العرب... وفجوة العقل الإعلامي

  العرب... وفجوة العقل الإعلامي
        

تعني فجوة العقل الإعلامي وجود رؤى نظرية عدة في حقل الإعلام, تتباين أسبابها وتداعياتها لدى علماء الاتصال والإعلام والممارسين الإعلاميين وجمهور المتلقين, وفي إطار المحاولات الدءوبة, التي تقودها القوى المتحكمة في السوق العالمية من أجل عولمة الثقافة والتعليم والدين.

          في ظل الصراع الثقافي, والتحديات الحضارية, تبرز فجوة العقل الإعلامي, حيث لم تعد تكنولوجيا الاتصال والمعلومات تشغل موقعًا مركزيًا فحسب في شبكة الإنتاج, بل أصبحت تشغل موقع القلب في استراتيجية إعادة تشكيل منظومة العلاقات الدولية على المستوى السياسي بين الحكومات, وذلك بالترويج لما يسمى بـ (الشرعية الدولية) ومعاييرها المزدوجة, وعلى المستوى الثقافي بين الثقافات المختلفة بإعلاء شأن الثقافة الغربية, وعلى الأخص الطبعة الأمريكية منها, وتهميش ثقافات الجنوب, وعلى المستوى الاتصالي بالترويج لما يسمى (القرية الاتصالية العالمية), متجاهلاً عن عمد التفاوت الحاد بين معدلات التطور الإعلامي والمعلوماتي بين أجزاء العالم شمالاً وجنوبًا, سواء تمثل ذلك في تكنولوجيا المعلومات والاتصال, أو في الإشعاع الإعلامي والمعلوماتي.

          وتتجلى فجوة العقل الإعلامي في ثلاثة مجالات رئيسية:

          أولاً- تعددية الرؤى الفلسفية والنظرية في هذا الحقل المعرفي المهم.

          ثانيًا- تنوع الممارسات المهنية في وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع.

          ثالثًا- طبيعة الجمهور المتلقي, والتي تزخر بكثير من التباينات الاقتصادية والثقافية والديموجرافية, علاوة على تعدد مستويات الوعي السياسي والاجتماعي.

          وتحفل الساحة الغربية (الأوربية والأمريكية) بالعديد من التيارات والرؤى النظرية, التي توجه بحوث الإعلام والاتصال, فهناك الرؤية الوظيفية البراجماتية, التي سادت في الولايات المتحدة خلال أربعة عقود, ومازالت مسيطرة على معظم الباحثين ودارسي الإعلام في دول الجنوب, وعلى الأخص العالم العربي, وتعتمد على المنظور الإمبيريقي المعزول عن سياقاته الاجتماعية والثقافية, وترى أن الإعلام هو أداة التحديث في المجتمعات النامية, فيما يرى أنصار التيار النقدي الذي انبثق من التراث النقدي للفكر الاجتماعي الأوربي, إن سيطرة الإعلام الغربي على وسائل الإعلام في دول الجنوب, تعد إحدى أدوات الاستعمار الثقافي الذي يروّج لأساليب الحياة, والقيم الغربية, ويحاول فرضها على مجتمعات الجنوب.

