يحدث في أرض الواقع.

وفقا لتوقعات البنك الدولي فإن نمو السكان في الإقليم بأكمله سوف يهبط من 2.5% سنويا عام 1990 إلى 2% فقط عـام 2010 وسوف يتفاوت الموقف من دولة لأخرى فتهبط النسبة في كل من مصر وتونس إلى 1.5% بينما يظل الأردن متمتعا بنسبة عالية هي 2.9 % وذلك مقابل 3.7% خلال الثمانينيات. والمحصلة النهائية أن تعداد الإقليم- بما فيه إسرائيل- سوف يصبح 230 مليون نسمة عام 2010 مقابل 150 مليونا عام 1990، وذلك على وجه التقريب.

المحصلة الأهم ونتيجة تزايد النمو الاقتصادي بنسبة أعلى من نسبة تزايد السكان فإن مؤشرات الحياة سوف تتحسن، سوف تهبط نسبة وفيات الأطفال في دول المغرب من 64 في الألف إلى 36 في الألف عام 2010 وتهبط في المشرق من 70 في الألف إلى 32 في الألف.

متوسط الأعمار والتنمية

في نفس الوقت وخلال العشرين عاما موضوع الدراسة سوف ترتفع توقعات الحياة من ستين عاما بالمشرق و 64 عاما بالمغرب إلى 71 و 72 عاما سنة 2010، بينما تزحف إسرائيل إلى مصاف الـدول المتقدمة وبعض الدول العربية الخليجية فيصبح متوسط العمر المرتقب 77 عاما، مقابل 76 عاما في الوقت الراهن. أيضا سوف تقل نسبة الأميـة وتزيد نسبة الملتحقين بالمدارس الثانوية.

إنها حياة جريئة أفضل حالا، ولكن هل هي ممكنة؟. الدراسة الدولية التي صدرت عام 1992 تقول: نعم.

لقد مرت بالإقليم كله سنوات صعبة، سواء على الجانب العربي أو الجانب الإسرائيلي.. حدث خلال الثمانينيات تدهور في معدلات الأداء الاقتصادي، زادت المديونية، زادت نسب البطالة ووصلت عام 1990 إلى نسب تتراوح بين 20% و 25% في خمس بلدان عربية مشرقية ومغربية هي مصر والأردن والجزائر واليمن وسوريا، وكانت النسبة الأعلى في اليمن حيث سجلت البطالة 26% ولم تنج إسرائيل من ذلك فبلغت النسبة فيها في بداية التسعينيات 10%. وخلال هذه الحقبة "الثمانينيات" والتي بدأت بضربة البترول وانخفاض أسعاره حدث تحول سلبي كبير، فلم ينم الدخل الحقيقي للفرد بالمشرق خلال النصف الثاني من الثمانينيات بأكثر من 0.3%، بينما نقص ذلك المعدل بنسبـة 1.5% في المغرب، خلال نفس الفترة تدهورت الجزائر، وتحسن المغرب كما تحسنت تونس، ولكن كانت هذه هي النتيجة الصافية، وكانت ملاحظة البنك الدولي أن الموارد البشرية والطبيعية لم تأخذ العناية الكافية وأن الأداء الاقتصادي كله قد تعثر.. فانخفض الناتج كثيرا عما كان عليه في السبعينيات حتى بلغ صفرا في الجزائر.

ذلك هو الموقف الذي بدأت به التسعينيات، ومع ذلك فإن البنك الدولي يرى إمكان النهوض، ليس بالسلام والاستقرار وحدهما، وإنما بالإصلاح الداخلي أولا. وتقول الدراسة: نعـم.. للسـلام، ونعم لتعاون إقليمي يشمل التجـارة، والاستثمار، والمشروعات المشتركة، وانتقال العمالة.. نعم لكل ذلك، لكن الأهم أن يبدأ الإصلاح من الداخل، فلا عوائد المهاجرين سوف تكفي، ولا قروض الخارج واستثماراته سوف تمثل الدفعة اللازمة. المطلوب: إصلاح من الداخل واستثمار لكل الطاقات المحلية، وحينذاك سوف يحل الادخار مكان الاقتراض، وسوف يحل الإنتاج مكان عوائد العمل للمهاجرين، وإن استمر الأخير بأهمية نسبية أقل. التقدم ممكن، لكن لذلك- كما تقول الدراسات- ثمنه من التضحيات والحد من الاستهلاك والحرمان المؤقت والتضخم المحدود، والأهم هو ذلك الجهد الذي تبذله المؤسسات الوطنية لاتخاذ قرارات رشيدة تؤدي للتحولات المطلوبة، فلا شيء يحدث تلقائيا، وحلم السلام ليس مرادفا لحلم الرفاهة، إنه "جزء" محدود من "كل" نحن ، نملكه.

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات