قمة كوبنهاجن.. صفقة اللحظة الأخيرة لم تتضمن أي تعهدات ملزمة

قمة كوبنهاجن.. صفقة اللحظة الأخيرة لم تتضمن أي تعهدات ملزمة

أضاع قادة العالم فرصة تاريخية أخرى لإنقاذ الكوكب من براثن الاحترار الكوني، بالرغم من إدراكهم أنه لم يعد هناك مجال لأي شك في أن الانبعاثات الغازية المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري لجو الكرة الأرضية لابد وأن تنخفض جذرياً لمنع تغير المناخ من التحول إلى فوضى مناخية عارمة، بعد أن أخفقوا في التوصل لاتفاق ملزم لخفض الانبعاثات في قمة المناخ التي عقدت في ديسمبر الماضي في العاصمة الدنمركية كوبنهاجن.

كانت محادثات المناخِ التي نظمتها الأُمم المتّحدةَ في العاصمة الدنمركية كوبنهاجن على بعد بضعة سنتيمترات من الانهيار والإخفاق التامّين. لكن جهود اللحظة الأخيرة أنقذتها من الكارثة بعد أن توصل قادة الولايات المتحدة، والهند والبرازيل، وجنوب إفريقيا والصين إلى اتفاق لمواجهة تغير المناخ والاحترار الكوني.

ولم يتضمن الاتفاق أي التزامات محددة بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكنه نص على تعهد البلدان الموقعة عليه بالعمل للإبقاء على الاحترار الكوني تحت حاجز الدرجتين مئويتين مقارنة بفترة عصر ما قبل التصنيع.

وتضمن هذا الاتفاق تخصيص 30 مليار دولار على مدى الأعوام الثلاثة المقبلة للدول الفقيرة لمواجهة مخاطر تغيرات المناخ، على أن ترتفع إلى 100 مليار دولار بحلول العام 2020.

ووضع الاتفاق أيضا إطارا للشفافية الدولية فيما يتعلق بالتحركات المناخية بالنسبة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء.

ويحدد الاتفاق نهاية يناير 2010‏ كمهلة نهائية لكل الدول لتقديم خططها الخاصة بكبح الانبعاثات للأمم المتحدة‏.‏ والواقع أن الاتفاقية جاءت أبعد ما تكون عن الكمال - وأبعد ما تكون عن الطموحات والآمال التي علقها نشطاء البيئة على قمة كوبنهاجن، لكنها تبقى «بداية».

وكما قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما: «لأول مرة، تتفق كل الاقتصادات الكبرى على قبول مسئولياتها إزاء تغير المناخ. وهذا إجماع سيكون بمنزلة الأساس لتحرك عالمي لمواجهة تغير المناخ في السنوات المقبلة».

وقد دافع أوباما عن اتفاق كوبنهاجن للتغير المناخي. وقال عقب مغادرته القمة‏ إن الاتفاق خطوة أولى على طريق طويل‏، واعترف أنها غير كافية وتحتاج إلى خطوات أخرى‏. وأضاف أن الدول الصناعية الكبرى: «توافقت على تحمل مسئولية اتخاذ خطوات كفيلة بالحد من خطر التبدلات المناخية ووضع حد لارتفاع حرارة الأرض بحيث يقتصر ذلك على درجتين فقط»، غير أنه أردف أن الاتفاق «لن يكون كافياً» للوصول إلى ما يطمح البشر إليه على المستوى المناخي بحلول العام 2050.

وحاول الرئيس الأمريكي التركيز على أهمية الاتفاق من خلال التشديد على أنه: «خطوة أولى بالنسبة للكثير من الدول الصناعية التي وافقت على وضع أهداف خاصة بها للحد من انبعاث الغازات بشكل طوعي».

بداية أساسية

وبحسب أوباما، فإن اتفاقية المناخ الجديدة، في حال التوقيع عليها، ستُرفق بملحق، تحدد فيه كل دولة في الأمم المتحدة نسبة الغازات التي تريد خفضها، وستخضع هذه التزامات الطوعية لمراقبة وتحليل في المستقبل، مضيفاً إلى أن هذه الخطوة لن يترتب عليها التزامات قانونية، ولكنها: «ستظهر للعالم مدى عزم كل دولة على التحرك لمواجهة الاحتباس الحراري». ووصف أوباما الاتفاق بأنه تقدم مهم يضع الأسس من أجل العمل الدولي في هذا المجال.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: إن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في مؤتمر كوبنهاجن لايستجيب كلية للآمال والتطلعات لكنه "يظل بالرغم من ذلك بداية أساسية". ودعا كي مون إلى جعل الاتفاق ملزما قانونيا خلال العام المقبل، مشيرا إلى أن اتفاق كوبنهاجن يحتاج، لكي يصبح معاهدة ملزمة وفقا لمواثيق الأمم المتحدة، إلى دعم الدول الـ193 المشاركة في المباحثات.

وبالرغم من تأييد الاتحاد الأوربي للاتفاق، فإنه لم يلب الطموحات الأوربية. فقد قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إنها تؤيد التسوية التي أفضت إلى الاتفاقية، على الرغم من وجود تحفظات لديها عليها. وأوضحت أن: «القرار كان صعبا جدا علي. لقد تقدمنا خطوة واحدة، لكننا كنا نأمل بالتقدم عدة خطوات». وأضافت أن الاتفاق ليس على مستوى طموح الاتحاد الأوربي، الذي يريد رفع التزامه بخفض انبعاث الغازات من 20 إلى 30 في المائة بحلول العام 2020. ووصف رئيس الوزراء البريطاني جوردن براون قمة المناخ في كوبنهاجن بأنها: «خطوة أولى على طريق معاهدة، شرعيا ملزمة يجب أن تقبل بها الدول سريعا».

غير أن الاتفاق لم يسلم من الانتقادات الأوربية أيضا. فقد أعرب وزير البيئة البلجيكي بول مانييت عن خيبة أمله إزاء الاتفاق، مؤكدا أن القمة كانت بمنزلة: «فرصة ضائعة. وهذا ليس اتفاقا وإنما وسيلة وإطار من أجل التوصل إلى اتفاق لا أكثر من هذا».

وقال رئيس الوزراء السويدي فريدريك رينفيلدت الذي ترأس بلاده الدورة الحالية للاتحاد الأوربي في مؤتمر صحافي عقد في كوبنهاجن: «لنكن صادقين إن هذه ليست اتفاقية جيدة ولن تعالج مشكلة المناخ».

خيبة أمل

ولم يحصل ذلك الاتفاق الذي صاغته الولايات المتحدة مع أربعة من كبريات الدول النامية على تبني بالإجماع من قبل الدول المشاركة في المؤتمر، التي قامت فقط بالإقرار بوجود ذلك الاتفاق. ورفض عدد كبير من الدول النامية صيغة الاتفاق واعتبرت أنه فشل في تبني الإجراءات المطلوبة لوقف الآثار السلبية الناجمة عن ظاهرة التغيرات المناخية.

وقد وجد الاتفاق تنديدا فوريا من دول العالم النامي. وصف سفير السودان لدى الأمم المتحدة ورئيس مجموعة الـ77 لومومبا ستانيسلوس الاتفاق بأنه «محرقة» لإفريقيا، حيث ستسبب المزيد من الفيضانات والجفاف والانهيارات الطينية والعواصف الترابية، وارتفاع منسوب مياه البحار، وصفته مجموعة السبعة والسبعين بأنه كارثة على الدول الفقيرة.

ورفض رئيس مجموعة الـ77، التي تضم الدول النامية والتي يقدر عددها بمائة واثنتين وثلاثين دولة، الاتفاق ووصفه بأنه يشكل تهديدا لمواثيق وأعراف الأمم المتحدة ويضع الفقراء في حال أسوأ، وأكد أن السودان لن يوقع مطلقا على معاهدة تدمر إفريقيا، مشيرا إلى أن هناك عددا كبيرا من الدول الفقيرة التي ترفض ما تم التوصل إليه في كوبنهاجن.

ووصف المفاوض السوداني طلب توقيع نص مسودة اتفاق مؤتمر كوبنهاجن بأنه: «طلب من إفريقيا بتوقيع اتفاق انتحار»، معتبرا أنه «يخلو من حس المسئولية والأخلاقية، وأن الوعد بمنح مئة مليار دولار لن يرشونا لتدمير القارة».

وتعهد لومومبا بمقاومة الاتفاق. وقال: «إن الاتفاق يبقى مجرد فكرة. إن طريقة تصرف أوباما تؤكد بشكل قاطع أنه لا يختلف عن ميراث جورج بوش».

وجاء الموقف العربي مماثلا، حيث أعلن سمو الشيخ ناصر المحمد رئيس الوزراء الكويتي في كلمته أمام المؤتمر: «إننا نرفض أي محاولة لتغيير المبادئ التي قامت عليها الاتفاقية الإطارية وبروتوكول كيوتو أو تأسيس آلية جديدة قد تؤدي إلى فرض التزامات جديدة على البلدان النامية، وعلينا جميعا أن نتعاون مع المجتمع الدولي من أجل الوصول إلى الغايات النبيلة الداعية إلى تحقيق حلم الإنسان المعاصر في إيجاد بيئة صحية آمنة».

وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى أن نتائج القمة العالمية للمناخ هي مقدمة لعمل دولي أكثر إصرارا على تكثيف الجهود من أجل التعامل الفاعل مع ظاهرة التغير المناخي مضيفا أن المؤتمر بداية وليس نهاية.

وقال موسى إن العالم العربي شأنه في ذلك شأن باقي الدول النامية يطالب الدول المتقدمة بالوفاء بالتزاماتها في إطار اتفاقية وبروتوكول « كيوتو». وأضاف أن معالجة ظاهرة تغير المناخ ستلقي بأعباء إضافية على جهود التنمية المستدامة، الأمر الذي يشكل ضغوطا جديدة على جهود تحقيق أهداف الألفية للتنمية.

وأوضح موسى أن الموقف العربي هو موقف مجموعة الـ77 نفسها الداعي إلى ضرورة أن تشمل مخرجات الجهود الحالية مسارين منفصلين تماما أولهما يتعلق بالمسئوليات الإضافية لمرحلة الالتزام الثانية للدول المتقدمة.

وأضاف أن المسار الثاني يقتضى أن تكون هناك قرارات ملزمة بشأن التعاون طويل الأجل تحت مظلة اتفاقية وبروتوكول «كيوتو».

وشدد موسى على أن الموقف العربي يدعو إلى أن يكون هناك حد فاصل بين التزامات التخفيف لكل الدول المتقدمة وبين الأنشطة الطوعية للدول النامية، والتي يجب أن تتناسق مع مصالحها الوطنية وأولوياتها التنموية مطالبا بضرورة ان يسندها الدعم المالي والتقني وبناء القدرات من الدول المتقدمة والذي يجدر أن يكون قابلا التحقق منه والتقييم والمراجعة.

وقد انقسمت الجماعات البيئية حول الاتفاق، حيث رحبت به المنظمات الكبرى، مثل مجلسِ الدفاعِ عن المصادرِ الطبيعية ، باعتباره خطوة أولى، بينما نددت به المنظمات الأكثر ليبرالية، مثل جماعة السلام الأخضر.

وأعرب رئيس الصندوق العالمي لحماية الحياة البرية عن خيبة أمله لنتائج قمة كوبنهاجن للمناخ واعتبرها تمثل هوة بين النظرية والتطبيق. وأفاد أن: «نهاية القمة لا تعني نهاية المطاف بل تتطلب معالجة الاحتباس الحراري إرادة سياسية لتطبيق ما تم الاتفاق عليه». وقال كيم كارستنسن رئيس مبادرة المناخ العالمي التابعة للصندوق: «إننا نعتقد أن الأمر لم ينته بعد كما قيل لنا لأن مشروع اتفاق كوبنهاجن الذي تم التوقيع عليه مستنسخ لما وعد به زعماء العالم قبل وصولهم إلى العاصمة الدنمركية».

وأشار: «إن التحدي الأكبر يتمثل في تحويل الإرادة السياسية إلى اتفاق قانوني ملزم»، مضيفا: «لدينا الآن بعد سنوات من المفاوضات إعلان لا يلزم أحدا وبالتالي فشل في ضمان مستقبل أكثر أمنا للأجيال القادمة». وقال إن الايجابية الوحيدة التي خرجت بها القمة: «كانت على مستوى التعهدات الوطنية للعمل داخل البلدان المعنية».

بين النظرية والواقع

أما من الناحية السياسية فقد رأى كارستنسن: «أن العالم يعيش في حالة يوافق فيها على البقاء تحت الخطر بزيادة درجتين مئويتين عن المعدلات المتعارف عليها ولكن عمليا لدينا ارتفاع في درجات الحرارة يصل إلى ثلاث درجات أو أكثر»، واصفا هذا الوضع بأنه «يمثل فجوة بين النظرية والواقع فقد خسر الملايين من سكان العالم أرواحهم إلى جانب مئات المليارات من الدولارات وثروة من الفرص الضائعة».

وأضاف: «إننا نشعر بخيبة أمل ولكن لم نفقد الأمل، وسيواصل المجتمع المدني مراقبة كل خطوة لإجراء مزيد من المفاوضات». كما أشار إلى أن الحصول على نتائج قوية لمتابعة العملية سيستغرق الكثير من بناء الجسور بين البلدان الغنية والفقيرة.