          ويؤكد هذا التيار أن الإعلام يثير إشكالية تتمثل في كونه يلعب دورًا مزدوجًا سواء على الصعيد الدولي أو المحلي, إذ يمكن أن يعبر عن الهيمنة الكونية للغرب, ويمكن أن يكون وسيلة لإحياء وإنعاش الثقافات القومية في الوقت ذاته. كما يمكن استخدامه أداة للضبط الاجتماعي وتكريس التبعية الثقافية في دول الجنوب. ويحرص الباحثون المنتمون إلى التيار النقدي على تأكيد الحقيقة, التي تشير إلى أنه لا توجد نظرية للاتصال بمعزل عن النظرية الاجتماعية العامة. ولذلك يركز أنصار هذا التيار النقدي على دراسة الظواهر الإعلامية والاتصالية في إطار السياق الاجتماعي والثقافي والسياسي والاقتصادي الذي أفرزها وتفاعل معها. وهناك الرؤية الماركسية, التي تؤكد على مخاطر سيطرة رأس المال على الإعلام وهيمنة ثقافة وفكر الطبقات المسيطرة سياسيًا واقتصاديًا على السياسات والممارسات الإعلامية, بينما يركز أنصار التيار الليبرالي على دور القائمين بالاتصال, باعتبارهم منتجي المادة الإعلامية وحرّاس البوابات, ويتأثرون بتوجيهات صنّاع القرار في المؤسسة الحاكمة ومصالح القوى الاقتصادية المتحكمة في السوق, ويؤثرون بصورة حاسمة في تشكيل اتجاهات وقيم الجمهور والرأي العام. ويعزى هذا الخليط النظري والمنهجي الذي يتميز به حقل الإعلام والاتصال إلى الظروف التي صاحبت نشأته, فقد ظل هذا الحقل حتى بداية الستينيات موضع ارتياد وهجرة العديد من الباحثين, الذين ينتمون لمختلف فروع العلوم الاجتماعية والإنسانيات (السياسة - علم النفس - علم الاجتماع - اللغويات - التاريخ...إلخ), ولذلك - وكما لاحظ والبور شرام العام 1980 -, ظل هذا الحقل مجرد إطار تجمّعي للتخصصات المختلفة أكثر منه تخصصًا مستقلاً له مداخله النظرية وأساليبه المنهجية وأدواته التحليلية, وقد ترتّب على ذلك عدم ظهور بنية بحثية مستقلة لهذا الفرع المعرفي, ولكن بدأ هذا الوضع يتغير تدريجيًا منذ نهاية السبعينيات, عندما بدأت حركة المراجعة لهذا التخصص. وقد ساعد اكتشاف نظم الاتصال ذات التأثير المتبادل, واتساع الرقعة الجغرافية للبحوث الإعلامية, وتشابك الأوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية, على تحرير بحوث الاتصال من هيمنة النظرية الرياضية, التي تتمثل في النماذج الهندسية المغلقة, والتي ظلت تحظى بتأثير ملحوظ على امتداد عقود زمنية عدة, كما تركت بصماتها على العديد من التخصصات, مثل علم النفس واللغويات والاجتماع. ومن أهم أوجه النقد, التي وجهت إلى هذا النموذج الهندسي غلبة الطابع الإجرائي على حساب الجوانب النظرية, مما ترتب عليه استبعاد السياق الذي تجري في إطاره العمليات الاتصالية, وانتشار المناهج الكمية, التي لاتزال تسيطر حتى اليوم على معظم بحوث الاتصال والإعلام, وذلك بالرغم من تصاعد الاهتمام بالمناهج ذات الطابع التحليلي, والمستندة إلى أطر نظرية, والتوسع في استخدامها في السنوات الأخيرة.

