ثمن العمل الفنّي

ثمن العمل الفنّي

المال قبل الفن، الفن سلعة تُشترى وتُباع. الشاري أو الشارون أو أكثرهم ليس لهم إلمام بالفن، أو فهم أو حبّ أو تعلّق بالفن. اهتمامهم الأول والأخير بما يجنيه العمل الفني المعروض للبيع، لهذا فكثيرون منهم، يشترون بواسطة الهاتف، دون حتى أن يروا اللوحة أو التمثال.

هذا ما تفعله وتشجعه المؤسسات الكبرى للمزاد العلني مثل «كريستيس Christies» أو «سوثبيس» Southbys اللتين ما إن تريا فورة مالية في أي منطقة من العالم أو في بلد حتى تستقرّان فيه وتقيمان «مهرجاناتها» للمزاد العلني. المؤسستان المذكورتان تبيعان كل شيء. من الأعمال الفنية أو الأشياء التي تعود إلى التاريخ، لكن الأعمال الفنية كاللوحات والتماثيل هي التي تتصدّر المبيعات والأرباح الطائلة.

هذه الأيام، ومنذ سنوات عدة، اختارت المؤسستان الخليج العربي لبيع «بضاعتهما» والخليج، لهما كالكنز الغوّار بالمال والبترول. وبرغبة الخليجيين بفعل مالم يفعل بعد في بقية بلدان العالم. من بناء أبراج تجاور السحاب، وإيجاد متحف وفروع متاحف عالميّة. هذا جيد ولكن، كان من المفترض إيجاد وخلق المدرسة لدراسة الفن ولتخريج أناس مؤهلين لإدارة المؤسسات الفنية، المتاحف وصالات العرض واختيار الفنان والفن، وأيضاً، وهذا مهم جداً، المواطن الذي يهتم ويرغب ويشعر بحاجة إلى العيش في أجواء فنية في بلده، وأيضاً وهذا مهم، اختيار الموظفين بل المختصين والمختصات الذين يأتون من خارج الخليج، إن من بلدان عربية أو أجنبية، اختيار المؤهلين والمؤهلات ليقوموا بالعمل، وألا تصير المتاحف وصالات العرض و«البيناليات» Biennales بإدارة أشخاص غير جديرين أو جديرات بهذه المهام، وهم وهنّ كثر.

بلاد الخليج العربي، تتدفق عليها الأعمال الفنية المعاصرة والحديثة، الآتية من باريس ولندن ونيويورك وطهران وأكثر البلاد العربية، بواسطة أصحاب صالات عرض Galeries، تختار «الفنان المشهور عالمياً» وثمن أعماله الفنية يفوق التصوّر، هذا في العواصم الغربية، أمّا في البلاد العربية، فإن صاحب الصالة يقدّم أعمالاً لفنانين «يبيعون» كما يقال، ولهم «صلاتهم»، وطرق دعاياتهم الصحفية وغير الصحفية، والربح لصاحب الصالة وللفنان، هذا هو المقصد.

اليوم، صالات العرض. همّها ليس فنياً. همّها دعائياً لـ«فنانيها» من ذوي الصلات «الاجتماعية» وذوي «الإنتاج الفني العملي» الذي كثيراً وغالباً ما يفتقر إلى صفة «الإنتاج الفني»، المهم هو المال.

إذا عدنا إلى الستينيات من القرن العشرين، نرى الفارق الشاسع بين تلك المرحلة التاريخية، وبين الحالة اليوم. أتكلّم فقط عن الفن، عن صالات الفن في باريس - مثلاً - وكذلك في بيروت أيضاً. كانت الصالات الباريسية Les Galeries D'art، يديرها أصحابها، كان اهتمامهم كبيراً بالفن، يدافعون عن الأعمال التي يقدّمونها في صالاتهم وعن فنانيهم، لا أقول إن بيروت كانت بالمستوى نفسه الذي كان في الصالات الباريسية، لكنها كانت في مستوى عالٍ بالنسبة للمستوى الحالي. اليوم أكثر الصالات الباريسية يديرها أشخاص لا صلة لهم أو معرفة أو حب للفن، هم موظفون، كأنهم حرّاس للصالة وما تعرضه على حوائطها من «بضائع فنيّة». نعم، الفن اليوم أصبح بضاعة، بورصة، لابدّ من القول «إن ليس كل ما يباع من هذه البضاعة «فناً» وليس كل من ملأ لوحة ألواناً، خلق عملاً فنياً، لكن هذا حاصل، وحاصل بكثرة، كحصول التقليد والتزوير، تزوير إمضاء فنان ما، أو تزوير لوحات، خاصة في لبنان، هناك كثيرون يعملون ذلك، من مقتنين ومن أصحاب الصالات ومن الصحافيين.

الفن اليوم في فوضى، هناك مؤسسات عالمية تعمل لها، هي التي تقرّر منهجاً ما للفن، وتعطيه اسماً وتروّج له، وتنشر كتباً ثمينة الطباعة وتملأ صفحات الصحف، وتوجد مجلات مختصة لذلك. أعطي مثالاً بما يحدث اليوم، الحركة العالمية التي أسمّوها «الفن المعاصر» «Art Contemporair» لا تعترف بالرسم ولا بالتلوين ولا بالقواعد الأوّلية، ولا بأي صلة بالفن والفنون السابقة! أعتقد أن هذه الموجة التي تجتاح العالم وكأنها برهان على قلة الفنانين «الأصحاء» وكثرة «المزعبرين» التجّار القادرين على نشر الفوضى في الفن وإدخالها في عقول أناس بعيدين عن الفن وروحانيته. هؤلاء التجار الذين يتعاملون يداً بيد مع «الفنان المزعبر» وأصحاب الصالات الذين أبعدوا إله الفن ليعبدوا الدولار الآتي من فن لا فن فيه.

أمّا متى تنتهي هذه السرقات والألاعيب والكره للجمال، فلا أحد يعلم.

لكن عودة العمل الفنّي الكبير، لا ريب آتية.

 

  

أمين الباشا