وجاءت أقسى العبارات المناهضة للاتفاق على لسان مندوبة فنزويلا كلوديا ساليرنو كالديرا التي خاطبت رئيس الوزراء الدنمركي لوكي راسموسن -رئيس المؤتمر- بقولها إن الاتفاق يشكل مصادقة على انقلاب ضد الأمم المتحدة.

وأضافت أنه يتعين على من يريدون الكلام وإثارة نقطة نظام "قطع أيديهم وتركها تنزف"، في دلالة على الآثار الكارثية التي سيخلفها الاتفاق على مستقبل البشرية.

وانضم إليها إيان فراي مندوب جزيرة توفالو الواقعة في المحيط الهادي والمهددة بالغرق بسبب ذوبان المناطق القطبية المتجمدة بفعل ارتفاع درجة حرارة الأرض، عندما وصف الاتفاق بأنه لا يختلف كثيرا عن خيانة «المسيح وتسليمه مقابل حفنة من المال»، مؤكدا أن مستقبل بلاده «ليس معروضا للبيع».

كما انتقد نشطاء البيئة اتفاق الحد الأدنى لمعالجة ظاهرة الاحتباس الحراري، فيما حلق عدد من الناشطين رءوسهم تعبيرا عن خيبة الأمل من النتائج التي خرجت بها قمة كوبنهاجن.

ووصفت منظمة السلام الأخضر في بيان صدر بعد اتفاق اللحظة الأخيرة، مؤتمر كوبنهاجن بأنه كان فاشلا بامتياز، وعجز عن التوصل إلى اتفاق «يقترب حتى مما هو ضروري للسيطرة على تغير المناخ»، بما في ذلك وضع «جدول زمني واضح وتفويض لمعاهدة ملزمة»، معربين عن خيبة أملهم من الدور السلبي للاتحاد الأوربي.

واتهمت منظمات حماية البيئة الدول - وتحديدا التي عملت على تمرير الاتفاق، في إشارة إلى الصين والولايات المتحدة وكندا ورسيا وجنوب إفريقيا- بأنها تعمدت شطب بعض العبارات المهمة لإرضاء واشنطن على سبيل المقايضة والمساومة لحثها على الانضمام إلى معاهدة رسمية ملزمة قانونيا تحل محل بروتوكول كيوتو.

وطالبت دول عديدة شاركت في المؤتمر بتوضيحات حول النص الأصلي للاتفاق الذي اختفى من البيان الختامي للمؤتمر، وتحديدا فيما يتعلق بالعبارة التي تقول «إن الدول المشاركة ستعمل جاهدة للتوصل إلى اتفاقية ملزمة بشأن المناخ في الاجتماع الذي سيعقد في المكسيك نهاية العام المقبل». ويبدو أن أوباما توقع ردود الأفعال المشوشة هذه. فقد أكد أنه بالرغم من أنَّ التحليلات الجديدة قد بينت أن تعهدات الكربونِ الحاليِة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء أضعف بكثير من أن توقف الاحترار الحاد، فإن الغرض من هذه الصفقةِ أن تكون فقط البداية.

لكن يبقى اتفاق قمة المناخ في كوبنهاجن فشلا في الاختبار بالنسبة للعالم أجمع، في ظل الخلافات بين الدول الغنية والأخرى النامية، بالإضافة إلى الخلاف الحاد بين وجهتي نظر الولايات المتحدة والصين، ويبقى «اتفاق أوباما للمناخ» لا يحقق الطموحات التي توقعها علماء ونشطاء البيئة في مواجهة التهديدات المناخية العالمية، في ظل عدم التزام الدول الواضح بخفض انبعاثاتها الغازية، وهي السبب المباشر في التغير المناخي. وقد قبلت القمة بأهداف متواضعة متخلية عن الأهداف الكبرى والملزمة وراء انعقادها، في ظل خلافات حادة بين المجتمعين وخاصة بين قادة واشنطن وبكين.

 

 

أحمد خضر الشربيني 
 




ممثلون عن دول العالم اجتمعوا فيما وصف بأكبر تجمع عالمي من أجل المناخ





 





أنجيلا ميركل: تقدمنا خطوة واحدة، لكننا كنا نأمل بالتقدم عدة خطوات





بان كي مون: الاتفاق لا يستجيب كلية للآمال والتطلعات لكنه يظل بالرغم من ذلك بداية أساسية





أوباما: الاتفاق خطوة أولى للحد من انبعاث الغازات بشكل طوعي





ناصر المحمد: نرفض أي محاولة لتغيير المبادئ التي قامت عليها الاتفاقية الإطارية وبروتوكول كيوتو





جاء وقت العدالة المناخية





اشتباكات بين الشرطة ونشطاء البيئة .. تكررت مرات عدة في كوبنهاجن