ضد التبعية والهيمنة

          ومع التطورات العلمية والتكنولوجية, التي يشهدها العالم المعاصر, وتقودها دول الشمال وأباطرة العولمة الرأسمالية, برزت أشكال جديدة, وتحديات غير مسبوقة تتعلق بالوعي والقيم الإنسانية, وأنماط السلوك البشري في إطار حضاري (سياسي - اقتصادي - ثقافي) شديد التباين في معدلات ونوعية التطور بين مجتمعات الشمال, التي تمتلك مفاتيح وأدوات التقدم العلمي والتكنولوجي, ومجتمعات الجنوب, وفي قلبها العالم العربي, التي مازالت تعاني  تركة المرحلة الاستعمارية وامتداداتها الراهنة, التي تتجسّد في أشكال جديدة من الهيمنة الاقتصادية والثقافية, وذلك في إطار المحاولات الدءوبة لعولمة الاقتصاد والثقافة والتعليم والبحث العلمي, لتلبية احتياجات السوق العالمية, ولخدمة مصالح القوى المتحكمة في هذه السوق. ويلاحظ على الجانب الآخر, أن تزاوج تكنولوجيا الاتصال والمعلومات, وبروز أشكال جديدة للتكنولوجيا الاتصالية, مثل الوسائط الإعلامية المتعددة, ووسائل الاتصال التفاعلية, وظهور واستخدام ما يسمى بالطريق السريع للإعلام والمعلومات, كل هذه التطورات التكنولوجية, وما صاحبها من تغيرات في البنى الاجتماعية والعلاقات الاقتصادية, وما ترتب عليها من زوال الحواجز السياسية والاقتصادية, وتقليص سلطة الدولة, وبزوغ منظمات المجتمع المدني, والاتجاه إلى اللامركزية, وإلى عولمة الاتصال, وبروز الحقوق الاتصالية لمختلف الشرائح الاجتماعية من سكان الريف والمدن, كل هذه التطورات أدت مجتمعة إلى إجبار بحوث الاتصال على تغيير مسارها, بل وتغيير توجهاتها, كما أسفر ذلك عن ظهور اتجاهات جديدة كان لها تأثيرها المباشر في تعزيز الفكر النقدي المعاصر في مجالات علم الاجتماع والأدب والثقافة والإعلام والاتصال, إذ شهدت السنوات الأخيرة بروز رؤى وتصورات نقدية عدة عن دور الإعلام والاتصال في حياة الأفراد والمجتمعات, كشفت عن الأزمة التي تواجه الرؤى الوظيفية الإمبيريقية التي أسستها المدرسة الأمريكية منذ الخمسينيات. ويركز أبرز هذه الاتجاهات على دراسة مختلف النظريات, التي تبرز علاقة التأثير والتأثر بين الإعلام وسائر الظواهر المجتمعية, والتفاعل بين علم الاتصال ومنظومتي العلوم الاجتماعية والإنسانية. ويبدو جليًا أن الرؤى التي تتبنى منظور الخصوصية الثقافية والاجتماعية في سياقها التاريخي, قد حلت محل الرؤى ذات التوجهات والطابع التعميمي, التي تركز على الوحدات الفئوية والفردية, وتميل إلى تقسيم الظواهر الإعلامية إلى فئات مغلقة معزولة عن سياقها المجتمعي والتاريخي. ومما يجدر ملاحظته أن مفهوم الإعلام والاتصال يحظى بما يشبه الإجماع حول أهميته ووظائفه, إلا أنه لم يحقق حتى الآن إجماعًا حول تحديد مفاهيمه وأطره النظرية. فلايزال هناك اتجاه شائع يحرص على تعريف الإعلام, قياسًا على تطبيقاته واستخداماته أكثر منها ارتباطًا بالأطر النظرية, التي انطلق منها, والتي تسمح لنا بنقد وتقييم هذه الاستخدامات. ولعل التأكيد على أهمية توافر الأطر والمداخل النظرية في بحوث الإعلام والاتصال, تأتي من إدراكنا لضرورة إلقاء الضوء على التناقضات القائمة داخل هذا النسق المعرفي من أجل التوصل إلى إعادة بناء وتركيب شبكة المعاني والدلالات التي يخلقها, ويؤثر من خلالها في أنماط السلوك البشري, وذلك سعيًا إلى التعرّف على القدرات التعليمية للإعلام, والكشف عن دوره في خلق أنماط معينة من السلوك الإنساني, وتهميش أنماط أخرى, وإعلاء شأن ثقافة ما على حساب ثقافات أخرى, أوترجيح منظومة القيم التي تنتمي إلى مجتمعات الشمال على حساب منظومة القيم المنبثقة من السياق الحضاري لمجتمعات الجنوب.

          وتتعرض بحوث الاتصال في دول الجنوب - وفي قلبها العالم العربي - لأزمة مركبة تتمثل في النقل والاقتباس والتبعية للتيارات الإمبيريقية والوظيفية في دول الشمال المتقدم تكنولوجيا, وذلك استنادًا إلى رؤية خاطئة, فحواها أن العلم لا وطن له, وهذه الرؤية قد تنطبق جزئيًا على العلوم الطبيعية, ولكنها بالقطع لا تنطبق على العلم الاجتماعي وفروعه, الذي يتأثر بالخصوصية الثقافية لكل مجتمع, فضلاً عن اختلاف معدلات التطور الاجتماعي والاقتصادي والبيئي, علاوة على الأحداث التي حكمت المسيرة التاريخية لكل مجتمع, وحددت خلفياته الثقافية ومنظومة القيم والأنماط السلوكية لشعوبه وجماعاته. وهذا الوضع يطرح تحديًا أساسيًا لمعظم المسلمات النظرية, التي تنطلق منها البحوث الإعلامية العربية ذات الطابع الإمبيريقي التجزيئي والتفتيتي للظواهر الإعلامية, والتي اعتاد معظم الباحثين الإعلاميين العرب على تناولها بمعزل عن السياق المجتمعي الذي أنتجها, وأثر فيها, كما تأثر بها, فضلاً عن افتقار هذه البحوث إلى الأطر النظرية, التي تفسر المعطيات الإمبيريقية, وتكشف عن التوجهات الأيديولوجية للباحثين.

المسئولية الأخلاقية للإعلام

          وهنا تثار قضية المسئولية العلمية والأخلاقية للباحثين الإعلاميين العرب لتجاوز هذه الفجوة, من خلال السعي الجاد لتناول التراث العالمي في بحوث الاتصال بمنظور نقدي, فضلاً عن ضرورة إعادة النظر في رصد مفردات وإشكاليات بيئتنا الاتصالية والثقافية, والتمييز بين إيجابيات التراث الغربي وسلبيات تعميمه, خصوصًا في مجال العلوم الاجتماعية, وعلى الأخص حقل الاتصال والصحافة, ويستلزم ذلك إجراء مراجعة نقدية للتراث العلمي في بحوث الاتصال, التي أجريت في إطار المدرسة المصرية والعربية, ومحاولة استكشاف أسباب تكرار موضوعات معينة, وتجاهل موضوعات أخرى أكثر أهمية وأعمق التصاقًا بواقع الإعلام العربي, وذلك سعيًا لاكتشاف الأسئلة الجوهرية, التي يطرحها هذا الواقع, وصولاً إلى الأطر النظرية الملائمة والقادرة على تفسير الكثير من الظواهر والإشكاليات الإعلامية, التي يزخر بها العالم العربي, ومن ثم طرح الإجابات الصحيحة, مع عدم إغفال الاهتمام بدراسة تاريخ الإعلام العربي, وهذا هو السبيل الوحيد الذي يتيح لنا إمكان التوصل إلى بناء نسق نظري عام يفسر الواقع الإعلامي العربي المعاصر في إطار استمرار التاريخ.

الأداء الإعلامي

          تتجلى فجوة العقل الإعلامي على الصعيد الأدائي في مجالي السياسات والممارسات الإعلامية عالميًا ومحليًا, وتعزى أساسًا إلى أسباب عدة, أبرزها:

          1- الصراع التاريخي بين الصحفيين من ناحية, والقائمين على السلطة, وأعني بها كل أنواع السلطة (الاجتماعية والاقتصادية والسياسية), في مختلف المجتمعات والعصور, ويرجع ذلك إلى التناقض الجذري بين مصالح هؤلاء المتسلطين وبين جوهر مهنة الصحافة, التي تستهدف تقصي ونشر كل صور وأشكال الفساد وسوء الإدارة والظلم الاجتماعي والقهر السياسي, مما يصطدم غالبًا بمصالح السلطة, التي لا تتوانى عن اللجوء إلى العنف المباشر الذي يصل إلى حد السجن والاغتيال والنفي من الأوطان للصحفيين.

          2- الفجوة بين التعليم والبحث العلمي الأكاديمي في حقل الإعلام وبين الممارسة المهنية وضوابطها السياسية والاجتماعية, وضغوطها وإغراءاتها الاقتصادية.

          3- العامل الدولي والذي يكمن في تركة التبعية الإعلامية (القيم الإخبارية - المسلسلات والمنوعات والإعلانات), فضلاً عن عدم التوازن في انسياب المعلومات من الشمال إلى الجنوب, ورسوخ الاتجاه الرأسي أحادي الجانب للإعلام القادم من أعلى إلى أسفل من المراكز الدولية المهيمنة على التكنولوجيا الاتصالية والمعلوماتية ومصادر المعرفة والتراث الإعلامي إلى الأطراف الأفقر في الجنوب, ومن الحكومات إلى الأفراد والشعوب, ومن الثقافة الغربية المسيطرة إلى الثقافات التابعة في الجنوب.

          أما على الصعيد العربي, فتتمحور أسباب فجوة العقل الإعلامي إجمالاً حول السيطرة التي تمارسها الحكومات العربية في مجال تنظيم وتوجيه أنشطة الاتصال والإعلام, سواء في المجالات الاقتصادية (ملكية وسائل الإعلام - توفير موارد الاتصال), أو في المجالات التشريعية (قوانين المطبوعات والتشريعات الإعلامية), فضلاً عن تحكمها في المضامين والممارسات الإعلامية في إطار السياسات الإعلامية والاتصالية المعلنة والمستترة ومعاداتها للتعددية الفكرية والسياسية واحتكارها لمصادرالمعلومات, وإصرارها على مصادرة الآراء المخالفة من خلال أجهزة الرقابة المتباينة الأشكال. وهناك إلى جانب الضغوط والقيود - التي تبالغ الحكومات العربية في استخدامها لتحجيم الأدوار, التي يقوم بها الإعلاميون العرب - تبرز الضغوطات المهنية والإدارية داخل المؤسسات الإعلامية والصحفية, والتي تؤثر بصورة سلبية في بيئة العمل الإعلامي ككل, سواء من ناحية مدى مشاركة الإعلاميين في صنع القرارات ووضع السياسات الإعلامية, أو مستوى الأداء المهني, وعلاقات العمل (علاقة الإعلاميين بالمصادر وبالجمهور وبالزملاء والرؤساء). وتشير الدراسات إلى غياب المعايير الموضوعية لقياس الأداء المهني للإعلاميين والصحفيين في أغلب المؤسسات الإعلامية والصحفية في العالم العربي, فضلاً عن عدم توافر ضمانات ممارسة المهنة من خلال تفعيل التشريعات, التي تحقق الحماية المهنية للإعلاميين والصحفيين, والتي تنص على ضرورة تيسير الوصول إلى مصادر المعلومات, كما تنص على ضرورة الالتزام بشرط الضمير عند التعاقد بين الصحفي والمؤسسات الصحفية.ومن أبرز صور الفجوة الأدائية عجز الإعلاميين العرب عن مواكبة عصر المعلومات في ممارساتهم الصحفية والإعلامية, والتي تتمثل في غلبة الطابع الدعائي الإقناعي التقليدي على أسلوب الخطاب الإعلامي الذي لايزال يدور في فلك الحكام, وتأكيد روح الانبهار بالثقافة الوافدة, وإغفال الاحتياجات الاتصالية لجمهور المتلقين, حيث تتعامل معهم وسائل الإعلام العربية باعتبارهم مستهلكين, وليسوا مشاركين, استنادًا إلى الرؤية التقليدية للإعلام التي تركز على الأسلوب الأحادي والرأسي الاتجاه.

جمهور الإعلام

          تتجلى فجوة العقل الإعلامي في المواقع الهامشية, التي يشغلها جمهور المتلقين, حيث تتعامل معهم وسائل الإعلام باعتبارهم مستهلكين, وليسوا مشاركين أو محاورين, وتستند في ذلك إلى النظرة التقليدية إلى الاتصال, التي تعمد إلى إفراغه من محتواه كعملية اجتماعية, وذلك بقصر أدواره على الوظيفة الإعلامية ذات الطابع الإقناعي الدعائي في أغلب الأحيان, وذات الاتجاه الرأسي الأحادي. ولاشك أن الطابع الاجتماعي للاتصال باعتباره أحد وجوه التعبير عن الحرية بمعناها المتكامل يطرح ضرورة توافر فرص متكافئة لضمان وتفعيل الحقوق الاتصالية للأفراد والجماعات والدول, كما يؤكد أن ديمقراطية الاتصال ليست مسألة فنية فحسب, كي تترك في أيدي الإعلاميين والمعلوقراطيين (سواء الممارسون أو الأكاديميون), وإنما هناك ضرورة لتحقيق ديمقراطية الاتصال من خلال اشتراك الجمهور في صنع السياسات الإعلامية والمعلوماتية على مختلف المستويات, فالنقابات المهنية والعمالية والفلاحية وتنظيمات الشباب والنساء والأحزاب السياسية والتيارات الفكرية, لها جميعها الحق في خلق وسائلها الإعلامية والاتصالية الملائمة لها في إطار الانتفاع بموارد الاتصال اللازمة للوفاء باحتياجات الاتصال الإنساني لكل الشرائح الاجتماعية, وليس من حق الأقلية ذات النفوذ السياسي والاقتصادي والثقافي أن تحتكر العمليات الاتصالية والإعلامية لنفسها دون سواها.

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صممُ
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصمُ


(المتنبي)

 

عواطف عبدالرحمن   

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات